تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

الأديان بإنسانيتها/ صليبا جبرا طويل

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أغسطس 16, 2017, 09:55:40 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  الأديان بإنسانيتها     
   

      
برطلي . نت / متابعة

صليبا جبرا طويل
الحوار المتمدن-العدد: 5608 - 2017 / 8 / 13 - 19:07
   
       
    تنافس الاديان، وصراعها لإثبات سمو، وعظم، وصدق
    رسالتها وروحانيتها، وعالميتها، ليسجل اتباعها انتصارا
    على خليقة الله، في حقيقته ما هو الا تسوية حسابات
    ومصالح بشرية.


    ككل انسان لديه اسئلة وشكوك، اجالس نفسي احيانا، اتساءل لماذا ورثت عقيدتي عن جدي الاكبر منذ قرون عديدة مضت؟ هل جدي، دخل الدين عن قناعة، ومعرفة، وعمق، وتفكير؟ ام دخله عنوة، واكراه، واجبار؟. نبش الماضي يقنع الباحث، وقد يكون عند البعض شبه صعب، أو غير مجدي احيانا كونه اصبح واقعا، بالرغم ان نتائجه تفسر اسباب الانتقال الديني والجغرافي وفوضاهما عبر التاريخ. التاريخ الديني مليء بالجرائم، بالأحداث اللاإنسانية، وتفريغه منها شبه مستحيل.
    الغوص في لاهوت الدين وفقهه يحتاج الى وقت وجهد، وقبوله كمسلمات غير خاضعة للنقد والشك ليس اسلوبا علميا، لذلك بات من المحظورات المقدسة التي لا ترضي رجال الدين، ممنوع البحث فيها. الجمود الفكري، وعدم الانفتاح، وسطحية المعرفة بين دين واخر أسباب رئيسية مباشرة تدفعنا لعنصرية تتراوح بين مخفية وظاهرة للعيان، يسهل بها ان تهيء المجتمع للتصعيد نحو الارهاب. لتجنب ذلك من واجبنا دفع الاديان نحو ابراز العنصر الانساني فيها لكل البشر، وليس لاتباعها فقط، مع احترام خصوصية كل دين.
    الاحداث الشنيعة، البشعة التي يمر بها عالم اليوم دفعت الانسان ليتوجه فيها لخالق الكون مترج متضرع بإيمان حار ليخلص البشرية من مآسيها – فقر، مرض، حروب، اضطهاد، عنف، تشرد الخ...- لم تسجل أي استجابة لكل هذه الطلبات والتوسلات لرفع المظالم عنها، بالعكس حدتها ودمويتها ازدادت. مما دفع البعض الى التساؤل أين الله؟ لماذا لا يستجيب لأدعيتنا؟ لن اتهكم في الاجابة وأقول: بسبب بعدنا عن الدين، ولن استخدم مفردات تشعر الانسان بالنقص، ولن احمل وزر ما يحدث لأي كان، ولن ادع احدا يشعر بالندم، والعار، والانتقاص، بكل بساطة الله لا يعمل بأسلوب "العرض والطلب"، ويحابي طرف على حساب طرف اخر. في كل الاديان الخالق وهبنا العقل "جوهرة الوجود والكمال البشري" لنستعمله بمنطق وعقلانية روحية في خدمة البشرية كلها دون مفاضلة بينها. فان خرجنا عن هذه الرسالة خرجنا عن تعاليمه، يريدنا أن نصلي بقلب وعقل منفتحين.
    معظم الاديان تفرض، وتزعم أنها وحدها تملك الحقيقة المطلقة، وتعاليمها كاملة مميزة بلا منازع، ولها الحق في السيطرة والاستحواذ على اتباعها، وغيرهم من الشعوب وعلى نمط تفكيرهم وحياتهم الاجتماعية والسياسية. اشك في أن أولئك المتدينون منذ لحظة دخولهم المدرسة، وخلال مسيرتهم التعليمية التربوية قد قرأوا كتابهم المقدس بتمعن وفهم، كما وأشك انهم قد استوعبوه. البشر يقومون بأعمال ظاهرة للعيان كالطقوس، وبعض الواجبات التي تفرضها الشريعة، فهذه ليست مرآة الانسان، مرآته الحقيقية هي اعماله التي تفضح دوافعه النفسية والسلوكية.
    الحوارات، والخطب التي تدور حول الاديان، جذورها، رسالتها، تعاليمها، طقوسها، رموزها، الخ... عبر مراكز التواصل الاجتماعي، وعبر وسائل الاعلام المختلفة على شكل لقاءات، وفيديوهات، وافلام غالبا ما تأخذ طابعا محرضا، لتستفز، وتصعد حملات عدائية ضد كل من هو اخر لا يحمل فكرها وعقيدتها. هذه المواقف لا ولن تخدم مصلحة الجنس البشري في بناء مستقبل عالمي امن. عوضا عن وضع النصوص الدينية لمن يحمل كتابا مقدسا يختلف عن نصوص كتابك تحت المجهر، ضع كلام الله الوارد في كتابك تحت المجهر أولا ودقق كي ترى انسانيتك فيه.
    اشهار العداء الديني مخالف لتعاليم وارادة العقل الكوني - الله- في خلقه للإنسان كائنا عاقلا حرا... اذن، لماذا بين الحين والاخر في بعض زوايا الارض تطلق حملات عداء؟ ... لتخدم من؟ لست ادري...وقد ادري حين اربط ما يحصل بضيق افق، وعدم فهم لقصد الله من خليقته التي وهبها الارض لتجد حلول بيئية وزراعية من خلال العلم، واجابات تدور حول طبيعة الكون والانطلاق لاكتشافه، والتنقل من مكان الى اخر بين المجرات. عجز بعض الفئات عن فهم القصد الالهي لتحقيق ارادته يدفعها للفوضى، للاقتتال لأن وجودها المعاصر بات خارج الفضاء الحضاري.
    بعض الاديان، تضيع العلاقة بين الانسان والله، والانسان والانسان أيضا، حين تركز على تفسير الظواهر العلمية بطريقة دينية...للعلم اساليبه كما للدين اساليبه، ليحدد كل منها منهجه، كي لا نصل الى مرحلة فيها تتداخل المفاهيم والعلاقات بين العلم وبين الله، نصل فيها الى مرحلة لا ندري هل الله يبحث عنا؟ ام اننا نبحث عن الله؟. لا تربطوا وجود الله بخرافات يرفضها العلم. دعوا العلم لأهله، وخدوا الدين من اهله، ومن كان عالما بأحدهما ليجتهد كي لا يقع فريسة للأخر، العلم كما الدين يوصلاننا الى معرفة منظم الكون.
    فهم رسالة العقل الكوني - الله - للإنسان عبر التاريخ - من بدء الخليقة لهذه اللحظة - مهم جدا كونه مرافق ملازم لتطور اللغة والعلوم والمعارف عبر كل عصر، وفترة، ومرحلة تاريخية. لذلك يتبدل الفهم البشري للطقوس، ولعدد الالهة الخ...في الماضي الاضحية البشرية وغيرها من طقوس غريبة لا يقبلها عقل او منطق كانت تقدم لاسترضاء الالهة. تبدلت الاديان على مر العصور من بدائيتها ودخل فيها عالم الاساطير، والخيال القادمين من بيئة الانسان الطبيعة الى ان وصلتنا في شكلها النهائي الحالي المعاصر ليدخل الدين فيها مرحلة الحداثة. شكلها النهائي الحالي ايضا سيخضع للمتغيرات دون فقدان الروحانيات ليستمر مع مسيرة التاريخ دون جمود الى انقضاء الدهر، الذي يحاول البعض فلسفة الامور لاهوتيا ويدعى امتلاكه الى ميقاتها، وعلاماتها، الذي لا يعرفه سوى الله الابدي الوجود.
    حين تلتقي المصلحة مع الحاجة، ويلتقى اصحاب المشاريع الهدامة مع البؤساء، يتمكن الارهاب ويفقس تحت ركام الافكار المغلوطة، وينتعش الفكر العنصري. الارهاب كارثة عالمية ان اطلقت من ايدلوجيا او عقيدة، ليس كل متدين ارهابي وليس كل ارهابي متدين. الارهابي يريد ان يبني عالمه الخاص. يحمل افكار رجعية معادية للاإنسانية. لبناء مجتمع محصن من العنصرية والارهاب يجب تجاوز كل الاختلافات والهويات وصهرها في هوية واحدة هي المواطنة، واطلاق الحريات والابداع والتواصل بين فئات المجتمع والمسؤولين المتواجدون في اعلى قمة الهرم، عندها تتقزم العنصرية وفعلها الارهابي امام العدالة الاجتماعية. للأسف ما قام به اتباع الديانات الابراهيمية من همجية، ووحشية، وقتل عبر تاريخها فاق ما قامت به الاديان الاخرى في العالم.
    الهروب من الحركات التي تشوه قدسية الدين بنفي ان يكون ذلك من داخل الدين، وانكار إلصاقه بالدين لا يكفي. على لاهوتي الاديان أن يحاربوا بالإعلام و يبرزوا الشواهد، وينقضوا، وينتقدوا افكار المتطرفين منهم الذين يلجئون الى نصوص مقدسة لارتكاب اعمال مشينة بحق خليقة الله. ان نقحم الله في علاقاتنا الغير سليمة، ليس سوى مظهرا لهروبنا من واقعنا السلوكي الغير سوي. ارادة الله ان تكون خيارتنا بالقول، والفكر، والعمل صادقة وصالحة فيها دلالة على اننا ننشر الوئام، والمحبة، وننشد السلام بين البشر.
    في بعض الاحيان افكر هل هناك مبالغة في طرح قيم مثل المحبة والسلام والتسامح والعيش المشترك في عالم يتخلخل غير مستقر. وتراودني فكرة:" لن نستفيد من مئات الكتب المقدسة المختلفة المنتشرة حول العالم بين اتباع الديانات ما لم نفهم محتواها ورسالتها وتوجهها الانساني". الله وتعاليمه تتقاطع مع التطور الفكري والمعرفي والعلمي للبشر في كل مراحل التاريخ. فان عجزنا عن موائمة ذلك يعني اننا نسير عكس تيار التاريخ. انت حر فيما تؤمن وفيما تقدس ما دمت تؤمن ان المقدس عندك كالمقدس عندي يجب احترامه حتى لو اختلفت طقوسنا وصلواتنا.
    هناك نقاط كثيرة خيرة في كل دين تحتاج الى ايضاح وتفسير تلتقي وتتقاطع مع مفاهيم الحاضر من حقوق الانسان العالمية وغيرها من المواثيق الدولية. من لا يستطيع منها الوصول الى هذه الحقيقة حاقد، وكاره لكل ما هو اخر جاء من لدن الله - العقل الكوني -. لا يهمني الطريق الذي تسلكه ليوصلك الى الأيمان، والفوز بالفردوس الابدي - جنة الله – او الوصول الى الاستنارة الخ... لكن يهمني أن لا تدوس على كرامة الناس، وتستبيح اعراضهم، واموالهم، وتشتت شملهم، وتقتلهم بوحشية خلال سعيك للوصول الى الحقيقة المطلقة – الله جلى جلاله -.
    الاديان المختلفة تخضع لقانون ديمومي " لكل زمان ومكان"... فهم، دين جاء لكل زمان ومكان، يترجم الى تطبيق رسالته الانسانية، وان لم يستطع، فهو خارج الزمان، وعبث وجوده في مكان.