مؤرخون: الزواج في المسيحية كان مدنيا حتى القرن الثامن الميلادي

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 23, 2015, 07:50:57 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مؤرخون: الزواج في المسيحية كان مدنيا حتى القرن الثامن الميلادي
   


   
برطلي . نت / متابعة
القاهرة في 23 يونيو /إم سي إن/ من ماريا ألفي
يمتد تاريخ الزواج، كما هو متعارف عليه، بين البشر إلى عهد آدم وحواء، حيث مثلا أول لبنة زواج شرعي في تاريخ البشرية جرى بين كائنين بشريين. وتختلف طرق الزواج من عصر إلى آخر، حيث بدأت بشكل بسيط، وهو القبول بين الذكر والأنثى، وتطور بتطور المجتمعات والعادات، وتأثير الأديان، التي ساهمت في تنقيح عملية الزواج، وجعلت لها أسسا وقوانين وشروطا لإتمام الزواج.

وأول مَن وضع عقود الزواج بن الرجل والمرأة هم "قدماء المصريين"، وكان العقد يعني تقديم الولاء والطاعة التامة من الرجل للمرأة.

وقد أكَّد خبير الآثار الدكتور عبد الرحيم ريحان، أن "الزواج في مصر القديمة كان بعقد كتابي ثابت، وقد عُثِر على عقد زواج مصري يعود لعام 231 ق.م، ويحتفظ المتحف المصري بعقد زواج مكتوب على ورق بردي أبرم بين (أبى – أم – حتب)، أمحتب، وزوجته (تاحاتر)، وفيه تعهد الزوج للزوجة بكفالتها تماما، ورعاية أبنائهما، وإذا طلقها يُعطيها خمسين قطعة من الفضة (نفقة الزوجة)، وإذا تزوج عليها، يُعطيها مائة قطعة من الفضة، وشهد على العقد 16 شخصا، وذلك طبقا لما جاء في موسوعة الحضارة المصرية القديمة للدكتور سمير أديب".

وبظهور الأديان، اهتمت الأديان بالزواج. وفي المسيحية، سر الزواج هو أحد الأسرار السبعة المقدسة في الكنيسة الكاثوليكية والأرثوذكسية.

ورفعت المسيحية من قيمة الزواج والأسرة، وبحسب الكتاب المقدس، تُعتبر الأسرة الوحدة المركزية للمجتمع المسيحي، وهي في المفهوم المسيحي كنيسة صغيرة، وقد اهتمت الكنيسة بالزواج، واعتبرته سرا من الأسرار السبعة المقدسة؛ وذلك لكونه يشكل أساس العائلة، بحيث يُصبح به الزوجان جسدا واحدا.

وقد كان كان المسيحيون الأولون يتزوَّجون كسائر الناس، أي كاليهود وكالوثنيين المحيطين بهم، يتبعون الطقوس الزوجية ذاتها، لا خط مسيحي مميز، لا حضور كاهن أو أسقف، لا حفلة دينية خاصة، ولم نسمع عن أي طقس كنيسي محدد للزواج، لا في أسفار العهد الجديد، ولا في كتابات الآباء، أو المجامع الكنسية في القرون الأربعة الأولى، ولهذا فلا وجود في الكتب الطقسية الأولى لطقس زواج كنسي، لا في الديداخي (100 م)، ولا في تقاليد الرسل Apostolic Constitutions (بين القرنين الثالث والرابع)، على الرغم من ذكر طقوس أخرى في الكتاب المنسوب لتقاليد الرسل مثل المعمودية والإفخارستيا، وترتيبات رسامة الأساقفة والقسس والشمامسة، وغيرها.

ومن المفيد أن نذكر أن تقاليد الرسل Apostolic Constitutions ذكر الزواج عدة مرات كزواج قانوني lawful marriage، في إشارة صريحة إلى زواج بحسب القانون الروماني، دون أي ذكر لطقس كنسي خاص بالزواج.

لكن في القرن الثاني، خرج علينا الأسقف أغناطيوس (110م تقريبا)، بنصيحة إلى بوليكاربوس، الأسقف زميله، عن أن الزواج، يجب أن يكون مع موافقة الأسقف، كعلامة على موافقة الله عليه، مضيفا مسؤولية للأسقف لم يذكرها أيٌّ من الكُتاب المعاصرين له، ولا في العهد الجديد.

وفي القرن الرابع، نجد أسقف ميلان أمبروس Ambrose (340-397م) يتكلم عن "مباركة الزواج بواسطة القسس"، (في تطور لفكر أغناطيوس)، وهذا في رسالته إلى فيجيليوس فيقول: "لأن عقد الزواج يتم تبريكه بواسطة القس، فكيف يكون هناك ذكر للزواج بدون وحدة إيمان؟"، ومع هذا ليس هناك دليل واضح على مدى انتشار هذه الممارسة، وهل كانت منتشرة خارج ميلان- إيطاليا أم لا؟ في إشارة واضحة أن عقد الزواج لم يكن يتم بواسطة قسوس أو أساقفة، والذين احتفظوا بالجانب الروحي فقط، ولم يهتموا بأمور الزواج والطلاق، والتشريعات الاجتماعية الأخرى.

أما أول مَن بدأ في تفسير كلام بولس عن الزواج على أنه سر كنسي متميز sacrament كان "أوغسطينوس" في القرن الخامس، مع أن بولس كان يتكلم في الأساس على وحدة المسيح بالكنيسة، كـ"سر" mystery μυστήριον كان مخفيا في قلب الرب قبل كل الدهور، وأُعلِن في المسيح . ولم يكن يتكلم عن طقس كنسي.

فيقول أوغسطينوس: "الزواج الصالح في كل الأمم، ولكل البشر، يتوقف على الإنجاب والعفة، ولكن فيما يتعلق بشعب الله، هناك أيضا قدسية السر sacrament. ولهذا لا يجوز أن تترك (المرأة) رجلها -حتى ولو تركها- لتتزوج بآخر طالما الزوج على قيد الحياة...".

وفي هذا يتضح أن "أوغسطينوس"، وعلى الرغم من أنه أول مَن ميَّز الزواج المسيحي عن غير المسيحي، إلا إنه لم يحكم على زواج غير المسيحي بالزنا، كما يفعل البعض من المعاصرين في يومنا هذا. ولم يتكلم أيضا على أي نوع من الممارسة الطقسية الخاصة. فقط تحدث عن تمييز الزواج المسيحي كزواج مقدس. مما يُفهم منه ضمنيا أن قداسة الزواج المسيحي جاءت نتيجة طبيعية لقداسة طرفي الزواج، باتحادهما بالمسيح أولا.

وبعد عصر أوغسطينوس تختفي الأدلة اليقينية تماما على أي طقس كنسي واضح للزواج، وإن كانت تظهر بعض الممارسات الكنسية التي بدأت تستبدل سلطة الإمبراطورية الرومانية المدنية بسلطة الكنيسة، خاصة بعد سقوط الإمبراطورية الرومانية الغربية عام 476 م.

ومن الصعب أن نجد من المصادر الليتورجية إثبات وجود لخدمة طقسية لسر الزواج، ولكن يظهر دليل من القرن التاسع– في رسالة البابا نيكولاوس الأول (858-867م) إلى البلغار، وفيه ذكر مباركة القس للمتزوجين (بعد عقد الزواج المدني طبقا للقانون)، بعمل احتفال داخل مبنى الكنيسة يخرج منه العروسان لابسين لأكاليل أو تيجان على رؤوسهما من الكنيسة؛ مما يوضح أن الكنيسة لم تكن تصنع الزواج، لكنها كانت تحتفل بالزواج الطبيعي العادي وتباركه، والرباط الوحيد الأساسي كان الرضى المتبادل بين الطرفين وعائلتهما، والتشريع كان مدنيا فقط، وبقي الحال على هذا المنوال لفترة طويلة.

ويقول جوزيف مارتوس، أحد المؤرخين في الأسرار الكنسية، مؤكدا: "بدخول القرن الثامن، أصبحت الزيجات الطقسية شائعة، وتُمارَس في الكنيسة، وليس في البيوت كالسابق. وظهرت قوانين مدنية جديدة تُجيز هذا الشكل الجديد من احتفالات الزواج. وفي القرون اللاحقة، ظهرت قوانين أخرى تُلزم القسيس بالقيام رسميا بكل طقوس الزواج. أما الزواج في الكنيسة اليونانية (بسبب وقوع أغلب الإمبراطورية الشرقية تحت الحكم الإسلامي) أصبح احتفالا كنسيا. وفي نظر اللاهوتيين الشرقيين، مباركة الكاهن أصبحت أساسية لزواج اثنين مسيحيين في سر الزيجة".

ومما يؤكد هذا الكلام ما يظهر من التاريخ أن الزواج بمباركة الكنيسة الرومانية كان اختياريا حتى عصر الإمبراطور "لاون السادس"، الذي أصدر القانون رقم 89 الصادر سنة 893، وفيه أنه مثلما أصبح للتبني صلاة كنسية، لابد وأن يكون هناك صلاة للزواج.

وفي سنة 1086، قام الإمبراطور ألكسيوس الأول كومنينوس، بجعل محاكمات الأحوال الشخصية في سلطة الكنيسة، وقبل ذلك كانت نزاعات الطلاق والميراث في محاكمات مدنية عادية.

ويقول مارتوس أيضا: "قبل القرن الحادي عشر لم يكن هناك ما يسمى باحتفال زواج مسيحي (في الغرب)، وفي خلال العصور الوسطى، لم يكن هناك طقس كنسي واحد للزواج بين المسيحيين. فقط بعد مجمع ترنت (1545- 1563م)؛ بسبب الحاجة لمنع الممارسات الخاطئة للزيجات، وقد ظهر طقس كاثوليكي ثابت للزواج".

أما في الشرق، فلا نعرف تاريخا موثقا لتطور طقس الزيجة، في المنطقة التي دخلها الإسلام في الشرق وشمال أفريقيا. وقبل الإسلام لم يَذكر أيٌّ من الآباء اليونانيين لكنيسة الإسكندرية أو أنطاكية أي طقس للزواج في القرون الستة الأولى، ولكن على الأرجح أن هذا الطقس بدأ يتسلل تدريجيا بدخول الإسلام في القرن السابع، وظهور الزواج على الشريعة الإسلامية؛ مما ألزم المسيحيين بفصل زواجهم عن زواج المسلمين؛ مما أدخل تدريجيا دورا لرجال الدين المسيحي في الزواج.

وعلى الرغم من هذا، لم يذكر ساويرس بن المقفع (القرن العاشر)، في كتابه "الدر الثمين"، أي طقس أو تلميح عن طقس خاص بالزواج، بينما يُرجَّح حدوث تلقيح للطقوس القبطية من الكنائس الكاثوليكية واليونانية، وتطور في القرنين الثاني عشر والثالث عشر؛ لهذا يظهر طقس كامل للزواج في القرن الرابع عشر في كتاب مصباح الظلمة لابن كبر (1324 م).

وهذا يؤكد أن مراسم الزواج كعقد اجتماعي كانت في الأصل مدنية، ولم يكن لها علاقة بالكنيسة، بل بدأت مدنية تخضع للدولة الرومانية، تم تسلل إليها تدريجيا وساطة رجال الدين بالمباركة أولا، وتضخمت بانهيار الإمبراطورية الرومانية في الشرق والغرب، وحلول سلطة الكنيسة مكان سلطة الدولة الرومانية المنهارة، وتثبت في الشرق بدخول الإسلام؛ فظهرت الحاجة لفصل ما هو مسيحي عما هو إسلامي؛ مما شجَّع على دخول رجال الدين المسيحي في مراسم الزواج بشكل أوضح.