البحث عن الثروة بين مخلفات القوات الأميركية

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, فبراير 10, 2012, 11:20:18 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

البحث عن الثروة بين مخلفات القوات الأميركية


بغداد – ابتهال بليبل
بعد نحو أربعين يوما من انسحاب القوات الاميركية من البلاد، انتشرت قرب المعسكرات التي كانت مواقع دائمية لهم، ظاهرة بيع مخلفاتهم التي تشمل مواد كهربائية وأثاثا وادوات احتياطية للسيارات وحاسبات وقطعا من الخردة والملابس المختلفة، ويتسابق سكان القرى القريبة من تلك المعسكرات على ما تركه الجنود الاميركان وتصنيفه تمهيدا لبيعه في مزادات قريبة من ذات المعسكرات.ومع ما يلف تلك القطع المعروضة للبيع من مخاطر في كونها ملوثة باشعاعات او بجراثيم او انها تحوي  مفرقعات قد تنفجر في أي وقت، إلاّ ان حمى الاقبال عليها من قبل تجار الخردة بتزايد.




تجارة بمواد مجهولة
ما ان وصلت الى القرية الصغيرة، والتي تقع على مسافة قريبة من معسكر التاجي الذي شغلته القوات الأميركية سابقا حتى انفجرت قنبلة صوتية  تحت عجلات  مركبة حمل كبيرة ( لوري )، لم تحدث أية إصابات، سوى تصاعد التراب والحصى، وعلى الرغم من أنها لم تكن بداية مشجعة لي للدخول الى القرية، إلا انني أكملت مشواري في الوصول إلى مزادات بيع مخلفات الجيش الأميركي، والتي تبدو وكأنها أسواق تعرض مختلف السلع والبضائع يتهافت عليها مواطنون وتجار للاطلاع او للشراء، وكما وصفها البعض بانها أشبه ما تكون بسوق هرج أميركي.


بين (العتاكة) و(الكماشة)
الواضح ان هناك أكثر من جهة تقف وراء تسويق وبيع هذه المخلفات –من تجار ومستثمرين عراقيين – حيث تفيد أقاويل العاملين بين تلك المخلفات، بان عدداً من المقاولين العراقيين الكبار في السوق حصلوا على عقود – مقاولة – لبيع هذه المخلفات. ويروي مسؤول مزادات المخلفات الأميركية – قطاع خاص - أبو علاء  بأن المواد والمخلفات تدخل في هذا المكان - المزاد – عبارة عن مخلفات وأنقاض للحديد والفافون والنحاس والألمنيوم والأجهزة الكهربائية بأنواعها المختلفة، والتي يتم الحصول عليها من خلال عقود شراء بين مقاولين عراقيين وبين القوات الأميركية قبل رحيلها.
وأضاف "نقوم بعرضها بشكلها المنوع بعد أن تصل إلى هذا المكان، على متخصصين والذين نطلق عليهم تسمية ( العتاكة ) ليقوموا بتقييم سعرها ثم تعرض في مزاد وترسى على أحدهم، ثم يقوم أشخاص ويدعون ( الكماشة ) بعملية عزل المواد وتصنيفها، كلا حسب نوعه وصلاحيته"، مشيراً إلى ان طريقة بيع هذه المخلفات تكون بالوزن. 
وعلى الرغم من الظروف المقلقة التي تشهدها تجارة بيع مخلفات القوات الأميركية الراحلة، إلاّ ان الكثيرين من مضاربي السوق المحلية وتجار المخلفات والخردة  وأصحاب البسطيات ( الجنابر )  والباحثين عن الربح، حطوا رحالهم بالقرب من تلك المزادات التي أقيمت في أطراف العاصمة بغداد، ومما شجعهم على هذا التوجه، المخلفات المتنوعة من الأجهزة الكهربائية ومواد مختلفة يمكن استغلالها في البيع كالمركبات ومولدات الطاقة الكهربائية والأثاث وغيرها من أسلاك الحديد وبقايا الصلب والفافون والصِفر..
أصبح المستثمرون من ( العتاكة ) منشغلين بتثبيت أقدامهم في تلك المزادات، والتي  تدر عليهم أرباحاً طائلة، وتنبثق ثقة هؤلاء ( العتاكة ) في استثمار مخلفات الجيش الأميركي الراحل، من إن هذه المخلفات ذات مناشئ عالمية على الرغم من أن الكثير منها عبارة عن ( قمامة ).. ويرى الكثير من الوسطاء ومنهم  ضياء ضبعان والذي يدير هو الأخر أحد المزادات الواقعة في منطقة التاجي، بأن  من أسباب الإقبال الكبير على شراء المخلفات المتواجدة في محرقة الجيش الأميركي، انها تحتوي على مواد وأجهزة ومعدات صالحة للاستعمال.
ويشير ضبعان إلى ان البعض من هؤلاء الشباب ( العتاكة ) يبحثون بين المخلفات على بقايا شظايا الذخائر العسكرية والأسلحة غير المتفجرة والمعدات، غاية في الحصول على الصلب والألمنيوم والنحاس حتى تباع إلى تجار الخردة المعدنية.


  سمك البحر
أبو سجاد وهو أحد ( العتاكة )  يقوم بشراء هذه المخلفات بالأوزان، يقول: ان شراء هذه المخلفات يشابه عملية شراء السمك بالبحر، قد تدر عليه الأرباح وقد تكون خسارتها فادحة، لافتاً إلى ان هناك الكثير من هذه المخلفات يحتوي على أجهزة غير صالحة للاستعمال.
وعلى ما يبدو فان أحداث مهنة العتاكة هذه تجري بطابع مصيري، حيث إن العمل فيها دائما ما يؤدي إلى إصابات صحية جسيمة، وهو ما أشار إليه الشاب سعيد عباس في العقد الثاني من عمره، سارداً معاناته في البحث عن الخردة فيقول: ينحصر عملنا في البحث عن المخلفات الحربية وبيعها لتجار متخصصين، لافتاً إلى ان البعض من هؤلاء (العتاكة) يقوم بتحميل المواد الصلبة القابلة للذوبان كالنحاس والألمنيوم والمعروفة بمادة (الصفر والفافون) إلى أماكن ( الكورة ) التي تقوم بعملية إذابة هذه المواد وتحويلها على شكل قطع مستطيلة ( سبائك معدنية )، بعدها يتم بيعها لتجار كبار يقومون بدورهم في توريدها إلى خارج البلاد كمادة أولية خام.       


شروط صحية
من ناحية أخرى، وعلى خلفية هذا العالم من الأعمال وقضايا الصحة التي أحاطت به من خلال نفايات مخلفات الجيش الأميركي ، يخشى الضالعون من تعاظم الخطورة الصحية في ظل واقع صحي متعثر.وترى المتخصصة في الصحة العامة الدكتورة هناء عبد الكريم ان هذه المهنة خطيرة جداً والعمل فيها يؤدي للإصابة بإشعاعات ملوثة، ما يؤدي إلى الإصابة بالسرطانات، إضافة للحوادث الخطيرة التي تحدث بسببها. وتشير الدكتورة عبد الكريم إلى أن هناك غيابا كبيرا للوعي الصحي من قبل أصحاب المعامل الأهلية عن المخاطر الصحية التي تنجم عن التعامل مع المخلفات العسكرية، مؤكدة إلى أن معظم الورش التي تقوم بإعادة تدوير وصناعة هذه المخلفات تعمل بلا تراخيص ولا تخضع للرقابة لأنها تعمل داخل البيوت أو ( كراجات) لا تتوافر فيها أدنى الشروط الصحية اللازمة للعمل.
وعلى ما يبدو فأن الحكايات التي ذكرتها وسائل الأعلام في هذا الصدد تبدو كثيرة منها قصة تاجر خردة من مدينة الفلوجة أصيب بتقرحات جلدية على رجليه ويديه، بسبب عمله في بيع المخلفات الأميركية..


مصادر وتقارير
ووفقاً للمعلومات المتوافرة فإن النفايات التي تركها الجيش الأميركي في العراق، هي بداية المخاوف التي تلقي بظلالها على إدارتها والتخلص منها، إذ ان المواقع التي تحتضنها تحتوي على مواد حمضية، ولا تحمل علامات تشير على أنها مواد سامة استخدمت من قبل الجيش الأميركي.
الملفت في هذه القضية أنه تم نقل المواد من القواعد العسكرية الأميركية إلى أماكن عارية على الطرق الرئيسة، وقريبة من المناطق المكتظة بالسكان، فتجد زيت المحركات يتسرب من براميل على الأرض، واسطوانات الحوامض، والبطاريات المهملة تقع بالقرب من الأراضي الزراعية، وفي مؤتمر صحفي للجيش الأميركي رفض المسؤولون العسكريون الكبار مزاعم تورط الولايات المتحدة فيما يتعلق بالتسبب بخلق بيئة تضم كميات من النفايات والمواد الخطرة، رغم ان المصادر تشير إلى وجود أكثر من 30 موقعا غير قانوني للتخلص من النفايات بطريقة غير سليمة في العراق.
مطلعون أكدوا أن بعض الباحثين عن الربح السريع طرحوا مخلفات الجيش الأميركي للبيع، وبخاصة شفرات الحلاقة والملابس والمتعلقات الشخصية للجنود . المصادر تشير عن تقرير صادر من وزارة الدفاع الأميركية بشأن "مخلفات الحرب" يؤكد أن كل جندي أميركي يطرح كل يوم ما يعادل 15 كيلوغراما من النفايات، وفي ضوء هذا الرقم يمكن تقدير حجم الكارثة البيئية التي تواجه البلاد ما لم تتحمل الولايات المتحدة مسؤولية تنظيف قواعدها العسكرية او المواقع التي خلفتها العمليات العسكرية، وقد تم تفريغ كميات كبيرة من النفايات من القواعد الأميركية في جميع أنحاء البلاد، ووفقا لتحقيق أجرته صحيفة تايمز أوف لندن امتد إلى خمس محافظات عراقية، كشف مشهداً قاتماً من النفايات الخطيرة، وتشمل براميل النفط المتسرب إلى التربة وعلب نصف فارغة من حامض الكبريتيك. 


وزارة الداخلية
هذه المعلومات طرحت علامات استفهام حول السلامة الصحية والبيئية، في البلاد، ومصير الكثير من المخلفات الأميركية التي تضم مختلف المواد والنفايات الصلبة، مع ان وكيل وزارة الداخلية العراقية احمد الخفاجي، مطمئن للإجراءات التي اتخذتها القوات الأميركية من حيث آليات عملها في التخلص من المخلفات غاية منها لتحقيق غرض الانسحاب من الأراضي العراقية، لافتاً إلى أن هذه الآليات تمثلت في ثلاث طرق، الأولى تسليم بعض المواد والمخلفات الأميركية إلى الحكومة العراقية قدر تعلق الأمر بها، وعلى سبيل المثال تسلم المواد والمخلفات الواقعة في قاعدة مطار البصرة  إلى الجهات العليا والتي اصدرت أمراً رسمياً بتسلمها من قبل قيادة عمليات البصرة باعتبارها الجهة المشرفة، وبدورها تسلم هذه المخلفات إلى الجهة التي تشرف على ذلك المكان، كأن تسلم منشأة واقعة في الحدود إلى قوات الحدود، ويتم تسليم المواد والمخلفات الأميركية الموجودة في المطار إلى القوات الجوية العراقية وهكذا، وهذه الطريقة تكون على شكل ( هبة ) للحكومة العراقية، أما آلية العمل الثانية فتتمحور بأخذ القوات الأميركية المواد والمخلفات معهم – بمعنى أدق اصطحابها معهم أينما رحلوا، والطريقة الثالثة والأخيرة، هي بيع المواد والمخلفات إلى مقاولين ومستثمرين، ليتبنى هؤلاء التصرف بها.
وبدا الخفاجي حريصا على التأكيد بأن كل ما يشاع عن وجود مواد ملوثة أو سامة في المخلفات الأميركية، هي مجرد أقاويل وإدعاءات لا صحة لها، غايتها خلق أزمة جديدة في البلاد.     
وزارة الصحة
الناطق الرسمي لوزارة الصحة الدكتور زياد طارق أشار إلى أن الوزارة لا تستطيع  تقييم المخلفات الأميركية بأنها مواد ملوثة رغم أنها كانت عرضة لحروب ومعارك، ولكن بقدر تعلق الأمر بوزارة الصحة بعيداً عن ميدان وزارتي الدفاع والداخلية، فهي بعيدة عن سيطرتنا وفي امكانية الكشف عنها، نافياً  الجزم بأنها مواد ملوثة.
  واشار طارق الى ان هيئة قياس الإشعاع هي الجهة الوحيدة التي تستطيع الجزم بأن هناك مواد ملوثة بالإشعاع في مخلفات الجيش الاميركي ، معتقداً بأنها لا تشكل أية خطورة تذكر.   


تهديدات بيئية
ويعرب خبراء متخصصون في البيئة عن قلقهم الشديد بشأن آثار هذه المخلفات سواء للأفراد أو للبيئة العراقية، مشيرين إلى ان ما يزيد من احتمالية وجود إصابات وخسائر من جراء هذه الأزمة.. الخبير بالشؤون البيئية نادر كريم أشر ان انتشار المخلفات والنفايات بهذه الصورة في البلاد سيلحق بالبيئة أخطارا كبيرة، فالتقديرات تشير إلى ان سدس وفيات الأطفال يعود إلى عوامل بيئية.  كما ان تلوث البيئة يؤثر على نمط حياة الأفراد وصحتهم دون شعور منهم، وهنا تقع المسؤولية الكبرى على الجهات المعنية في حماية الصحة العامة من الأخطار.
ويعتقد كريم ان هذه المخلفات إذا لم تدار بشكل صحيح، وخصوصا النفايات السائلة والصلبة، فانها تشكل خطرا صحيا وتؤدي إلى انتشار الأمراض المعدية، كما ان النفايات البلاستيكية هي سبب آخر لتلوث البيئة ـ واكد  ضرورة السيطرة على هذه النفايات عندما تصار إلى أماكن الطمر الصحي واتخاذ بعض التدابير الوقائية، موضحاً على وجه الخصوص المخلفات الحربية أو مخلفات الجيش تشكل تهديدا خطيرا، لأنها تخلق ظروفا مواتية لبقاء ونمو مسببات الأمراض الجرثومية، التي تسبب مختلف أنواع الأمراض المعدية والمزمنة للذين يتعاملون معها.
واشار إلى ان للمواد البلاستيكية آثارا كبيرة على البيئة، والبلاستيك الملون يحتوي على صبغة المعادن الثقيلة السامة، كما ان بعض المعادن الضارة الموجودة في البلاستيك والنحاس والرصاص والكروم محظورة قانونا، لأنها عدو خطير للبيئة.
  من جانبها تؤكد مديرة إعلام وزارة البيئة صباح محمد بأن المخلفات بكل أنواعها لها تأثيرات خطيرة على البيئة والصحة.


http://www.alsabaah.com/ArticleShow.aspx?ID=21384
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة