تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

(( منشأة لعينة تدخل القوش ))

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, نوفمبر 28, 2011, 07:02:16 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

(( منشأة لعينة تدخل القوش ))
                                                                                                                                  باسل شامايا
قبل سنين خلت وتزامنا مع انبلاج الفجر كنا نستيقظ مبكرا على صوت النغمات الموسيقية الصاخبة التي كانت تطلقها منشأة نقل المسافرين القادمة من مدينة السلام / بغداد الحبيبة الى الملاذ الآمن القوش العزيزة ، ومن غير تردد أو كسل نسرع لارتداء ثيابنا ونهرع الى حيث باحة وقوف المنشأة بجوار مبنى نادي القوش العائلي حاليا ، والباحة سابقا كانت تقام عليها حفلات الزواج وعلى الهواء الطلق (  ما احلاها من ايام ) ، كنا نخرج من الدار والفرحة تغمرنا تأخذنا أقدامنا الى حيث تلك الباحة ، لنتزاحم أمام تلك المنشأة وكل واحد منا ينتظر شقيقه أو قريبه لعله ينزل منها محملا بالهدايا والحلويات والفاكهة بأنواعها المتنوعة خصوصا ( رطب البرحي ) ذات النكهة العراقية الأصيلة ، ويا له من منظر رائع حينما نشاهد تلك العناقيد التي كانت تتدلى من أكياس النايلون ، فنحملها عنهم كصوغة للأهل والأقرباء .   لم تسعنا الدنيا غبطة حينما كان الحظ يحالفنا بلقاء أحبتنا وهم محملين بالشوق للملتقى ، فنقضي معهم أياما سعيدة والتي كانت بالنسبة للقادمين الى مسقط الرأس  تنفيسا لهموم ومعاناة وصخب العاصمة .. وهكذا كانت تعم السعادة أرجاء بلدتنا العزيزة القوش وتدخل الى كل البيوت التي تزهو بضيوفها وتستجد تلك الفرحة في كل يوم لأنها كانت تلج الى معظم البيوت تدريجيا ، فما أكثر الألقوشيين المتواجدين حينها في بغداد والبصرة والموصل وكركوك واربيل وأماكن أخرى من ارض العراق . وفي كل يوم كانت تلك المنشأة تقطع حوالي 450 كيلو متر ليلا من بغداد الى الموصل فالقوش يغمر ركابها الفرح للقاء احبتهم الذين ينتظرون على نار احر من الجمر ، وبسبب تردي الأوضاع الأمنية وظهور البديل الأفضل لنقل المسافرين نهارا توقفت عن رحلاتها . ومرت الأيام والسنون فدخل العراق مرحلة جديدة من الحروب الطائشة التي جلبت لشعبنا الصابر الكوارث والويلات حتى أغرقه المستبد الظالم في بحر من الدمار والدماء ولم تتوقف شراهته وعطشه لسفك الدماء البريئة حتى البس ثوب الحزن لكل من ينتمي الى شجرة العراق الوارفة وفي الأخير وكما يقول المثل الشعبي ( ما دوّم لأحد ) ، سقط الدكتاتور ورحل الى حيث مصيره المحتوم . لقد كان شعبنا العراقي قد اعتاد في ظل ذلك النظام الجائر على ظلمه واجحافه ومصادرة حقوقه المشروعة والسجن والتعذيب والتشريد والتهجير القسري لأكثر من ثلاثة عقود من الزمن ، وبعد ان استبشرنا خيرا بزواله عشنا ظروفا أكثر مرارة وشدة ، تجرعنا فيها صنوف القهر والاضطهاد فانهارت آمالنا وأمانينا أمام تلك الصعاب الجديدة التي لحقت بالوطن والمواطن ، حيث تواصلت دماء الأبرياء استنزافا واستبيح البلد وانتشر الفساد الإداري والمالي في معظم مفاصل مجتمعنا العراقي .. أوضاع عصيبة شهدتها وتشهدها بلادنا الجريحة من الظواهر السلبية التي عانى منها شعبنا خصوصا في الأزمات الخدمية المتواصلة وتردي الأوضاع المعيشية وتفشي البطالة ناهيك عن جرائم الإرهاب بحق الأبرياء ، وهكذا تمادت واستمرت من سيء الى أسوأ وبالنتيجة اقتحمت حياتنا ظاهرة مهدت السبيل الى ضياع وتشتت هذا الشعب الأصيل ، إنها أشبه بالعنكبوت الذي راح يفرز خيوطه وينسجها كشبكة مرعبة لتغلف بها حياتنا الدامية ، انها ( الهجرة ) الرحيل الى المجهول حيث تزدهر يوما بعد آخر في ظل هذه الظروف اللعينة التي يمر بها بلدنا وكما ذكرنا آنفا ان احد اسباب بروزها هو تصاعد أعمال العنف البربري واستحداث مختلف أنواع العمليات الإجرامية كالقتل والخطف والتهديد والابتزاز والتي يشرف عليها قوى الظلام المعادون للإنسانية والتقدم البشري مستهدفين تعطيل مسيرة الحياة .                                                 
كانت هذه مقدمة ربما تكون طويلة بعض الشيء ولكنها فرضت نفسها وعليه استوجب ان استهل موضوعي بها .. ففي ذات يوم وبينما أؤدي واجبي في نادي القوش العائلي كعضو هيئة ادارية ( سكرتير ) أحسست بحركة غير طبيعية وحديث بين مجموعة وأخرى داخل النادي ومن باب الاطلاع على ما يجري غادرت غرفتي مستفسرا عما يحدث  ، فشاهدت جموعاً من الناس مزدحمين في تلك الباحة التي كنا نستقبل فيها أحبتنا القادمين من بغداد(أيام زمان ) وتقربت نحوهم ، إذا بمنشأة فارهة لنقل المسافرين تشبه تلك المنشأة القديمة ولكن بتركيبة وتقنية جديدة تتوسط تلك الباحة .. لقد عادت ثانية بعد انقطاع طويل ولكن هل عادت لتدخل تلك الفرحة الى اعماقنا ..؟ كلا لقد عادت بحلتها الجديدة .. فلم تعد هذه المرة لتغمر وصولها اعماقنا  بالفرحة والسعادة ، بل عادت ليلبسنا رؤيتها وجوم وكآبة ، لقد عادت فارغة لا لتحمل لنا أحبتنا الذين كانوا يأتون متلهفين لرؤيتنا بل تاتي بين فترة واخرى لتغادرنا ممتلئة بالمسافرين ليس الى بغداد بل الى محطات دول الجوار لينظموا الى قافلة الهجرة المقيتة ، حزموا حقائبهم للرحيل تاركين ذكرياتهم وانتماءاتهم ومقتنياتهم وشقاء العمر بيد الدهر الخئون ،  يذهبون الى حيث الفردوس المنتظر امريكا هذا الاسم الكبير الذي يحلم بدخولها احبتنا خصوصا شبابنا .. ووسط دموع الفراق القاسي انطلقت المنشأة بعد ان أخذت المقسوم من شجرة القوش ثمار يانعة والى غير عودة  ، لتزجهم في دوامة الانتظار ،بعد ان تسير بهم مئات الكيلومترات حتى الوصول  الى الحدود وهناك يجلسون القرفصاء مع امتعتهم ينتظرون الأذن للمرور الى حيث الوطن الجديد . اكثر من ثماني سنوات تمضي على انهيار الصنم ولم نجن منها الا الهموم والمعاناة واللاستقرار ، كان الأمل يشدنا نحو الحياة الحرة الجديدة لكن بريقه جاء متخفياً مجهولاً يذرف الدمع على وطن يرفل بالفرح المقتول ، ايام تمضي ونحن غارقون في متاهات العدم ، احلام تدغدغنا بالغد القادم لكننا لم نذق منها غير مرارتها وبالامكان ان نشبّه وضعنا الحالي بالمثل الشعبي الذي يقول : ( البارحة افضل من كبلها .. واليوم افضل من البارحة ..والغد أفضل من اليوم .. ولا ندري ماذا يحوك لنا بعد غد ) . انها مؤامرة حقيرة يخطط لها أولئك الذين يسهرون الليالي ليزرعوا الظلام الدامس في أرجاء بلدنا العزيز مهد أولى الحضارات في العالم ، فيحركون مرتزقتهم لينفذوا اعمالهم العدوانية التي يندى لها جبين الإنسانية خصوصا الأعمال الارهابية والتخريبية  المتكررة والآثمة على أبناء الشعب العزل لإشاعة الرعب في نفوسهم ، فيضطرون مكرهين لأختيار الهجرة ومغادرة ديارهم ووطنهم الى المجهول وهكذا تتحقق أحلام هؤلاء الجناة .                                                 
ان ظاهرة الهجرة التي باتت اليوم مرض العصر الحديث راحت تنخر في جسدنا العراقي خصوصا بعد ان وطأت أقدام الغرباء أرضنا وأجبرتنا ممارستهم الى الرحيل ،  ولو عدنا الى الماضي نجد ان الهجرة من الريف الى المدينة كانت مستمرة وكذلك الى الدول الأخرى ولكن لم تكن أسبابها ومبرراتها مثلما هي اليوم لأن مجتمعنا وبكافة شرائحه الاجتماعية في تلك الأيام كانت تربطه وشائج وأواصر حميمة رغم تعدد الأديان والطوائف والمذاهب والقوميات ، كنا جميعا أخوة متحابين لم تفرقنا تلك العناوين ولم تكن يوما سببا للصراع والاقتتال كما يحدث في هذه الأيام ، كنا جميعا نعيش تحت خيمة العراق يجمعنا هذا الوطن المعطاء وننصهر فيه دون ان تتمكن مختلف انتماءاتنا من خلق شرخ أو تصدع بيننا. 
لقد كانت الهجرة سابقا ظاهرة تبرز بين فترة وأخرى خصوصا في المجتمعات التي تمر عبر مراحل التغيير والتطور لكنها اليوم تفاقمت وباتت مرضا خبيثا يمزق بنية مجتمعنا ، وهاهي اليوم تبتلع فلذات أكبادنا فنشاهدهم عن كثب وهم ينتظرون على نار أحر من الجمر تلك المنشأة اللعينة ليلملموا احتياجاتهم للرحيل الى محطة الانتظار ، أما ما جنوه من رحلة العمر الشاقة فيعرضونه في المزايدة ويباع بابخس الأثمان وبعد وصولهم الى حيث المبتغى يستنجدون بمنظمات حقوق الإنسان لإنقاذهم من معاناتهم  .                 
فالى اين انت راحل يا ابن الرافدين ..؟ صدقني ستتجرع مرارة الغربة القاسية وعذابات الشوق للوطن .. الى اين ستغادر وهناك الحزن المسجى على أرصفة الحنين للذكريات ..؟  الى اين يا صاحبي صدقني سيظل هاجس الحنين يداعبك ، وستبحث عن البسمة لكنك لن تجدها لأنك ستغرق في عالم الكآبة والتشاؤم .                         
رباه الى متى ننتظر الامل الجديد اما آن الأوان أن نرتشف حلاوته في وطن ارهقه تكالب الطامعين والجناة ...؟
متىيعم الأمان والسلام في وطن ذبح من الوريد الى الوريد وأهدرت دماء ابنائه بآلات المستبدين والزناة ...؟
متى ومتى نبكي على وطن تبعثرت اشلاؤه في ارجاء البلاد ...؟
الى متى يا عراق تنزف بجراحاتك الدامية اما يكفيك قتلا يا بلد الأرامل والأيتام والأباة ...؟
منقول من موقع عينكاوة
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير