في عيد الطبيعة قال لي أحد الطيور أنتم منافقون /شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, يونيو 04, 2015, 06:34:20 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

في عيد الطبيعة قال لي أحد الطيور أنتم منافقون





برطلي . نت / خاص لبريد الموقع
   


بينما كنت نائما هذا الصباح ، سمعت احدى محطات الراديو ، تذيع بان اليوم هو عيد الطبيعة ، استغربتُ للنبأ لانه لم يسبق لي وان سمعت  بمثل هذا العيد . كان هذا في اليوم الثاني والعشرين من شهر حزيران. نهضت مستبشراً، لاسّيماً حين ابصرت الشمس وقد نفذت بأشعتها الى كل بقعة دون عائق ،   كانت السماء صافية زرقاء ، والجو لطيف،  والنسيم يمرّ بهدوء مداعبا وجه كل من هبّ للقائه . كان هذا العيد سببا اضافيا يدعوني الى الخروج من جديد.
يمّمتُ شطر النهر وكنت أمشي الهوينى لكي اخصّكلَّ ما تقع عليه انظاري بتمنيات العيد ، فكنت أتمتم للأعشاب كل عام وانتم بخير ، وللأشجاروالازهار أيامكم سعيدة ، وللنباتات والطيور كل سنة وانتم سالمون، وللشمس والغيوم  البيضاء عيدكم مبارك . توقفت عدة مرات عند النهر لأطيل النظر الى مياهه التي كانت تنساب بنعومة، أرحّبُب المجرىً العالي هنا واودّع المجرى السفلي هناك،  لان ماء النهر جارٍ وهو دائم التجدّد ، فما نراه يجري أمامنا ذاهب دون عودة .
رأيت بعض إشارات مرسومة على الارض تدعو السائر للتوجّه نحوموقع الاحتفال . تابعت المسير بهدوء ملتفتا ذات اليمين وذات اليسار لكي لا يفوتني شئ ممّا تبرّجت به الطبيعة  ، ولا أحرُمَ سمعي  من الحان ونغمات وتراتيل كانت تتناوب العصافير بشتى انواعها على أدائها .
أفضى بي السير البطيء الى الموقع الجميل المخصص لاستقبال المهنئين ، فوجدت نفسي عند عتبة مجلس يضمّ عددا من الطيور وبعض الحيوانات الاليفة.
استقبلني طائر غريب الشكل ، لم اصادف شبيها له قبل ذلك ، وكأنّه كان قد استُقدِم خصيصا  لهذه المناسبة !بحركة من جناحه الايمن  قادني الى صخرة مخصصة للجلوس  ، كان يتقدمني مقلّداً سير مدير تشريفات مخضرم . جلست مبتسما لكل حيوان وشجرة وطير ونبات وقلت لهم بصوت جهوري : كل عام وانتم بخير ، واذا بنفس الطير الذي استقبلني يردّ عليّ بالعربية : وانتم بخير أيضاً . لم استغرب كثيرا للأمرلأني في مناسبة سابقة كنت قد اجريت حوارا مع وفد من الطيور وكان أحد الطيور يتولّى الترجمة، وأغلب الظنّ كان الغراب ، لانه يُقال بان الغراب هو من احذق الطيور.
استفسرت عن احوالهم قائلا : أرجو أن تكونوا كلّكم بخير.
اجاب العصفور المسؤول وقال :نحن بخير وسعادة ونشكرك على اهتمامك . اننا بخير لأننا نسيروفق ما رسمته  لنا الطبيعة ولا نحيد قيد انملة عن مسارنا . ننقاد للمواسم وننصاع لأوامرالامطار والرياح ، وفي وجودنا نحن مدينون للشمس واشعتها . كل طير يشدو ، وكل حيوان يسير، وكل نبات ينمو وفق قوانين الطبيعة   دون الحاجة الى تحريض أو إرشاد أو تأنيب . هذه حي حالتنا ، والان اسألك بدوري : ما هي احوالكم انتم ؟
قلت له :لا اعرف ماذا اقول لكم ، ان احوالنا هي بين بين . لقد حبانا الله بعقل وكان يفترض ان نعيش بسعادة دائمة ولكننا نستخدمه في اغلب الاحيان لتعقيد حياتنا ، لتعكير صفو عيشنا وعيش الاخرين . لنا قوانين ، والأهم من ذلك لنا ضمير يهدينا الى ما تضعه القوانين ويسمو عليها ، ولكننا نفضّل تجاهل كل هذا لنهبط بمستوانا ، ونعمل فقط بما يخدم مصلحتنا دون تروٍّ أو تفكير.
قال لي : اننا نسمع بمشاكلكم لاسيما في هذه الايام . لنا طائر زميل قد تعمّق بدراسة علومكم وتبحّر حتى في شعيرات اديانكم جميعا . اننا نستغرب لما يرويه لنا عنكم زميلنا .إنّ ما بحوزتكم كان يجب ان يهديَكم الى طريق الحق والعيش بسلام . الا تدعوكم شرائعكم كلها الى فعل الخير ؟ لماذا تقرّون بشئ وتفعلون عكسه، ألا ترى انكم متناقضون قبل ان تكونوا منافقين؟!! 
اجبته : ان كلامك ثقيل جدا ، انه مباغت ومباشر ، غير انه  والحق يقال ،ينطوي على الكثير من الواقع . لقد بحث الكثيرون من الكتّاب والحكماء والفلاسفة والاكاديميون ومنذ القدم موضوع تصرفات الناس واخلاقهم ،انا ايضا بدوري اتناول بقلم خجول بعض جوانب هذا الواقع ، غير اني لا ألقى إلا الاستخفاف . بتُّ أخشى الخوض في هذا المضمار ،والتطرق لما يدور حوله ، لان كلمة الحق أضحت مفردة دخيلة ومستهجنة !!
قال لي الطائر:نحن حريصون على سلامتك،ولأجله ندعوك لالتزام الصمت ،ودعنا نتبنّى نحن إبراز الحقيقة التي رواها لنا زميلنا العلاّمة. إن الخلاصة التي توصّلنا اليها بعد مقارنة ما قاله لنا وما تقومون به انتم في حياتكم الواقعية تجعلنا نقول : لقد سخّرتم حتى الدين والله لأطماعكم ، ألا ترى بانكم منافقون ؟
واضاف أيضاً،أودّ أن أطرح عليك سؤالا في غاية الاهمية :هل تؤمنون بان خالقكم واحد، وبأن شرائعكم تدعوكم جميعا لفعل الخير ومحبة الغير ؟
قلت له : باعتقادي ان المبدأ مشترك ، لا جدال فيه ولا خلاف عليه .
قال لي :  لماذا إذن هذه التسميات والمذاهب والطوائف والاقسام والانشقاقات والانقسامات والعناوين المتجددة التي تدعو كلها الى مزيد من الفرقة والتباعد والانشقاق؟ تتحرك شفاهكم لتصرح بصوت عالٍ : نحن متفقون ، ولكنكم ،عندما تأزف ساعة الحقّ حول هذا المبدأ المشترك ، تنزوون كلّ في ناحيته بحساسية غريبة واستعداد للغضب والتجافي والحقد والخصام والعداء وحتى القتال ، بالأيدي والسلاح الابيض والسلاح الناري وقد يصل بكم الامر يوما ال إشراك النووي في اختلافاتكم .لم يعد لأحدٍ الاستعداد للتخلي عن عاداته ورغباته الخاصة ، وبهذا تبدون وكأنّ لكل فصيل إلهَه الخاص جدا ، يختلف عمّا للأخرين ،  أليس كذلك ،  ألا ترى فعلا بانكم منافقون ؟
التزمت الصمت وخفضت عيونيك الشخص الذي  ضُبط  بجرمٍ ليس بمقدوره التنصل منه، وقلت في سرّي ، ما الذي أتى بي الى هنا !!
وختم الطائر الفقيه ملاحظاته قائلا : انا اعتذر لكلامي القاسي ، ولكننا لا نعرف المجاملة فالحقيقة بنظر الطبيعة يجب ان يُعلن عنها  . ودعني  اردد مرّة أخرى بان تصرفاتكم لا تدع لنا أي مجال آخر الا القول بأن أنانيتكم هي التي تمنعكم من الاقرار بالحقيقة المشتركة بينكم ، وكيف تريدنا أن نصفكم، والحالة هذه، بغير الكذابين والمنافقين ، وارجو ألاّ تغضب من الحقيقة .
لم أشأ ان يستمر هذا التجريح الساخن والصادق ، وقمت مكررا تمنياتي الحارة بهذا العيد، وقبل ان اغادر طلبت من الطير اللاهوتي ان يوقع على اقواله خشية ان تُنسب إليّ، ويُنقل الحديث النابي هذا عن فمي ، وإن كنت مؤيدا لجزء كبير منه . تركتُ المجلس وكلام الطير الفيلسوف يدوّي في آذاني:انكم فعلا منافقون .








Matty AL Mache