تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

"أمة في غفلة"

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, مارس 26, 2012, 01:19:44 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

"أمة في غفلة"

د. علي بابان

في مطلع عقد الثمانينات من القرن الماضي تعززت القناعة في الولايات المتحدة بأن هناك خطراً يتهدد الموقع الريادي لتلك الدولة ومكانتها بين دول العالم، لا لعجز في قوتها العسكرية، ولا لتراجع ادائها الإقتصادي، ولكن بسبب الشعور المتعاظم بأن النظام التربوي الأمريكي لم يعد في المركز الأول عالمياً ، ولأن الطالب الياباني والكوري الجنوبي وحتى الفنلندي تفوقوا على الطالب الأمريكي في الإختبارات العالمية التي أجريت لقياس كفاءة الطلبة في الرياضيات والعلوم...

في أب 1981 شكل وزير التربية في الولايات المتحدة الأمريكية مجموعة من ثمانية عشر عضوا لتدرس النظام التعليمي بكل تفصيلاته وتقدم المقترحات لإصلاحه، وقد قامت اللجنة بجهود مضنية إمتدت على مدى ثمانية عشرة شهرا درست خلالها العديد من تقارير الخبراء ونتائج البحوث ذات العلاقة والمرتبطة بتقويم التعليم ، بل واشتملت حتى على القضايا الإقتصادية المرتبطة بالتعليم، وعقدت العديد من الندوات والإجتماعات بهدف الإستماع إلى وجهات نظر المعنيين والمهتمين بشؤون التعليم، كما أقامت منبرا مفتوحا للحوار في عدد من الولايات لإتاحة الفرصة للراغبين في الإدلاء بأرائهم حول الإصلاح التربوي وعقدت ندوات ومؤتمرات في جميع أنحاء الولايات المتحدة ليتاح للولايات المختلفة بظروفها ومشاكلها الخاصة فرصة للإشتراك في الحوار وإبداء المقترحات حول خطة التطوير، صدر التقرير الختامي لهذه المجموعة في نيسان 1982 وكان عنوان التقرير دافعا لإثارة الإهتمام على المستوى الوطني فقد إختار واضعوه عبارة " أمة في خطر " –A Nation at Risk - عنوانا له ، ولعل أهم ما ورد من العبارات في هذا التقرير "لو قامت قوة معادية بفرض اداء تعليمي قليل الجودة على الشعب الأمريكي، لعد ذلك مدعاة للحرب، ولكن ذلك يحدث الأن من خلالنا نحن الذين سمحنا به" ...!!

علينا أن نتأمل قليلا في هذه العبارات فعندما تشن الحرب على أمة متعلمة ذات نظام تعليمي متطور وتهزم عسكريا فإن تلك الأمة قد تعوض ذلك بسرعة خلال جيل أو لربما أقل ، وتقف على قدميها مجددا ، ولكن عندما تضع نظاما تعليما متخلفا فإنك تنتج أجيال كاملة من المتخلفين ، وتحكم على الأمة بهزيمة حضارية متواصلة قد تمتد طويلا ...!!!

في عام 1991 وفي عهد الرئيس بوش الأب نشر مشروع "أمريكا عام 2000 - استراتيجية للتعليم" تضمن الأهداف الأساسية التي يسعى إلى تحقيقها نظام التعليم الأمريكي ومنها:-

"أن يحتل الطالب الأمريكي المرتبة الأولى عالميا في مادتي العلوم والرياضيات"، كما تضمنت أن لا يكون هناك طفل واحد أو مواطن عادي خارج نظام التعليم الأمريكي (No Child Left Behind) .

أدركت الولايات المتحدة أن صناعة الإنسان وهي المهمة الأساسية لنظام التعليم هي التحدي الأكبر للفوز بالريادة العالمية وأنها قد لا تستطيع الإحتفاظ بتلك الريادة مالم ترتق نظامها التعليمي ليتفوق على النظم الأخرى المتطورة، وأرسلت واشنطن خبراؤها التربويين ليدرسوا كل التجارب المتقدمة التي حققت نجاحا استثنائيا وخصوصا في اليابان وكوريا الجنوبية وفنلندا وليضعوا خلاصات دراساتهم في توصيات محددة.

هدف هذه المقالة بالطبع هو التنبيه إلى مخاطر ونتائج تردي مستوى التعليم في العراق على مستقبل البلد والتأكيد على حقيقة باتت من البديهيات عالمياً، وهي تعذر تحقيق أي نهوض اقتصادي، أو تحسن في مستوى المعيشة بدون تطور التعليم بدرجة كبيرة وبصورة جذرية، وإنه في ظل تعليم متدهور تتعاظم المخاطر الإجتماعية والسياسية لأي مجتمع، ولذلك عندما نتناول في هذه السطور تجارب الدول المتقدمة وما فعله التعليم للنهوض بأوضاعها عموماً ومنها الإقتصادية فإننا لا نفعل ذلك للترف المعرفي وإنما لنضع مجتمعنا وحكومتنا أمام مسؤولياتها في هذا المجال ولنعيد التأكيد على موقع التعليم وتأثيره في حياة أية أمة من الأمم ، ومشروع نهضتها الحضاري...

إننا ندرك بالطبع الفروق الجوهرية بين أوضاعنا وأوضاع تلك المجتمعات، وندرك إختلاف الأولويات ولكن ذكرنا لهذه التجارب يعود لسببين... الأول هو أن هذه الدول هي الأن في المقدمة بالنسبة لمستوى التعليم عالمياً ... والثاني لأن تطور التعليم فيها ترافق بنهضة إقتصادية شاملة وتحسن هائل في مستويات المعيشة، وهو ما يدفع إلى إعتبارها تجارب (هادية)، ونماذج نجاح لابد من التعرف عليها وتطويعها لأولويات المجتمع العراقي وظروفه الخاصة ومن ثم وضعها في إطار مشروع النهوض الوطني الشامل.

بالنسبة لليابان التي يحتل طلابها المراتب الأولى في مسابقات الرياضيات العالمية فقد حاول الأمريكيون بعد إنتصارهم في الحرب العالمية الثانية وضع أسس جديدة للتعليم في اليابان تركز على نبذ قيم الحرب وعسكرة المجتمع، وكان لهم ما أرادوا ، لكن الشخصية الوطنية فرضت ذاتها ، وقام اليابانيون أنفسهم بقيادة عملية الإصلاح التعليمي حتى وصلوا به إلى أعلى المراتب التي جعلت من طلبتهم يتفوقون على نظرائهم في الولايات المتحدة، وأنقل هنا نصا عن السفير الأمريكي في اليابان (أدوين شاور) من كتاب له بعنوان (اليابانيون)، فقد إهتم "شاور" بدراسة نظام التعليم الياباني وطرح في كتابه تساؤلاً جوهريا " ما سر اليابان ... وما سر هذا النهوض"، ويجيب في كتابه على هذا التساؤل بالقول ... "سر نهوض اليابان يكمن في شيئين إثنين ... إرادة الإنتقام من التاريخ وبناء الإنسان، هذا هو الذي نهض باليابان ... إرادة الإنتقام من تاريخ تحدى أمة هزمت وأهينت فردت على الهزيمة بهذا النهوض العظيم وبناء الإنسان الذي كرسه نظام التعليم...".

ولعل من المفارقات التي تستحق الإنتباه وإستخلاص الدروس والعبر أن تعكف الولايات المتحدة على دراسة تجربة التعليم في كوريا الجنوبية لتكتشف أن طلبة هذا البلد يتمتعون بنبوغ في مادة الرياضيات وقدرة فائقة على حل المسائل الرياضية العويصة، وأن عدد ساعات دراسة الطالب هناك تزيد بثلاث ساعات يوميا عن أقرانهم في الولايات المتحدة، الرئيس الأمريكي باراك أوباما عندما زار ذلك البلد في نوفمبر 2010 أفصح عن إعجابه بنظام هذا البلد التعليمي ، والذي أنتج هذا التفوق، غير أن المسؤولين التربويين في كوريا الجنوبية أبدوا إستغرابهم من هذا الإعجاب لأن طلابهم - طبقا لوجهة نظرهم - "يتعرضون لجرعات علمية زائدة بطريقة تهدد طفولة الأطفال" ، ومن الواضح أن النظام التعليمي في ذلك البلد يقوم على "الصرامة" و"الإعداد الجدي والقاسي للطالب" وهو على العكس تماما من النظام المتفوق الاخر في فنلندا الأوربية التي حازت على المرتبة الأولى عالميا في التعليم لعشر سنوات متتالية طبقا لاختبارات الأمم المتحدة، وحيث لا يتعرض الطالب لأية إمتحانات طيلة سنوات دراسته بإستثناء أربعة مواد فقط في نهاية المرحلة الثانوية، كما يترك للمعلم الحرية الكاملة في إختيار المنهاج الدراسي الذي يود تدريسه ...!!

ويصرح كاتجاتوري المسؤول عن الإرشاد التربوي في مدرسة كالاهتي الشاملة بهلسنكي قائلا: "إن العمل لمدة ساعة واحدة في اليوم كافية هنا لخلق طالب ناجح، فهؤلاء الأطفال لهم حياتهم التي يريدون أن يحيوها"، إن هذا التباين الشديد بين "الصرامة" الكورية الجنوبية في التعليم ، و"الحرية والإنفتاح" في النموذج الفنلندي وكلاهما من أنجح التجارب في العالم يثبت لنا أولا.. أنه ما من طريق واحد للنجاح ، وثانيا.. أنه لابد عند وضع "الوصفة التعليمية الأفضل" لأي بلد معرفة خصائص مواطنيه النفسية والإجتماعية، وأن "النسخ الأعمى" للتجارب مع عدم ملاحظة الفروق الموضوعية قد لا يكون مجدياً.

وإذا كانت "الجدية وبذل الجهد" هي كلمة السر في التجربة الكورية، فإن "المعلم" هو كلمة السر في التجربة الفنلندية، يقول (إندرياس شلايشر) مدير برنامج تقييم الطلبة الدولي بأن "نوعية التدريس هي القوة التي أوصلت فنلندا لتلك النتائج، فالولايات المتحدة تطبق نموذجا مشابها لما يفعلونه في الصناعة حيث المعلم ليس سوى وسيلة لإيصال منتج جاهز، أما في فنلندا فإن المعلمين هم المعيار"...

يحظى المعلمون في ذلك البلد برعاية خاصة وإحترام إجتماعي واضح ودخل مميز، فالمعلم يعمل 190 يوما خلال السنة ويشترط فيه أن يكون حائزا على درجة الماجستير وبينما يأتي المعلمون في الولايات المتحدة من ضمن الأربعين بالمائة الأوطأ في مستواهم الدراسي يأتي معلمو فنلندا ضمن فئة العشرة بالمائة الأعلى في المستوى الدراسي ، أي أن النخبة هي التي تمارس التعليم.

سُئلت رئيسة فنلندا، ما هي مصادر الثروة في بلادكم، فأجابت لدينا ثلاثة مصادر ... التعليم أولاً ، والتعليم ثانياً، والتعليم ثالثاً... كتب (توني واغنر) البروفيسور في جامعة هارفارد، والذي درس التجربة الفنلندية في التعليم: " في مطلع السبعينيات كان لدى فنلندا نظام تعليمي ردئ بإنجازاته مع اقتصاد زراعي لا يقدم سوى منتجا واحدا وهو خشب الأشجار التي كانت تقطع بمعدلات غير قابلة للإستدامة، ولكنهم أدركوا أن عليهم أن يعبروا نحو المستقبل القريب، وعرفوا بأن عليهم مراجعة نظامهم التعليمي وتجديده لتأسيس إقتصاد معرفي فعلي... بدأوا في السبعينيات بتغيير كامل لعمليات تحضير واختيار معلمين ومعلمات المستقبل ، وكانت تلك خطوة أساسية هامة إلا أنها أتاحت لهم ضمان مستوى إحترافي عال بين الأساتذة والمعلمين..."

بإختصار، إن هذه السطور تخبرنا بأن مشروع نهوض أمة بأكملها بدأ بعملية إسمها "الإرتقاء بالمعلم"..!!!

عندما تنتاول موضوع العلاقة بين التعليم والتنمية نجد العديد من النماذج النظرية التي وضعت لتوضيح ذلك، لكن نظرة واحدة إلى تجارب الدول التي حققت طفرات إقتصادية وحضارية في نفس الوقت كالدول التي أشرنا إليها (اليابان وكوريا الجنوبية وفنلندا) نجد أن عملية تطوير التعليم سارت فيها بخط متواز مع عملية البناء الإقتصادي ويمكن القول أنها في النموذج الفنلندي تقدمت عليها بحيث بدت النجاحات الإقتصادية وكأنها ناتج عنها وثمرة لها، إذا في كل الحالات إما أن يكون هناك تزامن في العمليتين أو سبق لجهود تطوير التعليم، ولا نجد حالة واحدة حدثت فيها الطفرات الاقتصادية مع تأخير أو تأجيل لعملية تطوير التعليم.

هذا درس هام للغاية لنا في العراق، فإذا أردنا نهوضا إقتصاديا فلابد أن يأتي ذلك في حزمة واحدة مع النهوض التعليمي، ولذلك يبدو السؤال "أيهما يجب أن يحوز الأولوية ... التنمية البشرية أم التنمية الإقتصادية"، في غاية التبسيط والسذاجة فهما متداخلان تمام التداخل، وهو شبيه بالسؤال ... من أولاً ... البيضة أم الدجاجة، فعندما يتوفر المال لدى الدولة تستطيع أن تنفق على التعليم أكثر ، وعندما يحوز المواطن على فرصة عمل فإنه قد لا يغدو مضطرا لأن يجعل إبنه يعمل في سن مبكرة أو لا يرسله إلى المدرسة، ولكننا بالمقابل عندما نصنع إنسانا متعلما فإنك تصنع "أداة إنتاج إضافية" في المجتمع، وعندما تدرب مهندسا أو طبيبا أو حرفيا بمهارة ستقوم بتفعيل أداة الإنتاج هذه ، ولذلك فالأمور مترابطة ، ولا يمكن فصلها عن بعضها، وبقدر بساطة السؤال عن أولوية التنمية البشرية أو الإقتصادية فإن التساؤل عما هو أولى ... الإنفاق على بناء القاعدة الأساسية للتعليم وتوفير مستلزماته الضرورية من مدارس ومدرسين أم الإنفاق على تحسين نوعية التعليم يحمل نفس القدر من التبسيط. فلا يمكن المرور بهدف الإرتقاء النوعي مالم تتوفر الأساسيات ، ولكن كلا الهدفين مطلوب وضروري ، والتأكيد على نوعية التعليم في العراق يكتسب أهمية إضافية بعد أن أنحدرت هذه النوعية في العقود الأخيرة بشكل خطير أطاح إلى حد كبير بمزايا التعليم وفوائده وجعله شكليا ومظهريا بلا مضمون، وقد وجدنا في تجارب الأمم المتقدمة كيف كان التركيز على نوعية التعليم يحظى بالعناية القصوى وكيف تتنافس الأمم في هذا المجال وتعقد المباريات الدولية بين طلبة مختلف البلدان في المواد العلمية المختلفة، والمعادلة البسيطة في توضيح العلاقة بين الكم والكيف في التعليم تقوم على أساس حاصل ضربهما معا والنظر إلى الناتج الرياضي من عملية الضرب هذه.

عندما نولي وجوهنا شطر "التنمية المستدامة" نجد أن مصطلح الإستدامة يقتضي إبتداءا التركيز على الإنسان والإرتقاء بخصائصه النوعية وخصوصا التعليم، فالتنمية الحقيقية تبدأ بالإنسان وتنتهي إليه ولا إستثمار أدوم وأنفع من الإستثمار في الإنسان الذي هو بالتأكيد أكثر أنواع الإستثمارات ربحية وعائدا.

المعطيات الإحصائية المتعلقة بالتعليم في العراق تثير في النفس مشاعر الحزن والأسى والقلق العميق على المستقبل ، وسأكتفي هنا بطرح بعض المؤشرات لا كلها لأن أوضاع التعليم في بلادنا ليست خافية على المواطن العراقي ومن المؤسف أن الكثير من التقارير الغربية عندما تتحدث عن التعليم في العراق تستخدم مصطلح "Collapse" أي الإنهيار ، والأرقام الإحصائية تدعم هذا الوصف إلى حد كبير ، فلدينا في متوسط التقديرات سبعة ملايين أمي، وتصل بعض التقديرات إلى الرقم ثمانية ملايين من الرجال والنساء ، وعندما ندرس نسب التسرب من المدارس نجد أن حوالي الأربعين بالمائة من الطلبة لا يلتحقون بمدارسهم في سن السادسة من العمر، وتبدأ النسبة بالصعود مع كل سنة دراسية لاحقة، ويقدر عدد الذين لا يلتحقون بالمدارس الإبتدائية بحوالي 700 ألف طفل مع وجود مئات الألاف من الأطفال المتسربين كل عام، وذلك طبقا لتقرير اليونسيف عام 2011م.

الإنفاق على التعليم قياسا إلى الناتج المحلي الإجمالي ونصيب كل فرد مما ينفق على التعليم تقع في ضمن الدول الأقل إنفاقا في العالم، وحتى على مستوى الدول العربية الأخرى، وتنطوي الأرقام هنا على تضليل واضح فميزانية وزارتي التربية والتعليم العالي توجه في شطرها الأعظم نحو دفع الرواتب ولا يبقى سوى جزء ضئيل لا يكاد يذكر للإستثمار في التعليم، والذي يشتمل على بناء المدارس والوسائل التعليمية وغيرها، وما هو مخصص للجزء الأخير هو رقم ضئيل لا يتعدى كسر الواحد الصحيح من حجم تخصيصات الموازنة، وبينما تخصص الدول المتقدمة نسبا تتراوح بين (4% - 6%) من ناتجها المحلي الأجمالي للتعليم نجد أنه في العراق يقع هذا الرقم بين(1.5% - 2%) ، وتعود أموال الموازنة الإستثمارية المخصصة لبناء المدارس كل عام إلى الموازنة، ولا تستخدم بسبب الفشل الذي أبدته وزارة التربية والتعليم في تشييد مدارس جديدة، وذلك لعوامل بيروقراطية وإدارية مختلفة، والناظر لعدد المدارس التي تم بناؤها خلال الفترة منذ عام 2003 يجد أنها ضئيلة للغاية ولا تتجاوز الـــ 250 مدرسة في عموم العراق بينما تقدر الحاجة بــ 6000 مدرسة، ومن المؤسف أن مشروع الموازنة العامة للدولة لعام 2012 وضع عملية تمويل بناء المدارس الجديدة ضمن خانة الدفع بالأجل التي قام مجلس النواب برفعها من مشروع الموازنة مما يعني إلغاء مشروع بناء المدارس والتي كان الأجدر بالحكومة وضعها ضمن المشاريع العاجلة وذات الأولوية وليس ضمن مشاريع التمويل بالأجل المهددة بالإلغاء من قبل النواب.

وبينما ينفق العراق ما يقارب ألـ 40 دولار على الفرد الواحد في التعليم نجد أن المتوسط في البلدان العربية يفوق ذلك، ولا مجال للمقارنة مطلقا مع دول الخليج التي يتجاوز هذا الرقم فيها ألــ 2000 دولار فيما يبلغ في الدولة العبرية 2500 دولار.

هذه المؤشرات الخطيرة لا يمكن أن ينام عليها كل من يهتم بالمستقبل العراقي... فما من جناية ترتكب بحق أمة كجناية تجهيلها... ومن الواضح أن الحروب والحصار والإحتلال ... ثم الصراعات الداخلية قد اختزلت من فرصىة العراقيين في التعلم والتطور، وتركت جروحا غائرة في الجسد العراقي، إننا نعلم أن الأولويات تتزاحم في الواقع الوطني وأن الهموم قد تنسي بعضها بعضا وأن كثرة العلل والمصائب ربما تصيب الأمم بغفلة عن مشاكل خطيرة تواجهها ، ولكن واقع التعليم في العراق ينبيئ بخطر محدق ، ويحمل نذر السوء لمستقبل هذا الوطن...

لا فرصة حقيقية للنهوض في ظل تعليم متردي وعملية تربوية متخلفة، والجهل هو البيئة الطبيعية والمحضن الدافئ للتطرف والتعصب ، وهو بلغة الإقتصاد الوصفة المضمونة للفقر والحرمان، وعلى الرغم من إدراك البعض في مجتمعنا ووعيهم بأهمية التعليم إلا أنه مع الأسف الشديد فإن للجهل والجهالة حلفاء عديدون يجدون فيها وفي الأمية ضمانة لنفوذهم السياسي والإجتماعي ، وهؤلاء لا يريدون للعراقي أن يتحرر من الخرافة، وأن يبقى أسير الوهم لعقود طويلة لأن ذلك هو الذي يحافظ على المناخات والمعادلات الإجتماعية والسياسية القائمة.

إن أمة متعلمة متحضرة هي التي تدافع عن حقها في الحياة، وهي التي تفكر في المستقبل، ولكن الأمم المبتلاة بالجهل والأمية لا تفعل ذلك، فهي تستلم وتسلم مصائرها لمن لا يؤتمن وهي التي تفرز طبقة سياسية من طرازها لا يمكن أن تحقق مشروعا نهضويا حقيقيا.

لقد تغيرت قواعد التنافس والصراعات بين الأمم المتحضرة والمتقدمة، ولم تعد تقتصر على المدفع والصاروخ، ذلك لأن الأمم الحية اليوم صارت تحرص على معرفة أسرار العملية التعليمية الناجحة... ومفاتيح النجاح في الإدارة الحديثة... وتتباهى بتجاربها التعليمية... والإدارية... بقدر ما تفخر بعدد المخترعات والإبتكارات التي تحققت على أراضيها ... وعدد النوابغ والأذكياء في مجتمعها ... ومليارات التجارة والصادرات... ومعدل الدخل الفردي لمواطنها... ومستوى إستخدام الإنترنت... وهكذا.

وقد لا نكون نحن اليوم في العراق ضمن هذه المدارات المتقدمة... ولكن هذه التحديات تبقى قائمة بالنسبة لنا كدولة ومجتمع في العراق... إنها لم تعد خيارا لأننا لا نستطيع أن نعيش خارج عصرنا ... وزماننا، ولا أن ننفصل عن السياقات التي تلف الكون بأسره... وإذا ما تخلفنا عن الركب وصرنا بعيدين عنه... فإننا نحكم على وطننا وشعبنا بأوخم العواقب.

إذا كانت الولايات المتحدة ترى أنها بسبب التعليم أصبحت "أمة في خطر" ... فما الذي يمكن أن نقوله نحن عن أنفسنا...؟؟

ربما كان تعبير "أمة في غفلة" هو الأجدر بوصف حالنا...

http://www.facebook.com/mhawish75/posts/270181489728474
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

د.عبد الاحد متي دنحا

شكرا استاذ ماهر على الموضوع الاهم واتذكر ان السيد توني بلير رئيس الوزراء البريطاني السابق ان من اهم دعاياته الانتخابية education education education  تعليم تعليم تعليم, فلا يوجد شئ اهم من التعليم, لذا كتبت عدة مواضيع شبه بحوث عن موضوع التعليم

مع تحيات

عبدالاحد
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير

ماهر سعيد متي

 
الشكر لك ولمرورك الكريم
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة