مشاكسة وعلى الارض السلام / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 05, 2014, 11:31:17 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة وعلى الارض السلام



مال الله فرج
Malalah_faraj@yahoo.com 
   



في اجواء انسانية شفافة، تمازجت فيها الافراح بالاحزان، والابتسامات بالدموع، والقبلات الساخنة بالاحضان الدافئة، والاشواق باللهفة، والحنين بالنشيج والانين والعناق بمن ابعدهم الفراق، لحظة توقفت فيها حركة العالم الصاخبة وصمتت الموسيقى وسكت المغنون وتسمرت اقدام الراقصين على (استيجات) الرقص وارتفع وجيب القلوب وانطفأت كل الشموع والانوار وغرق العالم في لحظات صمت وظلام ورهبة وخشوع، بانتظار الحدث الفريد، وتسمرت عيون الجميع على عقربي الساعة وهما يتبادلان عند الثانية عشرة تماما قبلتهما السنوية الملتهبة ويعانقان بعضهما بالتصاق حميمي دافئ لا يتكرر الا مرة في السنة كأنهما عاشقان في ليلة زفافهما الاولى، ليزفا الى العالم الحدث السنوي المجيد بولادة العام الجديد، تطايرت الاماني والتهاني والتمنيات بين الاهل والاقارب والاصدقاء والأحبة مثل فراشات ملونة , لترسم لوحة انسانية متوهجة بالمحبة لا تتكرر إلا مرة واحدة في السنة، بينما راحت بعض القلوب الحزينة ترنو الى الافق البعيد حيث الأحبة الذين طوحت بهم تحديات الحياة بين القارات وهم يتمنون لو كان بمستطاعهم ان يحتضنوهم ولو  للحظات ويطبعوا على جباههم أحرَّ القبلات حيث تمازج الدمع بالصلوات والرجاء بالدعوات والدموع بالأمنيات.

هكذا حمل عام 2013 حقائبه ورحل تاركا جراحات عميقة وحرائق ملتهبة ومآسٍ وتداعيات مركبة، وفي هذه الاجواء طرق ضيف الانسانية الجديد (2014) ابواب حياتنا ودخل حاملا على ظهره حقيبة ملأى بــ(365) علبة مغلقة على المجال وهو يعدنا بالكثير الكثير الذي نتمنى أن يكون خيرا وفيرا خصوصا للفقراء والمعدمين والارامل واليتامى والمسحوقين، وأن تضم تلك العلب مجهولة المحتوى ما يطفئ الحرائق ويوقف التداعيات ويذلل الصعاب والتحديات ويعيد إلى حياتنا القلقة التي باتت تترنح على كف عفريت نعمة السلام والمحبة والتسامح، خصوصاً ونحن نضع اقدامنا اليوم على بوابة السنة الميلادية الجديدة التي تذكرنا بميلاد رسول المحبة والمغفرة والسلام الذي هز بقيمه ورسالته وسيرته العطرة وتعاليمه أُسس وهياكل كل الستراتيجيات والثقافات والبرامج والسياسات والعلاقات القائمة على الحقد والكراهية والاضطهاد والبغضاء، وغرس محلها المحبة والمغفرة والتضحية والفداء.

ففي الوقت الذي كان فيه المؤمنون في مختلف انحاء العالم يستعيدون تراتيل ملائكة الرب في تلك الليلة المباركة التي غيرت وجه العالم وأخذت بأيدي الانسانية نحو كنوز المحبة الحقيقية: (المجد لله في العلى وعلى الارض السلام ) أبى اعداء السلام الا ان يعبروا عن احقادهم الشريرة ونزعاتهم الهمجية وتعطشهم الحيواني المخزي لدماء الابرياء باراقة المزيد من الدماء ليستحقوا عن جدارة لعنة الارض والسماء، سيما بعد أن خرقوا كل القيم السماوية التي تنهى عن قتل الابرياء.

وإذ بأولئك القتلة القادمين من اعماق عصور الارهاب والهمجية ومن دياجير كهوف التخلف والبغضاء والكراهية يقدمون على اقتراف ثلاث جرائم ارهابية في ثلاث عواصم عربية في وقت متزامن مع احتفالات الميلاد لتهز جرائمهم الشنيعة التي ارتكبتها أياديهم الآثمة الضمير الانساني بعنف عبر مفخخاتهم التي حولت أولها سوق الاثوريين في منطقة الدورة ببغداد الى مسرح للدماء المتناثرة من الاطفال والنساء والرجال، وتولت الثانية التي هزت القاهرة بعنف مستهدفة (مديرية امن الدهقلية) بالمنصورة صبغ المنطقة بالاشلاء والخراب وانقاض الابنية والعمارات، واقدمت الثالثة التي اتخذت من وسط بيروت هدفا لها، على اشعال حرائق الاحقاد حيث تطايرت اجزاء السيارات مختلطة باشلاء البشر وبسحب الدخان ليبعثوا برسالة واضحة المعالم الى المنطقة والعالم مفادها أن الارهاب قادم.

إن تلمس افرازات حرائق كل تلك الجرائم الارهابية، خلال العام الماضي فقط كفيل بأن يضع المجتمع الدولي وفي مقدمته دول المنطقة والعراق بخاصة، امام مسؤولية التصدي وضرورة، بل الزامية، العمل الجمعي من قبل كل الاطراف سياسيين ومسؤولين حكوميين وبرلمانيين واتحادات جماهيرية ومهنية ومنظمات مجتمع مدني وصحفيين واعلاميين ومثقفين ومحللين سياسيين وقوى امنية وقضائية وفي المقدمة علماء ورجال الدين الافاضل، العمل على انبثاق جبهة موحدة عريضة للنضال من اجل السلام، بكل ما يستلزمه ذلك من برامج تثقيفية وتوعية تنطلق من المدارس والمعاهد والجامعات لتواكب مسيرة المجتمع عبر المنابر الروحية   لدور العبادة قاطبة، منطلقين في ذلك من حقائق استهداف الارهاب والارهابيين لجميع الفئات والمكونات والطبقات الاجتماعية، دون تمييز سيما الاطفال والنساء الذين سقطوا ضحايا لاحقادهم وجرائم غدرهم في الشوارع والاسواق والمدارس والمؤسسات ومواكب العزاء، خصوصا وانهم يتحدون ارادة الله عز وجل، بل ويخرقون القيم الروحية والانسانية الجليلة لقوله تعالى، بسم الله الرحمن الرحيم (من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما أحيا الناس جميعا)، صدق الله العظيم.

فخلال شهر واحد فقط اطاح الارهابيون وفقا لاحصائيات الامم المتحدة في العراق بـ(2881) مواطنا من بينهم (981) شهيدا و(1900) مصاب، ولو استمر الحال على ما هو عليه فإن الارهاب سيحصد (34.572) عراقيا خلال سنة ان لم يتم تدارك الامر.

إن اقليم كوردستان بقيم المحبة والتسامح وقبول الآخر فيه وحرصه على صيانة الحريات وتوسيع وتعميق مساحة مبادئ حقوق الانسان وضمان حرية المعتقدات والاديان لجدير بأن يكون مبادرا إلى الدعوة لتشكيل الهيئة الاقليمية للسلام ومكافحة الارهاب في المنطقة واحتضان مقرها ايضا، لتكون حافزا لتصعيد وتوسيع الاجراءات والستراتيجيات والخطط والبرامج والدراسات المناهضة للارهاب والداعية الى السلام، وربما تكون مثل هذه المبادرة خطوة حاسمة لانبثاق منظمة دولية تابعة للامم المتحدة وفروع اقليمية ترتبط بها من اجل محاصرة الارهاب والارهابيين وتعزيز اسس السلام والامن الدوليين.

فهل يشهد عام (2014) احتضان كوردستان للهيئة الاقليمية للسلام؟