الايزيدية والاقليات الدينية العراقية بعد داعش ؛ رؤية مستقبلية خضر دوملي*

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, نوفمبر 09, 2015, 08:51:44 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

الايزيدية والاقليات الدينية العراقية بعد داعش ؛ رؤية مستقبلية

خضر دوملي*




تقرير مخصص – مركز دراسات الاقليات في الشرق الاوسط لجامعة الكسليك اللبنانية USEK

توطئة عن الاقليات في العراق
يعتبر العراق واحدا من البلدان المهمة في الشرق الاوسط التي تحتضن الكثير من الاقليات الدينية والاثنية والقومية منذ الاف السنين وهم يعدون من ابناء السكان الاصلاء لوادي الرافدين – ميزوبوتاميا مثل ( المسيحيين – كلدان – اشوريين – وارمن وسريان، الايزيدية، الكاكائية او يارسان، البهائية والصابئة المندائية، الشبك والتركمان، واصحاب البشرة السوداء وبقايا قليلة من الزرادشتية وسابقا اليهود ) يمتد حضورهم في هذه البلاد لمئات السنين قبل انتشار الاسلام، وينتشرون في شمال ووسط وجنوب العراق، وغالبيتهم الان على الشريط الممتد على الحدود الجنوبية لكوردستان او المحاذي حاليا لأقليم كوردستان العراق حيث يعيش غالبيتهم هناك اليوم .
حضور الاقليات في المشهد العراقي، شهد موجات كبيرة من الحملات والهجمات والتغيرات الجذرية في الموقع الجغرافي، وفي الممارسة ضدهم بالدرجة الاساس فيما يتعلق بمحاولات او حملات طمس الهوية والتشويه المتعمد وغير المتعمد، او الاهمال في الاهتمام بهم لأنهم كانوا على الغالب غير مقبولين من قبل الاغلبية على عدة مستويات وفي عدة مراحل تاريخية ليصل بهم الوضع في الوقت الحالي ليشهد البلاد موجات نزوح مستمرة بالالاف، وموجات هجرة لترك البلاد دون توقف منذ بدايات التسعينات من القرن الماضي لتشهد الان موجات نزوح وهجرة جماعية ومستمرة الحقت ضررا كبيرا بوجودهم وموقعهم وتغير الطابع الديموغرافي لمناطقهم وخاصة بعد ربيع 2003 .
الان وبعد وصول الاوضاع الى اسوء ما هي عليه تشهد مدن وبلدان محافظة نينوى – الموصل منذ سيطرة ( داعش – الدولة الاسلامية في العراق والشام) عليها  تغيرا مستمرا في خارطتها السياسية والدينية، تشهد نزوحا مستمرا للاقليات، وقتلا مستمرا للايزيدية وهجرة المسيحيين وتضائل الامل بالمستقبل في العراق الذي لخصها احد نشطاء المجتمع المدني بالقول:" حتى لو وضعوا دبابة امام بيتي لتحرسني لن ابقى في هذا البلد لأنهم لايريدوننا بينهم".
هذا الواقع الجديد الذي اسفر عن سيطرة واحتلال داعش لمناطق شاسعة من العراق واكثرها اهمية هي مواطن الايزيدية والمسيحيين والشبك والكاكائية باتت في منظار العالم اكثر من اي وقت مضى، رغم انها شهدت الكثير من المآسي والويلات منذ تأسيس الدولة العراقية والى الان، باتت في صورة ما تشبه انها البداية لتغير خارطة الاقليات في العراق وفصل اخر من فصول التهميش والاقصاء ليلحق به فصل النزوح وسبي النساء والاطفال الايزيدية الذين بلغوا سبعة الاف شخص بين قتيل و مخطوف ومفقود.
وقفة تاريخية
تعتبر مناطق سهل نينوى ( شمال الموصل اعتبارا من شرقي نهر دجلة من ناحية وانة وصولا الى شرقي الموصل في الحمدانية  ثم غرب الموصل سنجار- 120 كم )   اكثر المناطق تزاحما وتداخلا في وجود مكونات عديدة ( دينية – قومية – اثنية وكذلك فروع لأثنيات دينية وقومية، الشبك الشيعة والشبك السنة، والتركمان الشيعة والتركمان السنة واهل الحق ) وشهدت هذه المناطق منذ تأسيس الدولة العراقية الكثير من التغيرات الديموغرافية التي جاءت معظمها وفق سياسات مدروسة وبعضها الاخر نتيجة تغير الظروف الاقتصادية والسياسية .
مع تأسيس الدولة العراقية كان على الاقليات مواجهة التقسيم الذي حل بهم نتجية رسم الحدود وفق اتفاقية سايكس بيكو 1916 ، اذ انقسم الايزيدية في اعالي بلاد الرافدين الى ثلاثة اقسام – قسم بقي في تركيا تعرض الى موجة ابادة جماعية مع الارمن في 1914 ولغاية 1928 بحيث تراجع وجودهم 90% ثم الموجة الاكبر من النزوح والهجرة لهم الى اوربا مطلع ستينات القرن الماضي، ومن ثم وجودهك في الموطن الاصلي في كوردستان العراق وبعدها سوريا، وحصل نفس الامر مع المسيحيين – الكلدان والاشوريين وما اسفرت عنه مذابح الارمن في 1914 من تغير خارطة الارمن الجغرافية والسياسية وكذلك خارطة وجود وتوزيع الاشوريين بعد الحرب العالمية الاولى، وثم بشكل او بأخر ما واجهته الاقليات الصغرى في العراق ايضا من تغير هويتها و وجودها فيما يتعلق بالكاكائية والبهائية .
كانت اولى السياسات التي وصفت بالهمجية التي مارستها الدولة العراقية ضد ابنائها هو ما مارسته ضد الايزيدية في الاعوام 1925 – 1931 عندما استخدمت القوة والعنف والهجوم العسكري عليهم في سنجار مما أدى الى قتل العديد منهم وهجرة الالاف وتشرد الالاف نتيجة فرض اشخاص لتولي الادارة هناك وتهميش الايزيدية، واعقبتها هجمة اخرى كبيرة 1931 -1933على جبل سنجار حيث اعتبرت المرة الاكبر لاستخدام الحكومة العراقية القوة وضرب المنطقة بالطائرات على اثر رفض الايزيدية الدخول في الجيش وفق نظام التجنيد الاجباري.
لم يتوقف هذا الامر بل وسعت الحكومة العراقية الممارسات ضد الاقليات الدينية واعتبر ما ارتكبته بحق الاشوريين في 1931- 1933 في منطقة سميل وديربون – غرب وشمال غرب دهوك هو الاعنف ايضا اذ استخدمت الطائرات والهجوم العسكري الواسع وارتكبت مجزرة بحق الاشوريين في شمال مدينة سميل اسفر عن مقتل اكثر من خمسمائة شخص من الرجال والنساء مما أدى الى نزوح الالاف منهم الى وسط وجنوب العراق .
هذه الممارسات العسكرية رافقته حملة دعم العشائر العربية للاستطيان في جنوب وشمال جبل سنجار مع الدعم الحكومي المادي والمعنوي، اذ اصبح طابع المنطقة عربيا مما أثر بشكل كبير  الى التأثير على الطابع التراثي والفكري والازياء الشعبية الى درجة ان الايزيدية كانوا يعلقون ايات من القرآن في منازلهم دون يعرفوا ماذا تعني وما هي دلالتها فقط لأنها مكتوبة بالعربية وخط مزخرف مثل ( هذا من فضل ربي – الله نور الارض والسموات ) وهي من شدة تأثرهم بعمليات التعريب التي أدت الى تقوقع الايزيدية على اطرف الجبل وترك الاف الهكتارات من الاراضي الزراعية الشاسعة جنوب وشمال سنجار( ربيعة التي ترجع استطيان العشائر العربية اليها الى مطلع القرن الثامن عشر برعاية الولاة العثمانيين في الموصل وخاصة الجليليين ثم تبعته مراحل اخرى كانت اكثر توسعا هي التي جاءت بعد تأسيس الدولة العراقية وحملة دعم العشائر التي اطلقها الانكليز 1925 ومن ثم الحملة الاكبر جاءت على ضوء خطة التعريب التي أطلقها ياسين الهاشمي في اسكان العشائر العربية في مناطق الاقليات غرب كركوك وشمال الموصل 1941 ثم الحملة التي بدأها حزب البعث الاولى عام 1963 ومن ثم  الحملة الاكبر عام 1974 في سنجار وشيخان خاصة ) لقطع تواصلهم مع الثوار الاكراد ثم حملة تدمير قرى المسيحيين على الحدود التركية بعدثورة ايلول 1961 لنفس الاسباب.
الى الشمال والغرب من الموصل لم يكن الوضع بأفضل من غربها، اذ تعرضت هي الاخرى الى حملات تعريب واسعة تمثلت بمصادرة اراضي وقرى كاملة من الايزيدية في بداية القرن العشرين بعد حملة فريق باشا ونظمي باشا وهم من القادة الذين كانوا يشرفون على الحملات العسكرية للولاة العثمانيين في الموصل مما أدى الى سيطرة العشائر العربية على مناطق واسعة للايزيدية خاصة في قرى ( كتك – ناوران – ناحية وانة – خورسيباد – فاضلية – شيفشرين – ركابا وباريمة شمال الموصل 15 -25 كم ) وهي مساحات واسعة من الاراضي بين الموصل وشيخان – عين سفنى 35 كم شمالا، ثم على قرى واملاك المسيحيين في شرق الموصل جنوب الحمدانية وعلى اطراف قضاء تلكيف الغربية 10 – 15 كم خاصة،  حيث قطعوا التواصل بين المسيحيين في الحمدانية و الموجودين في جانب ديرماربهنام على ضفاف نهر دجلة، باسكان المئات من العوائل العربية ومنحها الاراضي والامتيازات.
لم تتوقف حملات التعريب والتهجير التي رافقت الايزيدية والمسيحيين في تلك المناطق وشهدت سنوات 1941 و 1961 حملات اخرى لمصادرة قرى الايزيدية والمسيحيين ومنحها للعشائر العربية التي دعمت حملات عسكرية شنتها الدولة ضد تلك المناطق نتيجة سياساتها الخاطئة في الادارة واسفرت عن مصادرة اراضي واسعة  شمال الموصل قرب القوش وشرقها ( بدرية – بانداوايا – كرخوش – ديرستون – باقاق – كاني شرين وصولا الى شرقي قضاء شيخان في  بيربوب- دوشيفان ) وغيرها العشرات من القرى .
فجاءت الحملة الاكبر  التي اتبعتها الدولة العراقية في تغير واقع مناطق الاقليات وخاصة شمال وغرب الموصل وشرقها مجددا تمثلت بحملات التعريب التي اشرف عليها ونفذها حزب البعث بقوة و سرعة وتمثلت بـ  تهجير وتدمير اكثر من 158 قرية للايزيدية في سنجار وزاخو وشيخان وترحيل سكانها الى مناطق قريبة من مدن دهوك وحوالي جبل سنجار  واسكان العشائر العربية هناك ومنحها اراضي الايزيدية وممتلكاتها، ولم تسلم مناطق غرب قضاء تلكيف وشرقها من تلك الحملة وكذلك ناحية بعشيقة وجنوب المنطقة المحاذية لقضاء الحمداينة حيث منحت الحكومة الاف الهكتارات من الاراضي للعشائر العربية التي اعتبرت دخيلة على المنطقة، مما أثرت كثيرا على واقع العلاقة بين الايزيدية والمسيحيين وتلك العشائر وكثيرا ما كانت تلك العشائر تمارس دور السلطة والرقيب على الايزيدية وتصادر اموالهم وممتلكتها دون ان تحرك السلطة، لابل كانت تتستر على ما يرتكبه افراد تلك العشائر من ممارسات وانتهاكات وسرقات وحتى عمليات القتل،ثم كانت سببا في تردي العلاقة بين الشبك والايزيدية والمسحيين ايضا،، هذه الوضعية أدت الى تغير نهج التعامل، وترسيخ التعريب، وترسيخ الوجود العربي غير الصحيح في المنطقة، وتراجع المستوى الاقتصادي للايزيدية والمسيحيين وتهميش الاقليات الدينية الصغيرة خاصة في المناطق التي يتواجدون فيها بأعداد قليلة، ثم سيطرة افراد عشائر عربية على الاوضاع الامنية والادارية، منح السلطة والوظائف الادارية اصبح لهؤلاء اكثر من غيرهم من الامتيازات، وصل الامر الى التحكم بعملية التعليم والتربية في تلك المناطق، اضفاء هوية عربية عنوة على الايزيدية وتسجيلهم عربا في احصاء 1977 وهذا الامر حصل مع الشبك والمسيحيين ومصادرة اسم الكاكائية كديانة واعتبارهم عشائر وتسجيلهم كمسلمين الى جانب الكثير من الممارسات الاخرى .
الجانب الاخر من الموضوع تمثل بالمشاريع التي تحمل طابعا تميزيا اذ تم انشاء مشروع ري الجزيرة ولم تستفد منه الايزيدية في سنجار بل كان فرصة لكي يستفاد منه الاف العوائل العربية التي قدمت للمنطقة ضمن مشاريع التعريب الذين تم استيطانهم هناك، وفي افضل الاحوال كان يتم تشغيل الايزيدية كعمال بأجور زهيدة .. ينظر الايزيدي لاملاكه وقد اصبحت بايدي الغرباء و لايحق له حتى ان يصبح عاملا هناك ( تدر اراضي غرب وجنوب سنجار اكبر كمية من القمح سنويا في العراق ويوجد في سنجار وتلعفر وربيعة وبعاج ثلاثة من اكبر  سايلوهات خزن الحبوب في الشرق الاوسط ) بفضل عمليات التعريب اصبح اصحاب الاراضي والملاكين من العرب بعدما كانت تلك الاراضي بايدي الايزيدية ولكن الحكومة لم تكن تخصص لهم اي دعم لابل لم تبنى السايلوهات الا ان اصبحت غالبية الاراضي بايدي العرب في بداية السبعينات من القرن الماضي.
الصفحة الاخرى للتميز جاءت من خلال  انشىاء مشاريع  صناعية وبتروكيماوية ومصفى للنفط  في كسك ومشروع سد الموصل الذي كانت ايضا وراءه اهدف مقيتة تمثلت بدفن 22 قرية للايزيدية والمسيحيين شمال الموصل 25كم، ولم يكن يحق للسكان الاصليين العمل في تلك المشاريع ألا في حالات قليلة جدا .
لم يكن الامر في شمال الموصل ( شيخان – بعشيقة – برطلة – قرقوش – القوش وختارا ) بأفضل من سنجار اذ مورست سياسات عنصرية في مجال التنمية، حيث اقيمت  مشاريع الثروة الحيوانية التي كانت تتمثل في مشاريع الوحدة العربية انذاك في قضاء الحمدانية وشمال سميل غرب دهوك وتعزيز التعريب في بعشيقة وشيخان وتلكيف مما أدى الى هجرة الالاف من سكانها الى جنوب العراق بحثل عن لقمة العيش ،،،، على سبيل المثال كان نفوس المسيحيين في تلكيف عام 1975 –  1977 حوالي (87000 ) نسمة بينما في عام 2013 اصبح عددهم 12500 نسمة. ولم يتوقف الامر عند هذا الحد بل تم منح قروض مالية كبيرة للعشائر العربية للاستمثار في قرى واملاك الايزيدية في شرق شيخان – عين سفنى وخاصة قرى مجمع ( مةهةت – شمال الموصل 45 كم ) وكذلك منح ملايين الدنانير للعوائل العربية في سبعينات وثمانينات القرن الماضي لهم لقاء تنفيذ مشاريع زراعية مدعومة بينما حرم الايزيدية والمسيحيين منها، لابل لم توصل حتى شبكة الكهرباء والماء الى المجمعات القسرية التي بنيت لهم الا تتبعا في عدة سنوات. ثم لم يتوقف الامر عند هذا الحد بل تعداه الى اقامة مشاريع استثمارية صناعية في مناطق ذات كثافة سكانية للعرب والمسلمين مثل مشاريع الثروة الحيوانية ومشاريع معامل السمنت، ومعامل صغيرة يستفاد منها فقط او على الاغلب العرب القادمين الى المنطقة من وسط وجنوب العراق ومعمل سمنت سنجار افضل مثال لهذا التميز في التعامل حيث الى الان نسبة 90% من عمالها من خارج سنجار .
يمكن الاشارة الى انه نتيجة هذه الظروف فأن الوضع الانساني في سنجار قد تدهور كثير ، ارتفعت نسبة البطالة، تفشت الامية، وتقوت شوكة العشائر العربية هناك، وانتشرت الافكار الاستسلامية لابل عززتها الحكومة، وجردتهم من انتمائهم الديني والقومي تحديدا، وحاولة الاجهزة الامنية بين فترة واخرى زرع الفتة بين الايزيدية والعرب هناك من خلال تنفيذ جرائم سطو، قتل ، خطف النساء الايزيديات وصولا الى منح القوة ومقاليد الادارة دوما للمسلمين والعرب خاصة رغم ان نفوس الايزيدية في سنجار كان اكثر من 85%  الى وقت سيطرة (داعش ) عليها في اغسطس اب 2014 .
لم تكن اوضاع الصابئة المندائية ولا البهائية في العراق بأفضل حيث طالتهم الكثير  من حملات التغير الديموغرافي والتهجير والترحيل وعدم دعمهم لتولي المناصب الادارية والمسؤوليات ألا في حالات نادرة جدا ولم تكن احوال اليهود حسنة بالمرة اذ شملتهم حملات النهب والسرقة بعد حملات الهدرة التي بدأوها مطلع اربعينات القرن الماضي ولغاية 1952 وشهدت العديد من مناطقهم حملات نهب وسرقة لاتزال معروفة بحملات الفرهود لممتلكات اليهود، ثم كان الامر السيء ما مارسته الحكومة تجاه البهائية حديث بدأت  بتغير تسيمة البهائية كدين رسمي الى المسلمين على جميع ممتلكاتهم والغيت جمعياتهم الدينية في 1974 وتم سجن العديد من نشطائهم وتم تشديد الاجراءات على الصابئة ونتيجة الممارسات والسياسات الشوفينة فقد العراق اكثر من (17000 ) سبعة عشرة الف من الكورد الفيلية 1970 – 1982  في ظروف لاتزال يشوبها الكثير من الغموض بسبب اتهمامهم الحكومة انذاك انهم من التبعية الايرانية.

ما بعد التعريب
ما يجدر ذكره ان حملات التعريب التي بدأها سلطات حزب البعث في العراق جاءت في سبيل تغير الطابع الديموغرافي للعديد من المناطق ابرزها تقع ضمن حدود كوردستان الجنوبية او مناطق الاقليات الدينية والقومية على اطرافها الجنوبي، وكانت اشد تلك الحملات التي هي تلك التي شهدتها محافظتي نينوى وكركوك وكذلك ديالى منذ بدايات سبعينات القرن الماضي والى بداية 2003  حيث تعتبر حملة التعريب في خانقين ومنديل التي بدأتها بداية عام 1970 ومن ثم حملة تعريب سنجار 1974 ابرز الدلائل.
بعدما استقر التعريب في مناطق الايزيدية والمسيحيين والكاكائية والشبك كانت الحكومة العراقية قد بدأت حملات الانفال في الشمال في كوردستان العراق 1987 – 1989 ثم حدثت الانتفاضة وانفصال جزء من كوردستان عن العراق وبعدها كانت الحكومة العراقية وباشراف صدام حسين قد قامت بحملة دينية واسعة في تلك المناطق سميت بالحملة الايمانية انطلقت عام 1993 واستمرت رسميا خمس سنوات، عززت الوجود العربي الاسلامي المتطرف في تلك المناطق وعلى ضوئها  دخلت عناصر متطرفة كثيرة الى مناطق تواجد الاقليات الدينية تحديدا وقامت بحملات منظمة لزرع الافكار التطرفية بين العرب الموجودين هناك، ورغم طابع العلاقة المتسامحة التي بدأها الايزيدية مثلا مع العرب من خلال اقامة شعائر وتقاليد الكرافة ( يجعل الايزيدية من غيره اخا له بعدما يختن ابناءه في حضنه دلالة على بناء علاقات اخوية تسودها الوفاء بين الطرفين ) ألا ان ذلك لم يساعد على تقليل سطوة العرب عليهم.
ما بعد التعريب ايضا شهدت تلك المناطق موجة نزوح كبيرة للعرب اليها ـ على سبيل المثال تم منح (5000 ) قطعة ارض لبناء الدور السكنية للعرب في قضاء تلكيف وتحديدا على اطرافها الجنوبية لاضفاء طابع عربي على القضاء، وبنيت المساجد وانتشرت الافكار الدينية التطرفية بسرعة فيها وحدث نفس الشيء في بعشيقة حيث امرت السلطة مثلا في منتصف الثمانينات ببناء مسجد كبير وسط البلدة وانشاء منارة عالية فيها تعلو قباب الايزيدية الموجودة على تلك القريبة من المنطقة وتشجيع رجال الدين للسكن هناك والقاء الخطب الدينية التي تحمل سمات رفض الاخر ومن ان غير المسلمين كفرة ،،،، رغم ان بعشيقة مدينة ايزيدية خالصة كان يوجد فيها الى جانب الايزيدية عدد لابأس من المسيحيين وبعض الشبك والكاكائية على اطرافها  ألا انها اصبحت بعدها مدينة عريبة يوجد فيها مسلمين بنسب تفوق الايزيدية والمسيحيين الان ( قبل احتلالها من قبل داعش 2014 ) .
لم يكن هذا الامر قليلا في مناطق القوش وختارا وفايدة شمال الموصل 40 كم المسيحية والايزيدية حيث اصبحت مركزا لعشائر عربية ومنبع قوتها تسيطر على مقالد الامور هناك مما أدى تهميش السكان الاصليين وارتكب افرادها جرائم قتل بحق الايزيدية دون ان تحاسبهم السلطة منذ ستينات القرن الماضي ولغاية 2003 حيث مارست السلطة الكثيرا من الضغط والتهديد ضدهم بغية قطع صلاتهم بالثورة الكوردية ( قتلوا اربعة رجال ايزيدية بدم بارد  في قرقوش عام 1995 ) ولم تفتح السلطة حتى تحقيقا في الامر وتكرر في عام 1998 بقتل عشائر عربية رجلين واصابة ثالث في جنوب القوش لم تكسف تفاصيل الجريمة الى الان.
من الامثلة الاخرى التي تشير الى تفتت روابط التعايش والاستقرار  في مناطق الاقليات هو ما أتبعه صدام من سياسة فرض الاراء والاشخاص على الاقليات في مناصب ادارية ومناصب دينية ايضا . مما خلق شعورا كبيرا بالنفور الاجتماعي وهجرة نحو الشمال – اقليم كوردستان – والى الخارج ايضا .. ادى هذا الامر الى نشوء طبقة من الاغنياء العرب في المنطقة، وأدى الى ظهرو جماعات دينية متطرفة في تلك المناطق وخاصة جنوب سنجار  قضاء ( البعاج ) التي اصبحت فيما بعد مأوى كبيرا لعناصر القاعدة،،،،، واختفى على ضوء السياسات التي اتبعتها السلطة في تلك المناطق الكثير من الاشخاص في ظروف غامضة لم يستطع احد العمل على كشف ما جرى .
الواقع الخاص بالاقليات في الجانب السياسي والتمثيل الرسمي كان شبه معدوما، وكان حزب البعث يقرر ويوجد القرارات التي تخص هذا الجانب وفق استراتيجية خاصة ، ولم يكن هناك حقوق في الدستور ولم تكن هناك عدالة في المحاكم، ولا انصاف في الاحكام، لاقضاة ايزديين ولا مسيحيين، ولم يكن هناك تمثيل رسمي معقول للايزيدية والمسيحيين في مؤسسات الدولة ولامناصب مرموقة ألا في حالات نادرة لأشخاص كانوا اعضاء في حزب البعث ولم تشهد المناصب الرسمية ان كانت بيد الايزيدية والمسيحيين ألا بنسب قليلة جدا ونفس الشيء مع الكاكائية والشبك والبهائية والصابئة.
ومن ابرز المظاهر التي تعززت وترسخت بعد حملات التعريب وخاصة في سنجار وسهل نينوى بعد عام 1991 هو ما يلي :-
–    تعزيز سياسة التعريب والتغيير الديموغرافي لصالح العرب وزيادة واضحة في السكان لصالحهم.
–    سلخ قرى ومجمعات سكنية ونواحي من سنجار والحقاها بقضاء بعاج ذات الكثافة السكانية العربية ونفس الشيء في برطلة والحمدانية وشيخان.
–    فتح مشاريع خاصة للمستطونين العرب في المنطقة ومنحهم القروض الزراعية وخاصة تلك التي تتبع مشروع ري الجزيرة في سنجار ومشاريع التنمية الزراعية جنوب وشرق الحمدانية.
–    تعزيز التطرف الديني من خلال رجال دين محافظين وتشجيع خطف النساء الايزيديات وارسال رجال دين وملالي يحملون صفات رفض الاخر واعلاء المسلمين على غيرهم والذين يرفضون ان يولي غير المسلمين مقاليد الادارة .
–    تشجيع التعليم بالعربي وتسجيل الاسماء العربية على المناطق والقرى والبلدات والولادات الحديثة عنوة ومحاربة كل اشكال الاهتمام بالتراث واللغة السريانية واللغة الكوردية التي تعد اللغة الاصيلة والرئيسة للايزديين وتشجيعهم على ارتداء الملابس العربية وترك الملابس التقليدية الايزيدية في تلك المنطقة التي تشبه الى حد كبير ملابس الروم كذلك عدم وجود اي اهتمام باللغة السريانية وتطويرها وتعليم النشء الجديد فنونها وادابها.
–    زعزعة الامن وشق الخلافات بين العشائر الايزيدية وجعلها تحارب بعضها البعض وتتنافس فيما بينها على المكتسبات .
–    تشجيع الايزيدية عن الانعزال عن مركزهم الديني في شيخان التي تبعد عنها اكثر من 250 كم وهي المركز الديني ومركز الامارة والامير في عين سفنى – شيخان – الذي يتواجد فيه مقر الامير والمجلس الروحاني ومعبد لالش الذي يعد المعبد الوحيد للايزيدية في العالم.
–    نشوء طبقة من اصحاب الاملاك والمستثمرين المسلمين العرب الذين يتحكمون بكل شيء في سنجار والحمدانية والقوش وشيخان وتلكيف وبعشيقة، ويقررون القرارات و يصدرون الاوامر وساهموا في اختفاء العديد من الاشخاص لاسباب مجهولة  كانت سببا في هجرة الكثيرين من المواطنين من الايزيدية والمسيحيين وترك اراضيهم واملاكهم.
–    القاء القبض على العشرات من الشخصيات والرجال بحجة انهم كانوا متعاونين مع الاحزاب الكوردية التي انتفضت عام 1991 واعلنت عن تشكيل حكومة وادارة مستقلة عن بغداد.
وفيما يتعلق بمنطقة شمال وشرق الموصل ايضا : ( تلكيف – القوش – ختارا – شيخان وبعشيقة وبحزاني وبرطلة والحمدانية ) في تلك المرحلة – مابعد التعريب – وصولا الى تلك الاحداث التي رافقت تجزء المنطقة وتوجهات ابنائها بعد انتفاضة اذار 1991 الكوردية ونشوء منطقة اقليم كوردستان، ولم تكن تلك الممارسات التي حدثت في سنجار بأقل منها في تلك المنطقة ألا ان الموقع الجغرافي وقربها من اقليم كوردستان جعلت من الاوضاع فيها اكثر صعوبة وحدثت الكثير من المشاكل و تراجع المستوى الاقتصادي، وتقوت شوكة العشائر العربية ضد العشائر الكوردية والايزيدية والمسحيين خاصة، وبدأت الحكومة حملة تغيير ديموغرافي واسعة في تلك المنطقة مما اسفر عن موجة هجرة مستمرة ونزوح الى اقليم كوردستان ومن ثم الى خارج العراق، وفي تلك الفترة وتحديدا بعد 1992 اصبحت الهجرة الهمم وحلم كل عائلة مسيحية وايزيدية بعدما لاحظوا ان التطرف الديني بدا يزداد، ورفض الاخر المختلف يتوسع، وانتشرت الافكار والاراء التي تجعل من غير المسلمين غير مرحبين بهم في مؤسسات الدولة وخاصة بالنسبة للايزيدية، ثم كما حصل في سنجار فقد قامت الحكومة بتشديد الاجراءات الامنية واهلمت مشاريع البناء والاعمار هناك واصبح التعليم مترديا بشكل متعمد  وفق سياسات مدروسة في وقت بدأت حملة واسعة لبناء المساجد والجوامع في تلك المنطقة وبتشجيع حكومي لدعم رجال الاعمال لبناء الجوامع وارسال رجال دين متطرفين ليخطبوا هناك . كل هذا الامر أدى الى تقوقع الايزيدية وتزايد الطلب على الهجرة وكذلك المسيحيين وازداد ترحيل العوائل العربية المنظم الى برطلة وبعشيقة ومنح قطع الاراضي لهم والامتيازات الاقتصادية والوظيفية وخاصة بعد 1996 مما اضفى طابعا عربيا خالصا على تلك المنطقة وتهميشها مدروسا ومتعمدا لابناء الاقليات.
وشهدت مناطق الكاكئية جنوب وشرق كركوك حملة اكثر شراسة وعفنا في اضفاء طابع عربي خالص عليها أثرت على تراثهم وتاريخهم ووجودهم الحضاري هناك، وكذلك ما شهد من تغير على الشبك نتيجة الممارسات المدروسة والاجراءات التعسقية التي تمثلت بحملات تغير الهوية والترحيل والتعريب والتهجير القسري.

ما الذي تغير بعد 2003
عندما تغير الواقع في العراق بدخول القوات الامريكية في 9 نيسان 2003  وانشاء حكم جديد اصبح لاول مرة للاقليات صوت مسموع، واصبح هناك ممثلين للاقليات في مجلس الحكم الذي انشئته القوات الامريكية والمتحالفة معها في ادارة شؤون البلاد عام 2004 – 2005 حيث كان ةهناك ممثل للتركمان واخر للمسيحيين. وعند صياغة الدستور اقرت مجموعة حقوق ممتازة للاقليات وتم تثبيت اسمهم في الدستور وخاصة بالنسبة للمسيحيين والايزيدية والصابئة حيث تم الاقرارا بهذه الاديان الثلاثة رسيما لأول في تاريخ العراق، وانشئ ديوان خاص برعاية شؤونهم وهي المرة الاولى يحدث شيء من هذا القبيل سمي بديوان اوقاف الاديان غير المسلمة ومن ثم الى ديوان اوقاف المسيحيين والايزيدية والصابئة.. ثم كانت الانتخابات وما اقره الدستور ايضا في مسألة منح مقاعد للاقليات وفق نظام الكوتا رغم انه لم يكن هناك انصاف بخصوص الايزيدية والشبك اذ تم منحهم مقعد واحد فقط رغم ان نفوس الايزيدية انذاك 2005 كان اكثر من خمسمائة الف نسمة  والشبك اكثر من مئتا الف نسمة اي ان الايزيدية كانوا يستحقون خمس الى ست مقاعد والشبك ثلاثة مقاعد.
خلال خمس سنوات 2003 – 2008 شهدت مناطق  تواجد الاقليات في العراق الكثير من الممارسات، والهجمات اسفرت عن قتل و اختطاف الكثيرين، و ممارسات متعمدة لاخافتهم وتهجريهم وترحيلهم، المسيحيين من البصرة والصابئة من البصرة وميسان والناصرية والفلوجة والرمادي ، والايزيدية من داخل مركز مدينة الموصل ومحاربة مستمرة لرجال الاعمال ونشاطاتهم التجارية على سبيل المثال، مما سبب هجرة الالاف من المسيحيين والايزيدية والصابئة تحديدا .
الوضع غير المستقر للعراق ودخول عناصر القاعدة اليه الحق ضررا كبيرا بالاقليات، وتعرضت مصالح الاقليات للهجوم، واستهدفت الكنائس في البصرة ومصالح الايزديين في بغداد، قتل الكثيرين، وشنت عناصر القاعدة هجمات مستمرة على المسيحيين والايزيدية في الموصل تحديدا واصبحت الموصل فارغة من الايزيدية مع مطلع عام 2005 ثم توالت الهجمات على المسيحيين واشتدت في الاعوام 2005 – 2006 – 2009  بحجج واهية ابرزها انهم متعاونين مع المحتل ثم تكررت 2010 ..واعتبرت هذه المرحلة هي الاصعب بالنسبة للاقليات فرغم ما اقره الدستور من حقوق الا انه على ارض الواقع لم تكن تلك الحقوق تطبق بالشكل المطلوب ولم يحدث ان اجري تحقيق عادل في تلك الجرائم التي استهدفت الاقليات سواءا بالنسبة التي استهدفت المسيحيين ( قتل المطران فرج رحو 2009 – استهداف الطلبة – استهداف الكنائس –  عمليات الخطف التي جرت في الموصل ) ونفس الشيء بالنسبة للايزيدية عندما قتلوا ( 22 عاملا في ربيع 2007 و استهداف بلدات سيباشيخدر وكرعوزير في سنجار  باربع انفجارات اعتبرت الاعنف والاكبر في العراق، راح ضحيتها اكثر من الف شخص بين قتيل وجريح وتدمير اكثر من ستمائة منزل ولم تسفر التحقيقات عن اي شيء)، ثم تفجير كنيسة النجاة في بغداد واستهداف مقهى وسط سنجار راح ضحية الجريمتين اكثر من مئة وخمسين شخص وخسائر كبيرة بالارواح والاموال.
تميزت هذه المرحلة بالكثير من المعطيات المهمة والتي كانت سببا في حدوث نفور اجتماعي من السلطة والتفكيك الاجتماعي وارتفاع هيبة بعض الاشخاص المنبوذين اجتماعيين في مناطق الاقليات،  اذ وجد بعض الرجال الذين كانوا اعوان نظام صدام حسين مكانة مرموقة لدى الاحزاب، و تعالى صوت المحسوبين وانتشرت بشكل كثير الى درجة ان الادارة كانت تخضع لأشخاص بدلا من المؤسساتية، انتشر الفقر ثانية وكان التدخل الحزبي وعدم المهنية في كيفية التعامل مع وضع مناطق الاقليات وفشل الادارة في التعامل مع التعددية واحدا من ابرز اسباب انعدام الثقة بين مكونات المنطقة ( من سنجار الى كركوك ) حيث تنتشر الاقليات الدينية – المسيحية الايزيدية والكاكائية والاقليات الاثنية التركمان الشيعة والشبك والكورد الفيلية باعتبار غالبيتهم على المذهب الشيعي– وتمثل فشل ادارة التعددية في رفض التعامل مع بعض الحركات السياسية الصغيرة ومحاربتها مما خلقت حالة من النفور الاجتماعي، لابل ان احد المراقبين الدوليين * الذين أعدوا تقريرا  عن اوضاع حقوق الاقليات في عام 2010 وصف الامر بالقول " كأن هؤلاء يعيشون في زمن مشابه لزمن صدام حسين، اذ لاحرية للمعارضين فكريا وسياسيا، ولا مكان للاراء التي لاتتوافق مع توجهات الاحزاب الكبيرة، بحيث اصبح المشهد غامضا حول مستقبل التعددية وحرية التعبير والراي". الرأي مقتبس من لقاء مع ناشط من نشطاء منظمة هيومن رايتس .
لابل يضيف مراقب اخر وضع مناطق الاقليات في الفترة التي اعقبت انتخابات 2005 الى 2014 بالقول " انه مجرد ساحة لجمع الاصوات للانتخابات بالخديعة والمراوغة السياسية لايتم النظر كثيرا الى مستقبل هؤلاء وكيفية كسبهم بالطريقة الصحيحة ولا الى مصالحهم وكيفية تضمينها مع مصالح الاحزاب التي لديها رؤية مستقبلية طويلة الامد وخاصة تلك الاحزاب التي تمتلك رؤى وتطلعات ليبرالية وتحررية تتوافق مع تطلعات الاقليات".
الى جانب هذا فان الاوضاع الاقتصادية كانت منهارة، وتأثرت كثيرا بالقطيعة التي حصلت بين بغداد واربيل نتيجة خلافات سياسة على ادارة الموارد وادارة المناطق المتنازع عليها وفق الدستور والبند 140، وكانت الاقليات الضحية الاكبر  لتلك القطيعة ايضا والتي استمرت خمس سنوات 2009 – 2014 . ثم تأثرها بالازدواجية الادارية وغيرها الكثير من الامور نتيجة عدم استقرار الاوضاع، اضف الى ذلك فان اوضاع مناطق الاقليات تميزت بسمة اخرى هي التي تتعلق بشق الصفوف، وانشاء احزاب  وحركات موالية للاحزاب الكبيرة، وكل حزب سياسي يدعم مواليه بطريقة تهدف بالدرجة الاولى تجرده من انتمائه للمنطقة وللمجموع، فظهرت طبقة من المحسوبين الذين اصبحوا يشكلون حائطا كبيرا وعائقا امام عدم وصول المعلومات الدقيقة عن احوال الاقليات الى القيادات الكوردية خاصة باعتبارها التي تتولى مسؤولية ادارة تلك المناطق على الغالب والتي كانت تدعم الاقليات ولاتزال على نطاق واسع، وكذلك عدم وصول المعلومات حول مشاكلهم والمشاكل التي نشبت من سيطرة مسؤولي الاحزاب الكوردية و تفضيل مصالحهم – الشخصية والاشخاص المتحالفة والموالية والقرابوية – على مصالح الوطن والغالبية من البسطاء.
لقد كانت هناك فرصة كبيرة لانشاء كيان مستقر  في سهل نينوى وسنجار يتبع اداريا بارتباط قوي بأقليم كوردستان فيما لو توفرت الارادة الحقيقية والتخطيط الاستراتيجي البعيد المدى، لأن الدعم الكبير  الذي كانت القيادة الكوردية توليه لم يكن يخصص بالشكل الصحيح ولابالطريقة ولاعبر الاشخاص الصحيحين،،، فالواقع كان يشير انه الى عام 2012 كان الكثير من المواطنين يشترون ماء الشرب في سنجار وهم ليسوا بعيدين عن نهر دجلة سوى 90 كم ؟..
ثم تسائل مواطن من سنجار في مطلع 2014 عن سوء الطريق الذي يصل سنجار بدهوك عبر ناحية ربيعة 120 كم بالقول : هل يعقل ان احد المسؤولين الكورد من اصحاب شركات محطات التعبئة لم يفكر يوما بانشاء محطة بنزين على ذلك الطريق، انشاء محطة استراحة، انشاء مشاريع صغيرة حتى تنمى الحركة التجارية وتصبح اكثر آمنا، كنا نسير في طريق الغام كل مرة عندما نزور مؤسسات اقليم كوردستان ومستشفياته خلال عشر سنوات من 2003 .
في السنوات 2003 – ايار 2014 قتل واختطف اكثر من سبعين شخص على هذا الطريق وهو يمتد من ضفاف نهر دجلة شمال غرب دهوك ويتجه الى الاسفل ليمر في ناحية ربيعة ومن ثم ناحية سنونى ليصل الى مركز قضاء سنجار من قبل المعارضين لوجود القوات الكوردية هناك وكانت الضحية الاكبر الايزيدية  .
وفي الجانب الاخر فان الاقلية من العرب والعشائر العربية وبعض افراد العشائر الكوردية التي لم تكن لتجد لها مكانة في فوضى المصالح في مناطق الاقليات فانها اصبحت تكبر وتتقوى يوما بعد اخر واصبح الفراغ يتوسع بينهم وبين القادة المحليين، ومحاربتهم تحدث بشتى الطرق، حتى ان بعض الاخرين الذين كانوا يعرفون (( من اين تؤكل الكتف )) كما يقال بالعامية اصبحوا يرددون علنا ان الممارسات التي ينتهجها المسؤولين في سنجار – شيخان – تلكيف – القوش – بعشيقة – برطلة – والحمدانية ستلحق ضررا كبيرا بالعلاقات بين مكونات المنطقة، لم يكن احد يصغي اليهم !!!!! ثم ان الامر الاخر الاكثر تأثيرا تمثل بتوسع شوكة التيارات الدينية والمتطرفة امام انظار السلطات، والتي شكلت حاضنة كبيرة لـ (داعش) والموالين لها ان يساندوها في نهجها وخططها.

–    وشخصت دراسة خاصة عن واقع الاقليات اجريت عام 2011  شارك كاتب هذا التقرير  في اعدادها لصالح منظمة دولية بينت واقع الاقليات بأنها تشهد مايلي :-
–    تأثير الشريعة الاسلامية على القرارات والقوانين بشكل واضح.
–     انتشار التطرف الديني وخاصة في مناطق تواجد الاقليات.
–     عدم الغاء وتغير القوانين التي اعلنه حزب البعث بخصوص الاقليات .
–    عدم تطبيق التشريعات التي وردت في الدستور بالشكل الصحيح واهمال اصدار القرارت التي تضمن حقوق الاقليات وفق الدستور وعدم متابعاتها .
–     الاستهداف المستمر للاقليات  من قبل الارهابيين في مناطق سكناهم ومواقع عملهم في وسط وجنوب العراق باستمرار .
–     الهجرة وما تركته من اثار اذ هاجر عشرات الاف من المسيحيين والايزيدية وكذلك الصابئة والبهائية من العراق وتركوا اموالهم وممتلكاتهم وكثير منها تعرضت للنهب والسرقة .
وكثيرا ما رفع النشطاء وممثلي الاقليات مطالب عديدة من اجل تحسين واقعهم والالتفات الى مشاكلهم والتي لخصت في التقرير ذاك بالنقاط التالية :-
–    عدم وجود  تخصيص كافي للموارد المالية بالنسبة  لمناطق الاقليات.
–    عدم الاستقلالية المالية والادارية لديوان اوقاف الاديان غير المسلمة ( المسيحيين والايزيدية والصابئة).
–    اهمال البهائية  والكاكائية كأديان موجودة في العراق في الوثائق الرسمية.
–    التأكيد على ضرورة ان يرفع حقل الديانة في هوية الاحوال الشخصية والمستمسكات غير الضرورية.
–    تعمد او اهمال الحكومة الاتحادية في المساهمة في تنمية حقوق الاقليات الثقافية مثلما موجود في اقليم كوردستان.
–    قلة تناول واقع الاقليات في المناهج التربوية سواءا في التعريف بهم او الاشارة الى تاريخهم وخاصة ما يتعلق بالايزيدية والصابئة والبهائية والكاكائية، رغم ان هذا الامر بدا في اقليم كوردستان بشكل واسع ألا انه لم يشهد اي تغير مميز في وسط وجنوب العراق.
–    قلة الدراسات الاكاديمية التي تتناول واقع الاقليات في العراق اذ لم تسمح الكثير من المؤسسات حتى في اجراء رسائل ماجستير ودكتوراه عن الايزيدية – حصل هذا الامر في جامعتي بغد والموصل لاكثر من مرة وشخصها كاتب التقرير لاكثر من مرة في الاعوام 2009 – 2011 – 2013.
–    التأكيد على انصاف ابناء الاقليات في المحاكم وخاصة ما يتعلق بأسلمة القاصرين، اذ لايزال في حال اسلمة أمرأة من المسيحيين او الايزيدية ان يلحق بها ابنائها على الدين الاسلامي شاؤوا ام رفضوا وكذلك انتقال كل الممتلكات المسجلة باسمها الى الرجل الذي تزوجها واسلمها.
–    فصل الدين عن السياسية وتشريع قوانين مدنية يتم من فيها مراعاة حقوق الاقليات .
–    التأكيد على دور رجال الدين المسلمين والمراجع الدينية بتوجيه الدعوات للتعامل بعدالة وانصاف مع الاقليات وقبول التعامل معهم كأديان مختلفة.
–    اعداد مناهج دراسية عن تاريخ وتراث واديان الاقليات والاشارة الى المشتركات فيما بينهم.
–    زيادة نسبة مشاركة الاقليات في المناصب والمؤسسات الرسمية والتشريعية والمحاكم.
–    تغير القوانين التي تمس الاقليات وخاصة التي اقرت في زمن النظام البعثي السابق.
–    التأكيد على المؤسسات التشريعية في الحكومة الاتحادية وحكومة الاقليم على ان تحوي اصحاب الخبرات والاكفاء من ابناء الاقليات.
–    زيادة مشاركة ابناء الاقليات في مؤسسات وزارة الداخلية والسلك الدبلوماسي.
–    تأكيد الدولة على نهجها في بناء دولة مدنية ومحاربة انتشار التطرف الديني وخاصة في مناطق تواجد الاقليات.
–    التأكيد على دور وسائل الاعلام في التعاطي بمهنية مع قضايا الاقليات والمساهمة بالتعريف بها الشكل الصحيح.
–    انشاء مجلس للاقليات يكون مستقلا مثل المؤسسات المستقلة كمفوضية الانتخابات او هيئة حقوق الانسان يقوم بدور تنسيقي واشرافي ومراقبة بين المؤسسات الحكومية والاقليات.
والى جانب هذه المطالب كانت هناك استنتاجات لواقع الاقليات في العراق تمثلت ب مخاوف ابناء الاقليات على ضوء المجالات التالية :-
    الخوف من سيطرة الاحزاب الدينية على السلطة.
    عدم شعور ابناء الاقليات ان الاغلبية تراعي شعورهم وخصوصيتهم.
    عدم شعورهم بان التشريعات منصفة بحقهم.
    قلة التمثيل الرسمي للاقليات في المؤسسات الامنية والدبلوماسية والعسكرية لابل في بعضها كان معدوما وبسبب التمييز في التعامل ترك المئات من الايزيدية صفوف الجيش العراقي والشرطة الاتحادية خاصة أولئك الذين كانوا في وسط وجنوب العراق.
    عدم وجود مشاريع خاصة للتنمية في مناطق الاقليات على ضوء التميز الايجابي لغرض تحسين واقعهم المعيشي .
    عدم المساواة امام القانون، اذ كثيرا ما كان ابناء الاقليات يشعرون بالغبن وعدم الانصاف عند تمثيلهم امام المحاكم لأن القضاة كانوا يقررون الاحكام وفق الشريعة الاسلامية في الكثير من القضايا دون النظر الى الاحكام بتجرد.
    تراجع واقع الخدمات في مناطقهم وخاصة تلك التي تقع ضمن المناطق المتنازع عليها بين الاقليم وبغداد  –  اصبحت الان صيف 2014 تحت سيطرة (داعش –  الدولة الاسلامية في العراق والشام) .
    تغير خارطة الاقليات الجغرافية خاصة بالنسبة للمسيحيين والايزيدية والشبك والكاكائية والصابئة  وتكاد هذه الخارطة تصبح مشتتة بعد سيطرة داعش على 90 من مناطق تواجدهم الاصلية .
    الحقوق الثقافية والتعليمة للاقليات في وسط وجنوب العراق ليست بمستوى تطلعاتهم.
    عدم عدالة المشاركة السياسية خاصة بالنسبة للايزيدية ونظام الكوتا الذي يلحق الغبن بهم لأنه لديهم فقط مقعد واحد بينما وفقا للدستور والنظام وقانون الانتخابات فانهم يستحقون ست مقاعد ، اذ قدم الايزيدية شكوى في المحكمة الاتحادية لتعديل نسبة مقاعد الكوتا الان مجلس النواب والمفوضية العليا المستقلة للانتخابات لم تنفذ القرار الذي اعلنته المحكمة لصالح الايزيدية بمنحهم مقاعد وفق النسبة السكانية – نفوس الايزيدية اكثر من ستمائة الف نسمة في العراق وفقا لاحصاءات داخلية تخصهم ووفق لاحصاءات مقربة من مؤسسات رسمية فأنهم بين 550000 الى 570000 الف نسمة.
    ملاحظة الفارق الكبير لواقع الاقليات بين اقليم كوردستان والذين يتبعون الحكومة الاتحادية في مجال الحقوق الثقافية والتعليمية والسياسية وحرية ممارسة الشعائر الدينية . وابرز مثال على ذلك هو شروع اقليم كوردستان منذ ربيع 2014  بالعمل من اجل اقرار قانون حماضة وضمانة  حقوق المكونات في اقليم كوردستان.
    كما ان الواقع الحالي في نزوح اكثر من 90% من الايزيدية والمسيحيين من مناطق سكناهم وكذلك الشبك يعيشون في ظروف سيئة وصعبة في مدن وبلدات اقليم كوردستان لايمكن التكهن بما ستسفر عنه الاحداث والايام القادمة على ضوء استمرار العمليات العسكرية في تلك المناطق اعتبارا من سنجارا وصولا الى الحمدانية وقرقوش .

لذلك فان الاوضاع انقلبت تماما بعدما جاءت (داعش) الى مناطق الاقليات بشكل خاص وبقية مناطق وبلدات العراق عموما، فوجد الكثيرين الفرصة لدعمها كناية بالتصرفات اللامسؤولة لبعض المسؤولين الاداريين، والتحق الكثيرين بها بسبب نفورهم من سلطة وممارسات حكومة نوري المالكي، وبسبب سوء التصرفات التي كانت تبدر من المسؤولين الاداريين والامنيين (( يقول ناشط مدني من سهل نينوى : كنا نشعر انه يتم مراقبة كل تحركاتنا، كنا نشعر اننا نعيش في زمن صدام بشكل مختلف، كان كل شيء وكل عمل محفوفا بالمخاطر اذا لم تكن هناك رضى لمسؤول الاحزاب عنها، حتى المشاريع التجارية البسيطة ، لا بل حتى فتح كشك صغير على الشارع العام ايضا كان يتطلب رضى او مواقة مسؤول متنفذ في السلطة ))، و بسبب عدم وجود رؤية واضحة في كيفية ادارة ملف التنوع الديني، خاصة في بغداد حدثت الكثير من المشاكل التي كانت سببا في حدوث التهميش والاقصاء والاهمال.....  كيف يعقل ان يتم ايلاء مسؤولية ادارة واحدة من مناطق الايزيدية لشخص لايتناول طعامهم/ او يولي امر المسيحيين لشخص لايقبل بالتعددية الدينية وليس في نظره غير الاسلام دينا.. وفقا لذلك الوضع انشئت علاقات بين بعض العشائر والشخصيات الموجودة في مناطق تواجد الاقليات وخاصة من الذين خسروا الكثير من الامتيازات مع اطراف وتنظيمات ارهابية وخاصة في جنوب سنجار وكانت تلك السياسات التي اتبتعها حكومة المالكي سببا في خلو المؤسسة العسكرية من المسيحيين وترك مئات، لابل الاف الايزيدية صفوف القوات المسحلة ( الحرس الوطني والشرطة والجيش الاتحادي)... ثم كانت تلك السياسات سببا في نشوء خلايا نائمة و حركات تطرفية في مناطق الاقليات تحديدا،،،،، (( على مدى عشر سنوات كان النشطاء والمتابعين يقولون للحكومة العراقية والامريكان والسلطات الكوردية ان منطقة الجزيرة – جنوب قضاء بعاج القريبة من الحدود السورية هي مأوى وحاضنة للارهابيين، ولكن لم يتم تنظيفها والسيطرة عليها بالكامل حتى اصبحت المنفذ الرئيسي لدخول داعش للعراق عبر سوريا ويوجد الى الان معسكرات تدريبها هناك، وهي على مسافة قريبة من الايزيدية هناك فكيف يكون الوضع اذا – متابعة من الكاتب)). ثم كانت المشاكل التي حدثت في مناطق الاقليات القريبة من الموصل – شرقها بين الشبك والمسيحيين والشبك والايزيدية من خلال توسعهم وتزايد سيطرتهم على مساحات شاسعة من الاراضي بدعم جهات خارجية، وتشجيع بناء مشاريع ذات طابع تميزي ضد الايزيدية في ناحيبة بعشيقة، و ممارسات ساهمت في الحد من احياء الصابئة لتقاليد ديانتهم في وسط وجنوب العراق، مهاجمة وتدمير معبد 0 مزار بهائي في بغداد 2013 و قطع الماء الجاري على معبد صابئي في ميسان امام انظار الحكومة، اذ يتطلب احياء الطقوس الدينية للصابئة على نهر جارى، وعدم السماح للبهائية في استعادتهم هويتهم الدينية التي الغاها حزب البعث، مؤشرات ثابتة بأن واقع الاقليات في العراق يتجه  نحو مزيد من الاهمال والمجهول. ولم تتوقف بسيطرة (داعش ) على الموصل في حزيران 2014 و اعلانها الخلافة الاسلامية وبيان حول اوضاع المسيحيين من ثلاث بنود – اما الدخول في الاسلام او دفع الجزية او الرحيل من مناطق نفوذها وسلطتها، ثم هدم الكنائس و مقار المطرانية في الموصل ونهب ممتلكاتهم ونهب ممتلكات الشبك و هدم مزارات الكاكائية في شرق الموصل وتهجير الاف الشبك والكاكائية والمسيحيين والصابئة من الموصل  والسيطرة على ممتلكاتهم ووضع علامات فارقة على منازلهم بأنها اصبحت من ممتلكات الدولة الاسلامية.

الاقليات في العراق بعد داعش
المسيحيين يختفون من ابرز مراكزهم بعد سبعة عشرة قرنا من العطاء
قبل احتلال داعش للموصل وقبل تحرير العراق في ربيع 2003 كان نفوس المسيحيين يبلغ حوالي مليون ونصف بحسب احصاءات رسمية اعلنتها في الكثير من المرات مؤسسات مسيحية دينية ومدنية، كانوا يتمركزون في وسط وجنوب وشمال العراق ( بغداد –الموصل – كركوك – بابل – ديالى – تكريت – الحبانية – اربيل – السيلمانية ودهوك ) وتعتبر مدن وبلدات سهل نينوى اشهر موطن لهم، الان وفقا لتصريحات من قبل الاباء الكهنة والمهتمين لم يبقى في العراق بما فيه اقليم كوردستان سوى (350000 ) وفقا لناشط مسيحي لم يشأ ان اذكر اسمه مع هذه المعلومة واكثر من 80% من المسيحيين نازحون في مدن وبلدات اقليم كوردستان، وبعد
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة