حديث صريح مع شخص له شكوك ايمانية / شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أكتوبر 21, 2015, 09:36:17 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

  حديث صريح مع شخص له شكوك ايمانية 


برطلي . نت / خاص لبريد الموقع
   
شمعون كوسا


لي صديق اسمه جان فيليب ، تعرفتُ عليه قبل سنوات . جان فيليب  رجل طيب المعشر ، مثقف  وذو أخلاق عالية ، غير انه ضعيف الايمان جدا ، الى حدّ الانعدام . قبل ايام بينما كنا نتجول في نزهة خارج الحارة ، قادتنا اقدامنا بعد أربعة كيلو مترات ونصف من السير الى موقع يطل على منظر جميل . توقفنا تلقائيا وجلسنا على صخرتين متجاورتين لا سيمّا واننا كنّا بحاجة الى قسط من الراحة .  بعد دقيقتين من صمت عميق ، إلتفتَ إليّ جان فيليب وقال : منذ عامٍ وانا اتوق لفتح حديث خاص معك ، لأني ألِفتك شخصا منفتحا يتسع صدره لسماع بعض الآراء الجريئة دون غضب او تحريم او تكفير. أرى المناسبة مؤاتية الآن لأتناول بصراحة بعض  جوانب إيمانية  تتعلق بأوضاع الساعة .  هل لك ان تصغي إليّ  حتى اذا أتيتك بما لا يوافق قناعاتِك ؟ 
اقلقني كلامه في البداية ، ولكني لم أتأخر عن القول : انت صديق قديم ، ولطالما تحدثنا ،  وفكرنا وحللنا واستعرضنا الامور وعبرنا كلّ منّا عن رأيه الشخصي ، وكانت نقاشاتنا تتّسم بالصراحة التامة . وفي هذا المجال بالذات ، أودّ ان اضيف الى معلوماتك بأنني انتمي الى مؤسسة روحية تؤمن بحرية الفكر ، وتبيح للشخص تبنيّ ما يراه صائبا واتّباعه اذا اشبع قناعاته . أفصِحْ إذن بما يخالج صدرك ، فكلّي آذان صاغية ، وسوف احاول الاجابة على قدر ما سمعته وتعلمته . أنا  لست ممن يكفّرون ويغضبون ويهددون ويحرّمون عند بلوغهم الخطوط الحمراء . انا مقتنع بان للعقل البشري فضاء لا متناهٍ ، يحلق فيه على هواه  وفي كل الاتجاهات   .
قال جان فيليب : إسمعني إذن : انا افكر كثيرا  بهؤلاء الذين اقتُلِعوا قبل سنة ونيّف من أراضيهم ، واضطرّوا لترك  بيوتهم واموالهم وأراضيهم ومحاصيلها ، ألم يكونوا جميعا اشخاصا مؤمنين بالله ؟ 
قلت له : وكيف لا ؟!!
قال : ألم يُمضِ هؤلاء ، وقبلهم آباؤهم  واجدادهم القريبون والبعيدون  حياتَهم كل يوم في العبادة والصلاة وتطبيق الوصايا والقوانين الدينية ؟
قلت : بلى.
قال : من جهة اخرى ، ألا يُقال بان الله هو الخالق ، والاب الرحيم ، والقادر على كل شئ ، ولا شئ يتمّ دون ارادته ؟
قلت له : هذا كله صحيح ، اين تريد ان توصلني ؟
قال لي :  هذا الكائن الاعظم الذي لا يريد الا الخير والقادر على كل شيء ، لماذا سمح ببلوغهم هذه الحالة المأساوية ؟ الم يكونوا له اوفياء ، ويبتهلون إليه ليل نهار ؟
قلت له : انه سؤال صعب ويتطلب ردّا مطوّلاً ومعمّقاً ،  غير اني سأحاول ايجاز جوابي ، وعلى الشكل التالي : فيما يخص الله ، لقد أوجد الحياة  وجبل الانسان وحباه بعقل يرى الخير والشر ويميّز بينهما ، واطلق له حرية  الاختيار بينهما . المهاجرون المنكوبون ، وقعوا ضحية اناس يحملون نفس هذا العقل ، اناس اختاروا الشرّ منهجاً في حياتهم . هؤلاء ،  كما هو حال جميع الناس ، خاضعون للمبدأ العام للحرية ، لان الله لا يتدخل في حرية كل فرد او جماعة ، وإلا كنا سنقول مثلا :  لماذا وقعتِ الحربان العالميتان في النصف الاول من القرن الماضي ؟ أو حروب الديانات في القرون الوسطى ؟ أو لماذا سُمح للحاكم الفلاني والفلاني ، في فترات متفاوتة من الزمن ، التسبب بقتل الالاف او الملايين ؟ ولماذا لم يتمّ منع الاوبئة التي اودت بحياة الاف الابرياء ؟  و.. و..و.. ؟ إن ما حدث أخيرا رهيب ويقشعرّ له البدن ، ولكنه من جهة اخرى ،  اذا قورن بما حدث  لغيرهم  وفي نفس الوقت ، نجدهم  محظوظين نسبيا لانهم على الاقل بقوا على قيد الحياة . هناك من لم  ترحَمْهم يد الشرّ في الظروف ذاتها ،  فتمّ ذبحهم كالشياه ؟ باعتقادي  يجب تخفيف الامر قليلا  بالنظر من هذه الزاوية ، لان أغلى شيء لدى الانسان هي حياته .
قال جان فيليب : رجال الدين لا يكفّون عن الطلب من هؤلاء الصلاة ، بغية تسهيل عودتهم  . الم يكونوا يصلون كلّ يوم ،  قبل وقوع المأساة ؟ أوَلم تكن  صلواتهم موجهة لنفس الله ؟ قلت له : نعم هذا صحيح .
قال : وهل صلاتهم للعودة ستقود الى نتيجة  ، ألا يخاطبون نفس الخالق ؟ وهل صلواتهم قبل وقوع الكارثة لم تكن كافية لتمنع عنهم المصيبة ؟ ام انهم يجب ان يقوموا بالمزيد من الالحاح والتوسل ؟
قلت له : ليس بوسعنا معرفة ما يريده الله لان طرقه وافكاره غير قابلة للإدراك . غير انّ  ما نحن واثقون منه هو ان الله لا يمكنه ان يضمر الشرّ للإنسان  ، واذا سمح احيانا ببعض الاحداث ، التي  قد تكون سلبية  ظاهريا ، فانه  ينوي اختبار صبر الانسان .
أما عن الصلاة وفائدتها اقول : ان الصلاة دخول في مناجاة الله ، عملية يعبّر فيها  الانسان  عن احتياجاته ورغباته . والصلاة هي ايضا استسلام كامل لإرادة الله والكثيرون يجدون فيها سلاما داخلياً . والصلاة كأي طلب، استجابتها ليست تلقائية وتتطلب صبراً وطول أناة .
قال جان فيليب : افهم من كلامك بان المصلّي يبقى معلقا وكأنه في نفق لا يبصر نهايته ؟
قلت له : تعاليمنا ، وبفم المسيح  نفسه تردّد القول :صلّوا ولا تملّوا . ولأجله لا مكان للملل في الصلاة ولا يجب ان ينقطع حبلها . ما نحن متأكدون منه هو أن الشرّ كالكذب حبله قصير ، وبأن الحق لابدّ له ان يبان في النهاية وينتصر. ولهذا  يقال بان الصلاة تتطلب مثابرة وصبرا، والذي يصبر الى المنتهى فهو يخلص .
قال جان فيليب : اني ارى في ردودك اجوبة مسبقة الصنع ، يتفوه بها بعض رجال الدين دون قناعة ، يقولونها بالضبط مثلك ويعجّلون بقولها لان افكارهم تجول في مكان آخر . واضاف  ايضا :  ردودك شبيهة ايضا بلغة الخشب التي يتبناها السياسيون في هذا الزمان ، عبارات طنانة لا تعني شيئا لأنها نظرية وبعيدة عن الواقع .  أكون  مجامِلاً لك اذا قلت بانها اقنعتني . 
قلت له : انا لا الومك ، ولكن الردّ لا يمكن ان يأتي بصورة أخرى . كلامي لا يقبل به إلاّ من كان ثابت الايمان ،ولسوء الحظّ أن نار ايمانك قد فقدت جذوتها وانطفأت .  ألا يقال بان المتحّصن بالإيمان قادر على زعزعة الجبال ؟   بالرغم من كل شيء ، سأبقى صديقك الذي يحترمك ويحبك . واذا عليّ أن ابوح لك بشئ اقول ، انا أيضا  تعتريني أحياناً حيرة لا ترفع قيودها عنّي ، ما لَم أرفع انظاري الى العلى ، فأنسى .
ترددت كثيرا قبل نقل هذا الحديث، ولكني قلت لعلّه سيفيد ، ولو قليلا ، بعضَ من تراودهم شكوك جان فيليب . من الجدير القول باني  لست رجل دين ، ولكني انتقيت ردودي المتواضعة من بعض ما تعلمته ، وبصورة خاصة من الكنز الكبير الذي تركه لنا والدي ،  لأنه كان رجلا ثابت الايمان .