صرخة "اصدقاء برطلة" والتجاوزات على المسيحيين

بدء بواسطة برطلي دوت نت, ديسمبر 03, 2013, 07:59:09 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

صرخة "اصدقاء برطلة" والتجاوزات على المسيحيين


د. عوديشو ملكو آشيثا

   في (23 - 24) تشرين الثاني/ 2013. انعقد مؤتمر كبير في اربيل ـ برطلة تحت العنوان أعلاه. اما محوره الرئيسي او الغرض من انعقاده فكان للنظر في طبيعة التجاوزات الحاصلة على المسيحيين في منطقة برطلة وسهول آشور والعراق في عمومه وآليات العمل لإيقافها وإزالة ما قد حصل منها خلال العقدين الأخيرين على الأقل. وكان حضور الشخصيات المعتبرة (مشكورة) من غير المسيحيين يفوق عدد المسيحيين بكثير. بالإضافة الى عدد غير قليل من المسؤولين ورجال السلطة سواء من بغداد او اربيل. كما كان للساسة المسؤولين في الأحزاب والسياسة وإدارة الدولة من كل الطوائف والاديان ومكونات العراق حضور ملفت للنظر. كل ذلك للتحاور حول مسألة وحيدة ومحددة, وهي التجاوزات الحاصلة على المسيحيين في عموم العراق.
   وتقرر في هذا المؤتمر قيام او تأسيس منظمة مدنية تسعى لتحقيق شعاره "لا للتغيير الديموغرافي لمناطق المسيحيين الأصلية في العراق". بالإضافة الى متابعة تفعيل توصيات هذا المؤتمر, ومحاولة إيجاد الحلول الممكنة لمشكلة التجاوزات الدستورية بحق كافة المسيحيين في المدن العراقية والوطن برمته وعلى الصعيدين الإجتماعي الإنساني والقومي الحضاري. فهل ستنجح هذه المنظمة في إزالة هذه التجاوزات بالكامل او جزء منها على الأقل؟ او ستتمكن من إيقافها في القادم من الأيام. كل ذلك وغيره مرهون بأمرين.
الأول والاهم: يخص في مدى إيمان الإخوة في قيادة هذه المنظمة بقدسية وجوهرية وأهمية وجسامة مهامهم في هذا الوقت العصيب من حياة الأمة والشعب الآشوري بكل أطيافه ومنعطفاته السياسية والمذهبية والمناطقية.
والثاني والذي لا يقل أهمية عن الأول, وهو: هل إن القائمين على أمر هذا البلد سواء في بغداد او اربيل, الذين استمعوا الى معاناة أصحاب الحق من خلال ممثليهم الحاضرين في المؤتمر, وما قاموا بنقله إليهم (بأمان) عما قيل على المنبر أمام المؤتمرين, او ما تطرق الى مسامعهم من خلال المناقشات والحوارات والأحاديث الجانبية في رواق المؤتمر سواء في اربيل او مدينة برطلة الجريحة, ما قبل وما بعد المؤتمر, فهل سيبادر صناع القرار الى وضع حدّ لهذه التظلمات الكبيرة؟.
هذا ما يخص المؤتمر المذكور بإيجاز جداً. اما فيما يخص التجاوزات على ارض وعرض ونفس الإنسان المسيحي الآشوري, ومنذ قدوم الجيوش العربية الإسلامية من الجزيرة نحو ارض العراق (ارض السواد), فيمكن القول بأن الباحث المتتبع يعلم جيداً كيف أن الخليفة عمر بن الخطاب قام بتوزيع ارض السواد وما عليها من البشر والعمران والحيوان بين المقاتلين القادمين من الجزيرة العربية, (البلاذري, احمد بن يحيى, فتوح البلدان, ص326) وكأنها (الارض) وأنهم (البشر والعمران) ملك ومال حلال للفاتح الجديد يتصرف بهما كيفما يشاء.
   وسيقرأ الباحث نفسه عن صنوف من الضرائب والجزية ـ تفرض على الفلاح الآشوري المسيحي وعلى مدى فترة الخلافات الراشدية والأموية والعباسية والى فترة الهدم والدمار الكبيرين للبلاد على ايدي ـ هولاكو وتيمورلنك ـ وما أعقبهم من موجات الغصب والإحتلال (لارض وشعب وحضارة آشور وكنيسته المشرقية بمذاهبها المتعددة). ويستمر الحال الى ايام الدولة العثمانية وادواتها وصنيعاتها من الإمارات والإقطاعيات والعاتلات المتنفذة في المناطق المختلفة حيث الوجود المسيحي الكثيف,  والممتدة من البصرة الى مدينة مرذا (مردين) وآمد (دياربكر), وبحيرتي [وان] واورميا. ومن الانبار وفلوجة الى وقلعة دزا على الحدود الايرانية.
   وبسبب رسوخ حالة الضغط المادي والنفسي على المسيحيين الآشوريين اهل البلاد الاصليين ولقرون طويلة من جهة. وبسبب تطبع المحتل والوافد الى هذه الديار على ذلك الوضع, وحمايته ومساندته المستمرة من قبل السلطة الحاكمة وقوانينها المقولبة لممارسة اصناف من التجاوزات تحت غطاء الشرعية وشريعة الدين. صارت مسألة التجاوزات تمارس بإستمرار على مدى اربعة عشر قرناً الماضية دون إنقطاع. وتحولت الى ما يشبه المسلّمات, او شكل من اشكال العقيدة المترسخة في ذهنية الحاكم والجار غير المسيحي تجاه الآشوريين المسيحيين. وصار المسيحي في نظر المسلم إنسان دوني وضيع لا يختلف كثيراً عن العبد المطيع. ولم لا؟ أليس عثمان بن حنيف هو الذي ختم على رقاب (550) ألف من الفلاحين المسيحيين النساطرة (آشوريين) وسماهم بالعلوج (البلاذري, ص327). أليس السلطان حسين الولي امير بهدينان في العمادية في النصف الثاني من القرن السادس عشر, منْ كان قد فرض إضافة الى الضرائب المختلفة على الرعايا المسيحيين في الدولة العثمانية, ضريبة خاصة تسري على كنائس القرى والقصبات الآشورية في أجزاء من إمارته, تدفعها تلك الكنائس كوقف مقطوع لدعم مدرسته الدينية (مدرسة قبهان) في روبار العمادية جنوب سولاف الحالية. حيث شملت هذه الضريبة اكثر من (60) كنيسة آشورية بالإضافة الى عشرة معابد يهودية (كليس) في المنطقة المحصورة بين ديرلوك شرق العمادية الى قرية دهي في صبنا. ومن غرب دهوك حيث مدينة سميل الى مدينة عقرة شرقاً. حسب ما ورد في مخطوطات فتاوي ابن حجر المكي الهيثمي. أليس الكاتب الخصوصي للسلطان العثماني في قصر يلدز الهمايوني, منْ كتب في 24 نيسان 1907, يوصي بأن توزع (54) قرية مسيحية آشورية الى (العشائر المختلفة الموجودة في المنطقة لإسكانهم وإنشغالهم بالزراعة...). معللاً ذلك بأن عملية اسكان القبائل في القرى الآشورية التي (تفرق اهلها بسبب تجاوزات العشائر وهي غير مسكونه اليوم), بأنه اي هذا الاسكان سوف (يزيد من عدد المسلمين في مقابل النساطرة هناك وغير ذلك من النتائج الحسنة). وذلك حسبما جاء في وثيقة خاصة من وثائق (ارشيف رئاسة الوزراء في استانبول/ المديرية العامة للوثائق).
اما في الجانب الإجتماعي فكان الحال اسوأ, حيث دأب جيران الآشوريين من الترك والكرد والفرس (المسلمين طبعاً) الى السعي لإجتذاب او غصب النساء المسيحيات بكل الوسائل للإقتران بالشباب المسلم, وخاصة من بنات العوائل الثرية وذوي الاملاك الواسعة. لان سيؤدي شرعاً الى وضع اليد على كافة ممتلكات عائلة تلك المرأة بموجب الشريعة الإسلامية, والتي مفادها تحريم الميراث لغير المسلم بين الاخوة والاقارب. بهذه الطريقة الذكية تمكن الطامعون المحتالون على الشريعة والنواميس البشرية, تمكنوا من الإستيلاء على العشرات من القرى المسيحية الآشورية وازاحة اهلها عنها بالكامل. من خلال إقامتهم فيها بحجة إدارة الميراث العائد للمرأة المغتصبة (المتأسلمة).
   إزاء هذه الخلفية المرعبة والمؤسفة لحالة التجاوزات على الآشوريين والمسيحيين عموماً في العراق والدول المجاورة في العلن والخفاء. كيف لا يكون التجاوز رائجاً ومرغوباً الى درجة كاد ان يكون من المسلمات في نفوس ممارسيه على الاقل. وكيف يمكن ايقاف هذا الزحف الكاسح من الإتيان على المسيحيين في العراق والمنطقة بالكامل. وكيف يمكن إزالة ما جرى بحق برطلة والعشرات من جاراتها وقريباتها في سهول آشور صعوداً نحو الشمال الى الاقضية زاخو ودهوك والعمادية وعقرة وزيبار ومنطقة شقلاوة وديانا وراوندوز وكويسنجق وغيرها. وعند عبور الحدود نحو الشمال والشرق الى منطقة هكاري ودياربكر والجزيرة بالكامل سيجد المرء الحالة نفسها, ولا يستثنى منها سهل اورمي ومنطقة اذربيجان الايرانية. حيث الآلف من القرى والقصبات والمدن المسيحية للآشوريين والارمن والأذريين تم إزالتها كلياً عن خريطة الوجود المسيحي الآشوري والارمني والاذري وغيره. واصدرت لها هويات جديدة لثقافات واجناس واديان جديدة من البشر.
وأخيراً: فليهب كل صاحب ضمير إنساني في العراق وحوله, مسيحياً كان او غير مسيحي. وكل مؤمن بالإنسان وحقه في العيش الكريم على ارضه. وليهب كل تشكيل سياسي او ديني او مذهبي او علماني آشوري وغير آشوري لنصرة مؤتمر "اصدقاء برطلة", ويهنئ منظميه والقائمين عليه والذين تكفلوا بمصاريفه أيّة كانت جهتهم, إذ ليس هناك مبرر لمعارضة هذا المؤتمر وتوصياته او القول بعدم شرعية اللجنة المنظمة له, والتشكك في نوايا مموليه. لأن الغاية واحدة والنتيجة واحدة وواضحة. فقد انطلقت جراء إنعقاد هذا المؤتمر صرخة صادقة تدعو الى المزيد من المؤتمرات في العراق وغيره من بلدان المنطقة لتناقش بهدوء وعلمية وواقعية هذه الحالة القديمة الجديدة (التجاوزات على الاصليين). ومن خلال هذه الصرخة الوجدانية الصاعدة وعلى جميع الأصعدة الإعلامية والجماهيرية والسياسية والإجتماعية. أصبح كل فاعل ومسبب, وكل ناو او مؤيد للتطاول على ما ليس له في هذا الوطن المبارك مطالباً بالكف عن ذلك فعلاً وواقعاً. وإعادة الحق الى اصحابه بالكامل في البصرة وبغداد ونينوى والى اعالي دجلة والفرات, أي في السهل والجبل. لان الدوائر تدور وبسرعة هنا في منطقتنا. فقد علمتنا الأحداث كيف ان الكثيرين ممن ظلموا لم تسنح لهم الفرصة للتلذذ بما اقترفوه من الظلم ضدّ غيرهم.   

http://www.ankawa.com/forum/index.php/topic,714263.msg6161524.html#msg6161524