تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

جولة في عالم الابدية/شمعون كوسا

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 31, 2017, 05:56:18 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

جولة في عالم الابدية     
   

برطلي . نت / بريد الموقع


شمعون كوسا



كلما أسمع نبأ وفاة أحد الاعزاء من الاقارب أوالاصدقاء ، أمنح نفسي ، كسائر البشر ، فترة حداد ، وبعدها أدخل مخيّم صمت عميق يقودني الى تفكير ينتهي بنفس السؤال الذي اطرحه دوما : لماذا يموتُ الانسان ؟ لماذا يندثر كائن يحوي الدنيا بأكملهاداخل عقله ، لماذا ينتهي بهذه السهولة ؟ ينطفأ نور عينيه ويتوقف تفكيره وابداعه ،فيغدو جثة هامدة. كان هذا العزيز الخيّر ، يتمتع برؤية الشمس واشعتها المسلّطة على جمال الطبيعة، وينطربلما هو شجيّ من الاصوات والالحان ، ويمتلأ حبورا عندما يفكر  ويحلل ويخطط ويبني ، ويساهم في تطوير الحياة. يختفي هذا الكائن الجميل فجأة وتتوقف دقات قلبه بسبب مرض ، او حادث ، او أي سبب آخر.
واقول :قد نتفهّم هذا بالنسبة للحيوان ونقبل به، ولكن ألا يستحق الانسان ، هذا الكائن العظيم ،حظّاً أوفر ؟ وهنا استدرك نفسي لأقول :وما فائدة بقاء الانسان في الحياة اذا لم يتمكن من الحفاظ على شبابه ؟ وأقول أيضا :يا ترى هل كانت ستتّسع الارض لإيواءمليارات المليارات من النفوس وإبقائهم على قيد الحياة منذ ملايين السنوات على منبسطةلا تسع حاليا لأكثر من تسعة او عشرة مليارات .
بالرغم من عظمته وقيمته اللامتناهية ، يبقى الانسان مُعرَّضاً للفناء ولأتفه الاسباب.  لم يسلم احد من هذا الزوال ، لا الكبير ولا الصغير  ، ولا الفقير ولا الغني ، ولا الملوك ولا السلاطين ولا الحكام المتنفذين . اضمحلَ المطربون الاوائل ومعهم أصواتهم الجميلة والحانهم النادرة ، غادرنا من كانوا يملكون الدنيا ولم تسعفهم ثرواتهم الطائلة. اختفى من كانوا يتباهون بجمالهم وبشبابهم.كان هذا مصير آبائناواجدادنا ومن قبلهم اجداد اجدادنا .وهذا يقودنا الى استنتاج منطقي مفاده  بان الانسان يبقى دوما توّاقا للخلود ، انه يصبو الى عالم آخر يتكامل فيه ،  ويحقق فيه سعادة روحية لم تقوَ  الارض على توفيرها له.
قد يقول البعض ، وما هذا التشاؤم وهذه الكآبة ، وهل هناك من يفكربهذا الموضوع ويكتب عنه ، اليس هذانذير شؤم ؟ انا شخصيا افكر كثيرا في الموت  وأقبل فكرة ان توافيَني المنيّة في اية لحظة ، وهذا لا يعني البتّة باني لا احب الحياة ،بل اني مغرم بها وبجمالها واصواتها والحانها وبودّي ان تستمر هذهالشمس وهذا الصحو الجميل الى الابد ، ولي مع مواسم الطبيعة مواعيد لا يشعر بقمة سعادتها الخاصة غيري أنا ، ومناي ان تتوالي هذه اللحظات بالذات في الحياة الابدية ، ولكن الحقيقة التي لا مناص منها ولا جدال فيها هي ان كل هذا زائل ونحن معه زائلون ، مسافرون ، وقد تكون هذه من أصدق الحقائق.
أمام هذا الواقع وهذه الحقيقة ، انا شخصيا أجدُفي الموت حلا عادلاكونهلا يستثني أحداً ، ولا يحابي لا القويّ ولا الثري ولا المتسلط .ليس هناك من هو افضل من غيره ، والذي لم تنصفه هذه الحياة ، لا ينظر الى جاره المحظوظ  والميسوربعين الحسد ، لانهعلى يقين من هذه الحقيقة  وهو أن الدنيا كلها آيلة للزوال ، فعُسر المظلوم  زائل بالضبط  كما يزول يُسر جاره . 
وبما اني لا استطيع لجم خيالي  ، فانه قادني وبطرفة عين امام باب الخلود . كنت في احدى كتاباتي السابقة قد قصدت الابدية في جولة والتقيتُهناك بجدي ، ودار بيننا حديث شيّق . هذه المرة كنت أحمل مجموعة كبيرة من الاسئلة عنيوم القيامة ، يوم يمثل فيه جميع الناس ، بنفسهم وجسدهم ،  لتلقّي الاحكام الصادرة بحقهم .
كان لقائي مع نفس الملاك الذي كان قد سمح لي في الدخول عندما عرف بأني حفيد ذاك الجدّ الطيب الذي أحبّ الناس وأحبّ الحياة. بعدما ذكرتُ للملاك هدف زيارتي ، قال لي : دوّن اسئلتك واسردها تباعاكي ننظر فيها .
بدأت بالقول : ان البشرية قد ابتدأت منذ ملايين السنين ، والابدية مبدئيا هي للجميع ، من أيّ تاريخ يُعتبر الانسان خاضعا لهذه المحاسبة ؟
هل الشخص الذي وُلِد معاقا أو أصيب باعاقة في حياته ،  سيمثل بنفس عوقه ام يكون قد استقام في ذلك اليوم ؟
هل الطاعن في السن يحضر بنفس العمر الذي توفي فيه ، ام انه يتخذ عمرا آخر ، والتساؤل نفسه  صحيح بالنسبة للذي فارق الحياة وهو شاب، والذي توفي وهو طفل ؟
هل الرجل الاسود يحتفظ ببشرته السوداء أم سيتخذ وجها نورانيا ، لاننا سمعنا بان اللون الابيض هو الطاغي بين الملائكة ؟
هل سيصطفّ كافة القديسين بمختلف اسمائهم وجنسياتهم  مع عامة الناس؟
هل يتمّ فصل الحكام الطغاةعن رعاياهم ؟
اذا كان الحكم يصدر بحق الانسان مباشرة بعد موته ، هل سيخرج المحكومون في جهنم ، ليحضروا الحكم المتخذ بحقهم في يوم القيامة ؟
الايِخشى ، في هذا اللقاء ، من ان ينقضّ  الاعداء على بعضهم البعض ؟
والذين انعدمت حياتهم وفقدوا كافة اعضائهم او تعرضوا للحرق كاملا ، هل سيعثرون على ما فقدوه ؟
هل سيلتقي العشاق من بين من جار عليهم الزمن او ظلمهم اهلهم ؟
هل يحتفظ ذوو الاصوات الجميلة بأصواتهم هناك ، على الاقل للاشتراك في تراتيل الملائكة الشجية مثلا ؟!!
وأين تكون القيامة ؟ وهل تكون ارضنا هذه دار حكم للاحياء والاموات وهل تسع لذلك ؟
قال لي الملاك : هل انتهيت ؟ قلت له نعم . قال لي بابتسامة خفيفة : ما لك وهذه الامور ، انك لا تحتاج لمعرفة كل هذا لان يوم القيامة ليس وشيكاً ، وتأكّد بأنك ستحلّ ضيفاً علينا قبل ذلك بكثير . وقال لي أيضا : انا ادعوك للعودة من حيث اتيتلتتمتع بكل لحظة من حياتك كانسان صالح .  عند هذا تركت الخيال ،فتحت عينيّ ، ووجدت نفسي أمام مقال قد اكتمل !!