هل سيتمكن النظام الرأسمالي من السيطرة على الأزمة الاقتصادية ؟

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, فبراير 25, 2012, 03:18:58 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

هل سيتمكن النظام الرأسمالي من السيطرة على الأزمة الاقتصادية ؟

حسين عطوي

هل طفا الصراع الطبقي في الولايات المتحدة الأميركية الى السطح؟

وهل دخلت الرأسمالية مرحلة تفجر التناقضات داخل بلدانها الأم؟

أم أن الأزمة الاقتصادية، والمالية وتفاعلاتها الحاصلة هذه الأيام في المدن الأميركية، وفي قلب عاصمة المال العالمية نيويورك، في وول ستريت سوف يتمكن النظام الرأسمالي من السيطرة عليها واعادة انعاش اقتصاده كما حصل مع الأزمات التي شهدها في فترات ماضية.

هذه الأسئلة تطرح نفسها بقوة هذه الأيام مع انفجار الاحتجاجات الاجتماعية التي بدأت في نيويورك وامتدت لتشمل أكثر من 150 مدينة أميركية، تحت عنوان حملة « احتلوا وول ستريت»، فيما يشبه ارهاصات ثورة اجتماعية في مواجهة جشع، وفساد وتحكم 1% بالثروة.

إفلاس الرأسمالية وتفجر الصراع الطبقي:

احتار الكثير من الاقتصاديين، والمحللين على مدى العقود الماضية في تفسير أسباب نجاح الرأسمالية الغربية بالاستمرار، وعدم انفجار التناقضات داخلها، وذهب البعض من هؤلاء، بعد انهيار وتفكك الاتحاد السوفياتي السابق، الى الحديث عن نهاية الصراع الطبقي، وتكريس انتصار النموذج الرأسمالي في الاقتصاد، والمجتمع باعتباره هو النموذج الأمثل، والأفضل لكل المجتمعات لتحقيق التقدم، والازدهار، والرفاهية، وصدرت دراسات، وكتب تنظر الى ذلك، وتتحدث عن « نهاية التاريخ».

غير أن آخرين رأوا العكس، وقالوا ان انهيار الاتحاد السوفياتي ليس مؤشراً على انتصار الرأسمالية، وأن الحرب الباردة انتهت الى قتيل اسمه الاتحاد السوفياتي، وجريح اسمه الولايات المتحدة مشيرين الى أن شبح ماركس يحوم فوق الدول الرأسمالية مبشرين باقتراب تفجر التناقضات داخلها.

اليوم وبعد حوالي العقدين على هذا السجال والنقاش ساد خلالها النموذج الرأسمالي بطبعته النيوليبرالية، وتم تعميمه على معظم أنحاء العالم انفجرت أعنف أزمة اقتصادية، ومالية في قلب الولايات المتحدة، وتكشف ان فترات الازدهار والرفاهية، التي كانت سائدة طوال الفترة الماضية لم تكن تستند الى معطيات اقتصادية حقيقية، انما كانت ناتجة عن:

أولاً: تضخم أعمال المؤسسات المالية الورقية على نحو يتجاوز حجم الاقتصاد الحقيقي بأضعاف.

ثانياً: الاستدانة المرتفعة بما يفوق مداخيل أميركا بهدف مواصلة توفير مستوى معيشة يتعدى قدراتها.

ثالثاً: أزمة بنيوية دخل فيها الاقتصاد الأميركي منذ عقود وتنبأ بانفجارها على شكل كساد وافلاسات العديد من الكتاب الأميركيين مثلا:

رافي باترا الذي اصدر كتاب تحت عنوان الكساد العظيم عام 1990، هل بدأ يتحقق، وتحدث فيه عن عواقب الكارثة الاقتصادية التي أوشكت على الوقوع.

ورأى ان ما حصل في أكتوبر 1987 من انخفاض في سوق الأسهم بلغ 22.6 بالمائة، وهو أضخم انخفاض منذ 73 سنة، وأضخم من أي انخفاض حصل في يوم واحد إبان الكساد الذي حصل في عام 1929، لم يكن سوى هزة أولية، واستعراض ملطف للزلزال القادم الذي توقع حدوثه في 1989 ـ 1990، معيداً ذلك الى ان تجمع الثروات في أيد قليلة سيخلق نظاماً مصرفيا متقلقلاً، ويرفع من حرارة المضاربة في سوق الأسهم الأميركية التي لن تلبث ان تنهار وتجر في اعقابها كساداً عظيماً في أميركا ثم يأتي بعدها تساقط حجارة الدومينو وينتهي الأمر بحلول الكساد على نطاق عالمي شامل.

ـ الكاتبان هاري فيجي، وجيرالد سوانسون كتبا كتابا بعنوان «الافلاس 1995» «الانهيار القادم لأميركا»، قالا فيه «لن يبقى للولايات المتحدة التي نعرفها اليوم أي وجود بحلول عام 1995، ففي هذا العام ستنزلق البلاد نحو الافلاس وحينها سيزول عصر القوة الأميركية بزوال طريقة الحياة الأميركية، ولن تخرج البلاد من أزمتها اطلاقاً ما لم يبدأ العمل فوراً لانقاذها من هذه الكارثة الوشيكة. وأوضحا: ستمر أميركا عام 95 برحلة أسوأ من مرحلة الكساد العظيم الذي ساد في الثلاثينيات.. ستكون أميركا من السوء لدرجة أنها ستعجز عن تسديد الفوائد المترتبة على الديون سنة 1995، ويتوقع ان تصل هذه الفوائد الى 619 مليار دولار على افتراض ثبات نسبة الفائدة حتى حلول ذلك العام وهو أمر مشكوك فيه.

ويضيفان «يكمن السبب وراء الارتفاع المخيف في الديون الى رغبة أعضاء حكومة الرئيس رونالد ريغان، بمن فيهم جورج بوش، في تحقيق هدفين هما: ايجاد موازنة متوازنة وتسريع سباق التسلح من اجل إنهاك الاتحاد السوفياتي قبل نهاية هذا القرن، غير ان مساعيهم لن تنجح، ويبدو اننا سنشهر افلاسنا كما فعل الاتحاد السوفياتي قبلنا».

الكاتب ايمانويل تود كاتب كتاب تحت عنوان ما بعد الامبراطورية «دراسة في تفكك النظام الأميركي»، صدر سنة 2003 تنبأ فيه بانهيار الامبراطورية الأميركية.

ورأى ان ركودها الاقتصادي المطرد وتراجع قدراتها الاقتصادية والعسكرية والايديولوجية لا يسمحان لها بالسيطرة فعليا على عالم أصبح شديد الاتساع وينبئان بانهيار حلمها الامبراطوري». اذا كانت نبوءات هؤلاء الكتاب الأميركيين عن افلاس أميركا، وتفجر أزمته وأفول الامبراطورية الأميركية قد تأخرت سنوات الا أنها في النهاية تحققت، وها هي الأزمة قد انفجرت في عام 2008 بعد فشل حروب أميركا الاستعمارية التي زادت من حدة الأزمة بدل حلها، وتمظهر الانفجار من خلال افلاسات كبرى الشركات المالية، وبعد ان استنفدت المسكنات للأزمة عادت وانفجرت مجدداً عام 2011 من خلال أزمة ديون أميركا التي كشفت تبعية الولايات المتحدة للدائنين وخاصة الصين، وباتت فاقدة لاستقلالها الاقتصادي، ولا تقوى على تسديد استحقاقاتها المالية الملحة الا من خلال المزيد من الاستدانة التي بلغت حاليا ما يناهز الـ17 تريليون دولار وهو رقم يفوق بكثير حجم الناتج القومي الأميركي البالغ 13.3 تريليون دولار، فيما سجل عجز الموازنة للعام الحالي 1.3 تريليون دولار، وأدى ذلك الى كشف الاقتصاد الأميركي ووضعه على حافة الافلاس الذي جرى التنبؤ به، وهكذا فإن العجز المتزايد في الموازنة يقود الى مزيد من الاستدانة التي بدورها تزيد من فوائد الدين وكذلك نسبة العجز في الموازنة. وأدت هذه الأزمة الى انتشار البطالة نتيجة تسريح ملايين الموظفين، وتباطؤ معدلات النمو الاقتصادي، وجاءت اجراءات التقشف التي اعتمدتها ادارة باراك أوباما بنتائج معاكسة حيث نتج عنها تقليص الطلب في ظل الركود وتحول الأميركيين نحو شراء السلع الرخيصة التي تنتج في الصين والهند والبرازيل، الأمر الذي فاقم الوضع الاقتصادي سوءاً، ورفع من معدلات، البطالة ونسب العجز التجاري والمالي.

بداية إرهاصات الثورة الاجتماعية في أميركا: في ضوء استفحال الأزمة، واصرار الادارة الأميركية على مواصلة نهج الاستدانة ورفض التسليم بواقع ان أميركا لم تعد قادرة على المحافظة على مستوى معيشة مرتفع جداً ويفوق امكاناتها الفعلية، واصرارها على عدم اعادة النظر في سياساتها الاقتصادية لمعالجة أزمة عجز الميزانية، والمديونية القاتلة للنشاط الاقتصادي أخذت، الأزمة الاجتماعية هي الأخرى بالتفاقم وتشق طريقها الى الشارع من خلال تفجر موجة احتجاجات شعبية بدأت متواضعة عبر حركة احتلوا وول ستريت ثم اتسعت وانتشرت كالنار في الهشيم في اغلب المدن الأميركية في مؤشر على انفجار التناقضات داخل النظام الرأسمالي الأميركي واحتدام الصراع الطبقي كتعبير عن هذه التناقضات التي بلغت مرحلة متقدمة من الحدة لم يعد بامكان عامة الأميركيين تحمل انعكاساتها الاجتماعية.

واسم الحملة احتلوا وول ستريت يدل على طبيعة هذا الصراع الطبقي، بين طبقة الرأسماليين الريعيين التي تحتكر الثروة وبين غالبية الاميركيين الذين استفاقوا وقد سحقتهم الأزمة، وهم يفقدون وظائفهم ولا يملكون ما يطمئنهم الى غدهم ويشعرهم بالأمان، ولهذا انخرط في الحملة طلبة الجامعات والنقابات العمالية كتعبير عن هذا الاصطفاف الاجتماعي الواسع في مواجهة القلة المالية التي تملك الثروة وتتلاعب بحياة الناس حيث أدى انهيار أسواق المال مؤخراً الى افلاسات، وخسائر وتسريح مئات الآلاف من وظائفهم، فيما الحكومة الأميركية سارعت الى انقاذ الشركات المفلسة التي تسببت بالأزمة وتوفير مئات المليارات لها، عبر الاستدانة بدلا من اعادة النظر بالسياسات الاقتصادية وانقاذ الأميركيين من الفقر عبر تأميم هذه الشركات التي اعتراها الفساد والنهب. وفي هذا السياق قال اليكس غيراد احد منظمي حملة احتلوا وول ستريت ملبورن «من العظيم ان ينتفض الناس أخيرا ضد القلة المحظوظة ونريد ان نقف جميعاً ونقول كفى». وأضاف «نستلهم مما يحدث في وول ستريت وننسق مع بعضنا البعض لكنها ليست منظمة مركزية الشكل».

أما باتريك الناطق باسم حركة احتلوا وول ستريت فقال «مبعث قلقنا الرئيس هو الطريقة التي يتم بها الاستيلاء على الديمقراطية من خلال التفاوت في الثروات»، وهو ما كان أشار اليه بالتفصيل كتاب «أفضل ديمقراطية يستطيع المال شراءها»، للكاتب الأميركي غريغ بالاست الذي أسهب في تعرية وفضع كل الحقائق حول ألاعيب الشركات والعولمة، والممّولين المخادعين.

وعلق المخرج السينمائي الشهير مايكل مور في برنامج بيرزمورغان على الأزمة المتفجرة قائلاً «الأغنياء يفلتون بجرائم كبرى، لم تجر اعتقالات في وول ستريت بأزمة انهيار عام 2008، انهم يدفعون نصيبهم العادل من الضرائب».

أما رئيس البنك الدولي روبرت زوليك فقد قال «ان العالم دخل منطقة خطر اقتصادي جديدة، وان عصر التخبط يجب ان ينتهي ويستبدل بشراكة حقيقية لاخراج الاقتصاد العالمي من كبوته». وأوضح «اذا كنا لا نستبق الأحداث، واذا كنا لا نتكيف مع التغيير، واذا كنا لا نرتفع عن المدى القصير، أو التكتيكات السياسية، سننجرف في تيارات خطيرة».

غير انه كشف بان الخيارات المتاحة ضاقت «حتى لم يبق الآن الا بضعة خيارات مؤلمة، لأنهم سوّفوا طويلا في اتخاذ القرارات الصعبة».

ويعكس ذلك عمق الأزمة البنيوية التي يشهدها النظام الاقتصادي الرأسمالي، وانعكاساتها الاحتجاجية المتمثلة في ازدياد الهوة بين الفقراء والأغنياء الذين يستحوذون على الثروة.

وفي هذا السياق قالت عالمة الاجتماع بجامعة ساذرن كاليفورنيا، نينا ايليا سوف «نحن في لحظة نشهد هوة كبيرة بين الاغنياء والفقراء أكثر من أي وقت مضى منذ عام 1929 لهذا يجد الناس أنفسهم مرغمين على الاندماج في العمل السياسي» ومن هذا المنطلق رأت أن «حركة احتلوا وول ستريت ستبقى».
http://www.al-watan.com/viewnews.aspx?n=E5F41573-034D-498F-B861-CC52EC098193&d=20120225&writer=0
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير