شيرا درابان هرمز الجميل في القوش ليس مناسبة للاعتداء على البيئة

بدء بواسطة baretly.net, مايو 16, 2011, 06:19:49 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

baretly.net


-----------
شيرا درابان هرمز الجميل في القوش ليس مناسبة للاعتداء على البيئة

بقلم : حبيب تومي / القوش

Habeebtomi@yahoo.no

الربان هرمز إنسان زاهد كرس حياته للعبادة وترك مباهج الحياة وانعزل عن الدنيا  وتركها لمن يعشقها ، واختار هو لنفسه حياة التقشف والأعتكاف من اجل العبادة والصوم والصلاة ، ولم يدر في خلده انه بعد ثلاثة عشر قرناً ونيف سوف تغدو تلك الصومعة المتواضعة مزارا وقبلة لالاف الزوار من من القوش ومدن العراق ومن انحاء العالم ، اجل اصبح دير الربان هرمز صرحاً مشهوراً  يفوح منه عبق التاريخ وأريج الزمن الماضي وبات مَعلماً سياحياً يدر ثروات إن كان ثمة عناية به واستغلاله برؤية اقتصادية مدروسة .


                 الكاتب في مغارة نقرت بإزميل راهب متعبد في الزمن الغابر

اليوم هو الأثنين الموافق 09 / 05 / 11 ( يوم كتابة المقال ) وينساب نسيم الصباح منعشاً الروح ومداعباً الأزاهير الجميلة وملامساً جموع سنابل الحنطة لتشارك العصافير المرحة في رقصة الصباح الخالدة ، وفي خضم تلك الأجواء تتقاطر الجموع وتختار لها موضعاً لتدق فيه اوتاد تلك المظلات والخيم الجميلة المتنوعة الألوان والأشكال .

هذا الدير العتيق يبقى شاهداً على قرون مضت وعلى احداث تاريخية ، كان فيها ليس قليل من المظالم والنكبات حلت بقاطني هذا الدير وبأهل القوش عموماً ، ولم تقتصر اهمية الدير على الشأن الديني فحسب ، إنما كان له شأن اقتصادي وسياسي ايضاً ، واليوم يعتبر شيرا ( مهرجان ) د رابان هرمز واحداً من أشهر المهرجانات الدينية الشعبية التي يشارك فيها اعداد  كبيرة من ابناء شعبنا الكلداني وبقية مسيحيي العراق ، ومن باب المقارنة فثمة فرق شاسع بين الأمس واليوم في احتفالات هذا المهرجان الشعبي .

بالأمس ( وحينما اقول بالأمس اقصد قبل حوالي نصف قرن من السنين ) كانت الحمير واسطة النقل الرئيسية ، والسيارات معدودة لا تتجاوز اصابع اليد الواحدة او اليدين في احسن الأحوال . واليوم مئات بل آلاف السيارات تنقل المحتفلين الى الدير ويستمر الشيرا لمدة يومين بدلاً من اليوم الواحد كما كان سابقاً ، بالأمس كانت الحمير للنقل بينما اليوم يقتصر دورها لركوب الأطفال والتنزه والترفيه عنهم .

بالأمس يتقاطر المحتفلون من القوش عن الطريق المحاذي لقدمة جبل القوش ويتسلقون الشعاب والصخور لبلوغ الأشجار الوارفة والكهوف العميقة في صدر وهدة ( كليّا ) ربان هرمز في حين يكتفي الناس اليوم بنصب خيمهم ومظلاتهم في مدخل الدير جنوباً الى مقربة من دير السيدة ، ويختلط الحابل بالنابل في الأصوات المنبعثة من اجهزة الراديو والمسجلات المدعمة بمكبرات الصوت .

بالأمس كانت البندقية وسيلة مهمة للاحتفال وكل يتباهى ببندقيته الغالية الثمن ، لكن ت

يبقى إصابة الهدف هي التي تحكم على البندقية وصاحبها ، ويبقى المشترك بين الأمس واليوم هو المشروبات الروحية ، وإن كان بالأمس العرق المحلي فحسب فإن اليوم ثمة مشروبات اجنبية متعددة ومتنوعة لكن لجميعها مفعول واحد .

كانت لي رغبة شديدة بالوصول الى الدير العالي بدلاً من الجلوس تحت ظلال الخيمة المنصوبة وأحتساء الخمر ، وهكذا انطلقت وحيداً الى الدير ، ومن الطبيعي ان اختار الطريق الوعر ، غير المطروق ، لكي اختبر قدرتي ، وهكذا كانت الجموع متجهة نحو الدير في الطريق المعبد ، في البداية خامرتني الشكوك من إنني لا استطيع تسلق الشعاب الوعرة التي كنت اسلكها قبل حوالي نصف قرن ، لكن ليس بيدي حيلة فإنني اعشق هذه الممرات وتميل روحي نحو سلوك المصاعب ، فإيماني ان الحياة الروتينية تبقى مملة لا معنى لها دون مغامرات ومصاعب ، وهكذا انا الوحيد تسلقت نحو الصهريج ( سارجتا) وأحزنني واقعها المؤلم حيث سدت فوهتها ويبدو انها احيلت الى التقاعد ولم يعد لها تلك الأهمية ايام زمان ، ولم تعد محطة لتجمع مياه المطر فيها جوفها ، إنها اوحت لي بأن اذكر بيت شعر لميخائيل نعيمة يقول :

يا نهر هل نضبت مياهك فانقطعت عن الخرير

                                                   ام خاب عزمك فانثنيت عن المسير

بدأت بتسلق المنحدر الصخري آملاً ان اعثر على الممر الذي يطلق عليه الألاقشة ( أورخا د جوبا : Urkha d Chopa) ولا ادري مصدر التسمية ، وأمعنت في التسلق دون ان اعثر على الممر الذي كنت اسلكه في سنين الشباب في الليالي الحالكة الظلام دون صعوبة او عناء ، وأخذت اتساءل هل اختفى الممر بفعل الشجيرات والحشائش ، وأنا في غمرة تساؤلي انسابت امامي برشاقة افعى رقطاء ومضت الى حال سبيلها ، ولكن يبدو انها كانت تحذرني من الوقوع فريسة لأفعى سامة قاتلة معروفة في الجبل تعرف بـ ( كورمار ) والأسم كوردي ويعني الأفعى العمياء وتتميز بقصرها وسعة جسمها مقارنة مع الأفاعي الأعتيادية ، وهي تكمن على حافة الممر لتقفز بخفة عجيبة على رجل الأنسان وتغرز فيه انيابها السامة وعلاج سمومها شبه مستحيل . فعلاً بدأت اتحسس طريقي إذ ان النهار كان مشمساً يميل نحو الحرارة وهذا موسم خروج الأفاعي من اماكن سباتها .

كنت بالقرب من القمة ، ولابد إني مخطئ في الطريق فنظرت نحو الأسفل فوقع نظري على الممر الضيق ( ارخا د جوبا ) وعكفت على الأنحدار نحوه ، لاستمر فيه الى موضع يطلق الألاقشة عليه ( قوراثا د تتر ) اي قبور التتر ، ولا ادري لماذا اطلق مثل هذا المصطلح على المقبرة ، علماً ثبت في الموضع حجر املس كتب عليه بالعربي والكلداني ، مقبرة بيت ابونا .

إن هذا الطريق غير مطروق كما اسلفت ، وكانت سيول الأمطار الأخيرة قد خربت اجزاء من هذا الممر بحيث ترتب علي التشبت بأغصان الأشجار لعبور بعض المناطق ومنها ما ترتب علي الأمساك بالصخور في كلتا اليدين لأن الأنزلاق يعني السقوط نحو الهاوية .

حين وصلت بالقرب من الدير مجاور ( كوبّا د باروت : Guppa d Barut ) سمعت شرطياً من السطح وهو قرب كنيسة الدير يصحيح على صاحبه الشرطي في نقطة اسفل الدير ، ويقول له : أرى شخصاً يأتي من الطريق الممنوع ، فخرج الشرطي الخفر ووقف امامي وقال لي ان هذا الطريق الذي سلكته لا يسمح به المرور للوصول الى الدير ، فقلت له : إن هذا الطريق انا اسلكه قبل ان ولادتك فكيف تريد ان تمنعني ؟

وهنا رحب هذا الشاب وقال مبتمساً ان الدير وكل كلي ( وهدة ) دير الربان هرمز وكل طرقه مفتوحة امامك .

نزلت من الدير ومناسبة شيرا الربان هرمز جمعتني مع الصديق صباح توماس ( ابو ليلى ) وتذكرنا الأيام القديمة في هذه الجبال ، وبدأ يردد المقولة القديمة ( ليسقوتون لكاري دّبّا ، دلا شقلي لوخون صباح وحبّا ) ، وأخذنا بعض الصور التذكارية في تلك المواضع التي كنا نأوي اليها قبل حوالي نصف قرن من السنين .

عزيزي القارئ ان الكتابة عن الدير وعن الأيام الخوالي تبقى بمثابة المنهل الصافي الذي لا ينضب ، ولهذا اعود الى عنوان المقال وأقول :

خلال يومي شيرا دربان هرمز كان ثمة اجراءات امنية مشددة منها التابعة لمركز شرطة القوش وأخرى تابعة لقوات الأسايش ، وقد عملت هذه القوات على حفظ الأمان والأستقرار في هذه المناسبة الجميلة . ولكن .. ولكن ..

كان هنالك حالة تبعث على الأسف ، وهي التسابق على رمي الأوساخ والمخلفات من القناني الزجاجية الفارغة والزجاج المكسور والأكياس البلاستيكية والعلب الفارغة وهلم جراً من مخلفات المحتفلين ورميت على تلك الأرض الخضراء الجميلة بلا مبالاة وعدم الشعور بالمسؤولية وعدم تقدير الطبيعة والبيئة المحيطة بنا ، وأمام هذا الزخم توارت هذا اليوم زهور شقائق النعمان والزنابق والبيبوني وجميع الزهور الجميلة ، لقد رأيت سيارة كبيرة تسير وتسحق سنابل الحنطة الجميلة ، اختفى رونق المكان وجماله تحت هجمة تلك المخلفات ، واكتست تلك الأماكن الجميلة بما لا يعد ولا يحصى من تلك الفضلات ، وهنا لا يمكن حجب السؤال الذي يقول : من المسؤول عن الأعتداء على البيئة التي ينبغي علينا جميعاً ان نحترمها ؟

هل المسؤول هو بلدية القوش ؟ ام إدارة دير السيدة ؟ ، كان يمكن ان تقوم هذه الجهات بتوزيع اكياس جمع القمامة على كل عائلة ، لتجمع المخلفات بها ومن ثم كان يمكن جمع هذه الأكياس .

عموماً اقدم قتراحي من خلال هذا المقال المتواضع ان نقوم بحملة لتنظيف المكان من تلك المخلفات المؤذية والمقززة للعين ، وساكون انا اول المساهمين في جمع تلك المخلفات ووضعها في اكياس القمامة وأنا مستعد ان اساهم مع اية جهة تقوم بهذا العمل الذي يخدم مدينتا الجميلة القوش وديرها العتيق دير الربان هرمز التاريخي .

حبيب تومي / القوش في 13 / 05 / 11