مشاكسة مهــــزلة الزمـــــان / مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 27, 2014, 10:18:46 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

 
مشاكسة
مهــــزلة الزمـــــان



مال اللــه فــرج
Malalah_faraj@yahoo.com

لعل من الغريب والعجيب في هذا الزمان, الذي جعل القيم والمبادئ وحتى الاخلاق تتشظى في كل مكان , فتصارعت الستراتيجيات وانشطرت التحالفات واختفت التوافقات وحلت محلها الصراعات والانقسامات, ان تلتقي جميع الحكومات الرجعية والتقدمية والديمقراطية والدكتاتورية والاستعمارية والتحررية والملكية والجمهورية والبرلمانية والرئاسية في مختلف الدول النائمة والناهضة والغافية والمستيقظة والمتسولة والمتوسلة والمانحة والمادحة والغنية والفقيرة والصغيرة والكبيرة على قواعد وقيم ومبادئ ستراتيجية غير معلنة , تقوم على مبدأ خدمة الشعوب ورفاهيتها  وصياغة نهضتها وتنمية مواردها وتحديث بنيتها الاقتصادية وتقديم افضل الخدمات لها والحكمة في استخدام اموالها وتنمية واستثمار مواردها,وفق شعارات وبرامج وستراتيجيات اعلامية لبناء قاعدة من القناعات المعينة وتغيير اخرى لاستقطاب ايمان الشعوب وايهامها بانها في ظل هذه الانظمة على اختلاف مسمياتها وايدلوجياتها وستراتيجياتها وبهمة مسؤوليها انما ستعيش عصورها الذهبية رغم الحروب والمنازعات والحرائق المذهبية والطائفية.
في خضم ذلك كله يلتقي معظم , ان لم اقل جميع الرؤساء والمسؤولين والسياسيين والبرلمانيين والوزراء ازاء مفهوم  واحد اشبه بميثاق الامم المتحدة الذي يجمع الجميع على احترامه والالتزام به ووفي الوقت نفسه يحاول الجميع بشكل او باخر وكلما تطلب الامر خرقه او تجاوزه او الالتفاف عليه بمبررات المصالح الوطنية تارة وبمتطلبات الظروف الراهنة اخرى او بادعاء محاباته لنظام دون اخر او استخدامه من قبل الدول الكبيرة لارهاب واضطهاد الدول الصغيرة, وذاك المفهوم الذي يلتقون عليه لا يعدو عن كونه كما يسوقونه (خدمة الشعب).
فهم وفقا لذلك وكما يصرحون وينادون ويملئون اجهزة الاعلام ضجيجا (خدم الشعب) وانهم ما جاءوا الا لخدمته , فهل يمكن لاي شعب ان يجد مسؤولين بمثل هذه القيم الانسانية الشفافة وبمثل هذا التواضع وبمثل هذه التضحية وبمثل نكران الذات هذا وبمثل هذا الاحساس المرهف بمعاناة وماسي الشعوب والمبادرة بالتنازل عن كل الحقوق والاعتبارات الاجتماعية والعمل (خدما) رغم ان البعض يحمل مؤهلات علمية رفيعة , لكنها الانسانية المفرطة التي تجعل البروفيسور مثلا او حامل شهادة الدكتوراه يتبرع بالعمل (خادما), بيد ان الغريب والمريب والعجيب ان معظم المواطنين في مختلف الشعوب لا يسمح لاي منهم بمقابلة (خادمه) او حتى الاقتراب من (الكوخ) الذي يسكنه (خادمه الامين) والا سقط مضرجا بدمائه بعد ان يصبح هدفا لأسلحة فيالق حمايته بتهمة الارهاب او استهداف (خدام) الشعب.
ولعل التاريخ الذي لم يشهد قبلا مثل هذه المفارقة العجيبة الغريبة, بل والمريبة طوال مسيرته سوف يبقى حائرا في كيفية فك رموز هذا الطلسم ومفردات هذه الشفرة , وهو يفاجأ لاول مرة بان اوضاع واحوال واملاك وصلاحيات ومميزات ورواتب ومخصصات وحوافز وموارد (الخدام) في معظم الدول بالاخص النائمة منها والغائمة والمتسولة والمتوسلة لايمكن مقارنتها باي حال من الاحوال باوضاع واحوال ومستوى معيشة (مخدوميهم) , ففي الوقت الذي تغرق فيه الشعوب وخصوصا طبقاتها المعدمة والفقيرة بازمات الفقر والحاجة والبطالة والمرض وتواضع المردودات المالية ويضطر الملايين منها الى السكن في المقابر وفي اكواخ الطين والصفيح والعشوائيات التي تشكو من غياب ابسط انواع الخدمات والجوع والحرمان والبحث عن رغيف الخبز في سلال القمامة والتعرض للاوبئة والارهاب الذي لم يستثن لا المدارس ولا الاسواق الشعبية ولا الشوارع ولا بيوت الله ولا حتى مجالس العزاء جراء غياب التحوطات والاجهزة والضمانات والاجراءات الامنية اللازمة وهم اسياد الاوطان واصحاب الثروات والاموال العامة في بلدانهم , فان (خدامهم) بالمقابل يتمتعون بارقى انواع الحياة وملذاتها ويقتنون الفلل والقصور والشقق والعمارات في مختلف الدول ويتنقلون بسياراتهم المصفحة وسط اساطيل من الحمايات الامنية ويتمتعون بالحصانات وبالرواتب الخيالية والمخصصات الخرافية وبالحصص والامتيازات والصلاحيات المفتوحة وبالتنقل والسفر والايفاد والسياحة والاصطياف على نفقة شعوبهم التي (يخدمونها) بمنتهى النزاهة ويرتادون افضل المصحات والمشافي العالمية, وربما يبادر بعضهم باجراء عمليات التجميل على نفقة الدولة لزوجته او نفخ وشد وتكبير وتصغير بعض تضاريس سكرتيرته لتبدو اشد اثارة واكثر شبها باحدى الفنانات المثيرات, بدل التفكير بازمات (مخدوميهم) من الفقراء والمسحوقين والمعذبين وانقاذهم من ازمات الجوع وانتشالهم من تحت خط الفقراللعين وبناء وحدات سكنية لهم بدل العشوائيات واكواخ الصفيح والطين وتوفير الحد الادنى من الدواء والغذاء والخدمات وابسط مستلزمات الحياة .     
ولعل ما يثير الدهشة والتساؤل ويغتال الامل والتفاؤل , تكرار مثل هذه (المسرحيات) الايدلوجية مع بداية كل ممارسة انتخابية او استفتائية , حيث يبرز (خدام) الشعوب وسط ضجيج مكائنهم الاعلامية وهم يحملون في قلوبهم (اسمى المشاعر الانسانية) وعلى ظهورهم اكياس وعلب المساعدات الانسانية والمواد الغذائية لزيارة (مواطنيهم) وفي يد كلا منهم (طلب تعيين) بدرجة (خادم للشعب) وهم لا يتوانوا من زيارة العشوائيات والمناطق الشعبية والخيام والاكواخ الطينية ويقدموا للفقراء والجياع والمحرومين والمسحوقين المواد الغذائية والمعلبات الاجنبية والبطانيات الصوفية والمدافئ النفطية وعدس ورز وزيوت وحليب ارقى من مفردات البطاقة التموينية وكارتات الموبايلات و(الدشاديش) والملابس القطنية والصوفية وفقا لمناخات العملية الانتخابية , ومعها يقدمون طلبات التعيين بادنى الدرجات الوظيفية (خادم) للشعب.
بيد ان المأساة الحقيقية لا تظهرواضحة جلية الا بعد انتهاء الانتخابات او الاستفتاءات حيث يشهد التاريخ اخطر وافظع عملية خداع يتم عبرها تبادل المراكز (قانونيا ودستوريا) اذ يمسي (خدام الشعوب المزيفون الذين يسيؤون للخدام الحقيقيين) في معظم البلدان سادة , وتصبح الشعوب (خداما)وبذلك يمسي من نصيب الحكام والمسؤولين المعنيين كل الثروات والمكاسب والصلاحيات والامتيازات , اما الشعوب فحصص بعضها تبقى دائما الكوارث والماسي والفواجع والويلات.
وسيبقى الامر كذلك ما دام غائبا  و معطلا مبدأ الحساب والعقاب والثواب سواء في الحكومات او في البرلمانات ومجالس النواب.