هل تفرض 'اكسون موبيل' خارطة جديدة للعراق؟

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, يوليو 31, 2012, 09:30:03 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

هل تفرض 'اكسون موبيل' خارطة جديدة للعراق؟

موقف الشركة النفطية العملاقة من قضايا انتاج النفط في العراق هو مشهد لمسعى خطير يعمل على تدمير نموذج الدولة الوطنية، واحلال نموذج الدولة 'المفدرلة' محلها، أي التقسيم الناعم لها، او الخشن، ان اقتضت الضرورة لذلك، حتى وان بقيت هذه الدول تحتفظ شكليا بوحدتها السياسية. لعل العراق يراد له ان يكون النموذج لهذا التقسيم.



ميدل ايست أونلاين

بقلم: عبدالأمير المجر

يتابع المعنيون بالشأن العراقي، وباهتمام، الجدل المحتدم بين الحكومة المركزية في بغداد وبين حكومة اقليم كردستان، وتحديدا ما يتعلق بالتنقيب عن النفط في الاقليم، الذي تراه بغداد انه نشاط سيادي خاص بالمركز، وتراه اربيل حقاً كفله لها الدستور. وعلى الرغم من ان قانوناً للنفط والطاقة، لم يصدر عن البرلمان العراقي حتى الآن، الا ان حكومة الاقليم تعقد اتفاقات مع شركة "اكسون موبيل" الاميركية للتنقيب عن النفط، ليس في محافظات الاقليم الثلاث فقط، وانما في المناطق المختلف على عائديتها الادارية، او "المتنازع عليها" كما يسميها البعض.

اكثر من مرة، حذرت الحكومة المركزية الشركة المذكورة من التعاقد مع الاقليم للتنقيب، من دون موافقتها او التعاقد معها حصريا بصدد ذلك، لكن الشركة ظلت تماطل وتعطي اجابات متناقضة بشأن هذا الموضوع الحساس، الذي اسهم في توتير العلاقة بين بغداد واربيل، المتوترة اصلا، لاسباب اخرى مختلفة.

فما الذي يقف وراء هذه اللعبة والى ماذا ترمي هذه الشركة التي بلا ادنى شك، ان لها عمقها في المؤسسة الاميركية، السياسية والاقتصادية، اضافة الى علاقاتها، بصفتها قوة اقتصادية عملاقة، بمراكز القوة واللوبيات في الولايات المتحدة الاميركية؟

عندما نعود الى بدايات القرن العشرين، الذي شهد الحملة الكولونيالية على الشرق، سنجد ان تقسيم الارض واقامة "الدول" عليها، جاء وفقا للثروة النفطية المتوزعة بينها، وهي التي كانت الفيصل في ذلك، والذي يريد الاستزادة عليه ان يعود الى التاريخ ليتأكد مما نقول، وقد كانت شركات النفط، تمثل دليل الساسة في تقسيمهم الارض، وهو ما حصل.

العراق الذي احتلته اميركا، في العام 2003 لم يكن نهاية اللعبة التي بدأت مطلع التسعينيات، اثر انهيار المعسكر الاشتراكي، والتبشير بعصر العولمة، وانما كان احتلاله بداية لمشروع كبير، بدأت ملامحه تتضح الآن مع لعبة اسقاط الانظمة في المنطقة واعادة ترتيب خريطتها من جديد، تحت عنوان دمقرطتها، فيما تعمل في العمق على تشظيتها وفق اسس طائفية وعرقية، بالتوازي مع جعل الثروات محل تنازع بين ابنائها، تمهيدا لاختراقها وتقسيمها، كتحصيل حاصل، لمسعى خطير يعمل على تدمير نموذج الدولة الوطنية، واحلال نموذج الدولة "المفدرلة" محلها، أي التقسيم الناعم لها، او الخشن، ان اقتضت الضرورة لذلك، حتى وان بقيت هذه الدول تحتفظ شكليا بوحدتها السياسية.

ولعل العراق يراد له ان يكون النموذج لهذا التقسيم، بعد ان اقر "قانون ادارة الدولة المؤقت" الذي فرضه الاحتلال في العام 2003 على العراقيين، صيغة لشكل الدولة، ستثبت في الدستور الدائم الذي كتب في العام 2005، ولعل اخطر ما تم تثبيته فيه هو "المناطق المتنازع عليها" بين العراقيين، ولعبة الاقاليم، كمدخل لنزاعات قادمة، ستكون الثروات سببها، بعد ان تفقد الدولة قدرتها على بسط سيطرتها، من خلال الدستور الذي اضعف سطوة الحكومة المركزية على الاقاليم والمحافظات، وكما مثبت بالدستور، الذي يمثل اليوم عقبة امام امكانية ادارة الدولة بالشكل الصحيح، الذي يضمن بقاءها موحدة وقوية، واذا كانت الدولة العراقية باقية حتى الآن موحدة، فالسبب يرجع الى ارادة العراقيين الذين رفضوا تقسيم بلادهم الى "فيدراليات" لأن ذلك لو تم وانطلقت المشاكل المماثلة لما يحصل مع اقليم كردستان، لاصبح من المستحيل ان نتحدث عن عراق واحد اليوم، حيث ستفقد بغداد قدرتها كعاصمة على ضبط معادلة السيادة المطلوبة، بعد ان تفقد امكانياتها المختلفة، حيث ستتشظى بين الاقاليم، وتضيع الدولة وتنتهي عمليا.

هنا لابد من ان نعود الى شركة اكسون موبيل النفطية واصرارها على التعامل مع حكومة اقليم كردستان، على الرغم من التحذيرات المتكررة من بغداد، بضرورة التعامل معها وحدها، وهل نكون مخطئين عندما نستخلص من هذا الاصرار، ان هناك دوافع سياسية، اقتصادية، متداخلة، تقف وراء ذلك، وان اللعبة اكبر من مجرد تنقيب، بل تتجاوزه الى تكريس واقع سياسي، يتصل بمصالح ستراتيجية اكبر، قد تنتهي اذا ما نجحت، الى تقسيم الدولة العراقية بين كيانات اقتصادية مستقلة، وان العراق لن يكون اكثر من عنوان عام لدولة مهلهلة، او هذا هو هدف المشروع الكبير الذي بدأ في المنطقة، ولا ندري الى اين سينتهي؟!

عبدالأمير المجر
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير