بحث : فـــــــــــــي أكيتـــــــــــو راس السنة البابلية الاشوريــــــــــة..!

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, مارس 23, 2012, 03:39:11 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

بحث : فـــــــــــــي أكيتـــــــــــو
راس السنة البابلية الاشوريــــــــــة..!؟

يعكوب ابونا
الناس
تشير الدراسات الآثارية في بلاد الرافدين بإن الأعياد والإحتفالات كانت تشكل حيزاً مهماً في حياتهم اليومية , وأهم هذه المناسبات كانت هي إحتفالات رأس السنة في الاول من نيسان إذ عرفها السومريون بإسم ( أكيتي سنونم ) والبابليين باسم ( اكيتو ) ولدى الاشوريـــين (ريش شاتين)، لهذه الإحتفالات إشارات في النصوص المسمارية التي تبين إن إحتفال أكيتو كان معروفاً في مدينة أور ومدن سومرية أخرى مثل لجش وأوما في نهاية الألف الثالث ق. م ...اما كيف توصل العراقيون القدماء الى تحديد هذا اليوم ليكون عيد مقدسا لهم هذا ما سوف نتحدث عنه .. ..

المدونات التاريخية للسومريين تؤكد بانهم هم من قاموا بتنظيم الشؤون الزراعية والتجارية والادارية والدينية والعسكرية في ممالك ( المدن ) في ارض شنعار ، وكما يقال بان الحاجة ام الاختراع فكانت الحاجة تقتضي ان يجدوا ما يعزز هذا التنظيم لتحديد مسار ازمنته فكان قياس الوقت مدخل لمعرفة التاريخ الشمسي وتحديد السنة الشمسية وهكذا تم تحديد ( اول ايام الربيع واول ايام الخريف ).. ولا ننسى بان السومريين هم من اخترعوا الكتابة قبل اكثر من 5300 سنة ، والتي بدأت بشكل كتابه صورية رمزية تعبيريه تطورت مع الزمن الى الكتابه اطلق عليها الكتابه المسمارية ( الخط المسماري )، الكتابه وسيلة لكتابة وتدوين الافكار والابداعات الانسانية فكانت المسمارية اولى الابجديات في التاريخ القديم ، وادى الترابط بين اللغة السومرية وبين اللغات الاكّدية والبابلية والاشورية وكذلك اللغة الهتية و الاخمينية الى كتابة اللغة المتكلم بها بخط مسماري ( الكتابه المسمارية )، وهكذا تمكنوا من تدوين تجاربهم في مجال علم الطب و الادب و الفلك وقد تطور علم الرياضيات السومرية بفعل اكتشاف الابجدية تطورا كبيرا .

كان السومريون اول من بدلوا استخدام رقم 10 الذي كان يستخدم اصابع اليد العشرة في العمليات الحسابية والتجارية وفي سبيل تسهيل عمليات المحاسبة التجارية بدلوا استخدام رقم 10، الى نظام الحساب الستيني الذي يتخد العدد ال 60 قاعدة له وهو النظام الذي اثبت نجاحه ولا يزال العالم يعتمده ويستعمله في حساب الزمن وكما هو معروف بان النظام الستيني يقوم على وحدات اساسية هي الارقام الحسابية وهي 1 ـ 6 ـ 10ـ 60 ـ 120ـ 180 - 360-....والخ وهو ذات النظام المستعمل في قياس الزمن ( الساعة 60 دقيقة والدقيقة 60 ثانية ) ..

وبذلك استطاع السومريون ولاول مرة في التاريخ تعيين اليوم الذي يتساوى فيه الليل و النهار وكذلك تعيين اول ايام الصيف واول ايام الشتاء. وتمكنوا عبر مراصدهم ومنها ( مرصد اور ) من التعرف الى وجود سبعة نجوم متحركة في السماء حيث اعتقدوا انها تدور حول الارض الساكنة ، وعبر تلك المراصد جاء اسم " الاسبوع " وقد بقيت اسماء ايام هذا الاسبوع متداولة حتى يومنا هذا وهي على النحو التالي ..
1- يوم الشمس ... الاحد ... 2 - يوم القمر ... الاثنين . 3 - يوم المريخ ... الثلاثاء ... 4 - يوم عطارد ... الاربعاء ... 5 - يوم المشتري ... الخميس 6 - يوم الزهرة ...الجمعة ...  7 - يوم زحل... السبت...

اما الليل والنهار فقد قسموهما على ضوء عبادتهم لالهتهم الأربعة المعروفه فقسموها الى اربعة مجموعات كل مجموعه تحتوي على 6 ساعات يحكمها احد الاله من هؤلاء الاربعة فكان التقسيم على النحو التالي ، 6 ساعات ليل ، 6 ساعات صباح ، 6 ساعات ظهر و6 ساعت عصر ، ونسبوا لكل من الاله الاربعة طباع خاصة وبذلك نسبوا الفصول الاربعة الى طبيعة كل من هؤلاء الالهة الاربعة ...
1- اله السماء :" آن" ، " اَب الحرارة و النار " .
2- الهة الارض: " تي" ،" ام البرودة و التراب " .
3- اله الهواء: " انليل" ، " اله الهواء " والذي ولد من تركيب الارض و السماء .
4- اله الماء ويسمى :"انكيدو"،" البحار العميقة و المياه المسيطر عليها ".

وعلى ضوء ما تقدم فان :
- اله السماء، وله طبع حار و جاف وهو يدل على وجود فصل الصيف و النهار.
- الهة الارض، ولها طبع بارد وجاف وهو يدل على فصل الشتاء و الليل .
- اله الهواء، وله طبع حار ومرطوب و هو يدل على فصل الخريف و العصر .
- اله الماء، و له طبع بارد ومرطوب و يدل على فصل الربيع و الصباح.

كما ان الطب التقليدي وضع معادلته على اساس هذه " الطباع الاربعة المتضادة " و العناصر الاربعة التي نادى بها هذا الطب قائمة على هذا الاساس، وكل فصل من فصول السنة الاربعة له صفة احد هذه الآلهة الاربعة . هذا ما يذكره كتاب الالواح السومرية تأليف Samuel Noah Kramar وكذلك كتاب ، History Begins at Summer حيث يذكر بان السومريين كانوا يقيمون احتفالات ضخمة في اول ايام الربيع تستمر لمدة 12 يوما .(ص، 265) وفي كل يوم تقوم الالهة ( امرأة ) السومرية و التي تعرف باسم " نانشة " وهي الهة المحبة و الصدق و العدالة لمحاسبة الناس على اعمالهم الحسنة و السيئة بحضور زوجها وعدد من الشهود ( صفحة 129 ) ، وفي كتاب التاريخ يبدأ من سومر " ، ص 118 ، تأليف (جان بوترو ومساعده كرامر) يقول بان من خلال مقارنتهم بين الصيف والشتاء تمكن السومريون من تحديد الفصول الاربعة للسنة .

وهكذا كانت البداية ومدخل لتفعيل الحدث كما تؤكد المدونات الاثرية والالواح المسمارية الموجوده في متحف لندن بانهم اعتمدوا التاريخ السومري لهذه المناسبة لان السومريين اتخذوا عناصر الطبيعة واهمها القمر (وهو الاله سين) وهو الاله المولج بقياس الزمن ، الذي عبد في اور باسم ( ننا ) وكان الهلال رمزه ومن هيكله في حران انتشرت عبادته في سائر البلدان واليه تنسب عشتار بانها ابنته ..، اعتمده السومريون لان في شهر نيسان يكون الاعتدال الربيعي ، وعبادة الهة الخصب التي كان يعتقد بانها تتزاوج مع نظرية النشوء لذلك كانت كل دولة من دويلات المدن السومرية تؤمن بان خصوبة حقولها ومواشيها وسكانها بواسطة الزواج المقدس بين اله والهه المدينة ، وهذا الاعتقاد كان له جذور عميقة وشائعة منذ عصور موغلة في القدم فنجد زيجات في نصوص تعود الى عصر سلالة اور الثالثة بين ( ننكرسو ) و( بابا ) في لكش ، وبين ( نانا ) و ( كولا ) في اور وفي اوروك بين ( انليل ) و (ننليل) في نفر . وكانت تقام احتفالات ومراسيم تدعى بالسومرية ( زاكموك ) ( عام جديد ) مرتين كل عام في الربيع والخريف، تنظم وتدار من قبل الامير او الحاكم المحلي الذي كان يلعب دور الاله الذكر في التقمص البشري للاتحاد الالهي ، ثم طور رجال الدين في نفر قصة نشأة الكون فنسب خلقه الى انليل بعد انتصاره على تيامات وقوى الظلام ، وبعد الخليقة اصبح مجمع الالهه برئاسة ( اله الريح ) الذي يجمع بيده مصائر الارض وقدر البشرية ، ولكن كان الاعتقاد بان مسألة الخلق ليست نهائية بل انها عرضة للنظر والمراجعة السنوية المشروطة تأسيسا على مبدأ تجدد الصراع الكوني كل عام واستحالة التكهن بنتائج ذلك الصراع ، لذا امتزجت في عيد رأس السنة الجديدة فكرة زواج المقدس بقصة الخيلقة لنجد تحول الطبيعة من الجدب الى الانماء مع استتباب النظام الالهي الكوني ،هذا ما يذكره جورج رو في كتابه العراق القديم  .

يعزى الاحتفال بـ 1 نيسان رأس السنة العراقية القديمة الاشورية والبابلية الى :
إلهة: إينانا (عشتار) التي تعنى بالسريانية خصب ، كثر ، وفر، غزر ، وهي الهة الحب والانجاب والجنس والحياة والجمال كما انها ابنة الاله ( انو ) والاله دموزي (تموز) الراعي ، اللذان انعكست أحداث حبهما على الأرض لتشكل الربيع وبقية الفصول السنة .

اسطورة الحدث :
الراعي دموزي (تموز) عندما رأى إينانا (عشتار، كوكب الزهرة آلهة الحب والجمال) خفق لها قلبه فما كان منه إلا ان يتوجه إلى (أتو، أوتو، شمش) إله الشمس أخيها طالباً يدها، وعندها اقتنع (أتو) بشخصية تموزي حاول إقناع شقيقته عشتار( إينانا ) بالزواج من تموز ، الا انها كانت تحب شخص آخر يدعي (أنكي- أمدو) الذي كان يمتهن الفلاحة، ليجعل حسب اعتقادهم العنابر والمخازن تتكدس بالحبوب، كان موقف عشتار وانطباعها عن دموزي الراعي بقولها لأخيها (أتو:

أنا، لا لن أتزوج من الراعي
وثيابه الخشنة لن أرتدي ....

كان دموزي يسرح بماشيته على ضفاف النهر عندما تسوقه الأحداث للتعرف على (أنكي - أمدو) غريمه، لقد ساورت للراعي الرغبة في الاعتداء على الفلاح وبدا عليه الغضب إلا أن (أنكي - أمدو) اخذ يهدئ من روع (دموزي) و عرض عليه أن يرعى ماشيته في حقوله، وهكذا أصبحا صديقين.

واخبر الراعي (دموزي) رفيقه الجديد بما هو عازم عليه وانه سيتزوج بإينانا وبطبيعة الفلاحين وعده بالحضور ويجلب ما يناسب الحفل الكريم.
اللقاء الساخن بين إينانا ودموزي أفاض مشاعر الاله بالقول:-

عندما كنت اغني مع اطلالة النور
آنذاك التقى بي، آنذاك التقى بي
سيدي كولي - أنا (دموزي) التقى بي
سيدي وضع يده بيدي

أثناء ذلك اللقاء المثير شعرت إينانا بمرور الوقت، وتبعاً لذلك خافت تقريع امها لها، لذا توجهت بالسؤال إلى عشيقها الجديد عن حيلة تخلصها مما هي في وبذكاء، فاجابها دموزي بذات العذر الذي تتذرع به الفتيات:-

قولي لها اخذتني صديقتي معها إلى الساحة العامة
ومتعتني هناك بالموسيقى والرقص
وغنت لي اغنيتها العذبة
وفي غمرة الفرح فات علي الوقت
بهذا العذر واجهي امك!!

ثم تذهب إينانا إلى والدتها لتخبرها بنبأ خطبة دموزي لها. ويبر الاخير بوعده، ويقصد دار إينانا ويتقدم تموز لخطبة عشتار من امها (منكال) وهكذا يتم الزواج بين إله الحب والراعي تموز ليصبح إلاها للخصب وكنتيجة لهذا الزواج يعم سطح الارض الخصب وينمو ويتكاثر كل مخلوق حي على وجه الارض ...

تتسم طبيعة المرأة بحبها للاستقرار والاحتفاظ بمن تحب، الا ان إينانا كانت تختلف على ما يبدو عن معظم النساء، فالنصوص السومرية والبابلية والآشورية للاسطورة توضح أنها تركت عالمها العلوي لتنزل إلى عالم رهيب، ولم يتبين لحد الان السبب الذي من اجله خاطرت عشتار بنزولها الى ذلك العالم السفلي الرهيب، الذي تسيطر عليه اختها ، جاء في الميثولوجية السومرية انها نزلت لتتعرف على طريقة هبوط اختها الى العالم السفلي اما الميثولوجية الاشورية تقول كان من اجل اطلاق سراح ارواح بعض الموتى من العالم السفلي ، الامر قد يكون بين هذا وذاك ولا نستبعد بان رغبة الامتلاك لدى المرأة عموما وغيرة عشتار من اختها (آيرشكيكال) لا يستبعد ان يكون وراء هذه المخاطرة لتأخذ مكانتها ودورها في العالم السفلي بعد ان تملكت العالم العلوى... ومن ناحية اخرى يمكن قراءة ابعاد ميثولوجيا سومر وبابل في شخصية عشتار ( انانا ) لنجد بانها تتطور وفق مراحل تقدمها اذ نجد ان اينانا في السومرية التي كانت السبب في انزال تموزي الى العالم السفلى نجدها في الاسطورة البابلية ( عشتار ) تسرع لانقاذ تموز من العالم السفلي وتعرض نفسها للمخاطر ..

لان من الاسطورة السومرية وسطورها تبين أن عشتار كانت على علم تام بما سيجري لها وهي تهبط إلى العالم الاسفل وذلك من خلال حوارها مع وزيرها (ننشوبر) الذي طلبت منه أن يقصد معابد الآلهة العظام ليخاطبها هناك إنليل (إله الهواء) بمدينة نفر، ننا (إله القمر) بمدينة اور، ثم إينكي (إله الحكمة) في مدينة اريدو، طالباً منهم حماية عشتار عند وجودها في ذلك العالم الاسفل وتلتفت إلى وزيرها مؤكدة :

- اذهب يا ننشوبر، ولا تهمل ما امرتك به.

ثم تصل الإلهة إلى القصر، إلى جبل اللازورد، وكان عليها ان تجتاز سبع بوابات تطيع كل منها امراً خاصاً يتعلق بما ترتدي من تاج واساور وغيرها، بل حتى ما يسترها في الباب السابع. كما كان على إينانا ان لا تعترض فتلك نواميس العالم الاسفل.

عندما تجتاز عشتار الباب الاخير تقف وجها لوجه امام ملكة العالم السفلي ايرشكيكال، اختها التي كانت تجلس على العرش وامامها قضاتها السبعة، تقول الاسطورة :-
فصوبت نظراتها اليها، نظرات الموت ثم تحولت الفتاة العليلة إلى جثة هامدة  .

وعند وجودها في العالم السفلي، ولأنها إلهة الجنس فقد ألمت بالارض امور خطيرة. لقد ابتعد الثور عن انثاه وهجر الرجل زوجته، هذا ما تذكره نسخة آشورية.

بعدها يشرع وزيرها (ننشوبر) باستغاثة الآلة واحداً تلو الآخر حتى يصل إلى أنكي الذي يعمل ما يستطيع لإعادة الحياة إلى عشتار بطعام وماء الحياة.

تنهض عشتار بعد رش ماء الحياة ونثر طعام الحياة على جسدها إلا أن قضاة ايرشكيكال يضعون شرطاً لخروجها من عالمهم قائلين :

- دعها تقدم شخصاً بديلاً عنها.

ثم تخرج عشتار من ذلك العالم الغريب وتصحبها الرهبة والخوف من الشياطين الذين صاحبوها، حيث يأخذون دموزي (تموز) بديلا عنها، فقد وجدوه عند شجرة التفاح، فامسك به الشياطين (فلم يعد الراعي يعزف الناي ولا المزمار)

يقول النص السومري:-

وهكذا اعطت إينانا المقدسة دموزي الراعي بايديهم

واخذ المسكين يستغيث رافعاً يديه إلى السماء صوب (أتو) إله الشمس قائلاً :-

أنا من يحمل السمن إلى بيت امك
انا من يحمل السمن إلى بيت ننكال
فحول يدي إلى يدي افعى
وحول قدمي إلى قدمي افعى
ودعني اهرب من الشياطين ولا تدعهم يمسكونني

إلا أن هروب دموزي المؤقت لم يكن يغنيه عن المصير المحتم شيئاً، يقول النص السومري :

فألقوا القبض على دموزي في الحظيرة المقدسة للأغنام

ثم يقول النص السومري عن لسان دموزي الهائم في المروج :-

اقيمي المراثي، اقيمي المراثي
ايتها المروج، اقيمي المناحة، اقيمي العزاء

ثم يقول متأسياً على الربيع:-

ولتذرف عيناي الدموع على المروج مثل امي
ولتذرف عيناي الدموع على المروج مثل اختي الصغيرة.

يتبع


المصدر:
الحضارة والميثولوجيا في العراق القديم ـ ماجد عبدالله الشمس الطبعة الاولى صفحة 19-25



23 /3 /2012
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير