لا نفع من تحويل الصين إلى فزّاعة للأميركيين

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, يوليو 25, 2012, 09:22:13 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

لا نفع من تحويل الصين إلى فزّاعة للأميركيين
Minxin Pei - The Diplomat
وكالة اور الاخبارية/في هذه الأيام، نادراً ما يُجمع الجمهوريون والديمقراطيون في الكونغرس حول أي مسألة ونادراً ما يتكلمون بصوت واحد، لكن حين يفعلون ذلك، لا تكون النتيجة جيدة بالضرورة. هذا ما حدث على ما يبدو عندما أقدم زعيم الأغلبية في مجلس الشيوخ هاري ريد، وعضوة الكونغرس نانسي بيلوسي (ينتمي الاثنان إلى الحزب الديمقراطي)، والمتحدث باسم مجلس النواب جون بوينر (جمهوري)، وعدد آخر من أعضاء مجلس الشيوخ والكونغرس، على إدانة قرار اللجنة الأولمبية الأميركية باستعمال ملابس صينية الصنع من تصميم رالف لورين، وهو الراعي الرسمي للجنة الأولمبية الأميركية، خلال دورة الألعاب الأولمبية في لندن. ذهب السيناتور هاري ريد إلى حد دعوة اللجنة الأولمبية الأميركية إلى حرق الملابس المصنوعة في الصين. قد يظن هؤلاء السياسيون الأميركيون أن مهاجمة الصين خلال الأوقات العصيبة التي تشهدها الولايات المتحدة قبل موعد الانتخابات تنم عن استراتيجية سياسية مفيدة. من خلال إظهار التعاطف مع العاطلين عن العمل في الولايات المتحدة، يمكنهم كسب أصواتهم في شهر نوفمبر المقبل، لكن على أرض الواقع، يجب أن يدرك هؤلاء السياسيون أنفسهم أن لوم الصين على مشاكل البلد الاقتصادية لن يخفف من معاناة الأميركيين العاديين.  لا شك أن الكونغرس يملك حقاً دستورياً بالتدخل في السياسة الخارجية الأميركية علماً أن تدخله السابق في الشؤون المتعلقة بسياسة واشنطن تجاه الصين، عندما ارتكزت تلك السياسة على تعاون وثيق مع البيت الأبيض، أنتج في بعض المناسبات آثاراً انعكست إيجاباً على العلاقات الأميركية الصينية. لكن اعتبار الملابس الصينية الصنع التي تخص الفريق الأميركي مسألة سياسية واستعمال خطاب غير مسؤول (لا بل هستيري) لتأجيج الرأي العام يبرر الازدارء الذي يكنه الشعب في الولايات المتحدة وفي أنحاء العالم تجاه الكونغرس، كما أن هذه المقاربة تُضعف الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين على المدى البعيد. من الواضح أن مهاجمة الصين بهذا الشكل العشوائي ينم عن نفاق كبير، تنجم الخسارة التي تتكبدها طبقة العمال عموماً والعاملون في صناعة النسيج خصوصاً عن التطور التكنولوجي وقوى السوق ولا دخل للصين بالموضوع. حتى لو لم تُصنَع ملابس الفريق الأميركي في الصين، كانت ستُصنَع في فيتنام أو إندونيسيا أو الهند وليس في كارولاينا الشمالية. يبرز مثال صارخ آخر عن حجم النفاق في هذا الخطاب الهجومي وهو يتمثل بواقع أن هؤلاء السياسيين لم يفكروا على الأرجح بعواقب تنفيذ مطلبهم بالامتناع عن شراء أي سلع مصنوعة في الصين. كان يجب أن يطبقوا هذا المبدأ بأنفسهم بدل انتقاد اللجنة الأولمبية الأميركية. لو فعلوا ذلك، فقد يضطرون يوماً إلى العمل من دون ملابس، وقد يضطرون أيضاً إلى حرق أجهزتهم العزيزة (آي فون، آي باد، ماك بوك) كونها مصنوعة جميعها في الصين أيضاً. كما أنهم قد يُجبَرون على دعوة الصحافة إلى تفتيش منازلهم لضمان عدم وجود أي سلعة مصنوعة في الصين. ماذا عن عائلاتهم؟ هل يجب حرمان أبنائهم وأحفادهم من متعة المعدات والألعاب المصنوعة في الصين؟ باختصار، يصعب أن نتخيل أنهم مستعدون للالتزام بقناعاتهم فعلاً. في ما يخص الضرر الناجم عن هذا الجنون السياسي على مستوى استراتيجية واشنطن تجاه الصين على المدى البعيد، يبدو أن النفاق السياسي هو آخر ما يهتم به الأميركيون. إن المشهد المؤسف الذي يصوّر قادة الكونغرس وهم يحشدون أنفسهم لمعارضة استعمال الملابس الصينية الصنع يعزز بكل بساطة الفكرة التي يشك فيها الرأي العام الصيني عن أن المؤسسة السياسية الأميركية تكن عدائية عميقة تجاه الصين ولا تتمنى أن تراها قوية ومزدهرة. من الواضح أن هذا السلوك سيصب في مصلحة الحزب الشيوعي الصيني الحاكم الذي نجح في إقناع المواطنين الصينيين العاديين بأن الولايات المتحدة تطبق استراتيجية احتواء ضد الصين. بما أن الاستراتيجية الأميركية تجاه الصين على المدى البعيد تتوقف على حصول تغيير جذري في النظام السياسي المحلي في الصين، يجب أن تشمل هذه الاستراتيجية اتخاذ خطوات فاعلة لكسب قلوب وعقول الشعب الصيني. بالنسبة إلى بلدٍ أنفق مئات مليارات الدولارات وخسر آلاف الشبان وهو يحاول كسب قلوب وعقول أكثر من 50 مليون عراقي وأفغاني، يعكس الميل إلى تجاهل 1.3 مليار شخص من خلال تبني خطاب غير مسؤول وإطلاق تعليقات عشوائية ستبقى عالقة في الذاكرة لفترة طويلة جنوناً استراتيجياً واضحاً. للمرة الأولى على الأرجح، يقوم السياسيون الأميركيون "بإيذاء مشاعر الشعب الصيني" فعلاً، وقد استعمل المتحدث باسم وزارة الخارجية الصينية هذه العبارة التي أصبحت محط سخرية بشكل متكرر لوصف ردة فعل الجانب الصيني. لا شك أن مهاجمة الصين بطريقة رخيصة وغير مسؤولة ستترافق مع نتائج عكسية تضرّ بالاستراتيجية الأميركية على المدى البعيد لأنها ستؤدي حتماً إلى تأجيج المشاعر القومية الصينية، ما يعني احتمال أن يستغل الحزب الشيوعي الحاكم هذه القوة العاطفية الجامحة للاحتفاظ بسلطته. من المعروف أن معظم الشعب الصيني العادي بسيط للغاية ولا يستطيع التمييز بين خطاب الكونغرس والسياسة الأميركية العملية ولا يستطيع أيضاً الفصل بين النفاق السياسي والالتزام الحقيقي. لكن عندما تعرض وسائل الإعلام الصينية هذا الخطاب المعادي للصين الذي يتبناه أهم السياسيين في الولايات المتحدة، فلا مفر من تأجيج مشاعر الصينيين الغرائزية القوية ضد الولايات المتحدة. لا يريد صانعو السياسة المنطقيون في واشنطن تحويل الشعب الصيني إلى عدو للولايات المتحدة. بل يفضل الجميع تعبئة ذلك الشعب كي يضغط على نظامه من أجل توسيع هامش الديمقراطية وتعزيز الأسواق الحرة واحترام حقوق الإنسان. لكن نظراً إلى النقص في منسوب المنطق داخل الكونغرس، يمكن أن نتوقع استمرار هذا السلوك التدميري. بهذه الطريقة، ستتراجع النوايا الحسنة التي يكنها الشعب الصيني للولايات المتحدة وستصبح مشاعر العداء تجاه الأميركيين مكسباً سياسياً للحزب الشيوعي الصيني، ما يسمح له بإقناع القوى الصينية النافذة بأن أفضل نظام سياسي للدفاع عن كرامة الصين الوطنية هو النظام الراهن الذي يبقى أفضل من خيار إرساء نظام ديمقراطي مدعوم من الولايات المتحدة أو متحالف معها. لا أحد يعلم ما إذا كان قادة الكونغرس يدركون العواقب الاستراتيجية الكارثية لسلوكهم غير المنطقي المعتاد، ولا أحد يعلم ما إذا كانوا يستطيعون تعلم أي درس من أخطائهم بما أنهم يمضون معظم وقتهم وهم يسعون إلى جمع أموال الحملة الانتخابية كي يضمنوا استمرارهم في مناصبهم.
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير