ما هي هوية مسيحي الشرق؟
يقال أنه في نهاية القرن التاسع عشر كانت منتشرة في إيطاليا أكثر من عشرين لهجة أو لغة إيطالية محلية و لكن مع إنتشار الخدمة العسكرية و خاصة إختراع الراديو و بث البرامج باللغة الإيطالية الحالية أسرع في إختفاء تلك اللهجات المحلية .
مسيحيو الشرق ينتمون جميعا الى الشعب السرياني الآرامي ولكن قسم كبير منهم يدعي بهوية عربية متحججين بذرائع واهية مثل وجود قبائل عربية مسيحية قبل الإسلام !
من المؤسف أن كثيرين من مسيحي الشرق لا يهتمون في معرفة جذورهم التاريخية و أهميتها و هم يخلطون دائما إنتائهم الوطني أي الإنتماء الى دولة معينة و الإنتماء التاريخي ( القومي ).
أولا - الإنتشار الآرامي
أ- يؤكد بعض المتعصبين العرب أن الشعوب القديمة من أكاديين و عموريين و كنعانيين و عبرانيين و آراميين ما هي إلا شعوب عربية خرجت من شبه الجزيرة العربية .
هذه نظرية خاطئة يريدون بها الإدعاء أن فلسطين و إسرائيل و لبنان و سوريا و العراق كانت عربية قبل الإسلام .
البرهان القاطع الذي يفضح هذه النظرية هو الجمل العربي لأن أول ذكر له في التاريخ كان في مدونات ملوك أشور حول معركة قرقر ٨٥٣ ق٠م و هذا يؤكد أن الشعوب الشرقية ( السامية ) القديمة لم تستخدم الجمال و لم تخرج من الصحراء العربية و لكن من الباديا السورية!
القبائل السوتية و الأحلامو و الآراميين تنتمي الى شعب بدوي واحد سكن مئات السنين في الشرق و قد إستفاد من هجوم شعوب البحر في حوالي ١٢٠٠ق٠م التي قضت على الإمبراطورية الحثية و أبعدت النفوذ المصري من جنوب سوريا .
صحيح أن الآراميين لم يؤسسوا إمبراطورية واسعة و لكن ممالك عديدة منتشرة في بلاد آرام (سوريا) و بيت نهرين (الجزيرة) و بلاد أكاد(جنوب و وسط العراق).
ب - من المدهش أن العلماء اليهود - بعكس المفكرين العرب - ينشرون أباحثا أكاديمية حول تاريخ الآراميين القدامى فالباحث بنيامين مذار منذ حوالي ٥٠ سنة يكشف صفحات عن الآراميين و يطلق عليهم صفة الإمبراطورية لأهمية تاريخهم
The Aramean Empire and Its Relations with Israel, by Benjamin Mazar
http://www.jstor.org/pss/3210938 (http://www.jstor.org/pss/3210938)
و يلخص الباحث" ملامات" تاريخ الآراميين في صفحات قليلة و لكنها تلقي الأضواء على بعض النقاط الغامضة من تاريخ الآراميين
THE ARAMAEANS by A.Malamat
http://www.aramaic-dem.org/English/Hist (http://www.aramaic-dem.org/English/Hist) ... MAEANS.htm
أما العالم" حاييم تدمر " فإنه أكد أن عدد الآراميين قد فاق الأشوريين في بلاد أشور نفسها ! و ذلك في مقاله الشهير
THE ARAMAIZATION OF ASSYRIA: ASPECTS OF WESTERN IMPACT HAYIM TADMO
http://www.aramaic-dem.org/English/Hist (http://www.aramaic-dem.org/English/Hist) ... Tadmor.pdf
لا شك أن العلماء اليهود إهتموا بدراسة تاريخ الآراميين القديم بسبب القربى بين الشعب اليهودي و الشعب الآرامي القديم و بسبب الحروب العديدة بين الشعبين!
ج - أسفار التوراة تتكلم كثيرا عن الآراميين و قبل فك رموز الكتابات المسمارية كانت أسفار التوراة تقريبا المصدر الوحيد حول تاريخ الآراميين القديم .
و هنالك معلومات عن ممالك آرامية لا نعرف أخبارها إلا من خلال التوراة :
مملكة آرام صوبا , آرام معكا , آرام رحوب و آرام جشور التي كانت عاصمتها بيت صيدا .
http://www.jewishmag.com/69mag/bethsaida/bethsaida.htm (http://www.jewishmag.com/69mag/bethsaida/bethsaida.htm)
ثانيا - من هم السريان ؟
أ - التسمية السريانية :
إهتم العلماء منذ القرن التاسع عشر لمعرفة أصل التسمية السريانية و قد إنتشرت عدة آراء في القرن العشرين حول هذا الموضوع .
إختلاف العلماء حول أصل التسمية السريانية لا يعني أنهم مختلفين حول هوية الشعب السرياني إذ أن هنالك إجماع حول إنحدار السريان من الشعب الآرامي .
بعض العلماء يعتقد أن التسمية السريانية هي تسمية مصرية قديمة بينما أغلبية من العلماء تؤكد أن التسمية السريانية مشتقة من التسمية " الأشورية " القديمة و كان العالم الفرنسي إرنست رينان قد نشر هذه الفكرة في كتابه تاريخ اللغات السامية و هي أن اليونانيين قد أخذوا إسم Syria من Assyria و لكن رينان يؤكد أن التسمية السريانية قد أطلقت على الآراميين الذين قبلوا الديانة المسيحية .
ب - سلوقس " ملك سوريا "
ب - سلوقس " ملك سوريا "
هنالك مصادر فارسية عديدة تثبت أن الفرس قد أطلقوا تسمية أسورستان الإدارية على كل الشرق الذي كان خاضعا لهم و إن اليونانيين قد أخذوا التسمية Assyria من الفرس و ليس من الشعب الأشوري.
و لكن بين ٥٣٨ و ٣٠٠ ق. م كان اليونانيون يستخدمون تارة سوريا Syria و طورا Assyria و لكن بعد مجيئ الإسكندر الى الشرق و خاصة بعد إقتسام إمبراطوريته بين قواده نرى أن سلوقس سنة٣٠٤ يعلن نفسه ملك سوريا.
و بلاد سوريا سوف تصبح منطقة جغرافية واضحة المعالم فهي غرب الفرات أي في المناطق الآرامية .
و قد نقل لنا الجغرافي اليوناني سترابون (القرن الميلادي الأول قبل المسيح) :
"يقول لنا أيضاً بوسيدونيس إن هؤلاء الذين أطلق عليهم اليونان إسم السريان" Syrian "فإنهم يطلقون على أنفسهم إسم الآراميين".
ج - الترجمة السبعينية و التسمية السريانية
طلب بطليموس ملك مصر من اليهود أن يترجموا التوراة من اللغة العبرية الى اللغة اليونانية في بداية القرن الثالث ق٠م .
هذه الترجمة المشهورة ستعرف بالترجمة السبعينية و الجدير بذكره أن اليهود قد ترجموا التسمية الآرامية في النص العبري الى سرياني Syrian في اللغة اليونانية و هكذا بلاد آرام تترجم الى بلاد سوريا و الشعب الآرامي الى الشعب السرياني !
ثالثا - التسمية السريانية هي مرادفة للتسمية الآرامية .
أ - المصادر السريانية
هنالك عشرات النصوص في المصادر السريانية تبرهن لنا أن السريان كانوا يؤمنون أنهم آراميين فمار أفرام السرياني (توفي ٣٧٣) كان يسمي السريان بالآراميين و لغتهم باللغة الآرامية !
كما أن الشاعر يعقوب السروجي في تقريظه لمار افرام :
" ܗܢܐ ܕ ܗܘܐ ܟـܠܺܝܠܳܐ ܠܟܠܗ ܐًܪܡًܝܘܬܐ ܗܳܢܳܐ ܕ ܗܘܳܐ ܪܗܝܛܪܐ ܪܰܒܳܐ ܒܝܬ ܣܘܪ̈ܝܝܐ
" و ترجمتها "
هذا ألذي صار إكليلا للأمة ألأرامية جمعاء هذا ألذي صار خطيبا كبيرا بين ألسريان ."
هذا النص يثبت لنا أن الأمة الآرامية هي مرادفة للأمة السريانية .
هنالك نصوص سريانية أوضح مثلا في كتابات مار يعقوب الرهاوي ( توفي ٧٠٨ )
" ܘ ܐܦ ܠܘܬܢ ܐܪ̈ܳܡܳܝܶܐ ... ܗܳܟܰܢܳܐ ܐܶܬܩܪܝܺܬ ܡܶܢ ܥܰܬܝܩܳܐ ܒܢܰܝ ܐܪܡ "
ألترجمة:
وأيضا عندنا ( نحن ) الأراميون... وهكذا سميت من قبل ألقدامى من أبناء أرام .
كما ورد في أحد ميامره
" ܗܘ ܗܟܘܬ ܐܳܦ ܚܢܰܢ ܐܪܡܝܐ ܐܘ ܟܺܝܬ ܣܘܪ̈ܝܝܐ "
و هكذا عندنا نحن ألأراميين أو ألسريان .
ب - المؤرخ يوسيفوس اليهودي و نصوص سفيرة الآرامية .
لقد إستخدم السريان التسميتين السريانية و الآرامية مترادفتين و هنالك نص مشهور للعالم إبن العبري يقول فيه " لم يرد الأراميون (السريان ) أن يختلطوا مع الآراميين الوثنيين " .
هنالك برهان قاطع يثبت ترادف الإسمين السرياني و الآرامي :
* تحولت سوريا الى ولاية رومانية في القرن الأول ق٠م و قد قسمت إداريا الى عدة مناطق :
سوريا الأولى , سوريا الثانية , فينيقيا الساحلية و فينيقيا الداخلية و عاصمتها دمشق و منطقة وسط الفرات ...
* و قد ورد تعبير " سوريا كولن " في كثير من النصوص اليونانية مثلا في تاريخ اليهود لفلافيوس جوزيف اليهودي نرى هذه التعابير :
" كان لآرام أربعة أولاد أحدهم عوض وهو البكر ... بنى مدينة دمشق الواقعة بين فلسطين وسوريا الملقبة بكولن " .
وفي مكان أخر يستعمل تسمية سوريا السفلى وسوريا العليا ".
* لقد حاول العلماء في القرن التاسع عشر معرفة ما معنى " كولن" في اللغة اليونانية و لكنهم وجدوا أنها لفظة غير يونانية و لم يعرفوا معناها!
* في بداية القرن العشرين إكتشفت في ضيعة سفيرة قرب حلب ثلال نصب باللغة الآرامية هي كناية عن معاهدة و قد ورد فيها تعبير " كل آرام " و " آرام العليا " و " آرام السفلى " .
و قد ترجمت تلك النصوص الى اللغات الفرنسية و الإنكليزية و كثرت الدراسات حولها .
* أحد المؤرخين اليهود في الثلاثينات من القرن العشرين يؤكد أن تسمية " كولن" اليونانية هي " كل " الآرامية التي وردت في نصوص سفيرة و يؤكد العالم بنيامين ماذار أن سوريا كولن هي " كل آرام ".
و هذا يؤكد أن تسمية سوريا الجغرافية هي مرادفة لبلاد آرام القديمة !
رابعا - هل يوجد مسيحيون مشارقة ينتمون الى العرب ؟
أ - ظل السريان الآراميون يشكلون أكثرية السكان في الشرق بعد الإحتلال العربي الإسلامي و لكنهم بعد طرد الفرنج من الشرق سيتعرضون إلى هجومات ضارية مما ستؤدي تقليص نسبتهم رويدا رويدا .
و كان السريان الآراميون منقسمين منذ القرنين الخامس و السادس الى ثلاث كنائس متناحرة :
*الكنيسة السريانية الشرقية النسطورية (الكلدانية و الأشورية اليوم)
*الكنيسة السريانية الملكية (كنيسة الروم اليوم )
*لكنيسة السريانية اليعقوبية (السريانية الأرثودكسية اليوم ) رغم هذه الإنقسامات المذهبية فإن جميع أبناء تلك الكنائس كانوا يؤمنون أنهم سريان آراميين !
ب - الإحتلال العثماني و نظام الملة .
ترك العثمانيون خلال حكمهم الطويل في الشرق ١٥١٦ - ١٩١٨م المسيحيين يديرون شؤونهم الخاصة ثم مع إنتشار الكثلكة و خاصة الفكر القومي سوف يوسع الخلافات بين جميع الكنائس المسيحية في الشرق.
و كان السريان الملكيون قد تخلوا عن لغتهم الأم السريانية في القرنين العاشر و الحادي عشر و صاروا في نهاية القرن التاسع عشر يدعون بأنهم أحفاد القبائل العربية المسيحية التي كانت منتشرة في شبه الجزيرة العربية قبل مجيئ الإسلام .
ج - سريان مستعربون و ليس عرب مسيحيون !
كل المسيحيين في الشرق يتحدرون من السريان الآراميين و لكن أكثرية ساحقة منهم إستعربت و تخلت عن لغتها السريانية الأم و صارت تؤمن - لأنها تتكلم اللغة العربية - بأنها تنتمي الى الشعب العربي .
من المؤسف لنا أن هؤلاء المسيحيين يدافعون عن الفكر العروبي عن خوف أو من أجل مصالح سياسية !
لا يوجد مسيحيون عرب يتحدرون من القبائل العربية المسيحية لأن من يتابع تاريخ تلك القبائل العربية المسيحية يجد أنها دخلت الإسلام من أجل الإستفادة من مغانم الحروب !
الخاتمة
تنتشر بين السريان خاصة في بلدان الإغتراب مؤسسات ثقافية و أحزاب سياسية تدعو الى عودة المسيحيين الى جذورهم الآرامية
الحقيقية معتمدين على مصادر السريان الغنية .
العودة الى الجذور الآرامية يلاقي بعض المقاومة من قبل المسيحيين المستعربين المستفيدين من العيش ضمن الأكثرية العربية .
بعض السياسين السريان الموارنة يتخلون عن الهوية السريانية الآرامية و يدعون بالعروبة لتأمين مصالحهم السياسية .
عودة المسيحيين المشارقة الى جذورهم الآرامية الحقيقية تعني أنهم سكان الشرق الأصيلين و أن تاريخهم يعود الى أكثر من ٣٠٠٠ سنة !
شكرا على هذه المعلومات القيمة ولكن كل الدلائل تشير باننا سننقرض من الشرق
الاستاذ هنري بدروس كيفا
(http://im21.gulfup.com/2012-02-13/1329080859842.gif)
شكرا لجميع الإخوة المهتمين الذي علقوا على هذا الموضوع و أحب أن
أرد على تعليق الأخ د.عبد الاحد متي دنحا فهو يؤكد " ولكن كل الدلائل تشير باننا سننقرض من الشرق" و إنني أقول سنذوب في الغرب المتطور و الكافر ! و لكن هنالك بصيص أمل و هو نهضة قومية
حقيقية قد تقنع إخوتنا من الكلدان و الموارنة في العودة الى جذورهم
الحقيقية كي نتوحد قبل فوات الأوان !
الأخ عبد الأحد للأسف لا يوجد إحصائيات في تاريخ الشرق الوسيط
و لكن عددنا ظل يشكل أكثرية حتى دخول الفرنج الى شرقنا الحبيب !
ففي القرن التاسع عشر كان عددنا أكثر من ٢٠ بالمئة و في السنوات
الأخيرة خف عددنا بشكل رهيب كما أن كنائسنا المنقسمة قد تحولت
الى كنائس قومية حتى لغتنا السريانية الآرامية هنالك من يشوه إسمها
و هويتها و يسميها " أشورية " مما دفع كثيرين من الكلدان الى تسميتها
بدورهم " لغة كلدانية " مع أن علمائهم المعاصرين لا يسمونها أبدا
كلدانية !
سننقرض ؟ إحتمال وارد و خطر يتربص بنا و لما لا و نحن نعلم
أن شعوبا عديدة إنقرضت و زال ذكرها و لكنني أؤكد أننا - و بكل
تأكيد - سنناضل من أجل الحفاظ على هويتنا و حضارتنا و إسم
لغتنا...
شكرا استاذ هنري على التوضيح, نقول نتحد بالكلام فقط! يجب ان ننقد انفسنا لابل نجلدها قبل نقد الاخرين حينها سوف نتحد
مع تحيات
عبدالاحد