السياسة الأمريكية ما بين قمع الإرهاب وترويض التطرف

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, أغسطس 07, 2012, 09:51:31 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

السياسة الأمريكية ما بين قمع الإرهاب وترويض التطرف

شفق نيوز/هاشم لعيبي/ حولت الولايات المتحدة الأمريكية الساحة العالمية إلى مختبر كبير لتجاربها في مختلف المجالات وهي تمارس وصايتها على عالم القطب الواحد الذي يديره بلا رحمة، غياب كامل للمفاهيم الإنسانية باستثناء المصلحة العمياء التي لا ترى إلا نفسها وعملية إلغاء الآخر وتصفيته حينما يكون ذلك ممكناً لا تشكل لديها أي ذنب.

فالمضمار العالمي الآن لا يسمح بوجود الضعفاء والأقوياء هم فقط من بإمكانهم تغيير قواعد اللعبة وهذه السياسة ليست جديدة أو طارئة على الخط التصاعدي للسياسة الأمريكية وقد نبه إلى ذلك مبكراً الفيلسوف رجاء غارودي في كتابة حوار الحضارات حيث نقل عن كارل ماركس قولة " إن اكتشاف الذهب والفضة في أمريكا وخطف السكان الأصليين واسترقاقهم ودفنهم في العمل بالمناجم وتحويل أفريقيا إلى مستودع تجاري لمطاردة " الجلود السود " كل ذلك يحدد الفجر الدامي لعهد الإنتاج الرأسمالي ".

فقد كانت هذه مقدمات العالم الذي نعيشه اليوم بعد أن نقلت الولايات المتحدة الأمريكية سياستها من مرحلة إلى أخرى انتقلت خلالها إستراتيجيتها الأمنية من محور الأمن القومي ما قبل أحداث أيلول إلى حق التدخل الانتقائي المنفرد ما بعد الأحداث ذاتها،  بعدها دخلت الولايات المتحدة الأمريكية أفغانستان دخول الفاتحين بمباركة معظم الشعب الأفغاني الذي لم يستطع تحمل تطرف طالبان في صورة معاكسة لما حصل للجيش " السوفييتي " الذي اخرج بقوة مقاومة الشعب الأفغاني وقواه الوطنية المسلحة بعد حرب مريرة لم تحتملها الترسانة العسكرية السوفيتية وخسائر بشرية استحالت عملية السيطرة عليها فكان دخول أفغانستان أول الغيث الأمريكي في مرحلته الجديدة لنشهد تمدد الحلم للإمبراطورية الأمريكية وممارسة ما يسميه فيورباخ تأليه الذات وهي تمشي بأخطائها حثيثا " نحو العراق.

وقد لا تكون الأهداف المبررة لدخول أفغانستان حاضرة في العراق إلا إن المهم هو انه دائماً هناك أهداف ففي العراق بدأت ملامح المواجهة تتغير وكشرت القوى المسلحة عن أنياب معارضتها للمشروع الأمريكي ومن يقف معه في مواجهة شرسة تم تغذيتها من خلال تحريك براكين الطائفية الراقدة تحت طبقات السلم الاهلي الهش وكادت الفتنة الطائفية في العراق أن تحرق بألسنتها مستقبل البلد لولا توافر مجموعة من صمامات الأمان التي أعادت قوى المواجهة إلى رشدها وبدأت صورة المشروع الأمريكي تبدو غير واضحة وتفتش عن المبررات التي تحفظ ماء وجهها في  العراق وإنقاذ مشروع الديمقراطية / النموذج لتنتهي الفترة الأولى من المشروع الأمريكي بإبرام معاهدة الإطار الاستراتيجي مع الحكومة العراقية حيث رفعت أمريكا في هذه المرحلة شعار مكافحة الإرهاب للحفاظ على الأمن القومي  واستبدلت وجودها العسكري في العراق بوجود مصالحها وإضفاء نوع من التوازن القلق على العملية السياسية يقتضي في أحيان كثيرة استدعاء الجانب الأمريكي لفك الاشتباك في الفهم المتداخل لحدود وصلاحيات كل طرف من أطراف الصراع في الوقت الذي يكتفي فيه الجانب الأمريكي بالمراقبة والمتابعة دون التدخل المباشر منشغلاً بالانتخابات الأمريكية تارة وبأحداث تتفاعل في المحيط الإقليمي الشرق الأوسطي تارة أخرى.

ومع إدراك الجانب الأمريكي لسوء تقديره في التدخل المباشر في العراق وخشية تكرار فيتنام تحولت السياسة الأمريكية إلى المستوى الثاني من التدخل وذريعة الديمقراطية وحقوق الإنسان وإنهاء حكم الدكتاتوريات كانت حاضرة في تواجد القرار الأمريكي الذي كان رافضاً إلى وقت قريب إجراء أية مفاوضات ومن أي نوع كانت مع الأطراف التي أطلقت عليها صفة " التطرف " حيث كان القرار الأمريكي واضحاً بأبعاد تلك القوى عن المسرح السياسي وعدم السماح لها في إمكانية الحضور والتفاوض وفي مقدمتها القوى الإسلامية السلفية والمتشددة والتي كانت خصماً للولايات المتحدة الأمريكية،  ولكن ما الذي جرى حتى يتحول القرار الأمريكي وصانعة نحو منعطف جديد لا يكتفي بالتفاوض والحوار بل ذهب الأمر إلى ابعد من ذلك حيث إن القرار الأمريكي لا يمانع في صعود تلك القوى للحصول على الحكم وفي بلدان تمثل وتراً حساساً لصناعة القرار الامريكي ومصادر ذلك القرار في تل أبيب؟

ومع هذا الفصل الجديد تبدأ مرحلة جديدة للسياسة الامريكية عنوانها ترويض التطرف تغيرت فيها طريقة التعامل مع تلك القوى " المتشددة أو المتطرفة " الى هذا المستوى من الانفتاح والتعاون لا أقل من الظاهر حيث شهدنا تبادل رسائل الاطمئنان من الجانبين في التجربة المصرية والتونسية وحتى في ليبيا التي يختلف انموذجها قليلاً عن الحالتين المصرية والتونسية وذلك لان الولايات المتحدة الأمريكية لم تكن متحمسة للتدخل في ليبيا ولا تجد في طرابلس ما يبعث على الاغراء بالتدخل على العكس من الحالة المصرية التي تشكل بؤرة الاهتمام الامريكي ومحل الاهتمام الاستثنائي نتيجة ضغط العوامل الامنية والسياسية والاقتصادية وغير ذلك كما ان الدبلوماسية الامريكية لا تريد خسارة انجازها العريض في معاهدة كامب ديفيد سيئة الصيت لذلك ارتبط الرضا الأمريكي وهو يمارس الترويض والتهدئة مع الخصم ارتبط هذا الرضا بمحافظة الطرف الآخر على الاوضاع الآنية التي تمثل واقع حال التفوق الاسرائيلي وكذلك الألتزام بالمعاهدات المبرمة وبذلك فأن الولايات المتحدة الأمريكية ادخلت هذه الاحزاب في معادلة يصعب التكهن بنتائجها فالقواعد الجماهيرية التي يتمتع بها الأخوان المسلمون على سبيل المثال لا يمكن اقناعها على المدى الطويل بالتعايش والتآلف بل وحتى التحالف مع اسرائيل وهذا ما تمهد له وتخطط له الولايات المتحدة الامريكية في سياستها الشرق أوسطية الجديدة حين تكون المعايير الديمقراطية هي اللغة السائدة تكون الجملة الاسرائيلية هي الاكثر تعاملاً واقدم تعاطياً مع قواميس الديمقراطية وكذلك عندما تعمل الشعوب على حقها في تقرير مصيرها.

سنشهد هنا كيف تتفكك الدول الكبيرة وتتزايد اصوات الدول في مجلس الامن أو الجمعية العامة للامم المتحدة  وهذه الامور قد تبدو في ظاهرها  تقتضيها طبيعية الاصول الديمقراطية والحفاظ على حقوق الانسان ولكن باطن هذه الدعوات لن يكون بريئاً بطبيعة الحال فإن هذا النوع التفكك المستمر سوف ينهي تماماً مرحلة الدولة القومية بعد ان تكون عاجزه تماماً ن السيطرة على ابسط مكوناتها ولا نستطيع ان نقول بثقة كما كنا نفعل سابقاً ان حدود هذه الدولة تنتهي هنا لانها ببساطة شديدة لن تكون بمنآى عن " تسونامي التفكيك " وفي المحصلة النهائية نجد ان المستفيد الاكبر من سياسة الولايات المتحدة الامريكية هي اسرائيل ودولة قطر التي تريد ان تشغل مقعد الصدارة في المشهد الجديد للشرق الاوسط دون أن يتهيأ لها ما يمكنها ممارسة هذا الدور في الاعراف العالمية السائدة.

ومع انطلاقة الجمهورية الثانية في مصر وانتخاب الرئيس محمد مرسي بدأت تتوضح ملامح الخلافات العميقة التي يشكل بعدها الأول الخلاف في البيت الاسلامي أخوان وسلفيين والخلاف الاكثر احتداماً والمرشح للتفاعل اكثر هو ما بين المسلمين والاقباط حيث لن يكون من السهل إدارة مثل هذا الملف الشائك حينما يتعلق الأمر بالخلاف على طريقة إدارة البلاد واسئلة من يحكم ؟ وكيف يحكم ؟ وماذا يحكم ؟ وبأي الوسائل يحكم ؟ وغير ذلك من الأسئلة العميقة التي تحتاج الى إجابات واضحة يصعب التوفيق بينها لما تحمله في طياتها من اختلافات تكاد تكون في كل شيء يعزز ذلك رغبة أمريكية في مشاهدة تطورات الصراع في البيت الداخلي المصري واشغاله بنفسة عن القضية الأكثر تأثيراً وهي العلاقة مع الكيان الصهيوني وكيف ستتم عملية إدارة هذا الملف.

وفي ضوء الصورة  فإن المرحلة الثانية قد بدأت بالفعل من خلال دخول الاحزاب الاسلامية التي كانت محظورة من العمل السياسي من دون قرار معلن ودخلت المنافسة فعلاً وتختلف الآراء بشأن عملية الحصول على شرعية إدارة الدول التي تتواجد فيها هذه الأحزاب من حيث نظرة الولايات المتحدة فالبعض يرى ان عملية توريط لهذه القوى تمارسها الولايات المتحدة من خلال وضع الاحزاب الاسلامية في عملية معقدة وشبه انفلات على مستوى السياسة والاقتصاد والدبلوماسية وبحسب هذه الرؤية فإن امريكا تمارس دوراً تسقيطياً خبيثا تحاول إبعاد هذه القوى عن طريق إعطائها الفرصة وافشال تجربتها ورؤيتها في إدارة بلدانها فيما تذهب آراء أخرى الى ان الولايات المتحدة تحاول تصحيح اخطائها السابقة من خلال العدول عن إبعاد القوى الجماهيرية صاحبة الحق الشرعي في الحصول على استحقاقات الإدارة وفقاً لمقتضيات الديمقراطية وبالتالي فإن امريكا تسير مع رغبة الشعوب وماتفرزة صناديق الاقتراع ولكن المهم في النهاية هو التفاوض مع تلك القوى في المحافظة على المعاهدات والاحلاف والبروتوكولات السابقة والتعهد بعدم التعرض لها وبذلك تضمن الولايات المتحدة استمرار نفوذها وتواجدها في المنطقة وحماية الامن القومي الأمريكي - الاسرائيلي وهذه المره سوف تعمل القوى التي كانت ترفض الوجود والنفوذ الأمريكي تعمل على حماية مصالح أمريكا وديمومة العلاقة معها في منعطف سوريالي لم يكن يخطر على بال أكثر المراقبين تفاؤلاً .

وما بين هذا الرأي وذاك يبرز عامل على قدر كبير من الاهمية هو ان المفاتيح اصبحت بيد الشعوب وليس بوسع الولايات المتحدة الامريكية أو حتى القوى السياسية ممارسة الخداع المستمر للشعب وان كان هذا الدور لم تتضح الى الآن ملامح تأثيراته لكن وتماشياً مع المنهج الديمقراطي فان الشرعية التي يكتسبها الحاكم انما تصدر عن الشعب وهو اللاعب الأكثر تأثيراً في حال وصوله الى الفهم الحقيقي لخطورة دوره وقد كانت ملامح هذا اللاعب المؤثر واضحة في الضغط على المجلس العسكري في مصر وانصياعه لرغبات المظاهرات المليونية في ميدان التحرير وحتى ان هذا الامر دفع بالرئيس المصري المنتخب محمد مرسي ترديد القسم امام الجماهير في إشارة الى الشرعية التي يمنحها الشارع والتي تسمو على جميع المؤسسات الدستورية .

وعلى أي حال فإن المرحلة الجديدة التي دخل فيها الشرق الأوسط تتجلى فيها رغبة الولايات المتحدة الامريكية في اعادة عملية التعاطي مع القوى المتشدده ومنحها الفرصة في الأخذ بزمام المبادرة لكن هذه المره ليس رغماً على الولايات المتحدة وانما بمباركتها وبشروط عمل جديدة دخلت فيها " اسود الرفض سيرك السياسة " ولن يكون مستبعداً وفق الرؤية الجديدة ان نرى بلداناً اسلامية تدخل النادي النووي وان تتحول احزاب المعارضة المحظورة في بعض البلدان الى سدة الحكم وسوف يستبدل مصطلح الغرابة تماماً بمصطلح المصالح فالناي الأمريكي اثبت انه قادر على اقناع الأفاعي الكبرى بالتخلي عن اللدغ وعلى رأي الاخوة في مصر " يا ما في الكراب يا حاوي " وما علينا سوى أن ننتظر .
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير