داعش ـ طاعون الفكر المعاصر الجزء الأول الطاعون وباءٌ خطير ومُعدٍ

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, يونيو 17, 2015, 11:14:10 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

داعش ـ  طاعون الفكر المعاصر


د. شابا أيوب

الجزء الأول
الطاعون وباءٌ خطير ومُعدٍ ،إجتاح أنحاء أوروبا بين عامي 1347 و1352 وتسبب في موت ما لا يقل عن ثلث سكان القارة.  وتشير البحوث الأخيرة في عام 2007 إلى أن 45 ٪ إلى 50 ٪ من سكان أوروبا ماتوا خلال أربع سنوات. 
انتشرت أوبئة مشابهة في نفس الوقت في كُلٍّ من آسيا والشرق الأدنى، مما يوحي بأن هذا الوباء الأوروبي كان جزءاً من وباء عالمي أوسع نطاقا. وقد سُمي بالطاعون الأسود (الموت الأسود) ، للتأكيد على رعب وخراب هذا الوباء، فإذاً كلمة "أسود " تستخدم مجازاً على أنها "الموت الفظيع".

وسَببْ الطاعون هو نوع من البكتيريا تسمى (يرسينيا بستس) نسبة إلى مكتشفها الأول «أليكساندر بستس»، وهذه البكتيريا تحتفظ بها القوارض مثل الفئران واليرابيع، وتتكاثر بداخلها وتنمو، وتنتقل عدواها إلى الإنسان عن طريق البراغيث التي تلدغ الفأر المعدِى ثم تلدغ الإنسان، أو نتيجة عض الفئران المعدية للإنسان بشكل مباشر، أو من إنسان إلى آخر بشكل مباشر أيضاً عن طريق الرذاذ والكحة والعطس في حالة الطاعون الرئوي.

ويمكن القول مَجازاً، أنَّ أوروبا في القرون الوسطى شهدت طاعوناً من نوع آخر (طاعوناً فكريا) تمثل في بسط الكنيسة الكاثوليكية سلطتها ونفوذها على مقدّرات الشعوب الأوروبية، بما في ذلك على الملوك والعلماء والمفكرين، وذلك بأحتكارها الحقيقة وبأجبار الجميع بالقبول بالأفكار والإعتقادات السائدة لدى رجالاتها ومن ضمنهم باباوات ذلك العصر ، وبصفة خاصة الأعتقاد السائد لديها بأنَّ الأرض ثابتة لا تتحرّك، وأنَّ الشمس تدور حول الأرض، وهي أفكار مستمدة  من آراء أرسطو وبطليموس. ووقفت بوجه كل من يدلي برأي يتناقض مع الفهم السائد. مما يُعد ضررا بليغاً، وإعاقة كبيرة بوجه التقدم العلمي والنهضة الفكرية للشعوب الأوروبية في القرون الوسطى. 

وإليك نماذج من هذه الممارسات الضارة، وما أدّت إليه من تغيير جذري في مسار العلم والفكر والسياسة والأقتصاد في أوروبا، وفي مناطق شاسعة من بقاع العالم.

1 اكتشف نيكولاي كوبرنيكوس (كان رجل دين و كاهن كنيسة فراونبورج في بولندا) عام 1543م أن الأرض تدور حول نفسها مرة كل 24 ساعة، فيحدث تبادل الليل والنهار، وتدور حول الشمس مرة كل عام، فيحدث تغير الفصول الأربعة، وأن الشمس هي مركز الكون وليس الأرض كما كان معتقدًا من قبل، ضاربا بذلك بنظرية بطليموس ـ أرسطو عرض الحائط ، والتي استمرت 20 قرناً، والتي دعمتها الكنيسة لمدة إثنا عشرقرناً، وجعلت مجرد التشكيك في هذه النظرية كفراً.

تعجبت الكنيسة لهذا الأكتشاف، الذي قلب الصورة تماما حين قارنته مع الحقائق الإنجيلية، إذ وجدته يتناقض مع معتقداتها، ومع الإحساس الظاهري للبشر. ولم يتجرأ كوبرنيكوس أن يصرح برأيه في البداية، بسبب الخوف من أن يوسم بالهرطقة من قبل الكنيسة، فنشر افكاره عن نموذجه الكوني في كتاب بعنوان" رسالة في دوران الاجرام السماوية "  دون تعريف باسمه، ولم تكتحل عيناه برؤية كتابه الشهير الذي طبع في مدينة نورمبرج إلا قبل موته بساعة فقط .
 
احدث كتابه جدلا كبيرا وصراعا عنيفا راح ضحيته الكثيرون. فمع ان هذا الكتاب نشر فعليا عام 1543، فإن قبول وجهة النظر المطروحة فيه استغرق حوالى 150 سنة ، فقد اعتبرت الكنيسة قبول ما ورد فيه من افكار  (أنَّ الأرض ليست مركز الكون، وهي العقيدة التي تشبثت بها الكنيسة واعتبرتْها غير قابلة للطعن)  من قبيل الإثم، وجريمة يعاقَب عليها بالموت حرقًا، أو بالاضطهاد، أو بالحرمان في أحسن الأحوال ، بل ان قراءة نظريات كوبرنيكوس كانت تعرض الانسان للّعنة والمطاردة ، وهكذا ظلت تلك الافكار التي جاء بها كوبرنيكوس حبيسة الصدور، لا يجرؤ العلماء على البوح بها أو مناقشتها أو تدريسها فقد اعتبرت بدعاً، وتخالف تعاليم الكتاب المقدس.

وعندما صرح العالم الفلكي، والراهب الدومينيكاني، جيوردانو برونو علانية بصحة النظرية، وبأنها حقيقة واقعة، وأضاف عليها فكرتين جديدتين، الأُولى أن الكون لانهاية له، والثانية إقراره بوجود آلاف الشموس في الفضاء الكوني، أُتهمَ برونو بالهرطقة، وطُورد في كل مكان، الى ان قُبض عليه في مدينة البندقية وأودع السجن لمدة ستة أعوام ، أحرق بعدها وهو حي في أحد الميادين العامة من روما عام 1600 بعد أن رفض التنازل عن آرائه وإكتشافاته العلمية، وبخلاف ما قامَ به غاليليولاحقاً. ولكن بعد وفاته شعر الباحثون بقيمة علومه وأبحاثه وإعتبروه شهيداَ للعلم، وتعبيرا من الكنيسة عن الندم أُقيم له تمثال في نفس المكان، وهو يقف بعزة وشموخ. 

2   وعندما آمن غاليليو عبر بحثه ودراساته،‏ بصدق النظريات التي وردت في كتاب كوبرنيكوس، بِأَنّ الشمس هي مركز الكون، واكتشف أيضًا بنفسه أن القمر ليس جسمًا مستويًّا، وأَنّ على سطحه ما يشبه الجبال وفوهات، وأَنّ للمُشتري أربعة أقمار تدور حوله،  واكتشف أن لكوكب الزهرة أطواراً كالقمر مما يعني أن الكوكب يدور حول الشمس، واثبتها عمليا وواقعياً بعد استعمال تلسكوبه المتطور، والذي صنعه بيده عام 1609 ، آخذاً الفكرة من صانع نظّارات هولندي، ونَشْرِه في عام 1610 كتيبا صغيراً يتحدث فيه عن هذه الاكتشافات، ثارت ثائرة الكنيسة بعد أن رفع إثنين من الدومينيكان شكوى عليه عند البابا بولس الخامس عام 1616.
وبفضل هذا البابا، الذي كان قريبا منه، ومساندته له، إنتهى الأمر بصدور تحذير بحقه، يقتضي بموجبه الكف عن نشر تعاليم كوبرنيكوس (الخاطئة).

و بأذنٍ من البابا أوربان الثامن سُمِحَ له عام 1632 م  بإجراء حوار حول هاتين الفكرتين من المنظومة الشمسية، ولم يَرُقْ هذا الأمر محكمة التفتيش آنذاك، فأُستدعيَ غاليليو الى روما، ومن دون أي إعتبار الى إذن البابا، وأُجبرَ على القسم في كنيسة (سانتا ماريا سوبرا مينيفرا ) عام 1933 بعدم صحة الأكتشافات الجديدة، والتي تقول بان الشمس هي مركز العالم وهي ثابتة، وأنّ الأرض تدور حول نفسها وتدور حول الشمس. وعُوقب على أثر ذلك بالسجن المُؤبد. وبِشفقة من البابا خُففت العقوبة الى السجن في بيته في مدينة فيرنزا، وبقي قيد الإقامة الجبرية في بيته حتى وافاه الأجل في الثامن من كانون الثاني عام 1642. تم تنفيذ الحكم بالرغم من أنَّ البابا وبعض الكاردينالات لم يكونوا مؤيدين للحكم. و على الرغم من انقطاعه عن الزوار، ومَنعْ خروج اي من ابحاثه خارج ايطاليا، تم نشر نسخة مترجمه لدراسته عن القوى و تأثيراتها على المادة في اللغة الفرنسية عام 1634 و نشرت ايضا نسخ من الحوار في هولندا.
و لم تستطع الكنيسة ان تستمر بمعارضتها لنظرية كوبرنيكوس و في حلول 1835 اقتنعت الكنيسة تماما بصحة هذه النظرية. و بحلول القرن العشرين اقر العديد من الباباوات بعظمة غاليليو ، كما اعلن البابا يوحنا بولس الثاني عام 1992 عن اسفه عن طريقة التعامل مع قضيته، و قدم اعتذاره على ما جرى لغاليليو أثناء محاكمته، وتقرر عمل تمثال له في الفاتيكان  .

3  ولم يقتصر الأمر على محاكمات كوبرنيكوس وبرونو وغاليليو، فقد حكمت محاكم التفتيش على سبعٌ وتسعين ألفًا وثلاثة وعشرين عالمًا بأحكام مختلفة في الفترة ما بين سنة 1481م إلى سنة 1499م، أي في غضون 18 سنة  ، كما أصدرت قرارات تُحرِّم قراءة كتب جيوردانو برونو، وكتب نيوتن لقوله بقانون الجاذبية، وتأمر بحرق كتبهم، وقد أحرق بالفعل الكاردينال إكيمنيس (خيمينيس) في غرناطة 8000 كتابًا و مخطوطًا لمخالفتها آراء الكنيسة  .
4  مورس الأضطهاد ضِدَّ ملايين المسيحيين في أوروبا ، الذين أُتهموا بالهرطقة، فاضطروا الى الهرب والأختفاء عن أعين الكنيسة الكاثوليكية، وأدّى هذا في النهاية الى الأنقسام الكنسي والى الأصلاح الديني في أوروبا.
بعد إندلاع حركة الأصلاح الديني والنهضة الأوروبية في القرن السادس عشر، أصبح لروما والفاتيكان عدوّان جديدان، هما البروتستانتي مارتن لوثر وزعيم عصر النهضة إيراسم. ولذلك قام البابا بحرمان لوثر وفصله من الكنيسة عام 1521. ومنذ تلك اللحظة إنقسم المسيحيون الأوروبيون الى قسمين؛ قسم كاثوليكي وقسم بروتستانتي. ودارت بينهما المعارك والحروب لمدة مئتي سنة تقريبا. وهي حروب المذاهب، التي ذهب ضحيّتها مئات الآلاف من القتلى. وبلغت هذه الحروب ذروتها في فرنسا بين عامي 1562 - 1598. فقد هاجت الجماهير الكاثوليكية على أفراد الأقلية البروتستانتية في مختلف المدن والأرياف، وحصلت مجزرة سانت بارتيليمي الشهيرة ، التي ذهب ضحيّتها أكثر من 5000 شخص. وفَرّ البروتستانت الفرنسيون الى مختلف أنحاء أوروبا. وقد إعتذر البابا للبروتستانت عن هذه المجزرة، وإعترف ضمنياً بالتعصب الكاثوليكي والأعمال الوحشية التي إرتكبوها بحق إخوانهم البروتستانت.

http://www.ankawa.com/forum/index.php?topic=783805.0
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

ماهر سعيد متي

داعش طاعون الفكر المعاصر الجزء الثاني


شابا أيوب شابا
الحوار المتمدن

داعش ـ طاعون الفكر المعاصر
الجزء الثاني

استغرقت القرون الوسطى نحو ألف عام من الزمان، عاشت فيه أوروبا واقعاً رهيبا ومظلماً ، وقد رسَّخ هذا الواقع في أذهان العلماء والفلاسفة (أمثال ديكارت، توماس هوبز وفولتير وغيرهم ) وعموم الناس، أنه لا أمل في طلب العلم والابتكار، وفي حرية الرأي والأعتقاد، إلا بهدم سلطان الكنيسة، فأعلنوا صراحة معارضتهم للكتب المقدسة؛ لاحتوائها على ما يتعارض مع الحقائق العلمية، ولاعتقادهم بأن الدين كما رأوا- هو اضطهاد العلم والعلماء، وهو الحجر على العقول. وقد راحوا يدعون بعد ذلك إلى إعلاء العقل في مقابلة النصوص الدينية، وحجتهم في ذلك أن العقل قادر على إدراك الحقائق العلمية، ويستطيع التمييز بين الخير والشر. وهذه مقتطفات من آرائهم الفلسفية.
رينيه ديكارت( Rene Descartes (1596 - 1650:
هو فرنسي الجنسية كاثوليكي المذهب عاش في هولندا، و يُعتبر ديكارت من مؤسسي الفلسفة الحديثة ومؤسس الرياضيات الحديثة، وهو أول عقلاني عصري، وأعتبر الشك هو الطريق الوحيد الذي يصل بنا إلى المعرفة الحقيقية، وشمل الشك الديكارتي ثلاثة نواحي:
1- الشك في الحواس لأنها تخدع.
2- الشك في أي حكم إزاء العالم الخارجي.
3- الشك في الوجود.
وقال ديكارت علينا أن نطرح المعتقدات السابقة، ونشكُّ في كل شيء هو موضع شك، إلى أن يثبت لنا بالدليل القاطع أن هذا الأمر لا يحتمل الشك، فحينئذ نعترف بأنه حقيقة. وهكذا شكَّ ديكارت في كل شيء باستثناء قدرته على التفكير التي جعلها نقطة البداية في فلسفته، ولذلك قال عبارته الشهيرة "أنا أفكر إذًا أنا موجود". ولكن كيف استطاع ديكارت أن يؤمن بوجود الله رغم أنه لا يُدْرَكْ بالحواس؟ قال ديكارت بما أن هناك أفكارًا لا يقدر العقل أن يتصوَّرها إذًا لا بُد أن هناك كائنًا أعظم يغذي العقل بهذه الأفكار، وبذلك أقتنع ديكارت بأن الله الكائن الكامل، كلي المعرفة، كلي القدرة، السرمدي لا بُد أن يكون موجودًا، ويستحيل على الإنسان أن يكون لديه هذا التصوُّر عن الله لو لم يكن الله موجودًا بالفعل. لقد ألح ديكارت على فصل العقل عن الحواس، بينما رفض باروخ سبينوزا (وهو فيلسوف هولندي من أهم فلاسفة القرن السابع عشر، ولد في 24 نوفمبر 1632 في أمستردام، وتوفي في 21 فبراير 1677 في لاهاي.) هذا التقسيم معتبرًا أن العقل والحواس هما غير منفصلين، لكونهما كيان واحد.
وكان ديكارت من أصحاب مذهب " التأليه الطبيعي " فهو يرى أن الطبيعة كتاب مفتوح يشهد بوجود الله، وقد أنكر ديكارت الوحي الإلهي في الكتاب المقدَّس، كما شكَّ في المعجزات التي وردت في الكتاب المقدَّس، مثل ميلاد السيد المسيح من العذراء مريم من دون دنس، وألوهية السيد المسيح.. إلخ، لأنه رأى أن هذه الأمور لا تستند على برهان عقلي، وقال أن الله جعل للكون قوانين يسير عليها، وعلى العقل الإنساني أن يكتشف هذه القوانين، وعلى قدر إنجاز العقل يكافئ صاحبه أو يعاقبه.
توماس هوبز (Thomas Hobbes (1588 - 1679:
هو ابن لأحد رجال الدين الأنجليكان، فهو فيلسوف بريطاني عاش في فرنسا. وقال توماس أن كل معرفة إنسانية تبدأ عن طريق الحواس، فالعقل لا يقدر أن يدرك شيئًا بدون الحواس، وقال أن كل فعل لا بد له من فاعل، وكل حركة لا بد لها من مُحرِك، وكل معلول لا بُد له من عِلة، فلا يوجد فعل بدون فاعل، ولا حركة بدون مُحرِك، فالمُحرِك الأول أو العِلة الأولى هو ما يدعوه الناس باسم " الله " وهم يجهلونه، فقال " قد يعرف الناس طبيعيًا أن الله موجود، وإن كانوا لا يعرفون ماهيته. إن طبيعة الله مُغلقة على الأفهام".
عاش هوبز في عصر ملئ بالاضطرابات والحروب الأهلية بين البروتستانت والكاثوليك، فشعر أن العالم تحوَّل إلى غابة ذئاب، يحتاج إلى حاكم قوي مستبد ليوفر الأمن والاستقرار للمجتمع، وهذا الحاكم يجب أن يضع القوانين التي يخضع لها الجميع ولا يخضع لها هو، ولذلك أيَّد هوبز الحكم الملكي المطلق، وقال أن للملك سلطة ليس على الشعب فقط، بل على الكنيسة أيضًا، فبعد أن عاشت أوربا في القرون الوسطى تخضع لسلطة وسطوة الكنيسة الكاثوليكية، جاء هوبز ووضع نظريته في " العقد الاجتماعي " التي تفصل بين الكنيسة والدولة، وقال أن الأفراد قد تعهدوا ضمنًا بالتنازل عن حقوقهم للسلطة وهم راضين. تنازلوا للملك الذي يجسد إرادتهم، ولكن إذا تعدى الحاكم على حقوق الأفراد، أو يتقاعس عن تمكينهم من هذا الحق، عندئذ يحق لهم مقاومته وأن يثوروا عليه ويقوموا بالدفاع عن أنفسهم بأنفسهم.
فولتير ( - 1778 1694 )
وهو كاتب وفيلسوف فرنسي عاش في عصر التنوير إلى جانب كل من مونتسكيو، وجون لوك، وجان جاك روسو. ذاع صيته بسبب سخريته الفلسفية الظريفة، وأفكاره الإستفزازية المتعلقة بالدين و الحرية والأخلاق، ودفاعه عن الحريات المدنية خاصة حرية العقيدة.
كان فولتير كاتباً استثنائيا غزير الإنتاج، حيث كتب أكثر من 50 مسرحية، عشرات الأطروحات عن العلوم، السياسة، الفلسفة، والعديد من الكتب التاريخية. كتب أكثر من 20 ألف من الخطابات إلى أصدقائه ومعاصرينه في ذلك الوقت، وكان يمضي حوالي 18 ساعة يومياً في الكتابة. تركت أعماله وأفكاره بصمتها الواضحة على مفكرين مهمين تنتمي أفكارهم للثورة الفرنسية والأميريكية. تم حظر العديد من أعماله المشهورة المتعلقة بالدين ونظام العدالة.
وفي آخر أيام حياته، زار مسؤولون من الكنيسة الكاثوليكية فولتير، الذي كان في معظم الاوقات ناقدا للدين، على امل اقناعه بالتراجع عن آرائه، و جعله يعترف بخطاياه على فراش الموت. لكن فولتير لم يتأثر بهذا، و صرف القديسين عنه بقوله "دعوني أمت بسلام".
وأمّا مونتيسكيو فكان يرى أن نظام الحكم الأمثل هو النظام الجمهوري. وقد ادعى أن على كل نظام حكم أن يصبو إلى ضمان حرية الإنسان ومن أجل ذلك يحب الفصل بين السلطات والحفاظ على توازن بينها.
مَهّدتْ هذه الأجواء إلى جانب عوامل آخرى الى إندلاع الثورة الفرنسية في الرابع عشر من يوليو (تموز) عام 1789 وامتدت حتى 1799 .
ومن أهم أسباب إندلاع الثورة حسب المؤرخين هو تركيبة النظام الملكي الفرنسي نفسها. ولأسباب اقتصادية، إذ كان الجوع وسوء التغذية منتشرًا بين الفئات الفقيرة في فرنسا مع ارتفاع أسعار المواد الأساسية كالخبزوأسعار المحاصيل، بنتيجة الكوارث الطبيعية والعوامل الجويّة إلى جانب نظام وسائل النقل غير الكافية التي كانت تعيق نقل القمح من المناطق الريفية إلى المراكز السكانية الكبيرة، إلى حد زعزع لدرجة كبيرة استقرار المجتمع الفرنسي في السنوات التي سبقت الثورة. إضافة إلى الرغبة في القضاء على الحكم المطلق، والاستياء من الامتيازات الممنوحة للإقطاع وطبقة النبلاء، والاستياء من تأثير الكنيسة على السياسة العامة والمؤسسات، والتطلع نحو الحرية الدينية والتخلص من الأرستقراطية الدينية، وتحقيق المساواة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية سيّما مع تقدم الثورة للمطالبة بنظام جمهوري.
وكان من النتائج السياسية للثورة : تعويض النظام الجمهوري بالملكية المطلقة، وأُقِرَّ فصل السلطات، وفصل الدين عن الدولة، والمساواة وحرية التعبير. وأمّا في الجانب الأجتماعي: تم إلغاء الحقوق الإقطاعية وامتيازات النبلاء ورجال الدين ومصادرة أملاك الكنيسة كما أقرت الثورة مبدأ مجانية وإجبارية التعليم والعدالة الاجتماعية.
•   
•   .
وقد ساعدت الجمعية الوطنية الفرنسية على هذا التحرر، وذلك بإصدار قرارات سنة 1790م، كان من شأنها أن قصمت ظهر الكنيسة، حيث سرحت الرهبان والراهبات، وأجبرت رجال الكنيسة على الخضوع للدستور المدني، وأخذت تعين هي رجال الكنيسة بدلا من البابا.
ثم جاء القانون الذي أقرته الحكومة الفرنسية عام 1905م بفصل الدين عن الدولة على أساس التفريق بينهما، وإعلان حياد الدولة تجاه الدين، كقاصمة أخرى شجعت المعارضين للكنيسة على نقد نصوص الكتاب المقدس والكنيسة بحرية، كما أجبر هذا القانون رجال الكنيسة على أن يقسموا يمين الولاء لطاعة الشعب والملك والدستور المدني الجديد. وقد توالت القرارات بعد ذلك لتعم دول أوربا كلها، ليتقلص بذلك دور الكنيسة من محاولة السيطرة على أمور العلم والسياسة، ولتنزوي تمامًا داخل الجدران، فتمارس فقط الوعظ والترانيم.
إن الهدف من سرد هذه النماذج والمقتطفات هنا، ليس فقط لتزويد القارئ بمعلومات تاريخية، لأنَّه إما أن يكون القارئ قد إطّلع عليها من خلال الكتب الدراسية في المدارس أو الجامعات، أو يستطيع الحصول عليها من الموسوعة الحرة مباشرة، وإنّما للتركيز على نقطتين أساسيتين في نظري :
1 ليس لغرض الطعن بالكنيسة الكاثوليكية ورجالاتها، وإدانتها لما إرتكبته من فظائع، لأَن هذه الأحداث أصبحت جزءاً من الماضي البعيد، و لأَنَّ الكثير من هذه الأفعال أُرتكبتْ إمّا بسبب الجهل، وإمّا بسبب التعصب الأعمى. ولكن في كل مرة كانت الكنيسة ترتكب خطأً أو تقع فيه، عادت وإعتذرت لصاحبه، وردّتْ له الاعتبار والبراءة. وهو أمرٌ إيجابي لم نعتادْ عليه نحن في الشرق العربي وفي الكثير من البلدان الأسلامية، حيث ظاهرة النقد الديني الذاتي شبه معدومة. فالكنيسة الآن لم تعد ترى تناقضا كبيرا بين العلم والدين، بل بالعكس توصلت الى قناعة بأن العلم والدين يمكن أن يتعايشا معاً.
2 أنّنا في العراق والمنطقة نَمرُّ بظروف تشبه كثيراً ظروف أوروبا في القرون الوسطى، حيث تسعى بعض الأطراف السياسية في العراق الى إقامة الدولة الدينية، كما نشهد التطرّف الديني، والصراع المذهبي، والعنف الطائفي، وسياسة تكفير الآخر، والتي فتكتْ وماتزال تفتك بمئات الآلاف من أرواح العراقيين، وتسببتْ في نزوح أكثر من مليونين مواطن، كما يجري الأعتداء على الصحفيين وأصحاب الأقلام الجريئة، وإعاقة نشاط الفنانين، وتهميش الثقافة عموما، وتراجع في مناهج التعليم. وتلعب الميليشيات المنفلتة دوراً يحاكي دور محاكم التفتيش. وأمّا عقوبة المخالف لوجهة نظرها فهي القتل، إما بكاتم الصوت أو بحد السيف بدلا من المقصلة والحرق، أي كما كان الحال في أوروبا سابقاً.

http://www.ahewar.org/debat/show.art.asp?aid=472869
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

ماهر سعيد متي

داعش طاعون الفكر المعاصر الجزء الثالث


شابا أيوب شابا
الحوار المتمدن-العدد: 4846 - 2015 / 6 / 23 - 17:37
المحور: العلمانية، الدين السياسي ونقد الفكر الديني
     


داعش ـ طاعون الفكر المعاصر
الجزء الثالث
ولكي نتجنب طريق الآلام والعذابات الطويل التي سلكها الأوروبيون تحت حكم رجال الدين، وشر الأنقسامات المذهبية، وإختصار هذه الفترة إلى أقل ماهو ممكن، وبأقل الخسائر، علينا الأستفادة من تجربتهم في تجاوز هذه المرحلة، والأنتقال الى الدول الديمقراطية ، حيث الألتزام بالدستور، و سيادة القانون والنظام، والمساواة بين جميع المواطنين، وإحترام حقوق وحريات الأفراد والجماعات. وبإختصار عن طريق فصل الدين عن الدولة ، وتحريم تسيييس الدين، ليس كُرْهاً بالدين، بل لأنقاذ الدين من ما يُرتكبْ بأسمه من بشاعات وفظائع، تتناقض مع رسالة الدين، ووظائفه الأساسية.
إن رسالة الأديان، وخصوصاً الأديان السماوية، تتلخص بالمحبة والرحمة والغفران، وفي إرضاء الخالق وشكرِه على ما صَنعهُ من عالم جميل وفي منتهى الكمال والدقة، ومَيّزنا من بين كل الكائنات الحية لكي نستمتع بخيرات كوكبنا، حيث أعطا نا الحياة، ومنحنا القدرة على الأبداع والأبتكار لتحويله إلى جنة حقيقية وواقعية، قبل أن ننتقل الى العالم الآخرالمجهول، الذي لا نعرف عن جَنّته سوى ما يوصف بالكتب المقدّسة. أمّا وظائف الدين ينبغي أن تتركز على كَبح همجية الأنسان، غطْرستهُ، أنانيته، طمعه، وأن تتجسّدْ معاني وتعاليم الدين في السلوك المستقيم والأخلاق الفاضلة، لأنّ الدين أولاً وقبل كل شيء هو معاملة الناس بالحُسنى، وحظّهم على صنع الخير. ومن وظائف الدين أيضا، إحداث نوع من الاطمئنان والراحة والسلام لدى الأفراد والجماعات المختلفة عرقيا ومذهبياً للتعايش في أمان وسلام، وفي إحترام خصوصيات الآخر، وتنمية المشاعر النبيلة والعواطف الكريمة لديهم .
إن من واجب الأديان في عصرنا أن تُطَوّر نظرتها و موقفها من الأنسان عموماً، بعيداً عن دائرة التابعين لها، وأن تتحرّرْ من بعض النصوص الدينية، التي لم تَعُدْ تَلقى قبولاً في أوساط الشباب، كما لم تَعُدْ مقبولة دولياً، ولا تنسجم مع مفاهيم حقوق الإنسان ودعم تقدم مسيرته في بناء الحضارة الإنسانية. وإنَّ أيَّ دين لا يُؤدي هذه الوظائف لا فائدة منه، لا في هذه الدنيا ولا في الآخرة.
أمّا مَنْ لا يُؤدي وظائف الدين بالشكل الصحيح، وفوق هذا كُلّه يعمل على تسييسه، فتلكَ هي المصيبة الكبرى. لأَنّ أمثال هؤلاء يُسمونهم بالمنافقين، و هؤلاء المنافقين لا توجد لديهم أية ضوابط، ولا وازع أخلاقي. ويستغلون الدين فقط للقفز على السلطة، ولأغراض بعيدة تماماً عن رسالة الدين وتعاليمه. وهذا ما نشاهده فعلاً في العديد من الحركات والأحزاب الدينية في منطقة الشرق الأوسط والعالم الأسلامي. بما في ذلك دولة إسرائيل العنصرية.
وهُنا أشير الى بعض الأمثلة على إقحام الدين بالسياسة والآثار السلبية لمثل هذه الممارسات على الوطن والمواطن.
1 حركة الأخوان المسلمين في مصر، والمدعومة من المخابرات الأنكليزية والأمريكية منذ نشأتها، إستطاعت القفز على السلطة مُستغلّةً المشاعر الدينية القوية لدى الشعب المصري، ولكن سرعان ما تكشّفت أهداف الأخوان المسلمين في الهيمنة الكاملة على كل مفاصل السلطة. ولو لا يقظة الشعب المصري بِنخبه الثقافية والسياسية، ووعي شبابه، لأستحوذ هؤلاء المنافقين على أموال الدولة المصرية، حالهم في ذلك حال قائدهم المُلهم أردوغان، الذي غيَّر عددا من قُضاة المحكمة، لكي يَفلتْ من العقاب بعد أن ثبت توّرطه هو وإبنه ومُقرّبين له بقضايا رشاوى وفساد مالي.
2 نظام البشيرفي السودان مثالٌ آخر على تسييس الدين، فبدلا من العمل على توحيد صفوف قطاعات الشعب السوداني، والأستفادة من التنوع العرقي والديني في تعزيز الوحدة الوطنية، وتنمية موارد البلاد ، أدخل البشير البلاد في حروب أهلية، ذهب ضحيتها مئات الآلاف، بل قُل الملايين من السودانيين ، وكان من نتائجها إنفصال الجنوب عن الشمال. وما تزال مشاكل دارفور وشمال السودان عالقة ومن دون حل قريب .
3 حركة حماس. على الرغم من أَنَّها حركة مقاومة ضد الأحتلال الأسرائيلي، إلاّ أَنّها كشفت عن نفسها كجزءٍ من حركة الأخوان المسلمين العالمية، من خلال التنسيق بينها وبين حركة الأخوان المسلمين المصرية. وبات معروفاً للكثيرين الدور السلبي الذي تمارسه هذه الحركة في تعطيل جهود منظمة التحرير الفلسطينية في إجراء المصالحة الوطنية، وإنهاء الأنقسام ، وتوحيد الضفة والقطاع، لمواجهة الغطرسة الأسرائيلية.
4 إنَّ أفْضحْ شكل لتسييس الدين هو في إيران الشيعية وطالبان السُنّية. فقد إستطاع المُلالي في إيران وبدعم من الحكومات الغربية السطو على ثورة الشعب الأيراني ضد نظام الشاه عام 1979، (والتي فَجّرها تحالف الليبراليين واليساريين، وبدعم من حزب تودة ومجاهدي خلق وأحزاب وطنية آخرى)، مُتخذين من الدين سِتاراً للقفز على السلطة، وتنفيذ حُلمهم في إعادة أمجاد الأمبراطورية الفارسية، التي قضى عليها المسلمون في معركة القادسية عام 15 هجري و636 ميلادي بقيادة سعد بن أبي وقّاص ، وذلك عبر تصدير (الثورة) وخلق أحزاب وحركات موالية لنظام ولاية الفقيه، وكسب أعوان وشركاء في العديد من دول المنطقة. وبات من الصعب على الشعب الأيراني آن يتحرر من قبضة النظام المستبد في ظل أساليب التعذيب القاسية والأعدامات العلنية في الساحات العامة، حيث تحتل إيران المرتبة الأولى في عدد الذين يُنفَّذْ فيهم حكم الأعدام سنوياً حسب مُعطيات منظمة العفو الدولية.
وأمّا حركة طالبان فهي معروفة لدى الجميع في تَخلّفها وأفعالها القروـ وسطية، وفي حجم وبشاعة إجرامها، ويكفينا أن نتذكر حادثة هجومها على إحدى المدارس في باكستان، وقتل مئات التلاميذ الأبرياء بدم بارد، إنتقاماً من الحكومة الباكستانية، لملاحقة أنصارها في إقليم وزيرستان .
5 أمّا داعش فليست سوى إحدى هذه الحركات الدينية المُتطرّفة، وأكثرها ضرراَ وخطورة على حياة المواطنين، وعلى مستقبل الأجيال القادمة، وعلى الأرث الحضاري للبشرية. وسأعود للحديث عنها في الجزء الرابع.
لكن داعش كأسلام سياسي متطرّف، وإرهابي لامثيل له، لا تعمل لوحدها في الساحة العراقية. فهناك بالمقابل أحزاب الأسلام السياسي الشيعي، القابضة على السلطة منذ 2003 (أي ما يزيد عن 12 سنة ). وقد فشلت هذه الأحزاب ذات الخلفية الأسلامية في إنقاذ البلد من مخلّفات النظام السابق وأزماته، ومن تداعيات الأحتلال الأمريكي، لتضيف إليها أزمات جديدة، أثقلتْ كاهل الوطن والمواطن.
ومن أبرز مظاهر الأزمات المستفحلة، هو تأجيج النعرات الطائفية والتخندق الطائفي، وبث روح الكراهية والأنتقام، و تَصدّعْ النسيج الأجتماعي، وضعف قدرات الجيش في مواجهة الأرهاب والأعتداءات الخارجية ، وإنتشار الميليشيات المسلّحة، ونهب المال العام، والفساد المالي والأداري الذي ينخر في مؤسسات الدولة، وشيوعه بين المواطنين لِيُشكّل ظاهرة خطيرة توازي ظاهرة الأرهاب، ونزوح أكثر من مليوني مواطن من مدنهم وقراهم ، ونقص الخدمات العامة ، وإشتداد البطالة، وخواء خزينة الدولة، والتضييق على الحريات الشخصية، والأعتداء على المثقفين، وفرض سياسة التقشف في بلد يطوف على بحيرة من النفط.
بالأضافة الى كثرة التدخلات الخارجية وضعف إستقلالية القرار السياسي.
جرى هذا ويجري من دون أي عقاب أو ردع للمخالفين والمقصرين بواجبهم، مما يفتح شهية الآخرين على مخالفة القوانين، و ارتكاب المزيد من الجرائم بحق الوطن والمواطن، وتقويض ما تبقى من هيبة الدولة .
إنَّ البَلد يترنّحْ ويسير نحو الهاوية من جَرّاء السياسات الطائفية، وانتشار الفساد المالي والأداري، والأرهاب بشتى أشكاله، وإفلاس خزينة الدولة. ولأيقاف تدهور الأوضاع، عليك يا رئيس الوزراء السيد حيدر العبادي التحلي بالجرأة والشجاعة، لأتخاذ خطوات جدّية لمحاسبة كل من تسبب في تأزيم الأوضاع وجرالبلاد ووضعها على شفير الهاوية، وفي مقدّمتهم رئيس الوزراء السابق نوري المالكي وتقديمه الى القضاء لمحاسبته. فاذا طاحَ الرأس الأكبر فسوف تطيح كل الرؤوس الصغيرة مثل كرة الثلج. وإذا ما أَقدمْتَ على مثل هذا الأجراء الجريئ، فستلقى دعماً وتأييداً شعبياً واسعاً، ولن تنفع المالكي حينذاك مساندة إيران له. وإذا لم تُطِحْ به، فأنّه يسعى وبكل السبل للأطاحة بك وإستعادة موقعه، وذلك من خلال وضع العصي في عجلة عربتك.
وإزاء هذه الصورة القاتمة لحكم الأسلام السياسي وتسيّيس الدين عموما، يجدر ويتطلّب من رجال الدين من كل الطوائف والمذاهب أن يَستوعبوا هذا الدرس البليغ، وان لا يفرضوا رؤيتهم الدينية على شكل الدولة ونظام الحكم، ويصادرون حقوق الآخرين وحرياتهم في الأبداع والأبتكار، وفي البحث عن المجهول بأستخدام المنجزات العلمية والتقنية لأيجاد حلول لمشاكل عصرنا، بل عليهم أن يَقرّوا بحق الشعب، صاحب المصلحة ومالك الأرادة في إختيار ما يراه صحيحا ومناسبا، ويمارسوا على أرض الواقع إحترامهم وتقديرهم ومساندتهم للعلماء والأدباء والفنانين، والخبراء من ذوي الأختصاص، في رسم السياسات وإتخاذ القرارات التي تتوافق مع مصلحة الوطن ومصلحة أغلبية أبنائه، ومن دون فرض أية وصاية على الشعب بأسم المقدّسْ، وإصدار فتاوى بالقتل أو التحريم لمن يخالف رأيهم، والذي في الغالب ينتقص الى الحجة و قوّة البرهان.

إنّه عار وليس من بعده عار، أن تُقطعْ رقبة إنسان، أو تُسلبْ أمواله وممتلكاته، ويُطرد من أرض أجداده، وأن تُبا ع نِسائه في سوق النخاسة، بسبب إختلاف في الدين أو المذهب. وهذا العار يتضاعف حين يُرتكب بإسم المُقدّس.
إنَّ المُقدّس في نظري على أرض كوكبنا هو حياة الأنسان، فلا شيء أسمى منها. لأنّ الأنسان هو أرقى كائن إجتماعي في العالم الذي ندركه ونتحسسه، وهو الوحيد من بين كل الكائنات له القدرة على صنع المستحيل وتغييّر صورة العالم. وعليه ينبغي إحترام آدميته، وعدم المساس بكرامته، وتحريم قتله إلاّ في حالة الدفاع عن النفس، وتثمين عمله المتقن و إبداعاته وإبتكاراته، التي تصب في خدمة الجميع، و توقه الى صنع الجميل لنفسه وللآخرين .

وفي ختام هذا الجزء أتوجه الى رجال الدين الأفاضل من مختلف المذاهب، وأُناشدهم على عدم التدخل في شؤون العلم والأقتصاد والسياسة، وأن يتركوا هذه المجالات لذوي الأختصاص، وأن ينصرفوا الى واجباتهم الدينية في الوعظ وفي تقويم وتهذيب سلوك الافراد، وخلق مناخ إيجابي للتعايش بين المذاهب والطوائف والأثنيات بما يُرسّخ ويعزّ ز الوحدة الوطنية، و في أبداء النصح والأرشاد. أي أن يَقِرّوا بفصل الدين عن الدولة، كما هو الحال في الدول التي سبقتنا في هذا المضمار، والتي وضعت حدّاً نهائيا للأستبداد، ولحماية ممتلكات الدولة وثروات البلاد وأموال الشعب من الحكام الفاسدين، والذين يتربعون على العرش تارة بأسم الدين والمقدس، وتارة بأسم القومية والوطنية، ولكن من دون أيّةِ آليات للعقاب والمحاسبة. هذا هو الطريق الوحيد للخروج من الأزمات التي أحاطت بالبلد من كل الجهات، والطريق الوحيد الذي يفضي الى الأسقرار السياسي، والذي هو أساس التنمية الأقتصادية وتحقيق الرفاهية وأنجاز حلم السعادة لدى البشر.

الدانمارك في 18 حزيران 2015

http://www.faceiraq.com/inews.php?id=3938191
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة