تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

الكناس لا يزال يغني في بغداد !

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, مارس 31, 2012, 07:17:44 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

الكناس لا يزال يغني في بغداد !


الكاتب: محمد غازي الاخرس

31/3/2012 12:00 صباحا


حدثني صديق طبيب ذات مرة عن إعجابه بكنّاس، كناس لا يختلف عن أي مكرود من مكاريدنا، لكن ما أثار انتباه صديقي هو أن ذلك الشيخ كان شغوفا بعمله، يمسك المكنسة بطريقة رائعة ويلم أوساخ الناس ببراعة حتى ليبدو وكأنه يرسم أو يرقص أثناء عمله .
كان ذلك الطبيب يتحدث عن حبّ العمل، ورأيه أنّ حب العمل لا علاقة له بنوع الوظيفة، ( تدنيها ) أو ( رفعتها )، يكفي أن يعشق كناس أو فراش مهنته ليتفوّق على أي طبيب ( كلاوجي).
وفي الأخير قال صاحبي أنه بعد أن لاحظ صديقه الكناس صار يستمتع كلّ صباح بتأمله وهو يلملم ما يبقيه الآخرون .
خطرت في ذهني الحكاية وأنا أترقّب نهاية العطلة كي أعاود شغفي بالأشياء التي أحب ، أن أذهب لعملي، أتلقّي الاتصالات وأجيب عليها ، أحضر دروسي في الجامعة ، أتزاحم في الشارع مع أصحاب (الكيات) وأتلقى سبابهم إذا أخطأت في القيادة .
لعل الإحالة ستكون متعسفة لكنني ، أثناء العطلة ، أخرجت بعض الكتب ورحت أستعيد أفكارها، ومن بينها كتاب لباحث روسي ماركسي التوجه يتحدث عن العلاقة بين الفن ووعي الانسان، ومن بين التقاطاته المهمة فكرة أن الجماليات انبثقت أساسا من العمل وليس من أيّ شيء آخر، وهي فكرة شديدة الإغراء ليس لقوة حججها فقط بل لأننا لا نزال نلاحظ شظاياها هنا وهناك. راقبوا البنائين مثلا أو صيادي السمك وسترون أن (الدندنة ) بأغان معينة لا تكاد تفارقهم شفاههم .
ملخص الفكرة أن الإنسان ، كان في لحظة من لحظاته ، يمارس طقوسا سحرية قبل الإقدام على عمله وأثنائه. ولم تكن تلك الطقوس انعكاسا للعمل كما يتبادر إلى الذهن أنما كانت صورة من صوره. ولدى الانثربولوجيين أمثلة يورد الباحث شيئا منها ؛ بين القبائل التي تعتاش على الصيد ، مثلا ، ثمة ألعاب تعتمد المحاكاة يقلد فيها الصيادون عملية القنص في رقصة يسمونها (رقصة الجاموس) . تراهم يتحلقون مرتدين جلود الجواميس ثم يرقصون مؤدين اللعبة التي تهدف إلى استدعاء تلك الحيوانات لصيدها . وفي أثناء اللعبة يصاب بعض اللاعبين بالأعياء فيغادرون الحلقة بوصفهم وحوشا مقتولة .
في العراق لدينا ألعاب شبيهة ذات منشأ طقوسي لا يخفى منها ـ مثلا ـ لعبة (الثعلب فات فات ) التي ربما تحاكي مخاوف الريفيين من الحيوانات المفترسة أو (عظيم الضايع) التي قد تكون شظية من شظايا طقوس ذبح القرابين أثناء الحصاد.
ويمضي الباحث ليقول أن تلك الممارسات الطقوسية انفصلت عن سياقها وكوّنت ما ندعوها الفنون ، وأن الرقصة قد تكون أخطوطة أولية لعمل ما تمارس رمزيا قبل تنفيذه . وإذ يؤديها الإنسان فأنه يعيش لذة مبعثها الانغماس في الصيد أو الزراعة، لذة من يساوره اليقين أنه بات حرا وقويا وقادرا على فعل أشيائه بغض النظر عن المصادفات المجهولة التي قد تدحر أغنيته أو رقصته.
الحق أنني حين قرأت ما كتبه الباحث تذكرت الكنّاس الذي حدثني عنه صديقي، ومعه تذكّرت أغنيات الفلاحين وتمتماتهم الايقاعية، تذكرت مواويل البنائين وبائعي ( العتيك) ، تلك الأغاني التي لو سألتهم عن سبب التلذذ بها لعجزوا عن الإجابة . لهزّوا رؤوسهم ربما ثم قالوا ـ يا عمي من ضيمنه ..نريد نواسي ارواحنا المحنية من التعب .
لكن كلا ، ليست العلة هذه . أغنيتكم تشير لفكرة الحرية وتحيل لها ، وموالكم ليس مواساة كما تظنون إنما هو شظية نسيتها الحقب في أرواحكم الخلاقة حين انتصرتم على عبودية الطبيعة ونهضتم للسيطرة عليها.
أنتم مثل كناسنا الجميل ، لعله الآن يخرج من بيته الصغير متأهبا ، مبتسما بينما أحدهم يترنم من وراءه مشجعا : كمش مكناسته البيضه وغبش بيهه ..حالف عل الزباله اليوم يكضيهه ..ولملمها وتانه ..السيارة .


http://www.alsabaah.com/ArticleShow.aspx?ID=24302
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة