الإلحاد في زمن العولمة _الجزء الثالث والأخير/ لويس إقليمس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يناير 29, 2016, 03:36:25 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

الإلحاد في زمن العولمة
-   الجزء الثالث والأخير-


برطلي . نت / بريد الموقع
لويس إقليمس


من هو الملحد اليوم؟
إذن، من هو المُلحد اليوم؟ روسيا الشيوعية سابقًا، أم هذا الغرب المتهرّئ والغارق في حبّ المال والمادة والملذات حتى الثمالة؟
لقد جاء تصريح الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، كما نشرته وكالة واشنطن بوست، قاسيًا على الغرب الذي ترك الله والدّينَ، حينما وبّخَه بوتين وغيّرَه بسبب هجره القيم المسيحية الأصيلة وانصرافه إلى ترّهات أخلاقية تدعم وتدافع عن ظواهر لا أخلاقية وخارجة عن القيم الإنسانية.
بوتين، هذا الذي كان رئيس الـ"كي جي بي" (جهاز المخابرات) سابقًا في أكبر دولة ملحدة، كما كانت تصفها الولايات المتحدة آنذاك في ذروة الحرب الباردة بـ" الأمة الملحدة"، يقف اليوم شجاعًا لينذرَ الغرب والولايات المتحدة بخطورة فعلتها بهجر الله وتركها القيم المسيحية، محذِّرًا أنّ هذا الفعل قد يقودها إلى التدهور والدخول في الظلام والفوضى، في يومٍ من الأيام.
سبحانَ مغيّر الأحوال! فبعد عقدين ونيّفٍ من الزمان تغيّرت الأحوال، وأصبح الكرملين "الملحد" سابقًا، وحلفاؤه في الكنيسة الارثوذكسية الأصيلة اليوم، يطلقون الإنتقاد ذاته والادعاء نفسه، بعد أن  تربّعت الماركسية الملحدة على قمّة سلطة أكبر دولة شيوعية، وصلت إلى حدّ الأسطورة في فلسفتها وترويجها لأفكارها وسطوتها، ليس على شعوبها فحسب، بل تعدّته لدول غيرها، بفعل الفلسفة المادية التي طوّرها كارل ماركس ولينين ومنظّرون آخرون وسارت على نهجها الشيوعية العالمية، منذ اندلاع الثورة البلشفية في 1917، لغاية سقوط آخر ركنٍ من هيكل الإتحاد السوفيتي"الشيوعي" السابق الذي طغا واستكبر ثمّ هوى، وكان سقوطُه قاسيًا!
إنَّ الرئيس بوتين، مهما كانت حيثيّاتُه وأسبابُه ونواياه، إلاّ أنّه بهذه الكلمات قد أعاد الصورة الأخلاقية والدينية للدولة الروسية، وأظهرّها بالمدافعة القوية عن القيم التقليدية ضد الدول الغربية المفلسة أخلاقيًا بسبب تبجّح الأخيرة بمبرّرات العولمة المتحرّرة ونتائجها. فالمحافظة على القيم الإجتماعية والدينية والأخلاقية، تبقى هي السبيل الكفيل بمنع العالم من الإنزلاق للفوضى والظلام الذين أتى بهما أرباب العولمة بحجّة حرّية الفرد في الدين والتعبير.
إنّ توجّه الغرب نحو سياسة "نزع السلاح الروحي" لشعوبه، من شأنِه أن يقودها إلى الإنهيار والإفلاس في يومٍ من الأيام. وما بوادر استقطاب مهاجرين بهذه الكثرة الكمّية في الفترة الأخيرة، من دول إتسمت بثقافة روحية والتزامٍ دينيّ تقليديّ، إلاّ صفحةً من هذه الصفحات البائسة لأنها دعوةٌ صريحة لاقتلاع الدّين والروحانيّة من شعوبٍ عرفت طريقَ الله والخير والصلاح، وهي مهدّدة اليوم بالسير في ركاب المادّية والحوافز المظهرية ووسائل التشويق الدعائيّ التي يروّجُها الغرب.
إذا كان الغرب ومعه الولايات المتحدة الأمريكية، مضطرّين للقبول بعوالم مختلفة من الثقافات والحضارات، بأيّة حجة كانت أو أيّ مبرّر يسوقونه، إلاّ أنّ جلَّ هذه المبرّرات ليست مدعاة لهجر الدّين أو التهرّب من الإلتزامات الأخلاقية والدينية، كما ليست الحلّ الأوفر لسيادة بدعٍ وصراعات وهرطقات دينية خارجة عن المألوف في العرف الإنساني والأخلاقي. اليوم، في مجمل البلدان الغربية، مَنْ يسعى لكسب المال والتفنّن بالمفاسد، ليس عليه سوى الإعلان عن تأسيس بدعة دينية غريبة وخارجة عن المألوف لينال الشهرة، فتتناثر عليه الأموال كما المطر الغزير. وسوف نعلم أن مَن يقف وراء تمويله، جهاتٌ تنكر لله قدرتَه وترفض أصالة الأديان المتجذّرة والروحانية الرسولية التي عُرفت بها المسيحية بصورة أخصّ وغيرها من الأديان الموحّدة السائدة على الساحة. من المؤسف، أن تتعرّض حتى الرموز الدينية التقليدية المتعارفة، في عدد مِن دول الغرب، إلى قوانين تمنع المؤمنين من عرضها والافتخار بها حليةً تزيّنُ الرجال والنساء في الأماكن العامة كما في أوقات العمل!
إنّي أتفق مع أصحاب النظريات الحديثة التي تعتقد بضرورة تفاعل الثقافة الأوربية المسيحية التقليدية مع غيرها من الثقافات والحضارات، لحاجة البشرية إلى تلاحم وتضامن أكثر خدمةً للسلام العالميّ ورقيّه وازدهاره. وهذا بدوره سيقود إلى خيار الحوار وتبادل الخبرات والآراء التي تصبّ جميعًا في خير الإنسانية بدل إنكماش كلّ حضارة على ذاتها، ما قد يؤدّي إلى إضمحلالها بوقت أبكرَ. وممّا لا شكّ فيه، أنّ جميع الثقافات الأوربية لها حضاراتُها الخاصة بها، كما لها جذورُها الدينية في تقييمها للحياة البشرية وواقع الدنيا. من هنا يكون من المنطقي تعلّم كيفية الردّ والتفاعل مع التنوع الراهن في هذه الثقافات من أجل مواجهة ما تقابلُه من تحديات يفرضها الزمن والوضع السياسي والإقتصادي ومصالح الدول.   
فما أجملَ أن تتناغم الثقافات وتتفاعل الحضارات لخلق أنموذج عالميّ متمدّن جديد نابع من منظور الشعوب المختلفة الأخرى المتعددة المتنوعة الثقافات والحضارات، أي بمعنى مواجهة النفس من منظور الآخر المختلف.

بغداد، في تشرين أول 2015



بشار سعدون

أحسنت أيها المحترم في تناولك لهذا الموضوع وفي طرحك الأخير وأسمح لي بالتعقيب التالي .. في حملة قامت بأكثر من 2500 إحصاء في 230 دولة ومنطقة جغرافية بالعالم طوال العام 2010 .. قام بها "منتدى بيو فوروم للدين والحياة العامة" وهو مركز دراسات وأبحاث أمريكي متخصص بالأديان والمعتقدات، ومن نتيجتها أكد أن الإلحاد أصبح "الديانة" الثالثة بالعدد في العالم بعد المسيحية والإسلام ... !؟ وسواء كان هذا الرقم صحيح ودقيق أم لا وسواء زاد عدد الملحدين في العالم عن هذا الرقم أو قل .. فالسؤال المهم هو كيف نوازن بل وكيف نفسر هذا التناقض والتضاد بين المدنية والحضارة والتنظيم والتطور المادي المنظور والملموس على كل الصُعُد والذي يعيشه أولئك الملايين المملينة من البشر وبين إنكارهم لبديهيات ويقينيات كبرى يتفق عليها بالعموم ثلثي العالم المتبقي على أقل تقدير !! ألا وهي وجود الله والأديان والرسل والكتب المقدسة .. !؟ إن الفهم الروحي الحقيقي أولاً لمعنى الإيمان بالله هو الكفيل بتقديم الإجابة للجميع ؟ ملحديهم وعلمانييهم وماركسيهم ولا دينيهم .. بل وحتى لأتباع الديانات الكِبرى من حيث العدد في العالم (( المسيحية والإسلامية واليهودية .. )) . أقول إن السعادة الروحية المتمثّلة بالإيمان بالخالق وبحكمته وعدله .. والتي تغمر جوانب النفس البشرية في كل أحوالها عند فرحها وحزنها ويسرها وعسرها .. هي الإجابة المناسبة يرعاكم ألله !؟ وإلا فليفسر لي أحدكم سر السعادة الروحية التي كانت تكتنف أتباع الأنبياء والرسل مع ما كانوا يعانوه من شظف العيش وقهر اعدائهم من الوثنيين وغير المؤمنين .. ما سر السعادة الروحية والزهد في الدنيا وملذّاتها لدى آتباع المسيح وتلامذته وهم يفترشون الأرض ويلتحفون السماء لا زاد لهم يكفيهم ولا ملبس لهم يقيهم ولا مآوى لهم يؤيهم .. لما هذا الضياع والتيه والخواء الروحي لإبناء هذا العالم مع كل هذا التطور والمدنية والرقي والحضارة والعمران الذي حولنا !؟ حروب عالمية وصراعات دموية وكوارث إنسانية وبيئية وانتحار وخراب ودمار ودماء وأشلاء في كل مكان وشذوذ اخلاقي وتحلل مُقنن .. وجهة نظر في كلمات علها تلخص ما أردت إيصاله لحضرة المتلقي الكريم (( لا تحدثني عن الدين " أي عن الإيمان بالله لآنه آمرٌ بديهي مفروغٌ منه يعلم الله وحده حقيقته في نفسك " بل دعني أرى الدين في تصرفاتك " لا تكذب لا تسرق لا تقتل لا تزني لا تخون لا تنافق .. " وإنما سبق وغيرها .. من نواهي وأوامر و وصايا إنما عرفناها واتبعناها لأن الرب في علاه لا يرتضيها لخلقه من البشر .. فكل ما في البشرية من خير فمن الله وكل ما فيها من شر فمن نفسها ومن الشيطان .. إحتراماتي للجميع .






متي اسو

الجزء الثالث من مقال السيد لويس اقليمس كان فيه الكثير من الوضوح ، رغم ان دور " العولمة " في تنامي الالحاد بقي غامضا ، وكان هناك ما يشبه الالتباس بين العولمة والعلمانية .
لقد عانت اوربا كثيرا من تدخل الكنيسة في الامور السياسية في السابق ، ولقد قدّمت الكثير من الضحايا ودخلت في العديد من الصراعات كانت نتيجتها نجاج الشعب المسيحي في الغرب في عزل كنيسته " سياسيا " ، واقامة حكومات ديمقراطية ، ليبرالية وعلمانية.
لقد اتخذ العديد من العلمانيين والليبراليين  " تدخل الكنيسة السابق " فيما بعد ذريعة و " قميص عثمان " في عزل الكنيسة حتى عن حياة الناس ... هذا لم يحدث فجأة ، لأن في البداية كانت الناس لا زالت محتفظة بالأيمان وبالقيم المسيحية  ولم تر خطرا في النظام العلماني ولم تنتبه الى ابتعادها التدريجي عنها ، خاصة وانها كانت تعيش عصر الرخاء المادي والاختراعات الحديثة .
ان ظهور ال " أنا " المضخّمة في العصر الليبرالي العلماني الحديث وانتشارها السريع بين الناس التي وجدت ان القوانين الوضعية  تدافع وتكفل حرياتهم الواسعة وال " أنا " فيهم  ، ادى الى التمرّد على اي شيء يمكن ان " يؤطرهم "، ومنها الدين وتعاليمه .. ولقد جاهد الملحدون الجدد ، لاعتبارات عديدة ، في دفع الناس نحو هذا الاتجاه.
نستطيع ان تلمس ذلك واضحا في رفض الانسان الغربي لأي سلطة ، فهو يكره سلطة الدولة مهما كانت ضعيفة ، لكنه يحترم ، بل يعبد القوانين الوضعية في بلاده .
لكن افرازات هذا الابتعاد ( الكثير من الكنائس لا تضع فوقها الصليب كي لا يؤذي عيون غير المسيحيين ، ناقوس لا يُدق حتى لا يزعج اذان غير المسيحيين ، التهنئة باعياد اليلاد ورأس السنة تحوّلت الى – عطلة سعيدة - كي لا تؤذي مشاعر غير المسيحيين ... الخ ) ، وكذلك التزام الدول الغربية بما يسمى " تعدد الثقافات " ادى الى مشاكل روحية واجتماعية لا حصرلها  ولا يمكن السكوت عنها .. بدأ الانسان الغربي الان يعود الى ايمانه وقيمه ، لكنه يواجه الان مقاومة شرسة من اليبراليين ومن التجمّعات المستفيدة من ابعاد الدين المسيحي عن حياة الناس .
ما حصل في شرقنا العربي والاسلامي كان عكسيا ، فنتيجة الطغيان والقهر والفقر وسلب الحريات اتجه الناس الى الدين بقوة ، وكانت الشيوخ قد اعدّت العدة لهذا اليوم .... ونتيجة ما حصل ويحصل بسبب " طغيان الدين " اخذت الناس تتجه نحو الالحاد ... هنا تلعب " العولمة " دورا مهما ، اذ اخذ الانسان الشرقي ، " المعزول والمكفوخ "  دائما وابدا، يطلّع على ما يحصل في العالم ويتعافى من الاكاذيب التي نُسجت حوله .
مع التحيات .