علامات شرق أوسط من دون مسيحيين سعد سلوم

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, أغسطس 12, 2016, 10:30:52 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

علامات شرق أوسط من دون مسيحيين


سعد سلوم

ترسم هجرة المسيحيين العلامة الأبرز على الأزمة الكبرى التي يمر بها الشرق الأوسط، علامة على فشل تجربة الدولة الوطنية، وأبعد من ذلك فإنها باتت تطرح اتهاما قاسيا للمسلمين بعدم القدرة على التعايش، واتهاما للإسلام بأنه دين يرفض الآخر. ومن ثم تصبح مسؤولية بناء أنموذج دولة تعددي جديد مسؤولية مشتركة إسلامية- مسيحية، وتطوير خطاب مشترك بشأن تصور هذا الأنموذج، والهجرة تشكل تهديدا لمثل هذا الأنموذج ولا تعني سوى شرق أوسط جديد مقسم إلى جزر إثنية منعزلة.
وهجرة المسيحيين بما تنطوي عليه من اتهامات تصبح مسؤولية المسلمين، فهي "خيار إسلامي" كما يذهب إلى ذلك عنوان كتاب "أنطوان سعد" بشأن بقاء المسيحيين في الشرق.
مستقبل الوجود المسيحي في العراق وسوريا وبقية بلدان الشرق الأوسط، يلفه الغموض، إذ أن عدم توافر الاستقرار السياسي والنفسي والاجتماعي بسبب التحولات العاصفة التي تمر في الشرق الأوسط يضع الأقليات أمام ضغوط لا يمكن مواجهتها للهجرة. وبسبب كونهم مسالمين، وتمثيلهم السياسي الرمزي، والطابع غير العشائري لبنيتهم الاجتماعية، أصبح المسيحيون العراقيون فريسة سهلة للعنف وتأثيراته، ووقعوا ضحية صراع الجماعات الكبرى: الشيعة، السنة، الكرد.
أما وضع المسيحيين في سوريا، فإنه يعيد رسم السيناريو العراقي بكوابيسه وسيناريوهاته للتقسيم، إذ وقع مسيحيو سوريا وسط الصراع بين النظام ومعارضيه. ووظفوا كورقة في هذا الصراع وتصوير المعارضة لهم مؤيدين للنظام، أو اتهام النظام المعارضة باضطهادهم، وهذه صورة قلقة لوضع هش وغامض تعيشه جماعة مسيحية مسالمة في وسط عاصف بالتدخل الإقليمي والدولي. ويعبر عن ذلك البطريرك مار روفائيل الأول ساكو بقوله "وكأنني أرى أمام عينيْ في سوريا المشهد نفسه الذي عايشناه في العراق من اقتتالٍ وغياب أمن وهجرة ورعب واستهداف للجميع وبشكل خاص للمسيحيين، وما يعانونه من قتل وخطف ومحاولات تسييسهم، وحسبهم على هذا الفريق أو ذاك. اليوم أخشى فعلاً أن يتكرر المشهد العراقي في سوريا، أخشى أن تصبح سوريا عراقاً ثانياً، لا بل قد تكون الحالة هناك أكثر صعوبة وتعقيداً، إذ أن العراق بلد ثريٌّ، فيما سوريا بلدٌ فقير.... زد على ذلك أن في العراق أماكن آمنة كإقليم كردستان الذي لجأ إليه العراقيون هرباً من الحرب، ولكن السوريين يلتجئون إلى بلدان أخرى"
لذا تفرض هجرة اللاعودة على مسيحيي سوريا، كما فرضت من قبل على مسيحيي العراق، مع أن وضع مسيحيي العراق بوجود ملاذ آمن في كردستان هو أقل حدة، ويوفر ملجأ مؤقتا ريثما تسنح الفرصة للبحث عن وطن بديل.
في مصر يظهر وضع المسيحيين على نحو يثير القلق أيضا بسبب التمييز الاجتماعي والتعصب الأعمى، ومثلهم مثل أقرانهم في الشرق الأوسط، يتعرضون لاعتداءات واستهداف مستمر وتدمير كنائسهم في أحداث عنف طائفي مقيت.
ويعترف البطريرك ساكو بوجود "مخطط لتقسيم المنطقة إلى كيانات ودويلات فئوية ومذهبية تتماشى مع السياسة العالمية، فضلاً عن وجود إغراءات من دول تشجع على هجرة المسيحيين إليها، مع هذه المعطيات فقد المسيحيون ثقتهم بالمستقبل". فـ"يقيناً، هناك حملة مبرمجة لتفريغ الشرق من مسيحييه عبر تسعير الصراع المسلم - المسلم الذي يخدم دولاً عدة على رأسها إسرائيل والولايات المتحدة. فيما تعاني المنطقة من احتقانٍ شديد، وكأنها تعيش على فوهة بركان. تونس، والعراق، وليبيا، ومصر وسوريا، ولبنان، وفلسطين كلها دول تعاني، ولكن إلى أين ستؤول أحوال شعوب هذه البلاد؟ على كلٍّ منا أن يطرح هذا السؤال على ضميره. وعلينا العمل من أجل تغليب منطق الحوار من دون اللجوء إلى القوة، إذ أن هذه المنطقة لطالما عانت أزمات، إلا أنه كان بالإمكان حلّها".
عمل صعود الإسلام السياسي على تقسيم المنطقة إلى جبهتين متناحرتين، وهذا الأمر إن قيّض له إعادة تشكيل هوية الشرق الأوسط، فإنه من الواضح سيكون شرق أوسط من دون مسيحيين. إذ سرعان ما أصبحت الأقليات كبش فداء وفريسة سهلة في هذا الصراع الذي لا يقبل بمناطق متنوعة، فالمناطق الصافية دينيا وطائفيا تصبح أولوية لمن يريد فرض نظام الأمر الواقع، كما حدث في مناطق عدّة من العراق وفي سوريا أيضا، إذ ينظر المتطرفون إلى الوجود المسيحي عائقا أمام تطبيق الشريعة وبناء دولة بأنموذج إسلامي بيوريتاني شيعي أو سني.
وهناك ترابط بين حملة إفراغ الشرق الأوسط من مسيحييه ومحاولة إرجاع عقارب الساعة إلى الوراء بفرض نظام حكم إسلامي يعود إلى قرون خلت، وهو يهدد حرية الجميع (مسلمين ومسيحيين)، ففي الوقت الذي يغادر فيه المسيحيون بلدانهم التي تتحول إلى صحارى بلون واحد، وتسقط في فخ التعصب، وإلغاء الآخر، وامتهان حقوق المرأة، يجري العمل على "تأجيج المشاعر الطائفية بدلاً من تحفيز المواطنة لدى الشعوب، وهو ما يؤدي دائماً إلى مأساة وطنية تكون الحروب والتهجير إحدى تبعاتها" على حد تعبير ساكو.
إن انبعاث هذا الاستبداد الطارد للاختلاف والتعددية والذي يهيمن على الشرق الأوسط يشكل علامة أزمة وطنية إسلامية-مسيحية على حد تعبير "محمد السماك" في مقال له عن خطاب الجماعات المسيحية في زمن المحنة، وبرأي السماك لا يمكن مواجهة الأزمة من دون خطاب إسلامي –مسيحي. لأن الاستبداد أعمى، ولأن الحرية لا تتجزأ، واستبداد لا يمكن مواجهته بسهولة؛ لأنه يمارس باسم الله، ومن ثم لابد من خطاب مشترك يدافع عن الحريات، لا تمليه المواطنة ووحدة المصير، بل وتمليه أيضا العلاقة الإيمانية بين المسلمين والمسيحيين.
يخشى المسيحيون في العراق والعالم العربي، من صعود الإسلام السياسي، فإدارة التعددية تتنافى مع نهج أحزاب الإسلام السياسي في إقامة دولة دينية قائمة على الشريعة، الإسلام السياسي لا يعني للمسيحيين في رأي ساكو سوى "الانغلاق، وهو علامة موت يخشاها الكل، وليس المكون المسيحي فقط، لأنه يكفّر ويهدد بإلغاء وإزالة كل من يتعارض مع نهجه".
والغرب وسط كل ذلك يقف موقف المتفرج، أو يعمل على تغذية النزاع بحسب مصالحه، فالغرب "أعمى"، كما يقول البطريرك ساكو، فهو "لا دين له... على بلدان الغرب أن تساعد المسيحيين ليس لكونهم مسيحيين، بل لأنهم مكونات تاريخية مهمة. يتكلم هنا عن حقوق الإنسان، ولكن أين هي هذه الحقوق؟ الغرب يبحث فقط عن مصالحه، يكفي أن نرى نتائج الحروب في الشرق الأوسط. أين الديمقراطية والحرية في ليبيا وسوريا؟". والحل أمام هذا العنف المستشري الذي يطول أفراد جميع المكونات لا يكون إلا بحيادية أجهزة الدولة، وبناء دولة المؤسسات. دولة لا تستعير من التاريخ لكي تضفي شرعية على حاضرها القلق.
تأثير مأسسة الدولة ينسحب على حياديتها، والأخيرة (حيادية الدولة) مبدأ أساسي في الشعور بالولاء لها، والإحساس بالانتماء إلى هويتها الجامعة، وتطبيق ذلك على جميع أجهزة الدولة، وبشكل خاص على الأجهزة الأمنية التي ينبغي أن تؤسس على اعتبارات مهنية، وتكون خارج الولاءات الطائفية الضيقة. وإلا فإن عملية التصدي للعنف قد تأخذ طابع حرب مكونات، أو يسهل تصويرها كحرب ميليشاوية، لاسيما إذا حمِّل مكون اجتماعي مسؤولية العنف المستشري في البلاد.
دولة المؤسسات وليس دولة القادة أو الزعماء هي التي تضفي هيبة على وحدة الدولة، وتجعل من الإرادة السياسية الخالقة لوحدة وطنية وهوية جامعة أمراً ممكنا وخلاقا.
ما الذي يمكن للأغلبية المسلمة أن تفعله للوقوف ضد تفريغ المنطقة من المسيحيين؟ وما الذي يتعين على المسيحيين مرة أخرى تحمل مسؤوليته في ظل ظروف التحول التي تمر بالشرق الأوسط؟ وهو ما تعين عليهم حمله على كاهلهم أكثر من مرة في التاريخ المعاصر؟ وهل يمكن في ظل الاستقطاب الطائفي الذي يدمر هوية الشرق الأوسط التعددية، أن نتوقف للإنصات إلى صوت العقل مرة واحدة، ونبتعد عن تسييس النزاعات، وعدم تصوير الخلافات السياسية بوصفها نزاعا طائفيا أو ثقافيا، وهو ما يعد خطوة مهمة لتحديد ما نمر به بوضوح، وأن نفكر من خلال خبرة المسيحيين في الحوار بـ"دبلوماسية للخيار الثاني" يلعب فيها المسيحيون دور الطرف المحايد وجسر المصالحة بين المكونات؟
فكما كان للمسيحيين دور في تقديم فكرة القومية العربية التي جمعت شعوب المنطقة على رؤية موحدة، يمكن لهم اليوم أن يقدموا ويسهموا في بناء تصور عن دولة مدنية قائمة على إدارة التعددية.
دولة مدنية تعزز التنوع في إطار الوحدة. دولة مدنية ضامنة لحقوق الجماعات والأفراد في آن واحد. دولة مدنية تترجم شعار (مختلفون كجماعات.. متساوون كأفراد)، إلى أنموذج لإدارة التعددية على صعيد بناء الدولة، وإنجاز المواطنة على صعيد الأفراد.

http://almadapaper.net/ar/news/469520/%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D8%A7%D8%AA-%D8%B4%D8%B1%D9%82-%D8%A3%D9%88%D8%B3%D8%B7-%D9%85%D9%86-%D8%AF%D9%88%D9%86-%D9%85%D8%B3%D9%8A%D8%AD%D9%8A%D9%8A%D9%86
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة