الموسيقا السريانية الكنسية (الجزء الثامن عشر) الـتأثير البيزنطي على الأناشيد ال

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أبريل 21, 2018, 05:27:08 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

الموسيقا السريانية الكنسية
(الجزء الثامن عشر)
الـتأثير البيزنطي على الأناشيد السريانية (2)
التأثير على الأناشيد المعروفة باسم ܬܰܟܫܦܳܬܐ "تخشفوثو" (التضرعات)     

         
برطلي . نت / متابعة

بقلم: نينوس اسعد صوما
ستوكهولم


التأثير اليوناني/البيزنطي
بعد أن بيّنا بإقتضاب في الجزء السابق من مقالنا شيئاً من التأثير اليوناني على اللغة السريانية وآدابها المدنية والكنسية، والتأثير البيزنطي الموسيقي على قسم من ألحاننا السريانية، نتابع في جزئنا هذا دراسة كيفية التأثير الموسيقي البيزنطي على نوع من الأناشيد السريانية في سلالمها الموسيقية وفي طريقة إنشادها.

4- ܬܰܟܫܦܳܬܳܐ "تخشفوثو" التخشفتات (التضرعات)
ولتبيان التأثير البيزنطي على موسيقانا السريانية الكنسية، أو الأصح على بعض من ألحاننا الكنسية أخترت نوع من الأناشيد التي تسمّى ܬܰܟܫܦܳܬܐ "تَخشفوثو" لتوضيح هذا التأثير بالرغم من اسمها السرياني الخالص.
وتسمى بالعربية التضرعات ويقال لها التخشفتات، ويسميها العلاّمة البطريرك أفرام برصوم الأول (1957م) في كتابه الشهير"اللؤلؤ المنثور" بالإبتهالات. وهي نوع من الأناشيد تتناول أحداث قسم كبير منها تراجيديا الفداء والخلاص، وقسم آخر الأعياد السيّدية وأعياد العذراء والقديسين.
واقتبس بتصرف ماكتبه عنها صاحب اللؤلؤ المنثور:
"يقال في بعض المخطوطات  بأن التخشفتات من تأليف مار افرام السرياني (373م)، ومار رابولا الرهاوي (435م)، ومار ماروثا التكريتي (649م)، وغيرهم من الجهابذة السريان. ورتّبها مار يعقوب الرهاوي (708م)، وقيل بأن عددها ثلاثمائة، ووصل إلينا منها مائتان وخمسة واربعون".
أما الرأي السائد في الكنيسة هو أن مبتكر القالب الموسيقي لهذه الأناشيد، ومؤلّف وملّحن قسم كبير من نصوصها وألحانها هو العبقري المبدع رابولا الرهاوي (435م) القنشريني المولد.

صفات هذه الأناشيد:
لهذه الاناشيد صفات كثيرة مميزة نذكر اهمها:
1- الروح الفردية: تتصف معظم ألحان البيث كازو بالروح الجماعية في إنشادها، لكن مجموعة التخشفتات تتصف بالروح الفردية، حيث أنها تعتمد على الصوت الواحد الإنفرادي في آدائها، وليس على الأصوات الجماعية مثل أصوات مجموعة الجودو "ܓܽܘܕܳܐ" التي تنشد الصلوات اليومية من كتاب الشحيمو "ܫܚܺܝܡܳܐ" أو على اصوات جوقات الترتيل التي تشارك في القداديس بشكل جماعي، فمن بالغ الصعوبة أن تنشد التخشفتات جماعياً لأنها تحوي على تعرجات وإنعطافات لحنية كثيرة، وصعود إلى جواب اللحن بشكل مفاجئ أحياناً، ومدّات وتعقيدات لحنية بيزنطية كثيرة من تلك التي يعتمد تطبيقها على الصوت الواحد، ولهذا تنشد دوماً بشكل إفرادي من قبل منشد مقتدر حسن الصوت.
وكانت لنا محاولة صغيرة في تعليم إثنتين منها إلى جوقة الترتيل بطريقة الإنشاد الجماعي قبل أكثرمن عشرين سنة، ولكننا اعتبرناها محاولة فاشلة فتخلّينا عن الفكرة، لأن صياغة لحن التخشفتو بحسب إنشاد الجوقة يؤدي إلى تقليم لحنها، وأخذها إلى منحى آخر غير الهدف الذي من أجله وضِعَت، وإلى تغيير في إطارها اللحني العام، والذي سيؤدي بالنتيجة إلى عدم الحفاظ على اللحن الاصلي، وإلى فقدان قيمته التراثية القديمة.
كما أن أغلب المتحمسين الذين حاولوا تطبيق هذه الفكرة وفكرة التجديد، قد وقعوا في نفس المطب الذي وقعنا فيه دون علمهم أو لعدم معرفتهم بثوابت الموسيقا الكنسية، خاصة أولئك الذين أطّروا اللحن الكنسي بأوزان وإيقاعات فأخرجوه عن مألوفه المتعارف عليه.
2- الطول: تتصف أغلبها بطول زمن إنشادها، فقسم منها تجتاز العشرة دقائق طولاً.  وطولها لا يقاس بطول نصوصها الدينية إنما بطول إنشاد لحنها، فبعض منها تتميّز بطولها اللحني وقصر نَصّها.
3- صعوبة آدائها: إن لم تكن أصعب الألحان السريانية الكنسية آداءاً على الإطلاق فهي من أصعبها، لأن ألحانها ليست من النوع السهل البسيط أبداً، وتحتاج لمعرفة جيدة بالألحان الكنسية وإلى مقدرات صوتية كبيرة مع تقنية موسيقية عالية يملكها المؤدي.
4- شعرها هو من النوع  الذي يسمّى مداريش "ܡܰܕܪܫܶܐ"، والمداريش هي نوع من الشعر السرياني المتعدد الأوزان، واشتهر بها كثيراً القديس مار افرام السرياني.
5- المواضيع التي تعالجها نصوصها هي من نوع الدراما التراجيدية بأغلبها، مثل تراجيديا الفداء والخلاص، أو تحضير النفس للوقوف أمام العدالة الإلهية، وغيرها.
6- ألحانها هي أيضاً من النوع الدرامي الفخم الجميل، تحوي الرهبة والخشوع والحزن بكثرة، فتنقاد الأذن لسماعها حتى نهايتها.

بعض التخشفتات الدارجة:
ܛܰܥܡܶܗ ܕܗܳܒܶܝܠ "طعمِه دهوبِل"، ܗܳܐ ܓܶܝܪ ܝܰܘܡܳܬܰܢ "هو جِر ياوموثان"، ܐܶܡܰܬܝ̱ ܕܰܠܚܰܪܬܼܳܐ "إماث دالحَرثو"، ܐܰܝܟ ܬܰܓܳܪܶܐ "آخ تاجورهِ"، ܒܢܰܚܠܳܐ ܕܝܘܫܳܦܳܛ "بنَحلو ديوشوفوط"، ܡܰܢ ܠܳܐ ܢܶܒܟܶܐ ܥܰܠ ܚܘܒܰܘܗܝ "مان لو نِبكي عال حاوباو"، ܐܰܝܟܰܘ ܥܽܘܬܪܳܐ "أيكاو عوثرو"، ܚܰܬܼܢܳܐ ܡܫܺܝܚܳܐ "حاثنو مشيحو"، ܫܽܘܒܚܳܐ ܠܛܳܒܳܐ "شوبحو لطوبو"، ܒܟܘܠܳܗ ܐܰܪܥܳܐ ܐܶܬܼܒܰܩܺܝܬ "بكولُه ارعو إثباقيث"، وغيرها.

التأثير البيزنطي على  ܬܰܟܼܫܦܳܬܳܐ:"تخشفوثو" (تضرعات)
يختبئ تحت عباءة ألحان ܬܰܟܼܫܦܳܬܐ "التضرعات" شيئاً من التأثير البيزنطي بالرغم من اسمها "تخشفوثو" الذي يوحي إلينا ويعطينا إنطباعاً عاماً بأنها سريانية قلباً وقالباً، وهذا التأثير موجود فيها لكونها لُحِّنَت أساساً بطريقة بيزنطية، لهذا سنوضح هذا التأثير موسيقياً.

1- إن التراكيب اللحنية لمجموعة ܬܰܟܫܦܳܬܐ "التخشفتات" تعتمد على السلالم الموسيقية الكاملة أو أكثر، والسلالم الموسيقية الكاملة هي من خصائص الموسيقا البيزنطية، بينما الألحان السريانية الكنسية تعتمد بمعظمها في تراكيبها اللحنية على أنصاف السلالم الموسيقية من أجناس وعقود أو أقل. وعمليتي التلحين والصعود والهبوط النغمي على السلالم الموسيقية الكاملة ذات المساحات الموسيقية الكبيرة تختلفان تماماً عن عمليتي التلحين والصعود والهبوط النغمي في أنصاف السلالم الموسيقية ذات المساحات الموسيقية الصغيرة. فهناك تمايز وفرق واضح بين ألحان هذين الشكلين من الموسيقا مما يكسبهما خصائص موسيقية معينة خاصة بكل منهما.

2- وجود مدّات نغمية وتطويل لحني بكثرة مع بعض التراكيب النغمية المعقدة نسبياً في ألحان التخشفتات، وهذه من سِمات الألحان والموسيقا البيزنطية التي تحقق شكل الفخامة والعظمة في أسلوب إنشادها، وتميّز أسلوب الإنشاد البيزنطي عن الأسلوب الإنشاد السرياني.
فالألحان السريانية الموزونة موسيقياً والشبه موزونة خالية من التعقيدات في تراكيبها النغمية، ولا تعتمد مطلقاً على التطويل اللحني (المدّات النغمية)، وإن وجِد فيها تطويل ما خاصة في نهايات جملها الموسيقية، فَيُملأ بحروف "الزيادة السريانية" المتفق عليها تقليدياً والتي تستخدم حسب طول النغمة (سنأتي على ذكرها مفصلاً في مقال قادم)، لكن طريقة إملاء المدّات النغمية بالحروف الزائدة غير موجودة بألحان التخشفتات أبداً، وذلك لعدم إعتمادها على الطريقة السريانية التقليدية في التلحين إنما على الطريقة البيزنطية المعروفة، وهذا واضح في تراكيب ألحانها وفي اسلوب آدائها.

3- إن طريقة إنشاد التخشفتات هو أسلوب مزدوج ممزوج من بيزنطي وسرياني معاً، يحوي الكثير من الوقار والرهبة والعظمة لتبيان مدى أهمية الفداء والخلاص في إيماننا المسيحي، وهذا اسلوب بيزنطي في الإنشاد ومن خصائصه الوقار والعظمة والرهبة والفخامة.
كما أن الجمل الموسيقية في تراكيب ألحانها هي في أغلبها جمل موسيقية شرقية بحتة، تحوي بين طياتها الكثير من مؤثرات الحزن والبكاء والخشوع والتقوى والزهد، وهذه من خصائص إنشاد الألحان السريانية التي تحقق الطريقة السريانية البسيطة في التعبير اللحني والتصوير الصوتي لمعنى الكلمة، والتي قمنا بشرحها سابقاً بشكل مفصّل في الجزء الرابع عشر من مقالنا.

لكن رغم كل التأثير اليوناني-البيزنطي الواضح في مجموعة التضرعات "ܬܰܟܫܦܳܬܐ" وفي مجموعات أُخَر من الأناشيد السريانية الكنسية، إلا أنها تنشد جميعها بلَكنة وبطريقة موسيقية سريانية واضحة، وبتعبير وتصوير صوتي سرياني خالص.
أما ما نسمعه اليوم من المنشدين الذين ينشدون التخشفتات بشكل معقول، هي أصوات تحوي الكثير من المؤثرات البيزنطية الغريغورية في آدائها، هذا واضح بشكل جلي في تسجيلات البعض من التخشفتات التي سجلها الشماس القدير سمعان زكريا بصوته الرهاوي الأصيل وبطريقته الخاصة، (شماس في الكنيسة السريانية في مدينة ستوكهولم أمد الله بعمره)، وكان قد تعلّمها بدوره ونقلها لنا من شمامسة وكهنة رهاويين أصيلين وقديرين في الألحان الكنسية، منهم: الكاهن حبيب توكمجي، والشماس يوسف كوسا، والشماس ابراهيم توكمجي.
فطريقة مطّ اللحن (المدات اللحنية) التي يتبعها الشماس زكريا في آدائه هي بيزنطية وليست سريانية، والتكنيك الصوتي الذي استعمله في آدائه الحاوي على نبرات وتعرجات وعطفات صوتية وعلى فخامة وعظمة هو أيضاً من البيزنطي.
وكان الشماس المذكور زكريا قد لحّن بنفسه تخشفتو ܩܰܒܶܠ ܒܪܰܚܡܰܝܟ "قابِل برَحمَيك". بطريقة تعدُّ رهاوية ومقبولة، وتحوي شيئاً من الأصالة السريانية وشيئاً من عبق وعراقة تاريخنا، وسجلها بصوته في نفس التسجيل السابق، مضيفاً بذلك مع الألحان الأخرى التي لحّنها للكنيسة بصمة صغيرة إلى تراثنا الكنسي.
فالتأثير البيزنطي/اليوناني لغة وأدباً وموسيقةً واضح وكبير في التراث السرياني الكنسي تماماً كما المدني، ولا زال مستمراً بصلواتنا وبأصوات منشدينا وبجزء من ألحاننا، وهذا لا ضير فيه مطلقاً، لأنه نتيجة لتفاعل الحضارتين اليونانية/البيزنطية والسريانية.

تنويط التخشفتات
وأما عملية تنويط هذه الأناشيد فكانت متعثرة لأسباب تعود للذين اشتغلوا في تنويط البيث كازو (كتب مخزن الالحان الكنسية السريانية)، لكن المطران الموسيقي مار أنطوان بيلوني مطران حلب سابقاً للسريان الكاثوليك، كان قد قام مشكوراً بتنويط البعض من هذه التخشفتات، مثل: ܫܠܰܚ ܐܳܕܳܡ "شلاح أُدُم"، و ܥܰܠ ܛܘܽܪ̈ܝ ܚܽܘܪܺܝܒ "عال طوراي حوريب"، و ܒܢܰܚܠܳܐ ܕܝܘܽܫܳܦܳܛ "بنَحلو ديوشوفوط"، و ܐܰܝܟ ܬܰܓܳܪܶܐ "آخ تاكورهِ". ونشرها في الطبعة الثانية (سنة 1995) من كتاب "بيث كازو" للمستشرق الفرنسي جنان (Dom Jeannin O. S. B. ).

وإن عدم نشر نتاجات الذين نوّطوا البيث كازو في كتب أو نشرات، لم يتسنّى لنا الإطّلاع عليها لنعلم إذا كانوا قد اشتغلوا في تنويط التخشفتات أم لا، مثل الأب الباحث الموسيقي الدكتور إيلي كسرواني والأب الموسيقار جورج شاشان.

الإختلافات في التخشفتات
إن ظاهرة إختلافات الألحان والإنشاد في التخشفتات هي واضحة وتعود إلى مجموعة الإختلافات التي خُلِقَت بألحان البيث كازو بشكل عام، والتي تسمى "أساليب إنشاد البيث كازو" نسبة للمنطقة التي تطورت الألحان فيها وتغيّرت وأخذت شكلاً وقالباً جديداً في آدائها.
فوصل أمر الإختلاف بين الأسلوبين الرهاوي والمارديني في غناء قسم من التخشفتات الى إختلافات لحنية وإنشادية بينهما، وسنقوم بتوضيح مفصّل عن الاسلوبين في مقال قادم يتناول أساليب الإنشاد السرياني.
ويبدو أن بلورة وتطور ألحان التخشفتات، في كلا من المنطقتين الرها وماردين، وأخذههما شكلاً مغايراً عن بعضهما كان ذو فاعلية كبيرة، كما أن تأثّرَهما بموسيقا جغرافيتهما كان كبير الحجم حتى حصلت هذه الإختلافات. واليوم هناك من يميل في آدائه للتخشفتات إلى اللكنة التركية وآخر إلى الكردية أو العربية متأثرين بشكل كبير بموسيقا محيطهم، وهذا أمر أعتبره شخصيّاً من العيوب التاريخية والأخطاء الجسيمة التي طرأت على موسيقانا الكنسية.
فمثلاً: لحن تخشفتو ܛܰܥܡܶܗ ܕܗܳܒܝܠ "طَعمِه دهوبِل" في الأسلوب الرهاوي يختلف كثيراً عن ذات اللحن في الأسلوب المارديني، والإختلاف ليس مقتصراً على اللحن فقط إنما في طريقة إنشاده أيضاً فهو إختلاف كبير حتى يخاله السامع بأن اللحنين لا علاقة ببعضهما قط. وكذلك ألحان تخشفتو ܐܶܡܬܝ ܕܰܠܚܰܪܬܐ "إماث دَلحَرثو"، وتخشفتو ܐܰܝܟ ܬܰܓܳܪܐ "آخ تاجُورهِ"، و ܫܘܒܚܐ ܠܛܳܒܐ "شوبحو لطوبو".

أصوات وتخشفتات وتأثير بيزنطي
أصوات كنسية كثيرة مجدت الرب وتمجده، وكل صوت حسب إمكانياته ومعرفته، ولكن ليس كل "صوت هو مصوت" كما يقال، وليس كل من "ينشد فهو يصلي"، فمن أراد ان يُسمِعَ صوته للآخرين فعليه أولاً أن يمتلك موهبة الصوت الحسن، وثانياً أن يصقل صوته بالمعرفة الموسيقية، وكنسياً بمعرفة ألحانها وأصول آدائها، وثالثاً أن يكون الإيمان غامراً قلبه ليكون إنشاده صلاةً وليس غناءاً.

هناك أصوات معروفة عاصرناها أو سمعناها بتسجيلات غنت تخشفتات معينة بأشكال متفاوتة في الإتقان وفي جمالية الآداء، فكل صوت من هذه الأصوات كان يتقن جزء منها وليس جميعها، أمثال:
الشماس القدير جورج ماعيلو توفي في القامشلي 1976. الاب حبيب توكمجي توفي في حلب 1978. الموسيقار السرياني كبرييل اسعد توفي في ستوكهولم 1997. الاب صليبا صومي توفي في القامشلي/سوريا 2006. الشماس يوسف أفرام توفي في لبنان 2007.
الشماس سمعان زكريا. الاب منير بربر. الاب ملكي يلماز. الأخَوَين سمعان وبطرس حضرولي. وجميعهم من من مدينتي سودرتاليه وستوكهولم السويد. أمد الله بعمرهم جميعاً.
وغيرهم مثل المرحومين: الملفونيثو إيفلين داوود، والملفونيثو سعاد يوسف، والملفونو يوسف شمعون، والشماس سعيد الأعمى، وجميعهم من مدينة القامشلي.

فرغم التأثير البيزنطي الواضح الذي شرحنا عنه أعلاه في جوهر ألحان التخشفتات التي سمعناها من الاصوات المذكورة إلا أن قسماً منها حمل في إنشاده تأثير بيزنطي أكثر من غيره دون قصد أو معرفة منه، وذلك لأسباب متعلقة في نشأته الجغرافية والتعليمية والكنسية والموسيقية.
فمثلاً: إنَّ عمّنا المرحوم الموسيقار كبرئيل اسعد كان يتّقن مجموعة صغيرة من أسلوب ماردين وقليل من أسلوب الرها، لكن بدقة متناهية وحرفية عالية بعد أن وضع بصمة موسيقية موفقة عليها، وكان إنشاده فيه فخامة وعظمة وتكنيك صوتي ليس من الإنشاد السرياني إنما من البيزنطي، مما يدل على أن الأسلوب البيزنطي في الإنشاد مسيطر على هذا النوع من الأناشيد، بل أن عمنا كبرييل اسعد كان يطلب منّا أثناء إنشاده لها في جلساتنا الخاصة أن ننشد معه صوت الإيصن (الذي كنا قد شرحنا عنه في الجزء الثاني عشر مقالنا) في نهايات الجمل الموسيقية الطويلة، وهذا أمر بيزنطي صرف.

كما أننا سمعنا أيضاً قسماً من التخشفتات بأصوات مغنيين سريان مشهورين، ولكنهم لم يتوفقوا في إنشادها، لأنهم بعيدين كثيراً في آدائهم عن روح الصلاة ومقاصدها الدينية، وقريبين جداً في آدائهم من الغناء العام الحفلاتي، فكأنما هؤلاء يُغَنّون ولا يُصَلّون، أي يتعاطون الإنشاد مثل فنّ الغناء، وهناك فرق شاسع بين من يغنّي وبين من يصلي.
وقال أحد آباء الكنيسة في هذا الأمر: "بأن تعاطي الترتيل كفنّ هو تفريغ للكلام الروحي من مضمونه، وهذه علّةٌ قاسيةٌ أن يُغفَل المعنى وتُحسَب لغة النغم غايةً في ذاتها. فهذا يعتبر زنى في كل حال . لأن العلّة في هذه الحالة هي عدم تصديق المرنّم وهو واقف أمام يسوع المسيح أثناء الإنشاد بأنه حيّ في قرارة نفسه، بل إنه يجعله وثناً بين الأوثان في هذه الحالة، لأن الإحساس بالمقدسات يموت في نفسه".
وحقيقة المشكلة تكمن بأن البعض يأتي ليستعرض قدراته الصوتية في الكنيسة خاصة في القداديس، وليس لأجل الصلاة والخدمة الروحية، فيقع في حب الظهور الذي يخرجه عن سياق الصلاة ويدخله في الكبائر.

يونانية أم سريانية
وفي النتيجة أن التفاعل الحضاري من ثقافي وكنسي بين اليونان والسريان كان كبير الحجم وعميقا في التاريخ، فلا إستغراب إن وجدت مسحة من التأثير اليوناني على تراثنا الكنسي، بسبب الروابط الكبيرة التي كانت تربطنا بهم، هذا أمر ليس بمعيب قط، ولا يقلل من شأن الكنيسة السريانية، ولا من دور السريان الثقافي تاريخياً، ولا من نتاجهم الفكري والحضاري.
وإن ما وضحته أيضاً من تأثير يوناني كبير على التراث الكنسي السرياني، لا ينفي أبدا حجم التأثير السرياني الكبير في التراث الكنسي اليوناني، ولا في الكنيسة السريانية الناطقة باليونانية، ولا في الكنيسة اليونانية نفسها، وهذا معلوم للقاصي والداني.
فلو علِمنا بأن الكثير من المؤلفات المنسوبة لمار أفرام السرياني المفقودة بالسريانية، هي موجودة باليونانية ترجمت في عصره أو بعده قليلاً، لعلِمنا مدى عمق التأثير السرياني بالتراث اليوناني الكنسي، وكما كنت قد ذكرت سابقاً في المقال بأن الكثير من النصوص اليونانية كانت تكتب في مدن سريانية الهوية والثقافة، أو ذات الثقافة المشتركة الممزوجة من السريانية واليونانية، ليُعمَل بها في أنطاكيا ودمشق وحمص ومدن أخرى سريانية الهوية ويونانية الثقافة، وأيضاً ليُعمَل بها في مدن يونانية الهوية والثقافة معاً.

ملاحظة:
ان نقطتي الجمع في الكلمات السريانية قد تم رفعها لأنها تقطع الكلمة حين اضافتها.

ويتبع في الجزء التاسع عشر