الظواهر المناخية في حسابات أهل برطلي التقليدية (القسم الثاني)

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, ديسمبر 18, 2015, 10:26:32 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

الظواهر المناخية في حسابات أهل برطلي التقليدية
(القسم الثاني)






4ـ شهر آذار

في بداية شهر آذار وبعد الـ( زيبي ) مباشرة يبدأ فصل الربيع ، ويختلف مناخه من سنة الى أخرى ، وسقوط المطر خلال هذا الشهر ضروري جدا لاكتمال نمو النبات ، وانقطاعه يعني هلاكه وفشل السنة الزراعية . لهذا يسمون أهل برطلي الزرع بانه ( أبن آذار ) . فاذا كانت كمية الامطار جيدة يصل ارتفاع النبات الى قدمين ويكتمل نموه الخضري في العشرين من آذار ليبدأ بعدها بتكوين السنابل . واذا ما كانت الزروع جيدة ولشدة فرحة الفلاح يقول ( 25 من آذار تطلع سنبيل من بين الاحجار ) . 
في هذا الشهر يبدأ ايضا ظهور ديدان اخرى ومنها الدودة المسماة باسم الشهر ( آذر ) . واذا ما كانت السنة كثيرة الامطار يفتخر الفلاحون بهذا الشهر ويفضلونه على شهر شباط الذي سبقه يقولهم ( شُوَّط مشوطانا وآذر ديوانا ، وكود عاصري كْمَقم قْذا أنانا ) . دلالة على توقع سقوط الامطار خلال هذا الشهر في اية لحظة وخصوصا في اوقات العصر ، فخلو السماء خلال النهار من الغيوم او تبعثرها لا يعني عدم توقع سقوط الامطار ، ففي لحظات تتجمع قطع الغيوم المبعثرة في السماء وتأتي بامطار غزيرة .
وفي هذا الشهر ايضا يبدأ ظهور نبات الكعوب الذي يستخدم جزءه السفلي في التربة كغذاء . لذلك تشاهد خلال هذه الفترة مجاميع من ابناء البلدة وخصوصا من النسوة يخرجون الى الحقول لجمع الكعوب .

5 ـ شهر نيسان
في شهر نيسان وبسبب الاختلافات المناخية بين سنة واخرى ، فأما ان يكون هذا الشهر ماطرا أو قليل المطر وربما ينعدم سقوط المطر فيه . ويكون الزرع خلال الشهر بعمر بحاجة ماسة الى المطر ، حتى وان كان ذلك من خلال مطرة واحدة فقط خلال الشهر كله . ولذلك يقول الفلاحون البرطليون ( تْريء بْآذْر وخاء بْنيسان ) أي اذا امطرت السماء في شهر آذار مرتان ومرة واحدة في شهر نيسان تكون كافية لحماية الزرع من الجفاف . أما اذا هطلت الامطار غزيرة في نيسان فهذا يبشر بسنة جيدة وحاصل وفير .
في نيسان تلبس الارض لونا أخضر بسبب اعتدال الجو ، فلا حرارة ولا برودة . وتزهر بانواع مختلفة من الازهار تختلف الوانها ما بين الاصفر والابيض والاحمر والاخضر وما الى ذلك من الالوان الزاهية التي تبهج الناظر . ومنها ( بيبوني دنيسان ) ولون بتلاتها أحمر ، ووردة أوشعنا وسميت بهذا الاسم لانها تزهر وقت احتفالات الكنيسة باسبوع الشعانين وغيرها كثير .
وخلال شهر نيسان يطول الزرع ( الحنطة والشعير ) وفي نهايته تبدأ بالاصفرار حيث تكون درجات الحرارة قد ارتفعت قليلا وتبدأ سنبلة نبات الشعير بالامتلاء بالغذاء أو ما يسميه الفلاحون ( الحليب ) ، ومن بعدها سنبلة نبات الحنطة ايضا . في هذا الشهر يبدأ موسم قص الصوف للاغنام ويساعد على ذلك اعتدال الجو .
في هذا الوقت ايضا يبدأ حصاد الشعير وهي غير مكتملة الجفاف ، لان جفافها وجفاف سنبلتها بالكامل يؤدي بحسب رأي الفلاحين الى قيام النبات في خزن الغذاء في الساق بدلا من خزنه في السنبلة وهذا ما يؤثر على نوعية البذور المنتجة . لذلك يقومون بعملية الحصاد وهي غير مكتملة الجفاف تماما وجمع الحاصل في أكوام يٌراعى ان تكون السنابل الى الخارج لتتعرض لاشعة الشمس ويكتمل جفافها ، وتترك لذلك اسبوعا من الزمان . في هذا الوقت يتم حصاد محصول العدس ومن بعده محصول الحمص .
أما حصاد الحنطة فيتم في شهر أيار الذي فيه تبدأ درجات حرارة الجو في الارتفاع اكثر . فبعد منتصفه تبدأ سنبلة الحنطة بالجفاف ، وتنتهي عملية حصاد المحاصيل جميعا والتي كانت تجري يدويا في نهاية أيار .
يحتمل سقوط الامطار في شهر أيار وقد يتساقط الحالوب ايضا ، وهذا ما يزيد من مخاوف الفلاح من فقدان محصوله وخصوصا الحنطة ، لان الحالوب ما ان يضرب سنبلة الحنطة يُسقطها عن الساق مما يؤدي الى خسارة اقتصادية كبيرة وعندها يُقال ( بْرْذلي زَرا ) أي تأثر بالحالوب . وكلما كانت السنة ذات أمطار غزيرة يبقى الجو معتدلا حتى شهر تموز .

6 ـ فصل الصيف ( قيطا ) ومَرَبْعينيّي دْقيطا ( مربعينية الصيف )
ينتهي فصل الربيع في منتصف شهر أيار ليبدأ بعده فصل الصيف ( قيطا ) الذي يستمر للاشهر ( حزيران ، تموز ، آب ) حيث تبدأ درجات الحرارة بالارتفاع حتى تصل أقصاها في منتصف تموز وفي شهر آب . وأهم مايميز هذا الفصل هي ( مربعينيي دقيطا ـ مربعينية الصيف ) والتي تبدأ من (10) العاشر من حزيران وحتى (20) العشرين من تموز ، وهي تقابل مربعينية الشتاء .
ولمقاومة حرارة الجو كان أهل البلدة يرتدون الملابس الصوفية اثناء العمل حتى تقيهم حرارة الشمس المحرقة . ومن هذه الملابس ما تسمى ( مْقَطَّنيثا ) وهي جاكيت قصيرة تصل الى اعلى الخصر وبدون أردان ، مصنوعة من الصوف المضغوط وليس المنسوج ، وكذلك الـ ( خْمْيسي ) وهي ايضا جاكيت قصيرة وباردان منسوجة من خيوط الصوف .
أما في الدور . فيتم رش أرضية الدار بالماء الذي يؤدي تبخره الى تلطيف جو الغرفة ، هذا بالاضافة الى ان الدور كانت مبنية من الجص والحجر وفي احيان قليلة من الطين ، وتكون ذات جدران سميكة يصل عرضها الى ما يقارب المتر وسقفها عال وسميك ، والدور ملاصقة واحدة بالاخرى مما يقلل من تأثير حرارة الجو على جو البيت من الداخل .
في هذه الاشهر تخرج الماشية الى الحقول حيث ترعى على مخلفات الحصاد ، ويكون خروجها فجرا في الرابعة صباحا ويتم حساب الوقت من خلال النجوم والشمس وظلها ، وتعود في العاشرة صباحا ليتم حلبها واسقائها الماء من الآبار حيث اعتماد البلدة عليها للشرب والاستعمال اليومي وكانت لكل عائلة من اصحاب المواشي بئرا خاصا به تقع على أطراف البلدة  بالاضافة الى الآبار العامة داخلها .
ومن هذه الابار ( بيراثا العليا وعددها سبعة وتشترك فيها عدة عوائل ومنه بيت آل شَمنّي وبيت آل هدايي ، بئر بيت ججوكا ، بئر بيت عكونا ، بئر بيت عُتّي ، بئر بيت شيت ، بئر بيت كُتّاني ، بئر بيت بركيزا ، بئر بيت عزوري ، بئر يونس يالا ، بئر بيت حياة ، بئر بيت متي شابانا ، ، بئر بيت يونو ، بئر بيت أحمد سلو ، بئر بيت كجيلة ، بئر كنيسة مارت شموني ، بئر دبعيسى ، بئر خليثا ) وغيرها .
بعد حلب الاغنام واسقائها ، تُصرف للراحة في حضائرها وكذلك ليأخذ الراعي قسطا من الراحة حتى الواحدة ظهرا . ثم تخرج للرعي ثانية لتعود في الرابعة عصرا ، حيث تُحلب ثانية وتُسقى الماء ثم تُصرف للراحة لساعة من الزمان لتعود للرعي ثالثة وتبقى في الحقول حتى ينزل الظلام أو ما قبله بقليل لتعود الى البيت .

7 ـ فصل الخريف ( بايز ـ payez   )
ويشمل الاشهر ( أيلول ، تشرين الاول ، تشرين الثاني ) ويكون المناخ فيه حارا أيضا خلال النهار ويبرد الجو خلال الليل . وفيه يكثر فيه هبوب الرياح والعواصف والتي كانت قد بدأت ايضا في منتصف الصيف . وهذه عندما تكون أيامها كثيرة تبشر بان الشتاء سيكون ذأ أمطار غزيرة .
واثناء هبوب الرياح كانت تغطي سماء البلدة الاتربة بسبب الاعداد الكبيرة من الماشية التي كانت تجول في المراعي حول البلدة فتؤدي الى سحق التربة وعند هبوب اية رياح فتثيرها وترفعها في كل اتجاه .
هذه العواصف قد تطول او تقصر ومن الخبرة اصبح أهل البلدة يعرفون ايامها ، فاذا كانت العواصف لا تهدأ بثلاثة ايام تستمر حتى تكمل الخمسة الايام وان لم تهدأ تكمل حتى الاسبوع من الايام . وهذه كلها وفق حسابات أهل برطلي ومراقبتهم للتغييرات المناخية .

ويطلق اهل برطلي على كل رياح اسما خاصا وفقا لجهة هبوبها وتأثيراتها المناخية ومنها .

1 ـ بوخا قدشنايا ( pokha kadishnaya ) وهي رياح جنوبية وسميت بهذا الاسم لانها تأتي من جهة دير القديس مار بهنام وهي تبشر بسقوط أمطار .
2 ـ بوخا شَرقايا ( pokha sharkaya ) وهي رياح شرقية شتائية وهبوبها يجلب الامطار .
3 ـ بوخا طورايا ( (  pokha toraya وهي رياح شمالية صيفية وجهة هبوبها الجبال ويكون هوائها حارا وجافا .
4 ـ بوخا مصلايا ( pokha mislaya ) وهي رياح غربية شتائية وصيفية وسميت بهذا الاسم لان جهة هبوبها من مدينة الموصل ، في الشتاء يكون هوائها باردا ويشكل بسبها الجليد . اما في الصيف فيكون هوائها لطيفا وهي افضل انواع الرياح لعملية تذرية المحاصيل خلال الصيف .
5 ـ بوخا عشقنايا ( pokha ashiknaya ) وهي رياح شمالية وسميت بهذا الاسم نسبة الى جهة هبوبها وهي بلدة بعشيقة .

ملاحظة:
اقدم شكري الى روح المرحومين افريم متي آل ايليا ( أفريم حانكو ) و دانيال بطرس آل بوكا ( دانيال كاكو ) اللذان كانا لهما الفضل الكبير في اعداد هذا البحث .




الا رض بيضاء في موسم سقوط الثلج




حقول برطلي في آذار




نبات الكعوب


أمرأة برطلية تقوم بتهيئة الكعوب


نبات الخباز في الربيع


من زهور ربيع برطلي




حقول برطلي خلال نيسان


جز الصوف خلال نيسان


راعي غنم من برطلي


حقول برطلي خلال أيار


حصاد حقول الحنطة والشعير


ازهار الصيف


فلاحون من برطلي في حملة حصاد


عملية حلب الاغنام


عملية حلب الاغنام

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

rayan lallo

دامت أناملك إبداعاً، وسلمت أياديك لنشر كل موضوع  قديم ومتجدد، وبالأخص ما بدأنا نفتقده من موروثنا الاجتماعي في بلدتنا العزيزة برطلي