الظواهر المناخية في حسابات أهل برطلي التقليدية (القسم الاول)

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, ديسمبر 15, 2015, 11:07:13 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

الظواهر المناخية في حسابات أهل برطلي التقليدية
(القسم الاول)





بهنام شابا شمني

أولت الشعوب عبر التاريخ أهتماما كبيرا بالظواهر المناخية التي تقع خلال السنة ، بل وصل الامر بالبعض منهم الى اتخاذها ألها وعبادتها لما كان لها من أثر على مجريات حياتهم اليومية ، فعبدوا الشمس والرياح والقمر وكانوا في ظنهم انها القوة التي تسيّر أمور حياتهم فخافوا من غضبها وقدموا لها القرابين حتى يكسبون رضائها .
ومع تطور الانسان وظهور الاديان لم يقل اهتمام الشعوب بالظواهر الجوية واستمر بمتابعتها ومراقبتها واختص من بينهم أناس أصبحوا من الخبرة بحيث يُرجع اليهم للاستفسار عن ظاهرة جوية معينة ولمعرفة احوال الجو والقادم من الايام . فجميع اعمالهم وانشطتهم يتوقف القيام بها على الحالة الجوية ، مثل الخروج الى البحر والسفر والزراعة وما الى ذلك .
وبما ان المجتمع البرطلّي مجتمع فلاحي يعتمد على الزراعة بالدرجة الاولى وعلى الزراعة الديمية المعتمدة على الامطار ، لذلك تجده كان مهتما بالظواهر المناخية ومراقبة الجو والفلك والنجوم وحركة الرياح ومعرفة أوقاتها واتجاهاتها ومضارها وفوائدها وحتى الى وقت قريب جدا . وظهر من بينهم شخصيات كان لهم اهتمامات في هذا الجانب ويعتبرون مراجع لهم في معرفة هذه الامور . ومن بينهم ، شمعون شابا آل منّو ( كَمّو ) ويشاركه في ذلك ايضا بولص متي هدايي ( كوزي ) و اسحق باهو ميخا ( ديكا ) وبلو ابراهيم القس روفائيل ( بلّو بلّوطا ) .
وهؤلاء كانوا يقومون بتقسيم اشهر السنة الى قسمين يسجلون ما يحدث في هذا القسم من ظاهرة معينة ليقابلون بظاهرة اخرى في القسم الثاني . لذلك كانوا يراقبون حركة الرياح واتجاهاتها والعواصف الترابية والرعدية وحركة النجوم وما يحصل من تغييرات في الفلك من ظواهر غريبة كالخسوف والكسوف وحركة النيازك وظهور نجوم جديدة في قبة السماء . ولم يكن معرفتهم بالقراءة والكتابة حائلا امامهم في اتمام مهمتهم ، فكانوا يمتلكون مقدرة على حفظ كل هذه التغييرات في ذاكرتهم تساعدهم على ذلك , وكان لكل ظاهرة مناخية دلالة لها في قاموسهم فالرياح تعني سقوط الامطار والعواصف تدل على ان الامطار ستكون غزيرة وهكذا . وكانت هذه ربما تصيب أو تخيب وكلما كان الشخص دقيقا في ملاحظاته كلما زادت ثقة الناس به .
وكان للعامة ايضا معرفة ببعض من هذه الامور . فمثلا لو كان القمر بدراً والهالة الضوئية التي تحيطه كبيرة وواسعة ويقال عنها ( دَرتا دْصْهرا رَبثا ) فيوحي ذلك ان امطارا ستهطل خلال هذه الايام .
أما اذا شوهدت نجمة ملونة وتسمى ( نَدوي ) لحظة بزوغ الشمس قريبة من قرصها ، فيعني ذلك ان مطرا سيتساقط في اليوم التالي ولهذا كان يُقال ( نَدوي بْيْـوما ومْطرا رْشوما ) .
ومن علامات المطر القريب مشاهدة زوج من طيور البجع ( الذي لا يظهر الا في اوقات محددة من السنة وبالتحديد في فصل الخريف ) يطيران في سماء البلدة ومن الظريف انهم كانوا يطلقون على زوج البجع هذا ( خْثنا وكَلثا ) اي عروسان . وغيرها من العلامات والظواهر الاخرى .

السنة المناخية عند أهل برطلي

تبدأ السنة المناخية عند البرطليين القدماء مع البدء بتحضير الارض للزراعة والذي كان يحصل عادة في الشهر الثامن من السنة أي في شهر آب وبالتحديد بعد عيد التجلّي ( وهو عيد كنسي ) مباشرة ولهذا يُقال ( بأيذا كليانا كْمْحَلّاوا بْذانا ) ، أي ما يعني ان بعد عيد التجلّي يباشر الفلاحون الاعمال الزراعية في الارض .
من أهم الظواهر المناخية خلال السنة عند البرطليين :

1 ـ مَرَبْعينيّي دْسْتوا  marabeeneye dsotwa(مَربعينية الشتاء)

ومدتها أربعون يوما . تبدأ من ( 10 كانون الاول وحتى 20 كانون الثاني ) . ومن الجدير بالذكر ان التقويم المستخدم من قبل أهل برطلي سابقا والى الان احيانا خصوصا في هذه الامور هو التقويم اليولياني الشرقي الذي يقل عن التقويم الغريغوري الغربي الحالي  بـ( 13 ) يوما . 
خلال أيام المربعينية تشتد البرودة وتنخفض درجات الحرارة وقد تتساقط الامطار والثلوج والبَرد والحالوب ويكسو سطح الارض الجليد .
وفي هذه الايام وبسبب البرودة العالية لا تخرج قطعان الاغنام والماشية للرعي ، بل تبقى في حضائرها ويُقدم لها العلف المكون من التبن والشعير ثلاثة مرات في النهار .
أما الزرع الذي يكون قد أُنتهي من زراعته ، فيكون في حالة سُبات في جزئه الخضري فوق سطح التربة طيلة ايام المربعينية . ولكن في المقابل يكون هناك نمو في المجموع الجذري للنبات تحت سطح التربة ولهذا كان يُقال ( أرْبي مْلْتيخ وخاء مْلْئيل ) أي ان نمو النبات تحت سطح التربة يكون أضعاف أضعاف فوقها .
في هذه الفترة ايضا يقل نشاط أهل البلدة الفلاحين وتقتصر اعمالهم على المهن البيتية والبعض منهم يقوم بتهيئة الارض ( حراثتها )  لمن فاته للسنة القادمة . حيث من المعتاد ان الارض لم تكن تُزرع سنويا وانما تترك سنة ( بور ) لتزرع في السنة القادمة .

2 ـ عنتر

ومدته ( 12 ) أثنا عشر يوم ويبدأ من 20 كانون الثاني وحتى بداية شباط . وتكون ايامه شديدة البرودة ايضا ، وفيه تتساقط أمطار غزيرة وقد يتساقط الثلج والصقيع ويتجمد سطح الارض وتتوقف فيه جميع انشطة الحياة الزراعية . ولشدة برودة هذه الايام اطلقت على هذه الفترة من السنة اسم ( عنتر ) نسبة الى شدة وبؤس الفارس والشاعر الجاهلي عنتر بن شداد العبسي .

الفترة ما بين شباط وحتى الرابع والعشرين منه يختلف مناخها ما بين سنة واخرى . فاذا ما كانت السنة ممطرة ، تكون هذه الايام الباردة ، وكيفما كان الجو خلال هذه الفترة فالفلاحون يعاودون مزاولة انشطتهم الزراعية مرة اخرى .
اما الزرع فيبدأ نشاطه ايضا ويعلو النبات فوق سطح التربة ويزداد نموه يوما بعد يوم وخاصة خلال الايام المشمسة . وفيها يقول البرطليون ( أَرْبي لْئيل وخاء ملتيخ ) اي ان نمو النبات في جزئه الخضري اضعاف اضعاف النمو في جزئه الجذري .
وتبدأ خلال هذه الفترة ظهور الديدان وتخرج من جحورها في باطن الارض ومن هذه الديدان التي تلفت النظر ما تسمى محليا ( شُوّاط ) نسبة الى وقت ظهورها في شهر شباط . كما يبدأ رعي الاغنام والماشية في الايام المشمسة من هذه الفترة .

3 ـ زيبي zeppy   برد العجوز

ومدتها (7) سبعة أيام ، وتأخذ اربعة ايام من شهر شباط وثلاثة من شهر آذار . واذا ما كان شتاء السنة باردا وممطرا ، تكون ايامها باردة وممطرة ايضا ، ودائما ما يُعتقد ان السماء يجب ان تهطل مطرا خلال هذه الايام ، حتى وان لم تكن كل ايامها وينتظرها الفلاح بفارغ الصبر لان زرعه يحتاج الى ريةٍ خلال هذه الايام من السنة . ويوم تُمطر فيها السماء ، فيكون مطرها غزيرا تمتليء بسببه الاودية والسواقي وأزقة البلدة بالمياه ، واذا ما تعرض الشخص الى مطرها يتبلل في لحظات لشدة غزارته . ويقول فيها البرطليون ( لا مْقامي مْنَّه قيطا ولا مْباثر مْنَّه سْتوا ) اي ما معناه لايسبقها صيف ولا يتبعها شتاء . ويبدأ بعدها الربيع وتزهر الارض ببعض الازهار وخصوصا زهرة نبات المسمى ( قَلْباخ kalpakh ) التي يكون لونها اصفر .

يتبع




طائر البجع


تحضير الارض للزراعة باستخدام المحراث الخشبي الذي تجره البغال


قطيع الاغنام في برطلي اثناء سقوط الثلج


حالة الارض الزراعية عند سقوط امطار غزيرة


تمتليء السواقي والوديان


تهيئة الارض للسنة القادمة من قبل احد الفلاحين


سقوط الثلج في برطلي في احد المواسم الباردة


سقوط الامطار الغزيرة في احد المواسم الممطرة


امتلاء الازقة والشوارع بمياه الامطار في احدى السنوات الممطرة


الزروع في اذار


ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

بهنام شابا شمني

الاستاذ ماهر
شكرا على كلماتك المشجعة ودمت قارئا نخبويا متميزا .. تحياتي