تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

تاريخ المقاهي في برطلي / الجزء الاول

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 01, 2015, 09:12:08 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

تاريخ المقاهي في برطلي
الجزء الاول


بهنام شابا شمني

الباحث في شؤون المجتمعات الفلاحية في العراق ، يرى ان المقاهي تكاد تكون معدومة او لا وجود لها في مثل هذه التجمعات الفلاحية القروية ، والسبب يعود بالدرجة الاولى الى انشغال ابناء هذه المجتمعات طوال النهار واغلب ايام السنة في انجاز مهامهم الزراعية التي تحتاج ليس فقط الى الوقت والجهد بل والى الايدي العاملة الكثيرة التي لا تجد متسعا من الوقت لقضائه في مثل هذه المقاهي .
والمجتمع البرطلّي تاريخيا ، كان مجتمعا فلاحيا يمتهن اهله الزراعة وتربية المواشي وكل ما يتعلق بمهن المجتمعات الفلاحية ، فلا غرو ان تنعدم فيه المقاهي حاله حال مثيلاته من المجتمعات الفلاحية ، واذا ما اراد رجاله استغلال بعض فترات السنة القليلة التي كانت تتوقف فيها الاعمال الزراعية لقضاء اوقات فراغهم وكذلك الرجال من كبار السن الذين لم يعد لهم عملا يؤدوه غير قيادة بيوتهم وتوجيه المشورة لاصحابها ، كانت لقاءاتهم اما ان تتم في الكنيسة وفي باحتها قبل دخولهم للصلاة ، حيث غالبا ما كانوا يحضرون اليها قبل وقت من الصلاة للقاء مع الكاهن الذي كان القائد للقرية والمهتم بشؤونها بالمشاركة مع البعض من وجوه البلدة فيتم تبادل الحديث في الامور العامة والخاصة وبالتالي قضاء بعض الوقت من نهارهم  .
او ان يكون لقاءهم عند مختار القرية الذي دائما ما كان له في داره ديوانا يستقبل فيه ضيوفه من الغرباء والرجال من اهل بلدته وغالبا ما يكونون من وجهاء البلدة يلتحق معهم البعض من عامة اهل القرية فيكوّنون مجلسا يتبادلون فيه الحديث وبالتالي قضاء اوقات فراغهم ، وليس مختار القرية فقط من يكون له مثل هذا الديوان ، بل البعض من وجهاء البلدة واغنيائها فيكون بذلك عدة اماكن يتجمع فيها رجال القرية ويقضون اوقاتهم فيها .
واما هذه الدواوين فهي عبارة عن مكان واسع ليضم اكبر عدد من الجالسين ومنها ما هو للشتاء وآخر صيفي ، فالشتوي يكون ضمن بناء الدار او احدى غرفه الواسعة وهناك من يقوم بالخدمة فيه ( أجير ) فيقوم باعداد المكان وتنظيفه وتهيئة موقد النار للتدفئة وتحضير القهوة ودلالها والجلوس هنا يكون بفرش الارض حول محيط الغرفة ، لذا فالجالس يسند ظهره على الحائط ، اما فرشتها فكانت المصنوعة من الصوف ( كَجّي ، لباد ) وتوزع على طولها بعض ( المخدات ) ليسند عليها الجالس ذراعه اذا ما اراد او يضعها خلف ظهره ، وغالبا ما كان يتصدر الجلسة المختار او كبيرها سنا اذا ما غاب المختار .
اما الديوان الصيفي فغالبا ما يكون في حوش الدار وفي المدخل  ، ففي تصميم البيوت البرطلية القديمة وخصوصا بيوت الاغنياء والمتنفذين ، يكون مدخل الدار من الزقاق او الشارع ذو باب كبيرة تؤدي الى فناء سقفه مرتفع ، ومن خلاله يُؤدى الى حوش الدار ، هذا الفناء يكون هو الديوان الصيفي ، ولا يكون الجلوس فيه على الارض وانما على دكات ( دَكَّنيثة ) تقام على محيطه ، ولكونه مفتوح من جهتيه احداهما الى الزقاق والاخرى الى حوش الدار فيشكل ممرا للهواء فينعش المكان وما يزيد من لطافة المكان ايضا ، قيام الاجير او اهل الدار برش ارضه الترابية بالماء باستمرار . ولم تكن تمارس قي هذه الدواوين العاب بل كانت تقتصر على الحديث وربما احيانا كانت تتواجد لعبة ( الحالوسة ، كّللي ) .
اما الرجال من الذين لم يكونوا يحضرون هذه الدواوين فكانت لقاءاتهم تتم في الازقة او في ساحات القرية كلٌّ بحسب قرب المكان من منزله ، فيجلسون على الارض مُسندين ظهرهم على جدار خلفهم مُشكلين صفاً من الرجال يتناسب عدده وطوله مع امكانية جميع الجالسين سماع صوت ايٌ من المتحدثين من بينهم ، ويتغير المكان بحسب مواسم السنة ، ففي الشتاء يبحثون عن الجدار الذي تشرق عليه الشمس منذ الصباح الباكر ويغيرون مواقعهم مع تغير سقوط اشعة الشمس على الجدار خلفهم . اما في الصيف فيبحثون عن جدار يجلسون تحت ظله ليقيهم اشعة الشمس المحرقة ، او ان يلتقي بعضهم في اطراف القرية متخذين من بعض المرتفعات او الطيات الارضية مكانا يلقون منه بنظرهم نحو بيادرهم وحقولهم مراقبين الجو والغيوم ويكون هذا غالبا في فترة الربيع ، وتتضمن مجالسهم هذه سواء كانت في الازقة او الساحات او في اطراف البلدة بالاضافة الى تبادل اطراف الحديث كانت تتضمن بعض الالعاب مثل ( الريست و الداما ) والتي لم تكن تحتاج الا الى مساحة من الارض تُرسم عليها خطوط اللعبة والى بعض الاحجار الصغيرة التي تشكل بيادقها . ومن الازقة والساحات التي كانت تكثر فيها تجمعات الرجال هذه ، الشارع الذي يمر في منتصف البلدة والذي يسمى ( زوقاقا دكوري ) الشارع الوسطي حاليا ، ومحلة ( بيرا دبي عيسى ) و ( ريشا دحضيرة ) وهو المكان المقام عليه حي اشور ، ( سولا ) والمنطقة المحيطة به ،( الخراب ) وكذلك عند كنيسة مار كوركيس القديمة . كانت هذه الدواوين واللقاءات والتجمعات سواء عقدت في باحة الكنيسة او في دار المختار او في الازقة هي عبارة عن برلمانات تناقش فيها جميع المواضيع التي تخص القرية واهلها وشؤون الزراعة واخبار البلاد والاوضاع السياسية فيها وفي العالم معتمدين على ما يستقونه من معلومات من زيارة احدهم للمدينة او من قدوم شخص غريب الى القرية وفي احيان كثيرة معتمدين على ما ترسمه مخيلتهم من قصص واحداث في زمن لم يكن للراديو وللتلفزيون وجودا في القرية ، فتدور النقاشات وترتفع الاصوات ويُلّوح بالايادي ، كلٌ يريد ان يُثبت صحة رايه ، فينقسم الحضور الى فريقين ، كل فريق يؤيد احد المتحاورين حتى يحين موعد العودة الى المنزل منتظرين اليوم التالي لمواصلة النقاش . ظل الامر هكذا حتى بدأت المقاهي تجد طريقها الى البلدة .


ومن اهم المقاهي في برطلي

مقهى متي كتوثة

افتتح هذا المقهى في نهاية الثلاثينات من القرن الماضي على الارض العائدة لصاحب المقهى ( بيت متي كتوثة ) قبالة دير يوحنا ابن النجارين ( بر دنكاري ) ، وبجوار البئر المسماة ( بيرا خليثا ) حيث كان اهل القرية يحصلون على ماء الشرب من الابار وسميت بهذا الاسم لان مائها حلوا قياسا الى مياه باقي الابار الاخرى المنتشرة في القرية والمستخدمة لنفس الغرض ومكانها الان دكاكين البلدية التي على الشارع الوسطي مقابل عمارة الكنيسة ( الجمعية سابقا ) .
يعتبر هذا المقهى اولى المقاهي التي افتتحت في برطلي وبنائها من الطين ، عبارة عن غرفة كبيرة مستطيلة الشكل سقفها من جذوع الاشجار مفروشة فوقها الحصران ولزيادة مقاومتها للظروف الجوية تغطى الحصران بطبقة من الطين ، يمتد سقفها امام المقهى ليشكل ( سردق ) اقيم حوله دكات يستريح عليها المسافرين ورواد المقهى خلال ايام الصيف الحارة .
كان لموقع المقهى المتميز ان اكسبه اهمية خاصة حيث كان يقع على الطريق الرئيسية التي تربط الموصل باربيل فكركوك ثم بغداد والذي كان يمر من امام البلدة ( وهو الطريق الحالي الذي تقع عليه المدارس باتجاه مركز الشرطة ) وبقي كذلك حتى تم تحويل مسار هذا الطريق في نهاية الثمانينيات من القرن الماضي والمار بجوار البلدة عند اثار كنيسة الاربعين شهيد .
كان هذا الطريق في بداياته ترابيا ثم تم تبليطه في سنة 1934 من قبل الحكومة العراقية حيث كانت جميع السيارات المتوجهة من الموصل الى بغداد تمر عبر هذا الطريق مثل باصات نقل الركاب الذين كانوا يقصدون مدينة كركوك التي كانت ترتبط مع بغداد بسكة حديد لذا فالمسافرون يستقلون هذا القطار لينقلهم الى بغداد وكذلك تمر من هذا الطريق ايضا اللوريات التي تستخدم للحمل ونقل البضائع ومن انواع هذه السيارات التي تسمى ( لوكا ) و ( تنتا ) وسقف هذه السيارات كان من الجلد .
كان بالقرب من هذا المقهى ساحة تستخدم كراجا للسيارات المتوجهة الى اربيل وكركوك وبغداد لذا فان المسافرين في هذه السيارات كانوا يتخذون المقهى كمحطة استراحة ، بالاضافة الى جلوس اهل البلدة فيه ايضا .
كانت هذه المقهى وكالة للاخبار منها تستطيع ان تتطلع على اخبار العراق جميعا وحتى خارجه لانها نقطة لقاء البشر من جميع الاجناس والبلاد والملل لكونها محطة استراحة مهمة على طريق رئيسية مهمة تربط اوربا بالخليج العربي كما يصفها المؤرخ باسيل عكولة البرطلي . لذا كان يعتبر هذا المقهى نقطة التقاء اهل القرية من الرجال وتواجد الاطفال في محيطها كنوع من الفضول للاطلاع على ما كان يمر عبر هذا الطريق من سيارات وبضائع ومسافرين .
هناك حادثة مهمة لازال يذكرها رجال القرية من كبار السن ودونها البروفسور باسيل عكولة في كتابه ( يوميات غجري لا يجيد الرقص ) . تقول الحادثة انه وخلال الحرب العالمية الثانية حيث كانت قوافل سيارات الشحن تمر من القرية محملة بالبضائع والجنود وهم يغنون ويرقصون ويرمون بعلب السكاير والبسكويت والمربى على الجموع الواقفة على الطريق وامام المقهى ومن بين هؤلاء اطفال وصبية القرية ، واذا باحدى هذه الشاحنات قد دهست صبيا من المتواجدين في المكان يحاول التقاط علبة بسكويت فطارت عظام جمجمته بينما الشاحنة سارت في طريقها دون ان يتوقف سائقها وسط ذهول ابناء القرية المتواجدين في المكان .   
اول من عمل في هذا المقهى صاحبها ( متي كتوثة ) واستلمها بعد ذلك ( اسحق كتوثة ) ليسلمها بعد ذلك الى ( شابا يوسف كتوثة ) الذي ترك العمل فيها بعد انتقاله الى عمله في مقهاه الجديد في بناية الكنيسة ومن بعده اغلق المقهى .
كان في المقهى جهاز راديو صغير يعمل على البطارية ولقلة وجود الراديوات في البلدة كان رجال القرية يتوجهون الى هذه المقهى لسماع الاخبار وخصوصا اذاعة لندن التي كانت تقدم نشرتها الاخبارية المفصلة في التاسعة مساء . من الاشخاص الذين كانوا يمتلكون الراديو في البلدة ايضا ( ناجو ) ومن بعد ذلك مقهى قرياقوس ججوكا .
اما الالعاب التي كانت تمارس في هذا المقهى فهي ( الطاولي والدومينو والورق ) ، وهذه كانت تعتبر من الالعاب الحديثة في حينه لان الالعاب التي كان يلهو بها رجال القرية هي ( ريست ، داما ) و الحالوسة ( كلّي ) وهذه كانت الحصى الصغيرة بيادقها الرئيسية .
اما المشروبات التي كانت تقدم فيها فهي ( الشاي والحامض ) من المشروبات الساخنة و ( سيفون ونامليت وكوثر ) من المشروبات الباردة .

يتبع




المدخل الرئيسي لدار الاب الخوري الياس شعيا البرطلي قبل هدمه ( احد الدواوين الرئيسية في برطلي )


مدخل دار الاستاذ زكريا شابا دلكتة ( ديوان اخر )



مقهى شعبي في كرمليس مشابه لما كان موجود في برطلي


مشهد  ( بيرا خليثا ) بريشة الفنان ابلحد داود متي ( ابلحد سيروب )


صورة للطريق الرئيسية التي تربط الموصل باربيل وكركوك ومن ثم بغداد وكانت تمر من وسط برطلي


صورة لعبة ( الكلّي ) الحالوسة


شابان بملابس برطلي التراثية يلعبان ( الكَلّي )


لعبة ( الداما )


( كَجّي ومفردها كَجّا ) الفراش الرئيسي لاهل برطلي


سيارة المرحوم ( بطرس عبو عتي ) ( بتوس عبو )


سيارة المرحوم ( متي بولص توما شلالي ) الواقف امام سيارته