تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

الطحينية ( الراشي ) في برطلي .. صوم وذكريات

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, فبراير 26, 2015, 09:24:11 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

الطحينية ( الراشي ) في برطلي .. صوم وذكريات 



معصرة الراشي


بهنام شابا شمني

ارتبطت الطحينية ( الراشي ) في ذاكرة البرطليين الحديثة بالصوم فقط ، وذلك بعد القفزة في الوضع المعيشي لابناء برطلي عموما وتعدد وارداتهم الاقتصادية التي تنوعت مابين الوارد الشهري بالنسبة للموظفين والعاملين في القطاع الحكومي والعاملين في القطاع الخاص وغيرها من مجالات العمل الاخرى ، هذا ادى الى التغيير في النظام الغذائي لابناء البلدة وتنوع اشكاله وانواعه بعدما كان مقتصرا على الانتاج المحلي للبلدة الحيواني والزراعي بالاضافة الى ما كان يتم مقايضته من منتوجات مع ابناء القرى الاخرى المجاورة او القرى التي تقع في الجبال ( الكردية ) والتي كانت اغلب تجارة اهل البلدة معها بالاضافة الى التجارة مع اهل المدينة في الموصل . بينما كان الراشي ( الطحينية ) بالنسبة لاهل برطلي قديما من المواد الغذائية الضرورية للعائلة البرطلية لذا من الضروري تأمينها وخزنها كمونة في المنزل كالبرغل ومشتقاته والجبن وغيرها من مشتقات الحليب .

ومن المعروف ان الراشي ( الطحينية ) يستخرج من السمسم ولكونه لم يكن يزرع في البلدة لذلك كان يشترى من قرى عقرة حيث كانت هناك تجارة قائمة بين هذه القرى وأهالي البلدة ، والسمسم الذي كان يؤتى به من هذه القرى يكون بذورا خام لذلك يجب أن يمر بعدة مراحل حتى يصبح جاهزا لاستخراج الراشي منه كالتنظيف والتقشير والتذرية وهذه كلها كانت تُجرى في البلدة ومن قبل نسائها ثم يؤخذ إلى المعصرة . التي كان يملك منها الكثير من العوائل فيتم قلي السمسم ومن ثم يوضع في المعصرة التي كانت تحرك بواسطة الخيول أو البغال وسائل الحركة الوحيدة في البلدة قبل دخول المكائن والالات الكهربائية ، فينتج الراشي الذي يكون جاهزا للأكل ولكون الناتج بكميات كبيرة يخزن في براني خاصة .

ليس الراشي فقط ، المنتج الوحيد الذي كان يستخرجه ابناء البلدة من بذور السمسم بل يستخرج ايضا منه زيت السمسم والذي يسمى محليا ( شْيرْك ) الذي يستخدم في الطبخ وخصوصا خلال فترة الصوم ، بدلا من الزيت الحيواني ( السمن ، الدهن الحر ) ومحليا يسمى ( مْشْخا حْورْ ) وهو من المواد الغذائية الحيوانية التي ينقطع تناولها خلال فترة الصوم ، فيُستعاض عنه بزيت السمسم ( شيرك ) .

كانت الكثير من البيوت البرطلية وخصوصا العوائل ذات الوضع الاقتصادي الجيد تمتلك معصرة في دارها بل كانت من ضروريات الحياة كامتلاكها لادوات الحراثة ، فكانت العائلة تستخدم المعصرة لانتاج ما تحتاجه من الطحينية ولانتاج ما تحتاجه العوائل الاخرى التي لا تملكها ، فتأتي العائلة بالسمسم الخاص بها الى المعصرة ليستخرج منه الراشي وزيت السمسم وكان هذا دون مقابل ، لان الحياة سابقا كانت تكافلية تعاونية ، بل ان الراشي لم يكن يُباع ويُشترى في البلدة .
كانت المائدة البرطلية عامرة بالراشي طيلة ايام السنة وخصوصا خلال فترة الصوم التي تنقطع فيها العائلة عن تناول المنتوجات الحيوانية ، فاقراص الخبز الحار من التنور الذي كانت العائلة تتجمع حوله وكاسة الراشي ( طاسي ) بجانبهم ، كما لا ننسى خبز الرقاق الذي كان يُنشر عليه الراشي وهو بيد الاطفال والصبية وهم يتراكضون في فناء الدار او في الازقة ويأتون عليه قضما باسنانهم متقصدين حتى في اخراج صوت القضم هذا في سمفونية تكاد تثير شهية زملائهم . وما يزيد من لذة هذه الوجبة قيام البعض بنشر ( الدبس ، خَلْويثا ) على قرص خبز الرقاق هذا بالضافة الى الراشي فيزيده حلاوة في الطعم وزينة في المنظر حيث كانت تسمى هذه التشكيلة ( طاحين وخَلْويثا ) . 

بعد التحول الاقتصادي الذي حدث في البلدة كما ذكرنا ، انحصر وجود معصرة السمسم في عدد من البيوت ، حتى انحصر وجودها في بيت ( آل تَمو ) ومن ثم في عائلتين منها وهي ( توما متي تمو ، خضر متي تمو ) . واللتان لا زالتا تمتهنان المهنة الى ايامنا هذه .

انحصر وجود الراشي كمادة غذائية في مائدة العائلة البرطلية في عصرنا الحديث خلال ايام الصوم فقط ، هذا اذا ما استثنينا وجوده في الايام الاخرى ، ولكن وجوده يكاد لا يُذكر . علما ان الراشي اخذ يدخل مؤخرا في تحضير بعض الوجبات الغذائية الاخرى .
في ايامنا هذه وخلال ايام الصوم تكون المعصرتان الوحيدتان في البلدة منشغلتان في انتاج الطحينية ، لتهيئة ما يلزم عوائل البلدة منها ، فاهل البلدة كمجتمع مسيحي لا زالوا متمسكين بالمفاهيم الدينية والايمانية المؤمنين بها ومنها الصوم ، فافراد عائلة اصحاب المعصرة منهمكين في العمل لاعداد السمسم لانتاج الطحينية من تنظيف وتقشير وقلي ووضع السمسم بالمعصرة القديمة التي لا زالت تعمل الى الان ولكن ليس بقوة الحيوانات بل بقوة الكهرباء . وحاويات الطحينية ( دبة ) مرصوفة امام الميزان في حضرة المعصرة واصحاب الحاويات ( الزبائن ) واقفين ينتظرون دورهم وهم يتبادلون الاحاديث في جو تسود رائحة السمسم والطحينية الزكية المكان كله ، حتى تقرأ في عيونهم جميعا تاخر الانتظار اكثر وقتا كي يتشبع من هذه الرائحة التي لا تُشبع .
خلال ايام الصوم تجد الازقة المؤدية الى المعصرتين اكثر حركة ، وجميع المارين فيها يحملون حاويات يقصدون شراء الطحينية ، بل كانت في ايام خلت ، يوم كانت برطلي للبرطليين فقط ، هذه المهمة يفضلها الشباب والفتيات ، حيث كانت فرصة للقاء الاحبة سواء اثناء الطريق او في حضرة المعصرة .
المنتج من الراشي ( الطحينية ) في معاصر برطلي كان له والى الان سمعته الجيدة حتى بات مطلب الجميع في جميع انحاء العراق ، من منا لا يتذكر جيدا من العسكريين كيف لم يكن يلتحق من اجازته بوحدته العسكرية الا وهو محملا بعدد من حاويات الراشي ( الطحينية ) . وكذا الامر بالنسبة للمسافرين الى المدن الاخرى مثل بغداد مثلا فوصية تأتيه باحضار طحينية برطلي معه .
فالطحينية في برطلي ليست مادة غذائية فقط بل هي تاريخ وذكريات جميلة ايضا .



معصرة بيت توما تمو والسيدة ( سارة حوبي ) زوجة توما تمو تقف بجانب المعصرة


بقيت ( سارة توما ال توما شوشي ) تعمل على معصرة الطحينية حتى الايام الاخيرة






براني حفض الطحينية ( الراشي )





حاويات فخارية لحفظ زيت السمسم ( شيرك )



اواني منزلية من النحاس من ضروريات المطبخ البرطلي


صور للازقة التي كانت تؤدي الى معصرة الراشي في برطلي القديمة