مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي / 4

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, أكتوبر 22, 2013, 10:29:56 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي

والمنشورة في كتابه ( يوميات غجري لا يُجيد الرقص )*


* ( يوميات غجري لا يجيد الرقص ) كتاب للبروفسور باسيل عكولة البرطلي طبعة بيروت 1972 جميع احداثه تعود لما قبل سنة 1950 .
سنقوم بنشر وعلى شكل حلقات ما جاء في كتابه هذا عن ذكرياته التي تتحدث عن برطلي  .



الحلقة الرابعة


احلم ( بزهور القطة ) الصفراء والحمراء الناعمة كازرار قمصان الاطفال . ساكتب رسالة الى شقيقتي اسألها فيها اذا كانت الات الحراثة الحديثة قد قضت على زهور طفولتي . اريد منها ان تجيبني خطيا عن ( زهور نيسان ) التي تحولت في هولندا الى التيوليب وعما اذا كانت لا تزال محتفظة بالوانها الحمراء والزرقاء البنفسجية . كم فتشت بين الخرائب المحيطة بقريتي عن زهرة واحدة خضراء فلم اجد . ماذا حدث لزهور ( الشعانين ) ذات البتلات الزرقاء المخططة بالابيض ؟ اظن ان سبب تسميتها كذلك موسم تفتحها . هناك زهرة صغيرة لا تعلو عن الارض اكثر من ملمترات معدودة تنبت في الاماكن الغنية بالخبازى وشوك ( رجل الديك ) وهي بحجم بؤبؤ العين اسمها ( الزهرة السماوية ) نسبة الى لون السماء لا الى السماء . كنت افتش عنها مع رفاقي كمن يفتش عن جرثومة بالمجهر . اما شوك ( رجل الديك ) الذي يملأ الخرائب والمقبرة ، فانني لا ازال احبه رغم اشواكه الصلبة التي كانت تغرز في قدمي الحافيتين ، وانا اعدو وراء حمار صغير اركبه . كنا نجمعه في الصيف كوما ونحرقه في بعض الاعياد الكبيرة ونقفز حوله كالسحرة . كم من مرة احترق ثوبي القطني او ثوب رفيق لي ونحن نقوم بهذه العبادة . ساقول لها ان تحدثني طويلا عن ( القلباغ ) وهو نبات يبلغ طوله ثلاثين سنتمترا ، ذو زهيرات صفراء دقيقة كالنقاط كنا نصنع لنا منه اكاليل هرمية نضعها على رؤوسنا ونعود كأمراء صغار نبحث عن ثعلب يؤالفنا . لم اكن احب الشقائق لان اوراقها كانت تتناثر بين ايدينا . تذكرت الان زهرة اخرى تشبه كثيرا الزنبق الا بلونها البنفسجي الغالب تدعى ( رجل اليمامة ) كنا نجمعها لا لرائحتها لكن لطعمها . نعم كنا نأكلها بشراهة في بلد قاحل طيلة ثلاثة ارباع السنة ، وما يزال طعم الخس في فمي .
كم احب ان اتحدث عن امي لكنني لن افعل فهي لا تزال حية . على كل حال : ورثت منها صفات كثيرة . انها كجذع صنوبرة تحطمت الريح لدى ملامستها دون ان تتلوى . يقول اهل القرية : كانت في شبابها رائعة مغرورة وياما اثار مرورها في الازقة وهي في طريقها الى البئر ملاحظات الرجال وتعليقاتهم .
لا اعلم شيئا عن الايام السابقة لزواجها الا عرضا ، فهي لا تحدثنا في مثل هذه القضايا الحساسة . لكنني واثق من جمالها لانها الان وهي في الثالثة والسبعين ، وقد خمرها الالم والسنوات الصعبة ، ارى في تجاعيد وجهها وقامتها المنتصبة  ظل الروعة التي هجرتها لتحل محلها الصرامة .
جبينها الان يشبه حقل قمح بعد الحصاد فيه آثار الصيف المحرق وقداسة الذخائر ، وهي تواصل بشجاعة درب صليبها كحاجة لا تفكر في غير المدينة المقدسة التي تقصدها .