مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي / 3

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, أكتوبر 18, 2013, 08:08:11 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي

والمنشورة في كتابه ( يوميات غجري لا يُجيد الرقص )*


* ( يوميات غجري لا يجيد الرقص ) كتاب للبروفسور باسيل عكولة البرطلي طبعة بيروت 1972 جميع احداثه تعود لما قبل سنة 1950 .
سنقوم بنشر وعلى شكل حلقات ما جاء في كتابه هذا عن ذكرياته التي تتحدث عن برطلي  .


الحلقة الثالثة


هناك حادثان طريفان لا بد من ذكرهما : الاول ان مدير المدرسة جمعنا في احد الايام داخل البهو الطويل . وبعد خطبة مؤثرة لم افهم منها شيئا في حينه ، طلب الينا ان نمسك بايدينا كتب القراءة ونمزق منها قصيدة عن الميكادو . لماذا ؟ مزقت بشدة قصيدة الميكادو ، دون ان اعرف السبب وكانت الكآبة ظاهرة في وجهي ، لان وجه المدير وعينيه الدامعتين كانا كافيا لاقناعي بضرورة تمزيق القصيدة . وانا اقر الان ، بكل بساطة ، بانني تصورت في حينه ان ( الميكادو ) لا بد ان يكون رجلا يحمل عصا كبيرة صفع ابن مديري . لذا رايت من واجبي ان اسانده في معركته ، فاستجبت لطلبه .
والحادثة الثانية جرت في اثناء ثورة ( الكيلاني ) .
كنا في درس العلوم الطبيعية عندما سالنا المعلم ان نختبيء تحت المناضد ففعلنا . قال لنا : اننا قد نتعرض لغارة جوية . لست اعلم ، هل خفنا ام لا ؟ ما اعرفه اننا كنا نتطلع ، بعضنا الى بعض ، كالقطط ونضحك منتظرين بداية القصف . اظن ان القصف كان يعني بالنسبة لنا لعبة تراشق بالحجارة بين الاساتذة . اما انا فكنت واثقا من الاساتذة الذين ارتدوا الثياب العسكرية وامرونا باداء التحية لهم لدى مرورهم في الاسواق سيردون الغزاة على اعقابهم . وهكذا حدث . فبعد ربع ساعة سمعنا صفارة المدير ، فامرنا بمغادرة ملاجئنا . ونظرنا من الشباك ، فراينا الكلاب والدجاجات وفلاحا عائدا من الحراثة ، وهم لا يعلمون شيئا عن بطولتنا ، فتالمنا .
كانت ساحة الكنيسة برلمانا يجتمع في ظل حيطانها العالية عند العصر شيوخ القرية . كم كنت فضوليا ومعجبا بهم . فاحاديثهم تدور كلها عن السياسة . كانوا فئتين متضاربتين ، فئة يقودها الاسكافي وهو رجل في السبعين من عمره نشفته الحرارة والتغذية السيئة ، فاضحى كقضيب من خشب . كان ثرثارا قذرا يتسلى بالقمل يبحث عنه في طيات قميصه ويقتله بين اظافره امام الجميع ، ثم يمسح الدم بحذاءه او بحائط الكنيسة . وفئة ثانية فلاح امي في مثل عمره . كان الاسكافي يؤيد المحور بحماس يفوق حماس النازيين في برلين ويتحدث عن هتلر باعجاب ويصف تحركات الجيش الالماني ومعاركه كانه ضابط اركان في غرفة العمليات العسكرية ويؤكد كل مساء ان النصر اصبح قريبا . وما ازال اتخيله وقد نزع حذاءه مستندا الى حائط الكنيسة يمسك بيده عودا من خشب ويرسم على الارض امامه خطوط المعركة ويحرك يديه بلا انقطاع ويردد  : خط ماجينو ـ هتلر . لم افهم في حينه مدلول هاتين الكلمتين . غير انني اذكر كيف كان الفلاح المسكين يحاول الرد عليه مؤكدا ان الحلفاء يزحفون نحو برلين وبعض قواتهم تحاصر قوات المحور هنا وهناك ، فيرتفع الصراخ تدريجيا ويفشل الاسكافي في اقناع الفلاح العنيد ، وبالعكس ، فينسحبان ، واحدهما وراء الاخر ، كديكين انتهيا من الاقتتال ويدخلان الى الكنيسة ليصليا ، كل لاجل نجاح جبهته . ومات الاسكافي وخصمه قبل ان يشاهدا نهاية الحرب . وفي احد الايام بلغ الحماس بالفلاح اشده ، وهو يحاول اقناع الاسكافي بعدالة قضية الحلفاء . فصرخ ، بعد ان ضرب الارض بحذائه ، فتطاير الغبار كالاعصار في وسط المجلس : اذا كانت انكلترة اعلنت الحرب ضد بريطانيا فما دخل الانكليز في الامر . فلم يعترض احد ولم يضحك . اما انا فتاثرت كثيرا للتدخل الانكليزي بين الطرفين المتحاربين : انكلترا وبريطانيا . كنت في الصف الثالث الابتدائي ولم ادرس الجغرافية بعد ، فصدقت ان الاسماء الثلاثة هي لبلدان متميزة ومتحاربة . لكنني بعد سنوات عرفت ان معلومات الفلاح السياسية والجغرافية كمعلومات اسكافي القرية كانت وليدة مخيلتهما الهرمة .
وهذا لم يمنع ـ في وقت لم يكن في القرية كلها جهاز راديو من ان يكونا ، لمدة سنوات ، جهازي البث الوحيدين وان يجمعا حولهما الانصار ، فيستند جميع الرواة على اخبارهما في حلقات السمر فوق السطوح صيفا وحول المواقد وتحت الحيطان المشمسة شتاء . هذا كل ما اتذكره الان عن تلك الحرب اللعينة . نعم مزقت بحماس صورة الميكادو . ولكن احدا لم يحدثني في حينه عن قنبلتي هيروشيما وناغازاكي .




نعمه عكوله

بوركت استاذ بهنام على خطوتك هذه .. لقد ساهمت باحياء تراث برطلة من خلال نقل افكار البروفيسور باسيل عكوله التي كانت وليدة الاحداث لبيئة عاش فيها هو واباءنا في برطلة والتي اراد من خلال كتابه الذي احدث ضجة كبيرة ولايزال يحدثها في ظل القراءة المجددة لها ان يقول كلمته المدوية الراغبة في التغيير ونقل المفاهيم البسيطة الى عالم تاريخ كتابة اليوميات وانعاسكاتها على عالم اليوم .. ندعو من الله ان يمد الاب البروفيسور باسيل عكولة بالصحة كي يستمر بعطاءه وندعو لك بالاستمرارية لرفد الموقع بالمزيد وبالاخص بالنتاجات الرائعة لابناء برطلة السريانية .... وتقبل مروري

بهنام شابا شمني

باسيل عكولة هو بحد ذاته مدرسة لا زال يعطي من ذكرياته وعلمه للتاريخ من كتب ومقالات ولقاءات ليجعله كاملا لا ينقصه شيء ، وما يتحدث فيه عن برطلي هو جزء من هذا التاريخ ، ونشكر الله ليكون لنا مثل باسيل عكولة حتى يكتب لنا كيف كانت حياة اباءنا واجدادنا وما قبلهم والا لكنا غير محسوبين على هذه الدنيا .