مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي / 2

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, أكتوبر 12, 2013, 10:11:42 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي

والمنشورة في كتابه ( يوميات غجري لا يُجيد الرقص )*


* ( يوميات غجري لا يجيد الرقص ) كتاب للبروفسور باسيل عكولة البرطلي طبعة بيروت 1972 جميع احداثه تعود لما قبل سنة 1950 .
سنقوم بنشر وعلى شكل حلقات ما جاء في كتابه هذا عن ذكرياته التي تتحدث عن برطلي  .


الحلقة الثانية



ساتحدث اليوم عن الحرب العالمية الثانية . كنت في السابعة من عمري عندما ابتدات . هذا ما تعلمته بعدئذ من كتب التاريخ او ما قراته هنا وهناك . فانا لا اذكر شيئا ابدا عن بدايتها . غير ان احداثا متفرقة لا تزال مسجلة في مخيلتي ، بعضها لا يزال ينبض كقلب ضفدعة . ماذا اتذكر عن هذه القضية ؟ قوافل من سيارات الشحن تمر بقريتي يوميا وجنود يرتدون الكاكي يغنون ويلقون علينا علب السكاير والبسكويت والمربى . لن انسى حادثة مؤلمة جعلتني اسخط على هؤلاء الغرباء الذين كانوا يتصرفون بوطني كما يتصرفون ببيت لا صاحب له . وفي احد الايام دهست احدى الشاحنات امام مقهى القرية صبيا من عمري فطارت عظام جمجمته ، فلم يتوقف السائق . هززنا ايدينا وصرخنا بلغتنا انهم قتلوه ، ففهموا ، لكنهم ضحكوا واستمروا في سيرهم وكانهم قتلوا كلبا سائبا . ستظل صورة رفيقي الفقير الذي جاء يطلب علبة من البسكويت  فمات تحت عجلات شاحنة حربية ، مرتبطة ومتداخلة في ذهني بصورة الشاحنة الانكليزية وقهقهات جنودها . وبعد سنوات ادركت لماذا تظاهر شعبي ضدهم وطالب بملكية بيته اليه ، بعد ضريبة الدم بسخاء . انني ـ حتى اليوم ـ كلما مررت امام المقهى القديم الذي هجر بعد موت صاحبه يخيل الي انني ارى دماءه وعظام جمجمته على الطريق واسمع ضحكات الجنود النكليز القتلة .
كانت الحرب كذلك فرصة اتاحت لي مشاهدة اول شريط سينمائي . كان العرض يتم في البيادر او في ساحة من ساحات القرية . وكان ذلك حدثا خارقا في قريتنا . فما ان اسمع مكبر الصوت حتى اقفز من بين اخوتي كارنب ابصر كلب صيد ، واللقمة في فمي ، واشرع في مناداتي رفاقي من سطح الى سطح ، فنكون فريقا من حيّنا . كنا نركض كقطيع من الغزلان لا ننظر وراءنا ولا نتحادث فيما بيننا .
العرض كان يتم لحسن حضنا في الصيف مساء فلا نحتاج الى غير سيقاننا . وما ان نصل الى الساحة حتى نتربع على التراب ملتصقين ، بعضنا ببعض كبيوت قريتنا ونراقب الشاشة البيضاء الكبيرة المنتصبة امامنا . كانت الاشرطة المعروضة دعائية صرف . صور لا تنتهي للمعارك والقتل والتدمير . وتعودنا مع الايام على استنتاج مطلق ، وهو ان الحلفاء كانوا دائما منتصرين . وهذا يذكرني بالافلام البوليسية ، حيث البطل شخصية لا تقهر ، يخرج سالما من كل المآزق . والغرابة هو انني لك اكن مهتما بالمعارك بقدر ما كنت مهتما بالطائرات والاشخاص المتحركين امام عيني .
كانت هذه اول مرة شاهدت فيها فلما متحركا وطائرة تحلق في الهواء . لا بد من ابداء ملاحظة قصيرة . كان الفلم ينقطع مرارا فيسود الساحة ضجيج وفوضى يختلط فيهما بكاء الاطفال بثرثرة النسوة ورقص الصغار بالغبار الذي يعلوا من الارض ويغطي شعورنا وحواجبنا . ومع ذلك كنا سعداء ، كاننا في عيد او زواج .