مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي / 1

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, أكتوبر 10, 2013, 10:48:30 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

مقتطفات من ذكريات البروفسور باسيل عكولة البرطلي عن برطلي

والمنشورة في كتابه ( يوميات غجري لا يُجيد الرقص )*



* ( يوميات غجري لا يجيد الرقص ) كتاب للبروفسور باسيل عكولة البرطلي طبعة بيروت 1972 جميع احداثه تعود لما قبل سنة 1950 .
سنقوم بنشر وعلى شكل حلقات ما جاء في كتابه هذا عن ذكرياته التي تتحدث عن برطلي  .



الحلقة الاولى

انا جائع الى شمس قريتي . كيف انسى قرى الطين المبعثرة في السهل الذي يحيط بها والتلال التي تحتضن بعضها بعضا كانها طيور الاساطير . هل تعرف ماذا تشبه هذه البيوت المستطيلة المؤلفة غالبا من طابق واحد ؟ انها مبنية من ( اللبن ) ومسقوفة بالخشب والقش . صورتها لا تزال عالقة في مخيلتي وهي تتلألأ عند الشروق شقراء كشعور الاسكندينافيات ، وفي الغروب وردية ـ حمراء كالحقول غير المزروعة . كيف انسى قطعان الغنم في ساحاتها تنام ، وقد خدرها الحر ، في افياء حيطانها ، واسراب الاوز ، وعودة البقرات عند الغداء كطالبات بعد انتهاء فترة الصباح . انها تشبه ، بعدما يكف المطر في الشتاء وتصحو السماء ، مكعبات مختلفة الاحجام من الذهب او النحاس او الزجاج المملوء بالكونياك . ان لونها يتغير مع الفصول . ففي الشتاء تستعيد لون الطين وتمتزج بلون الارض حولها ، فلا يمكن التمييز بينهما . وكثيرا ما تبدو في الايام القاتمة او الممطرة كعلب من المقوى او كرسوم من الباستيل . كانت الارض حول قريتي تتراءى لي كئيبة كحيطان هذه البيوت الصغيرة والكلاب المبللة تحت القناطر والدوري المختبيء في الكوة الصغيرة وقد كف عن الزقزقة . كانت بيوت قريتي مشيدة بالحجارة والجص يستخرج من العمارات القديمة والخرائب المحيطة بها . اتذكر قوافل ( الجصاصين ) المؤلفة من الحمير . لقد مات زعيمهم الشيخ ( رفو ) قبل سنوات ، بعد ان خرف . وما ازال اتخيله بقامته الطويلة ونحافته ، وقد حفرت التجاعيد التي تشبه اودية في الصحراء وجهه . ولا اعرف لماذا اشبهه اليوم وانا اتصور عروقه النافرة في عنقه ويديه بخشبة قديمة مليئة بالعقد . فصورة العربة الخشبية التي يجرها حصان والتي استبدل بها بعدئذ حميره ما تزال عالقة بذهني . كانت دواليبها الحديدية الكبيرة تحدث جلبة على الارض اليابسة . كنت اسمعها ، حتى وانا في العاشرة من عمري ، مع رفاقي من مسافة مئات الامتار . فنتراكض نحوها كما يتراكض سرب من الدجاج او البط نحو اللقط تلقيه عجوز تقلد اصواتها . كنا نتراكض لاهثين حفاة ، نشد قميصنا القطني الاصفر ـ وهو كل ما علينا ـ في حزامنا الذي يتالف من خيط او خرقة عتيقة لنتعلق بها من الوراء بايدينا ، رافعين ارجلنا في الهواء حتى تلتصق ببطوننا . فتتعالى شتائم الشيخ ( رفو ) وينهال بسوطه الطويل مرة علينا واخرى على حصانه . وكان في بعض الاحيان ـ لسبب لا ازال اجهله ـ يسمح لنا بالصعود ، فنجلس فوق اكوام ( المرمر ) صامتين كالاوز عند الظهيرة . وكنت اشعر بسعادة لا تعادلها سعادة الزوجين في ليلتهما الاولى ، وانا اسمع صوت الشيخ يهدر كالصاعقة مهددا : ( كونوا عقلاء . كونوا عقلاء ! )