وقفة على أطلال العراق : اين هم الآن المسيحيون العراقيون البصريون ؟

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, يوليو 06, 2012, 09:12:50 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي


وقفة على أطلال العراق : اين هم الآن المسيحيون العراقيون البصريون ؟

05-07-2012 08:42 AM

شعرت بالمرارة والغصة وانا اقرأ هذه المقالة، وعادت بي الذاكرة لاعوام السبعينات كانت البصرة تزهو باهلها واخص بهم المسيحيين ... حيث ملأوا مناطق البريهة والكزارة وشارع الوطني وما حوله والخندق والبصرة القديمة والمعقل.. اما الان فقد شغر بيوت المسيحيين عوائل اخرى غريبة عن البصرة، وامتهن مهنهم اناس آخرون فامتلات ازقة البصرة بالاوساخ واللصوص والتجاوزات والصياح والخربطة والكروش والحلفان بالعباس والائمة كذبا، كانت هناك بالمدينة عشرات الكنائس التي يرتادها في بعض المناسبات حتى المسلمين ليتبركوا وينذروا ..

اما الان فلا يتجاوز عدد العوائل المسيحية رقم 100 وربما اقل. وفي المناسبات الدينية حاليا يجتمع كل المسيحيين بكنيسة واحدة ولا تمتليء كان جيراني من المسيحيين بمنطقة الجزائر عشرات العوائل، وعلمت في زيارتي الاخيرة للبصرة انه لم يبق منهم احد سوى طيب الذكر فوزي التتنجي وهو يخطو نحو النهاية ، لعن الله من كان وراء تشتيت العراقيين وجعلهم شذر مذر..

ومن يتابع احتفالات مسيحيي العراق اليوم يشعر بعظم الكارثه فقد شاهدنا على شاشات التلفزيون احتفالات تلك الشريحه المهمه في العراق والتي قامت حضارة هذا البلد شهودا على رسوخهم .. الاحتفالات كانت متواضعه يشوبها الخوف والقلق وقد غابت ملامح الفرحه في تلك الفترة المعتمه في تاريخ العراق المعاصر .. لقد شهدنا ايام الخير روعة تلك الاحتفالات وشاركنا اخواننا المسيحيون في البصره فرحتهم ومظاهر اعتزازهم بهذه المناسبة حيث يزهو الشباب والشابات وحتى كبار السن بأبهى ملابسهم ويقيموا الزينات ويتبادلون التهاني وكانت الحلويات تصل الى الجميع دون تمييز ..

اليوم وحينما يبحث البصري عن هؤلاء ويتطلع الى بيوتهم التي كانت تشع بالانوار في اعياد الميلاد ورأس السنه فلا يشاهد الا اعلاما سوداء تشرح كآبة المواطن العراقي من شمال الوطن حتى جنوبه.. وفي الوقت الذي من المفروض ان يفرح الاخوة المسيحيون البصريون بهذه المناسبه تعلن حكومة العار ان المسيحيين قرروا عدم احياء هذه المناسبة المفرحه كونها تتوافق مع مراسم عاشوراء التي يصر احفاد الطوسي على جعل استشهاد الحسين مناسبة حزن ودك ولطم وزنجيل وتطبير الهامات بالقامات..

وهم لايعلمون ان استشهاد الحسين كانت مناسبة انتصار الحق على الباطل ومقارعة حفيد رسول الله الظلم وحريا بنا ان نجعل من هذه المناسبه ثورة حسينيه ضد البغي والظلم الذي تمارسه حكومة الاحتلالين لكن لقد بلغ الجهل والتخلف وتسلط اصحاب العمائم المشبوهه لغسل ادمغة هذا الشعب المغيب.

كان المسيحيون في البصره وفي العراق كافة مواطنين لارعايا .. ليس كما قال رئيس الوزاراءة (المالكي) ان المسيحيين هم [جالية عراقيه]، وياليت يستطيع التمييز بين المواطنين وبين الجاليات.. ومن الظلم ان يساوى بين المسيحي العراقي ابن هذا الارض وسليل حضاراتها وبين الوافد الكردي الفيلي الذي شهدت اسواق الشورجه كيف كان هولاء الغرباء يحملون البضائع على ظهورهم ويتحدثون بلغتهم الايرانيه الواضحه ثم يصبحون مواطنين بينما يصبح المواطنون المسيحيون جاليات ..!!

البصره كانت تحتضن ابنائها المسيحيين احتضانة ألأم الرؤوم لأبنائها فقد كانوا ولايزالون صفوة المجتمع العراقي وابناؤه الشرفاء في كل عهد وكانت صفحات تاريخهم بيضاء بياض ملابس اطفالهم في جوقات الكنيسه يرتلون تراتيلهم.

المسيحيون البصريون انعشوا اقتصاد تلك المدينه وعاشوا متحابين متآخين مع كافة اطياف المجتمع فهناك برز الكثير من رجال الاعمال مثل عائلة حنا الشيخ وجويده وفتح الله ومارو وبيت اصفر ومارين الذين اشتهرت طريقة تعبئة التمور بطريقة فنيه دلت على بالهم الطويل في الذوق والاحتراف.. نشأت اعمال كثيره وتجارة واسعه لعوائل عريقه مثل بيت انكورلي وصادق وزيا وعائلة القس وسالاني وسلومي الذي انشأ مجيد سلومي اول سينما في البصره.

كانت محلات بيع الملابس والازياء محط الانظار مثل حسو اخوان وبشير عبودي وكانوا يستوردون ارقى الماركات العالميه ويستقبلون زبائنهم بصدور رحبه فكانت رائحة العطور الباريسيه احد معالم تلك المحلات التي تعج بالمشترين كون العراقي مشهور بحبه للظهور بمظهر فريد اضافة الى حبه للطعام الفاخر .. لقد كان مطعم حداد مكانا لتناول اجود انواع الطعام الشهي والنظيف .. كان محل سلومي معلما من معالم احدث واجود مواد النجاره يرتاده الحرفيين لشراء لوازمهم من اشهر الماركات العالميه ..

مصانع الكاشي كانت تدار معظمها من ابناء البصره المسيحيين التي تمتاز بذوق رفيع ونقوش رائعه .. كان هناك سوبر ماركت هو احدث ما فتح من قبل فيليب رفي الذي يملك مصنعا لتعبئة النامليت قبل ان نعرف الكوكا كولا والببسي كولا.

وعاش في ارجائها اطباء مهره امثال جوزيف مارو وتوما هندو وطبيب الاسنان داود سكر كما عاش غرباء مثل الدكتور الهندي بوران سنك اخصائي العيون اضافة الى العراقي المشهور فرحان سيف .. صيدليات تحتوى احدث الادويه مثل صيدلية ددي وعادل و جوليس وابراهيم ريحان كانت تدار من قبل صيادله مسيحيين بصريين ..

وقد عرف هواة الصيد حينها محل صموئيل عنتر الذي يبيع بنادق الصيد وعتاده ويقبل عليه الصيادون لجودة عتاده البريطاني رغم انه كان معروفا بمزاجه البرتقالي وعبوسه الدائم لكنه يصبح منطلق الاسارير حينما نشتري منه كمية من العتاد ونفرغ محافظنا من محتوياتها .. لقد كان كبير السن عصبيا المزاج ..

لقد تبوأ المسيحيون البصريون وظائف حساسه في اجهزة الدوله وخاصة في شركات النفط كمهندسين واداريين فأبدعوا في مجال عملهم .. خرج منهم فنانون تشكيليون منهم موريس حداد فابرعوا في فنهم وبرز عازف الكمان لويس برنكوب الذي حينما كنا صغارا نجلس أمام نافذة بيته لنسمع عزفه الفريد وكان يترك نافذة غرفته مفتوحه وفي زمهرير الشتاء ليستمع جمهوره من الاطفال الى عزفه الرائع ..

اليوم اتفقد اطلال هولاء المواطنين فلا ارى انوار عيد الميلاد تشع في بيوتهم فقد ساد الظلام تلك البيوت التي كانت عامرة بأهلها .. يلتفت البصري المنكوب يمينا وشمالا يبحث عن وجه مسيحي مألوف فلا يجد سوى وجوه غريبه كالحه صفراء .. اين اورزدي باك الذي جعله المدراء المسيحيون مكانا يستقطب المشترين بحسن التنظيم واين حسو اخوان وبشير عبودي ؟ .. ومن يتصور ان المسيحيين العراقيون هم جاليات فهو ليس على صواب وهم اكثر اصالة وانتماء من المشبوهين اصحاب الدماء المختلطه والتاريخ يشهد مدى تغلغل جذورهم في تراب هذا الوطن ؟

بكل حسرة وألم نراهم اليوم تتقاذفهم بلدان الاغتراب والمنافي بعد ان كانوا اعزة القوم وابناءه البرره .. لقد خسر العراق ثروة لاتقدر بمال هي نزوح ابناء الوطن المسيحيين في هجمة طائفيه اجراميه حيكت اطرافها في سراديب دول الجوار وخونة الامه من ادلاء الخيانة فأمعنوا فيهم قتلا وتهجيرا، وقد لاقى المسيحيون في البصره مصيرا اسودا حينما امتدت ايادي الغدر والجريمه فشردت عشرات الالاف من هولاء المواطنين الصالحين الذين لم يتركوا الا صفحات ناصعة البياض في تاريخ العراق المعاصر ..

كيف يستعيد العراق هؤلاء الشرفاء الذين ارغموا على اللجوء شرقا وغربا تاركين وطنا وأهلا يجرعون كئوس الاذلال والخوف من ان تجري عمليات تسفيرهم فمصيرهم في كف عفريت. عودة هولاء الى احضان الوطن امر محفوف بالمخاطر لأنهم يتعرضون الى ابشع حملة تصفيات تعرفها حكومة نوري المالكي بالذات لماذا تم استهداف المواطنون المسيحيون من بلدهم وارضهم ووجودهم وبأي جريمة ارتكبوها ليصبحوا لاجئين في بلدان الاغتراب ..
مؤسف حقا ان يجد العراقي الشريف نفسه يبحث عن ملاذ يأويه بينما كان العراق ملاذا لكل الاعراق دون تمييز .. امنية عزيزة وغاليه ان نجد اليوم اهلنا المسيحيون من دهوك للبصره وقد عادوا بالاحضان الى بيوتهم واعمالهم لكنهل تتحقق هذه الامنيه في وضع اصبحت فيه الكلاب المسعوره تنهش لحوم ضحاياها وتشيع الرعب في ارجاء الوطن تحت شعارمحاربة الارهاب وليس في العالم كله ارهابا يفوق ارهاب حكومة المالكي بكل وزاراتها ووزرائها .. وقيم الركاع من ديرة عفك.
لقد اصبحنا غرباء في عقر دارنا حيث تسلط علينا اعداء الامه فعاثوا فسادا وظلما تحت شعار الديمقراطية والتغيير .. فمتى نرى اجتماع الشمل في بلد كان عنوان المحبة والتآخي ؟

فصبرا يا اهلنا في المنافي فلا بد ان تعود الحمامات الى اعشاشها بعد زوال الغمه وعملاء المحتل .. فمن صبر ظفر .. نسأل الله ان يجعل السنة الجديده تحمل في طياتها الافراح بزوال فلول الظلام وانقشاع الغمه من على وجه عاصمة الرشيد وحسبنا بالله وكيلا.

عراقي أصيل



http://www.alzawra.com/index.php?page=article&id=433
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة