تحرير الأخبار:

تم تثبيت المنتدى بنجاح!

Main Menu

«الفِصليّة}.. وصمة تخلف اجتماعي

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, يونيو 17, 2015, 01:38:44 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

«الفِصليّة}.. وصمة تخلف اجتماعي



مارد عبد الحسن الحسون*
يظل عنوان المرأة الفصلية واحداً من اكثر الوصمات في الوسط الاجتماعي العراقي لانها تمثل موقفاً غير مقبول في كل المقاييس الدينية والاخلاقية بل والحضارية لأن من يعتمد هذه الوسيلة التعويضية ينظر للمرأة على انها مجرد سلعة يمكن مقايضتها مثل السلع الاخرى وهذا بحد ذاته ادانة لا يمكن ان تغتفر بأي حال من الاحوال، وأني لأسأل هنا : كيف يمكن لرئيس عشيرة أو وجيه عشيرة ان يدعي المفهومية والسلطة العشائرية ويحكم بدفع المرأة تعويضاً لعشيرة اخرى مقابل تحقيق صلح ما بين عشيرتين؟، وأي ضمير عشائري هذا لرجل يجلس في مضيف او ديوان ويحكم بتعويض عشيرة اخرى عدد من النساء؟، هل هناك نص تشريعي استند اليه؟، وهل في الدين الاسلامي او في أي دين آخر ما يشير الى مشروعية هذا العمل الذي لا يمكن ان اصفه إلا بعملية سرقة واضحة المعالم لحقوق النساء؟، واذا كنا نسمع اليوم عن عشائر حققت الصلح بينها من خلال دفع فصول من ضمنها مجموعة نساء فان في هذا الموقف الكثير من العمل الخسيس بكل المعاني الاجتماعية.
لم تخضع قضية في الوسط العشائري للنسيان وعدم الاهتمام، بل وعدم المراجعة التي تقتضيها الحياة او المتغيرات الاجتماعية الكبرى، أقول لم تخضع قضية لهذه الحالة مثلما خضعت قضية المرأة، وذلك على مدى قرون بالرغم من حصول تطورات كبيرة في حياة المرأة داخل المجتمع العراقي منذ تأسيس الدولة الحديثة، وإذا اردنا التفصيل في ذلك فانه لا بدّ من الاشارة الى عدد من الوقائع التي يمكن إدراجها بما يأتي:
أولاً: ان حقوق المرأة في الوسط العشائري ظلت مستقرة على ما هي عليه ضمن تعتيم متواصل، ولم تخضع لخط بياني متطور في انتزاع هذه الحقوق لصالحها وإنما خضعت لحالة من التذبذب بين فترة وأخرى، ولا بدّ لي هنا ان اشير الى ان وضع المرأة في الوسط العشائري العراقي ظل مرهوناً بالمتغيرات والتطورات وما يحصل من مشاكل أو اضطرابات في هذه العشيرة أو تلك وكذلك بين العشائر، بل زاد من عزلة المرأة بالنسبة لحقوقها خلال الازمات السياسية والحروب التي مرت على العراق، لكن ما جرى في هذا الشأن لا يصح تعميمه اذا اخذنا بنظر الاعتبار ان المرأة في بعض المناطق العشائرية تحولت الى رب أسرة بكل ما تعني هذه الكلمة من معنى، خاصة خلال الحرب العراقية الايرانية التي أدت الى تدفق الرجال على جبهات القتال وأدى ذلك الى غياب لهم وسقوط العديد من الضحايا بينهم، فأصبحت المرأة الأرملة أو أخت الضحية او ام الضحية في مركز قيادة العائلة من بعد هؤلاء الضحايا سواء ان كان ذلك في إدارة الحقول الزراعية أو في رعاية الاطفال.
ثانياً: من خلال تجربتي الميدانية ومتابعتي لشؤون المرأة الريفية تبين لي ان كل ما يصدر من مظالم على المرأة ومنها عنوان المرأة "الفصلية" جاء بالضد تماماً من القيم والمبادئ التي يحملها الدين الاسلامي السمح، ومن ملاحظاتي ان أكثر العشائر ظلماً للنساء في استخدامها كسلعة تعويضية لحل مشاكلها مع العشائر الاخرى هي العشائر التي لم تستوعب القيم العالية التي جاء بها الاسلام في إطار الحديث النبوي الشريف (رفقاً بالقوارير)، كما ان بعض المناهج العشائرية اخطأت في تفسير قوله تعالى (الرجال قوامون على النساء)، وفي إطار هذا المناخ الاجتماعي المحكوم بالبدائية تحولت المرأة الى سلعة يمكن مقايضتها كما تتم مقايضة السلع الأخرى، وهكذا ظهر ما يعرف بالمرأة "الفصلية" حيث تساق المرأة ضمن قائمة الفصول العشائرية وتعامل معاملة ما يقدم من حيوانات ومبالغ لاهل الضحية، واستطيع ان أوكد ان هناك الكثير من النساء ذهبن الى عشائر كبضاعة تعويض وتم تزويجهن قسراً لأشخاص غير مقبولين من قبلهن.
ان استمرار هذه الظاهرة مع الأسف لا يعني بأي حال من الاحوال انها ظاهرة عامة، اذ انها بدأت تنخفض تدريجياً الآن بفعل المتغيرات الاجتماعية الثقافية التي حصلت في الوسط الاجتماعي العشائري.
ثالثاً: ما زال هناك شيوع في اغلب الأوساط العشائرية لما يسمى (بالنهوة) التي تمنع تزويج الفتاة لان احد اقاربها الذي تحل عليه يريد الزواج منها كأن يكون ابن عمها او ابن خالها او أحد أقاربها الآخرين، مع ان الاسلام يحرم ذلك وهناك الآلاف من الفتيات حرمن من الزواج نتيجة "النهوة" وتحولهن الى عوانس وقضّين العمر في هذه الحالة المزرية.
رابعاً: ان من المظالم التي لحقت بالمرأة في الوسط العشائري الزواج من القاصرات واجبارهن على ذلك، وكم فتاة قاصرة اجبرها أهلها على الزواج من أشخاص فارق السن بينهم وبينهن اكثر من اربعين عاماً وأدى ذلك الى الكثير من المشاكل بل ان هذا النوع أودى بحياة بعض القاصرات.
خامساً: لا ننكر ان التعليم الذي دخل الى المناطق العشائرية لعب دوراً كبيراً في تغيير النظر الى المرأة، وقد ساهم الاختلاط في المدراس الابتدائية من تشكيل منظومة اجتماعية قادرة على الحد من ظاهرة العزل الاجتماعي، لكن اغلب الفتيات المتعلمات لم يستطعن مواصلة دراستهن الثانوية والجامعية بسبب الشروط التي وضعها اولياء الأمور رغم رغبة اغلبية الفتيات بإكمال دراستهن.
سادساً: ان ما تعانيه المناطق العشائرية من ضعف اقتصادي وقلة فرص عمل وانعدام التنمية الحقيقية في هذه المناطق انعكس بصورة أكثر سلبية على حياة النساء، وهكذا نستطيع ان نقول ان مجسات الفقر في العشائر هي اغلبها تقع على النساء ولذلك انتشرت في الوسط النسائي العشائري الكثير من الأمراض المستعصية، وحسب ما نقلته لي احدى الطبيبات ان امراض فقر الدم والسكري وضغط الدم وسرطان الثدي وأمراض الأوعية والمفاصل والأمراض الاخرى تنتشر في الوسط النسائي العشائري، لأن المرأة العشائرية كتومة أصلاً فهي لا تعلن عن مرضها النسائي الى ان يتفاقم لديها، بل ان هذه الطبيبة التي نقلت لي بالحرف الواحد ان أكثر الفتيات والنساء الريفيات يشعرن بالحرج من الفحص المبكر للثدي لتشخيص حالات اصابتهن بالامراض الخبيثة، وكانت إحدى المنظمات الصحية الدولية قد اجرت اختبارات معاينة لنوعية الأمراض المستوطنة في العراق فتبين ان 75 بالمئة  من هذه الأمراض ضحاياها من الفتيات والنساء.
سابعاً: ان النزعة الذكورية لدى المجتمع العشائري العراقي تسببت بإهمال الكثير من الحقوق المشروعة للفتيات والنساء في هذا الوسط، مع ملاحظة توصلت اليها بأنه بالرغم من وجود العديد من المنظمات العشائرية ضمن ما يعرف بمنظمات المجتمع المدني الا انها لم تستطع حتى الآن ان تكسر الحاجز الاجتماعي في المناطق العشائرية وتؤسس لما يمكن ان يعرف بحماية حقوق المرأة هناك، لكن ذلك لا يمثل حالة عامة لأن بعض العشائر استطاعت ان تعترف بحقوق المرأة بوصفها نصف المجتمع، وهناك الآن العديد من النساء اللواتي هن في حقيقة الواقع قوة دعم وتحفيز وشد عزم للرجال وهم يواصلون التصدي للارهاب من خلال وجودهم في القوات المسلحة العراقية والحشد الشعبي.
ولا بدّ من الاشارة الى ان عشائر عراقية كبيرة جداً رفضت وترفض التعاطي بهذه النزعة المتخلفة في التعامل مع المرأة وأكدت وجودها الاجتماعي المتميز في احترام وتقدير النساء امتداداً للقيم الاسلامية السمحاء التي تنص على اهمية المرأة في الحقيقة المقدسة التي تقول ان (الجنة تحت اقدام الامهات)، وهذه الحقيقة تمثل رمزية عالية للمكانة التي تتمتع بها المرأة فلماذا لا يتم الاقتداء بهذه العشائر كنماذج  تصون حقوق المرأة؟.
وعودة على بدء يظل تصحيح العلاقة مع المرأة يكمن في إزالة عنوان المرأة "الفصلية" من كل الخطوات التي يمكن ان تكون قاسما مشتركاً لعلاقات صحيحة بين العشائر.
*مدير دائرة شؤون العشائر في وزارة الداخلية


http://www.faceiraq.com/inews.php?id=3920706
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة