شمائيل ننو مناضل من طراز خاص/لويس إقليمس

بدء بواسطة برطلي دوت نت, نوفمبر 17, 2016, 08:25:59 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

شمائيل ننو مناضل من طراز خاص     
   


برطلي . نت / بريد الموقع


لويس إقليمس
بغداد، في 17 تشرين ثاني 2016


عرفتُه متأخرًا بعد السقوط المأساوي في 2003، عندما زرت لأول مرّة مقرّ الحركة الديمقراطية الآشورية (زوعا)، واستقبلني ببسمته التي اعتدته فيها كلّما تلاقينا، وبشاربيه الكثّين اللذين بدا لي أول مرة أنّي أقف أمام مناضلٍ صنديد من طرازٍ خاصّ. ومنذ اللقاء الأول، توسمتُ فيه القوة والصلابة والعناد في النزال القوميّ لأمته الآشورية. وتتالت اللقاءات بعدها في مناسبات وطنية وخاصة، فيها كنتُ أعُدّ ما تقوم به زوعا، يمثّل بداية لنشوء صحوة مسيحية تركز على الهوية المسيحية قبل التأكيد على غيرها من الأولويات الثانوية الأخرى، ومنها القومية، التي أثبتت عدم فاعليتها بل وفشلَها، بالرغم من أهميتها. ذلك أنّ هوية المسيحيين المهمَّشين والمستغلّين (بفتح الفاء) طيلة العقود السالفة من حكومات العراق المتلاحقة بعد تشكيل الدولة العراقية، لم تحظى بما كان يتناسب مع قدراتهم وحضارتهم وأخلاقهم وفعّالياتهم. ومثل هذا التشبث العنيد في تقديم الفكرة القومية من جانب فصائل مسيحية جبلية (نسبة إلى شمال الوطن) على حساب هوية الكيان المسيحي الجامع للطوائف والكنائس من دون تمييز، قد ساهم لغاية الساعة في ضياع رصّ الصفوف وتوحيد الخطاب والظهور كقوّة فاعلة وليس خانعة، خاضعة، تابعةللغير، كما اعتادت.
وشمائيل ننو، رحمه الله على طيبته الكبيرة، كان ضمن سياق هذا الصنف من المناضلين الذين أولَوا الهمَّ القوميّ أولى أولوياته قبل غيره من الاهتمامات.كان حين حديثه عن الشأن القوميّ، يجعلُ محاورَه ينجذبُ لكلماته رغمًا عنه، ويندمجُ مع طروحاته النابعة من صميم كيانه المتسربل ب"المقدَّس الآشوري" الذي لا غنى عنه في مسيرة النضال، بالرغم من العثرات التي تحيق به. كنتُ أحترمُ رأيَه ورؤيتَه التي يحملُها تنظيمُه  وتنظيماتٌ شبيهة منطلقة من طموحات قومية لهذه الفئة من الجماعة التي عرفت فنّ السياسة قبل غيرها من الجماعات التي بقيت في سباتٍ بسبب الظروف المختلفة لهذه عن تلك التي خبرها أهل الجبل، كما كنّا نطلقُ على إخوتنا هؤلاء الذين عانوا عسر المعيشة وتهديد النظام السابق  وقسوة الحياة وشرّ الخيانة من الإنكليز الذين خذلوهم، شرّ خذلان أيام الحرب الكونية الأولى. وهذا ما جعلَ عودَهم صلبًا،فكان منهم أن خبروا سنوات من النضال التي طبعتهم ضمن الفكر المحصور بأمّة مفقودة يجري البحثُ عنها في كواليس الفوضى الخلاقة التي أتى بها الغازي الأمريكي في 2003. وهذا ربما، ماكنتُ أتقاطعُ فيه مع التنظيم الذي كان ينتمي إليه، ومع تنظيمات غيره لم أشأ التقرّب منها والتوغل في كواليسها المتاهية. وما أزالُ أعتقد كذلك، في هذه المرحلة الحرجة من مشروع بناء الدولة العراقية على أساس دولة عراقية مدنية بعيدة عن الكانتونات القومية والطائفية التي لم تأتي إلاّ بالخراب والدمار، حتى على صعيد المكوّن المسيحي المتشرذم بسبب أولوية التسميات لدى بعض المعاندين، التي أضاعت الحقوق والوجود والجهود والهوية على السواء.
شكّل المرحوم ننو مع خيرة زملائه المناضلين الحاليين في الحركة، ومنهم مَن سبقه إلى الأخدار الخالدة، حلقة متكاملة في عشق النضال لغاية التضحية بالمصلحة الشخصية، وربما الكنسية على حساب الهمّ القوميّ. وحتى حين اختلف مع زملاء المسيرة الزوعاوية، حافظ على طيبته ورزانة انفعالاته إزاء ما كان يعتقد به مع غيره، زوغانًا عن الخطّ الأصيل لمسيرة الحركة. فأثبتَ وفاءَه للمبادئ التي تربى عليها وحصد منها بعضًا من أمنيته.وحين شقّ عليه التلوّن الحزبيّ الجهاديّ على حساب تلك المبادئ، لم يترك المسيرة النضالية، بل أكملَها وفق منظوره الذي شاركه فيها رفاقٌ حملوا ذات الفكرة وذات الرؤية من دون لفّس ولا دوران ولا مجاملة.
والرفيق (لويا شمائيل)، كما كان يناديه رفاق الدرب، ظلّ على ابتسامته المعهودة وطيبته وصراحته في العمل، في موقعه الجديد. والدليل على ذلك، احتفاظُه بعلاقات الطيبة والذكريات الجميلة حتى مع المختلَف معهم. وبالرغم من ابتعاده عن بغداد، لم تنقطع اتصالاتُنا وسؤالاتُنا عن بعضنا. كيف لي أن أنسى اتصالَه وأنا في محنة الاحتجاز القسري في مأساة كنيسة سيدة النجاة ليلة 31 تشرين أول 2010، واللقاء للتهنئة بالسلامة، وقد عانقني عناق الأخوّة والوفاء للهدف المشترك الذي جمعنا من غير ميعاد، بالرغم من تقاطعنا في التفاصيل وفي الأولويات؟
آخر ذكريات لي معه، كانت عبر الهاتف قبل أشهر عديدات، للسؤال عن صحته ورؤيته بشأن ما يبدر على الساحة العراقية والمسيحية (القومية من وجهة نظره) بصورة خاصة. رحمه الله وألهمَ عائلته وذويه وأصدقاءَه الصبر والسلوان.