نريد حكومة تحقق مصالح الشعب، فهل نحن مستعدون للدفاع عنها؟ 1- ما حدث في الأكوادور

بدء بواسطة صائب خليل, مارس 01, 2011, 08:21:53 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

نريد حكومة تحقق مصالح الشعب، فهل نحن مستعدون للدفاع عنها؟ 1- ما حدث في الأكوادور

طالب العراقيون بغضب، رئيس حكومتهم أن يؤدي واجبه كممثل أمين للشعب ومصالحه، فهل سيفعل؟
قبل أيام كان الشعب يتظاهر رافعاً شعاراته، ومطالباً حكومته بتنظيف البلاد من الفساد، بمحاربة الطائفية، بإلقضاء على الإرهاب وبإخراج الإحتلال وإنهاء الرواتب اللصوصية لكبار موظفي الدولة وتعديل الدستور الأعوج وتحسين الظروف الإجتماعية والصحية وصرف "نفط الشعب للشعب، مو للحرامية"، وأشياء أخرى..

لكن الحقيقة التي ينساها الغاضبون هي أن "الحرامية" أيضاً يريدون ما يرونه "حصتهم" – أكبر كمية من النفط! إنهم يشعرون أن صرف موارد النفط على الشعب تبذير لا طائل وراءه. ورغم أنك لن تراهم يتظاهرون هاتفين "هذا النفط مو للشعب، بس للحرامية"، إلا أن لهؤلاء أساليبهم الفعالة في حصولهم على ما يريدون. "الحرامية" الدوليون والمحليون يريدون النفط، والفساد يريد رئيسا يمثله، والطائفيون يريدون التعبير عن مشاعرهم بالقول والفعل، ومثلما ينفعنا دستور سليم، ينفع آخرين دستور أعوج ، وأوضاع إجتماعية بائسة قليلة الأجور وقليلة الوعي، والإرهاب والإحتلال لا ينويان ترك البلاد لخاطر سواد عيون الشعب أو المتظاهرين ورئيسهم. الكل يرى أن الثروة من حقه، ومن يريدها لنفسه، عليه أن يقاتل من أجلها وينتصر. الثروة ليست موضوعة على طاولة رئيس الحكومة، يقرر أن يعطيها للشعب أو الحرامية، بل هي مسرح صراع ليس الرئيس فيه إلا لاعب واحد.

هذه حقائق عامة، لا تعني شعباً معيناً أو رئيساً معيناً، وليس المقصود منها المالكي بالذات، ولا أي رئيس حكومة عراقي بالضرورة، بل تشمل جميع دول العالم الثالث.
الأسئلة المطروحة تعني جميع شعوب ذلك العالم وزعمائهم. والسؤال الذي يمر بخاطر الإنسان البسيط المحتج، الحانق من نقص الخدمات وانتشار الفساد في بلاده هو: إن لم يكن لصاً من اللصوص، ما الذي يمنع رئيس حكومة بلد ما، أن يؤدي واجبه كممثل أمين للشعب ومصالحه؟ للأسف قد لا تكون اللصوصية أو الأنانية أو الحماقة وحدها السبب، وقد يفشل إنسان أمين في تلك المهمة التي تبدو واضحة وسهلة. لننظر ما يقوله التاريخ لنا:

1- قصة الإكوادور وأبنها البار جايمي رولدوز

في فلم وثائقي بعنوان (Apology of an Economic Hitman) يشرح جون بيركنز (1) ، رجل الـ "سي آي أي" السابق النادم، في صحوة ضمير متأخرة، يشرح كيف يعمل الرأسمال الأمريكي لخلق مصالحه في البلدان الأجنبية والدفاع عنها، ويكشف بعض أساليبه في الوصول إلى غاياته ومصالحه، والتي تتناقض غالباً مع غايات ومصالح شعوب تلك البلدان، وهذا ما يجعل الأمر أكثر صعوبة، وأكثر إثارة.

الطريقة المفضلة التي عملت بها مجموعة بيركنز من الذين يسمونهم "رجال الضربة الإقتصادية" هي استهداف بلد غني بثروته المعدنية، مثل النفط تتكون من عدة خطوات. والخطوة الأولى هي أن تكون مستشاراً إقتصادياً في سفارة بلدك في البلد المعني، فتشجع حكومة الدولة الضحية على الإقتراض من جهة دولية مثل البنك الدولي. فيتم تزيين محاسن القرض وما يمكن أن ينشأ منه من مشاريع رائعة، وإقناع الحكومة بأنه سيمكنها سداد الدين من المشاريع وأكثر.
يقول بيركنز: لكن الأمر لا يجري بهذا الشكل ويذهب معظم القرض إلى الشركات الامريكية التي ستنفذ المشاريع المزمعة. عندما تساعد بلد ما فهذا لا يعني ان تساعد شعبه، بل ربما تنفع الأغنياء فيه.
ويضيف قائلاً أن رجال المخابرات المركزية الأمريكية لا يطلقون على أنفسهم اسم "جواسيس" أو "أشباح" وإنما "ملحقون إقتصاديون" أو "سياسيون" أو أي لقب رسمي آخر في السفارة الأمريكية في ذلك البلد.

ويكمل: "في السبعينات إكتشفنا أن الأكوادور غني بالبترول." – وفي عام 1979 انتخب الشعب الأكوادوري الغارق في الفقر والبؤس "جايمي رولدوز" الذي كان رجلاً طيباً ووطنياً، يريد الدفاع عن مصالح شعبه. وكما تقول ابنته أنه كان يقول أنه يريد أن يتذكره الناس كـ "رجل خير".
في إحدى خطاباته يقول رولدوزمخاطباً شعبه: "أحد مصادر ثرواتنا الطبيعية هو البترول. والبترول هو منجم الذهب للإقتصاد الإكوادوري."
يقول بيركنز: "عندما ينتخب شخص مثل هذا، كانوا يرسلون إليه عميل مثلي، وكان يدخل مكتبه ويقول له: "إسمع يا سيدي الرئيس. جئت لتهنئتك على انتخابك. في هذا الجيب أحمل مئتي مليون دولار لك ولعائلتك إن نفذت ما نريد. وفي هذا الجيب أحمل مسدساً لأطلق الرصاص عليك إذا قررت تنفيذ وعودك الإنتخابية. القرار يعود لك، لكن علي أن أذكرك. هل تذكر سلفادور أليندي؟ أربنز؟ أتذكر باتريس لومومبا؟ هناك قائمة كبيرة وطويلة من الرؤساء وانت سمعت بهم وتعلم ما حصل لهم. أي واحد يعارض مصالحنا فأما أن يقال من منصبه أو يقتل، فماذا تختار؟ "

لكن رولدوز كان من نوع صعب، فهو يخاطب شعبه قائلاً
-   "سوف نكافح ضد التدخل، وسوف ندافع عن حرية شعبنا، وسوف نحيي التقدم الديمقراطي لباقي شعوب العالم، نحن جميعاً نتطلع لأميركا لاتينية أقوى ومتحدة"
هذا ما قاله الرئيس الأكوادوري في ملعب لكرة القدم في أيار 1981 ، وأكمل:
-   "إسمعوا جيداً، حبنا مكرس للإكوادور، حبنا وعاطفتنا هما للإكوادور...عاشت أمتنا وعاش بلدنا"...

كانت خطبته الأخيرة! ....
سرعان ما تحطمت طائرة جايمي رولدوز الرئاسية التي كانت تقله وزوجته. ومنع رجال الشرطة الأكوادورية من الإقتراب من حطام الطائرة، وسمح بذلك فقط لرجال الجيش الأميركي وعدد من رجال الجيش الأكوادوري الكبار، وتم قتل رجلين في حادث سيارة مدبرة، كانا ينويان الشهادة بأن الحادثة كانت عملية اغتيال، ولم يستمر التحقيق الحكومي بالحادث أكثر من أسبوع واحد، وأغلق باعتباره الحادث قضاءاً وقدراً.
"لقد بقي حياً في ضمائر الناس بشكل أو بآخر"، هكذا تقول إبنة رولدوز، التي عاشت يتيمة الوالدين..

وبالطبع فأن الرئيس التالي كان قد فهم الدرس جيداً وعمل بما يقتضيه المنطق البراغماتي.

ليس هذا محض خيال بل أحداث موثقة، والأمثلة كثيرة وفي كل أنحاء العالم الثالث. و لا نحتاج إلى الذهاب إلى أميركا الجنوبية للبحث عن أمثلة، بل يكفي أن ننظر المرء في كتاب بلاده عادة. وفي العراق فأن أبن الشعب البار "عبد الكريم قاسم" لم يتم اغتياله بانقلاب دموي إلا لتوقيعه على القانون 80 الذي حرم الشركات النفطية من معظم اراضي احتكاراتها في العراق، كما يؤكد العديد من المؤرخين.

إذن، فتحقيق مصالح الشعب ومطالبه ومحاربة الفساد وتخصيص موارد ثروة النفط لمشاريع تخصص لتطوير الشعب والبلاد، تلك المطالب التي نصرخ غاضبين بوجه الحكومة مطالبين بها، ليست أموراً بالبساطة التي قد تبدو بها. إن المطالبة والتظاهرات خطوة كبيرة إلى الأمام في وعي الشعب لمصالحه وحقوقه والدفاع عنها، لكنها ليست سوى الخطوة الأولى. ويحتاج الشعب الذي يريد قائداً وحكومة تلبي مطالبه وتدافع عن مصالحه، أن يدرك مدى الضغط الذي يتعرض له مثل هذا القائد وتلك الحكومة، ويقدّرمدى المخاطرة التي يطالب قائده بها خاصة في عالم دولي شرس، صار أحادي القطب، وانفتحت أمام القوة الكبرى كل الطرق. الشعب لا يحتاج فقط إلى الدفاع عن مصالحه بقوة، بل أيضاً بالدفاع عن من يدافع عنها لصالح ذلك الشعب.

وفي الوقت الذي قبل فيه العديد من الزعماء عرض الشركات بسبب الخوف أو طمعاً بالرشوة، دفع العديد من الزعماء المخلصين حياتهم ثمناً دون أن ينجحوا في حماية مصالح شعبهم، مثلما حدث لرولدوز وعبد الكريم قاسم، وتمكن آخرون من النجاة وحماية شعبهم ومصالحه، حين قام الشعب بالدفاع عن رئيسه، كما دافع الشعب الفنزويلي عن رئيسه الذي اختاره "شافيز"، فهل نحن مستعدون للدفاع عن رئيس حكومتنا إن قرر النزول إلى الساحة والمخاطرة بالموت من أجل مطالبنا، بنفس حماسنا الذي نبديه في المطالبة بتلك المطالب؟ الجواب عن هذا السؤال يحدد إلى حد بعيد مستقبل كل شعب من الشعوب وما سوف يحصل عليه من زعماء وأين ستصب ثروة بلاده في النهاية.

كان جون بيركنز يلقي محاضرة اعتذاره في جامعة في الأكوادور، وكان الحاضرون يقاطعونه غاضبين، وقال أحدهم: "المسألة بسيطة للغاية، ثروة الإكوادور النفطية لثمانية ملايين إكوادوري وليست للشركات الأمريكية. لسنا بحاجة إلى السيد بيركنز ليخبرنا بذلك"، وأجابه الحاضرون بالتصفيق.
لقد خسر الأكوادوريون إبنهم البار، لكن من الواضح أنهم أدركوا أن مصالح الشعب لا تتحقق بالمطالبة بها فقط، بل أيضاً بالدفاع عنها وعن من يقف معهم في تلك المعركة، وخياراتهم اليوم لحكوماتهم الشعبية، تدل على أنهم تعلموا الدرس القاسي من خسارتهم لرولدوز، فهل تعلمنا من خسارة الزعيم عبد الكريم درسنا أيضاً؟

(1) يمكن مشاهدة أفلام فيديو عن هذه المواضيع بالبحث عن "john perkins" في "يوتيوب" أو معلومات في كوكل.


ماهر سعيد متي

ياسيدي كلما اقرا المزيد في مقالاتك الغزيرة اجد التجدد .. انقل لك تحياتي مع التقدير
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

صائب خليل

الأستاذ ماهر سعيد متي المحترم،
شكرا لك لتعليقك الكريم وتقبل مودتي