الجلوس على كرسيين سياسة فقدت صلاحيتها/ فخري كريم

بدء بواسطة matoka, مايو 07, 2014, 06:15:12 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

الجلوس على كرسيين سياسة فقدت صلاحيتها






        فخري كريم

برطلي . نت / خاص للموقع





ادناه افتتاحية رئيس تحرير جريدة المدى الاستاذ فخري كريم في العدد (3073) الاربعاء 7 / 5 / 2014





على مدى ثماني سنوات، استطاعت حكومة زعيم حزب الدعوة الإسلامية تفكيك البنى الرخوة المتبقية من الكيان العراقي.
ولكي يفعل نوري المالكي ذلك، اعتمد وسيلتين مترابطتين: ادخال العملية السياسية في دوّامة ازمات سياسية متلاحقة تتوالد وتتكاثر في مختلف الاتجاهات في ظل جهدٍ سياسي وامني واقتصادي أدى الى توسيع حواضن الفوضى والارهاب، بالاضافة الى التدابير المغامرة التي ساعدت في تغذية منابع الارهاب والتكفير، بدلاً من تجفيفها.
ولم يكن له أن ينجح في مسعاه هذا لولا استعداد قوى مؤثرة في الحياة السياسية، لاعتبارات وصولية في الأساس، للتناغم معه، وقيام قوى أخرى بالانبطاح المكشوف امام مطامعه، تحت ضغط إغراءات السلطة والشراكة في النهب والفساد، وقد طاب لهذه القوى "الجلوس على كرسيين" كما يقول المثل الإنكليزي المعروف. وظلت هذه المناورة المجردة من اي اثرٍ للصدقية ومن معايير العمل السياسي المبدئي، بحدودها الدنيا تميز قوى سياسية سواء من داخل التحالف الوطني أو من الكتل الاخرى التي تشظت عن "العراقية"، بعد ان فقد زعماء لها الامل في الحصول على ما خططوا له من امتطاء كراسي ومواقع في السلطة، مما دفعهم الى المساومة المهينة مع رأس الحكومة المتنفذ على حساب مصالح جمهورهم وقاعدتهم السياسية.
وسلطت تلك الظاهرة الضوء على الطبيعة الانتهازية لاولئك الزعماء، وفضحت الاهداف التي تقف وراء خطابهم السياسي وادعاءاتهم بتمثيل مكونٍ بعينه، ودفاعهم عن مصالحه. فما امكنهم الحصول عليه من مراكز وزارية وغيرها، لم يكن له اي علاقة او شأن بمصالح ذلك المكون واهدافه الوطنية، وانما عكس نزوعهم للمشاركة في تقاسم امتيازات ومفاسد السلطة، رغم المهانة التي تعرضوا لها، والارتكابات التي كانت تصيبهم شظاياها، دون "ان يرف لهم جفن" او يصدر عنهم ما يشي باحتجاج.
ومن هنا يبدو مشروعاً الى حدٍ ما، ما نسمعه من تساؤلات في اوساطٍ شعبية وقوى سياسية، حول مدى جدية المراهنة على تحالف او جبهة تضم هؤلاء في اطار واسعٍ للمناوئين للمالكي والطامحين للتغيير، وامكانية تجنب الوقوع في شباك مناوراتهم وعبثهم المفضوحة دوافعها واغراضها السلطوية النفعية.
لا ينبغي لأحد ان يراهن على مثل هؤلاء، وهم في الواقع لا يشكلون قوة حسم في كفة موازين القوى. كما لا ينبغي الخضوع لهلوسات لغة الارقام التي تضخها الماكنة الاعلامية والسياسية الفاسدة التي تروج باسفاف لـ"اكتساح دولة القانون" صناديق الاقتراع، فمهما كانت الارقام المحرزة، لن تبلغ الرقم الذي هدد بالحصول عليه اتباع المالكي.
إن المراهنة المحسوبة لا بد أن تقوم على السلوك السياسي الوطني للكتل التي اكتوت بنيران حكم الفرد المتسلط، واقتناعها بتقييم التجربة العملية طوال أعوام الولايتين المزحومتين بكل أشكال الاستباحة وعدم احترام أية مواثيق او اتفاقيات، والتجاوز الفض للدستور والأعراف.
قد يرى البعض ان البدائل المطروحة، لا تشكل خروجاً على ما هو في اساس إنتاج النظام السياسي القائم، ولا يمكن تلمس ما يميز بعضها عن "الحاكمية" التي قادت البلاد الى الرثاثة التي انحدرت اليها، والصراع في ما بينها لا يخرج عن النزوع للاستئثار بالسلطة وامتيازاتها، وليس بينها من يسعى لكسر السياقات الطائفية ومحاصصاتها. وهذا بحد ذاته اصل البلاء.
ان الانطلاق من الوهم بإمكانية تحقيق انعطافة جذرية في الوضع القائم، والخروج من اطار المنظومة السياسية السائدة، لا يستند الى قراءة دقيقة للظروف الموضوعية، وتوازنات القوى، ومستوى استعداد أغلبية العراقيين لتحقيق هذه الانعطافة. ولكن الامكانية قد تعكسها وتعبر عنها عملية صعود تيار وطني ديمقراطي متماسك، وانحسار ملموس لقوى النظام الاكثر تجسيداً للمنظومة المتسيدة، وتعميق قناعات اوساط شعبية اوسع بواقعية مطلب التغيير. ومثل هذا الطموح يتطلب عملاً دؤوباً، وتدرجاً في استنهاض القوى، والتأثير على العناصر الاكثر وعياً في مختلف الكتل وكسبها الى المشروع الوطني باعتباره قاعدة بناء دولة مدنية مستقرة تستجيب لمصالح وتطلعات جميع العراقيين، على ان يترافق هذا التوجه مع عزل القوى والعناصر الظلامية والفاسدة الاكثر تشدداً، صاحبة المصلحة في استمرار المنظومة الفاسدة القائمة.
ولتجنب المبالغة في التفاؤل غير المبني على تقدير التوازنات والميول والمصالح، فان من الممكن ان تغيّر اطراف وزعامات مواقفها واصطفافاتها، في مجرى التجاذبات غير المبدئية المرتبطة بالنزعات الذاتية، والمصالح الفئوية والحزبية الضيقة. لكن هذه الإمكانية، تظل "ميلاً كامناً" وستتأثر بالاتجاه الحازم والحاسم، لقيادات القوى التي اكتوت بانحرافات السياسة الفردية للمالكي، وتشبعت بادراك المخاطر التي تشكلها المنظومة التي اعتمدها وكرسها كنهج للحكم وإدارة الصراعات لتكريس سلطة مطلقة وضعت العراق على حافة الانهيار والتفكك.
ويصعب تصور أن تتخلى القيادات المناوئة للمالكي وسلطته الفردية والاخطاء والكبائر التي ارتكبها، عن القناعات التي أعلنتها طوال السنوات الماضية وشددت عليها في الشهور الاخيرة، ورفعت من وتيرتها مع اقتراب الاستحقاق الانتخابي. واذا اخذنا بالاعتبار ان  السيدين مقتدى الصدر وعمار الحكيم، وكذلك الدكتور اياد علاوي والسيد اسامة النجيفي، وقيادة التحالف الكردستاني، جاهروا بوضوح بان المالكي خطٌ احمر، ليس وارداً اعتباره من بين الخيارات الممكنة لتشكيل الحكومة القادمة، فان التراخي او التخفيف من هذا الموقف ناهيك عن التراجع عنه،  يصيب مقتلاً لهذه الزعامات في نظر وتقييم العراقيين، مما يفقدها، مع افتراض وقوع الاسوأ، تعاطفهم او دعمهم، اذ سيدفعها ذلك الى العزلة وفقدان المصداقية، مع خسارة فرصة تاريخية للتغيير لن تتكرر بسهولة، بعد أن يكون الشعب قد اصيب بصدمة اليأس والخذلان!
إن المؤشرات الملموسة، بغض النظر عن لغة الأرقام التي يراهن عليها المالكي، تؤكد على أن الجبهة الرافضة لحضوره السياسي في واجهة المشهد القيادي، تستعد بقوة لأخذ المبادرة التاريخية بإطاحته وكتلته، وتشكيل محور وطني واسع كبديلٍ ضامنٍ لاخراج البلاد من عنق الزجاجة، واطفاء الحرائق السياسية والطائفية التي خلفها حكم الفرد والعائلة ومستلات مختارة من الحزب الحاكم، وإبطال مفعول الازمات والارهاب والتكفير.
وفي هذا السياق يتوجب علينا جميعاً ان نغذي نوايا القيادات الوطنية، ونضعهم أمام مسؤوليتهم التاريخية.









Matty AL Mache