رسالة تلقيتها من معشر النحل / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, فبراير 26, 2014, 08:54:09 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

رسالة تلقيتها من معشر النحل








برطلي . نت / خاص للموقع


وأخيرا اتّخذتِ السماء قرارها في إصدار مذكرة إلقاء قبض ، تقضي بايقاف الامطار وحبسها لانها خرجت عن القانون . أثلج الخبرُ صدورَ الناس بعد فترة انقباض طال أمدها . كانت الامطار تدقّ الطبول متنقلة بين المدن والقرى وما تلبث تبارحها إلى أن تعود اليها ضيفا ثقيلا . لم تترك منطقة الا بعد إغاضة أنهارها وإخراجها عن طورها ، حيث كانت الانهر الهادئة عادة ، تهجر أسِرّتها حانقة ، وفي موجة ثورانها في كل الاتجاهات ، تغرق المساكن والمزارع والمرافق الاخرى . كان الناس يرفعون أياديَهم متضرعين كل يوم قائلين : إتقي الله ايتها الامطار ، لقد اصابنا الضجر ، لقد تشبّعت اراضينا وتعفّنت ، وتضررت محاصيلنا ومواشينا ، وتدنّت حالة مبانبنا ومساكننا وانهارت القديمة منها، شوارعنا تمزقت وحتى جسورنا لم تصمد ،  لقد مللنا هذا الطوفان الذي لا نرى له نهاية .
كانت الشمس في هذه الاثناء تترقب الوضع وتنتظر اللحظة التي سيكون بمقدورها إسعاف من طالهم ظلم الامطار . فقد كانت اختزنت نورها وحرارتها ، وارسلت اشعتها بكثافة من زوايا متقاربة جدا بغية تغطية أبعد نقطة منكوبة .
أسوةً بكل من تركوا بيوتهم لاستقبال الضوء والحرارة ، خرجتُ أنا ايضا لأستلم الحصّة التي خصّصتها لي الشمس من اشعتها . اخترتُ موقعاً نمت فيه بعض الزهور التي افلحت في مقاومة طغيان الامطار، وجلستُ على صخرة صغيرة ملقاة هناك . بدأت أستنشق الهواء الممزوج بضوء الشمس ، ورفعت رأسي نحو السماء  التي كانت قد تخلصت من الغيوم  وارتدت حلّتها الزرقاء ، وتحولتُ بانظاري نحو الاشجار والطيور وخفضتها لأتأمل الزهور التي كانت قد تفتحت كعروس في أول عهدها .
وانا في لحظات سعادتي هذه ، رأيت نحلة تقترب منّي وتعود بسرعة الى وُرودها. تابعتُ النحلة الى ان استقرت على وردتها ، غير اني تفاجأت برؤيتها تعود ثانية وبنفس الطريقة . كانت تقترب مني كثيرا وتعود أدراجها . اعادتِ النحلة حركتها ثلاث مرات وفي المرة الرابعة استقرت بجانبي على الصخرة ولم تتحرك . أمعنتُ النظر فيها وحاولت تحليل حركتها ، فاغمضت عينيّ وانتظرت ، واذا بيّ اسمع صوتا رفيعا يخرج وسط طنين خفيف ويقول :
لماذا قصدتَ هذا المكان ؟
لم أشأ الردّ للوهلة الاولى معتبرا الكلام وهما او خيالا ، غير اني جرّبت الردّ بصوت غير مسموع وقلت : لقد أتيتُ كي اتمتع بجمال الطبيعة وبكلّ ما خلقه الله فيها .
ردّت عليّ النحلة بغضب وقالت : انك تكذب .
قلت لها : ولماذا هذا التجريح ؟
قالت : ان البشر ، وانت واحد منهم ، لا تحبون الطبيعة ولا تحترمونها بل تحتقرونها.
قلت لها : افصحي قليلا .
قالت : انتم في مجتمعاتكم تصدرون بيانات وتتخذون قرارت وتسنّون قوانين تشجب وتحرّم ممارسات تسمونها (إبادة جماعية) . هل تعرفون بانكم الان تبيدون مملكة النحل ، ولكننا لا نعرف كيفية  إصدار البيانات مثلكم .
قلت لها : لم افقه الموضوع تماما ، تابعي الحديث رجاء .
قالت : لقد بدأتم في هذه الاونة الاخيرة برشّ مواد تكافح الحشرات أو تقوم بوقاية المزروعات ، غير ان الكثير منها هي سموم قاتلة . نحن ، معشر النحل ، مضطرون لامتصاص رحيق الزهور ، سواءً كان ذلك في الحدائق او على الاشجار او النباتات الاخرى . هذا مصدرنا الاساسي في انتاج العسل . هل تعرف بان مستعمرات كبيرة من مملكتنا أُبيدت عن بكرة ابيها ، وخلايا كبيرة من ذوينا اختارت طريق الهجرة . انها أنانيتكم ورغبتكم في  تغيير الطبيعة وتحقيق نتائج سريعة التي تدعوكم لشمل النحل بمذابحكم الجماعية . انكم تقضون على مخلوقات زوّدت البشرية منذ القدم بطعام طبيعي صحي ، أولستم بصنيعكم هذا تختارون لانفسكم صفة ناكري الجميل ؟ .
قلت لها ، انا لم افكر بالامر ، ولكن ما تقولينه خطير جدا .
قالت : نحن لسنا صراصير ولا عقارب ، الا تذكرون في كتبكم المقدسة بان بعض أوليائكم ، في قديم الزمان ، كانوا يقتاتون على الجراد وعسل البرّ ؟ ومن جهة اخرى،  أليس العسلُ هو الذي يدخل في تكوين الكثير من علاجاتكم الصحية واغذيتكم .
أنا شخصيا غامرت في هذا اليوم بالخروج الى هنا ، وتأكّد بأني لا اعرف هل ساعود سليمة الى بيتنا أم مصابة ، لاني اشعر الآن بدوار غريب !!
قلتُ لها : انا احمل في جيبي حبوب وجع الرأس ولكني لا أرى كيف يمكنك تناولها !!!
اضافت النحلة : وهل فكرتم بانكم في حالة عدم اكتراثكم هذه تضرون بانفسكم أيضا ، لان مبيداتكم هذه تتسرب قليلا فقليلا الى المياه الجوفية وتلوثها ، فتنموا أعشابكم ملوثة ، وحيواناتكم التي تسرح في هذه المراعي تتلوث لحومها ، والسلسلة متشعّبة وطويلة ،  وبعد كل هذا تستغربون وتقولون : يا ترى من الذي أتى بهذه الامراض المستعصية ؟!!   ألا ترى في هذا إجراما ؟
طأطأتُ رأسي ، وبدأتْ حالاً تتوالى أمامي ، كشريط سينمائي طويل ، حالاتُ جرائم دوافعُها الانانية والحسد والكذب ونزعات الشر الاخرى. قلت لها : إنكِ محقة تماما فيما تقولين ، أنانيتنا وضعت غشاوة على اعيننا واغلقت ضمائرنا ، ولم نعد نرى أيّ سوء  أو إحراج في  ما هو خاطئ ، وبتنا نرى التقصير والاعتداء وحتى الجريمة أمورا عادية . البارحة فقط دبّر شخص مكيدة لصديقه لانه كان يعترض بعض مصالحه . وقبل ثلاثة أيام اسـتأجر شخص اياديَ شريرة لتصفية شخص كان قد كشف حقيقته. وماذا عساني اذكر وماذا اقول ، لقد مللت انا ايضا من القول والتكرار .
قالت النحلة : لم اكن اتوقع ملاقاة شخص واع يتفهّمنا ويتأثّر لحالتنا .
قلت لها : ان الانسان قد جُبِل بالاصل وبداخله نزعة للخير ، ولكنه تمكن في هذه الازمنة الاخيرة من انتزاع هذه النزعة عنوة واستبدالها بميول وممارسات مسخّرة حصرا لمصالحه الشخصية  . ومشكلة مملكة النحل ، هي احدى نتائج هذه النزعة الجديدة للانسان . 
قالت النحلة : انا اشكرك ، لانك طمأنتني قليلا . انا مغادرة الان ، ولكن قبل ان انطلق احمّلك هذه الرسالة لاقول : رفقا بنا ايها البشر ، اخفضوا عيونكم قليلا كي تروا  النحلة وتحافظوا عليها بتغيير انماط وقايتكم . نحن معشرَ النحل ، نُعتبر مصنعا متكاملا لا يحتاج الى تدخلكم . نحن في خدمتكم ، وكل ما نطلبه منكم  هو الامتناع عن قتل مديريتنا وعمّالنا !!!



kossa_simon@hotmail.com



Matty AL Mache