وطن يبحث عن ملاذٍ آمن...! / فخري كريم

بدء بواسطة matoka, يونيو 11, 2014, 07:51:04 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

وطن يبحث عن ملاذٍ آمن...!







        فخري كريم

برطلي . نت / خاص للموقع






ادناه افتتاحية رئيس تحرير جريدة المدى الاستاذ فخري كريم في العدد (3099) الاربعاء 06/11 /2014




قال لي سرمد، وهو يكاد يختنق بعبرته: انه غارق في حزن "ملوث" بالافتقار لرؤيا، أو العجز عن الخروج من دائرة الاتهام المجرد، لمن يتقصد إيذاء كرامة العراقيين، وإخراجهم من أي مساحة للأمل..
إن الموصل الحدباء تنهار أمام زحفٍ مشبوه بالتساؤلات، حول حقيقة الحكاية، وكيف ينفتح الطريق على مصراعيه أمام هؤلاء المرتزقة، وإين هي أجهزة الرصد التي تستهلك جزءاً غير قليل من ميزانية الدولة، وكيف وصلت القطعان الى اطراف المدينة، ثم قلبها، دون ان تتمكن القوات المسلحة، قوات دجلة وسوات والطوابير الاخرى، من تعطيل زحفها على الأقل، وهي تمر بارض مكشوفة، ولماذا لم تبادرها القوات الجوية، وتعطل حركتها وتشلها، ان لم تنجح في القضاء عليها؟
داعش، أهي مجرد واجهة وأداة منتقاة لحكاية أسر العراق، وتقطيعه، جزءاً جزءاً، بلا خارطة مرسومة بعناية، أو اعلان مسبق حول النوايا والاهداف، غير وضع ناس العراق أمام منحدرٍ لم يخطر في بال أحدٍ منهم، وهو يستقبل بشائر العراق الجديد..؟
أليس ملفتاً لأعمى البصيرة، أن هذه الحكاية التي تدور اليوم حول اغتصاب كرامة مدينة عراقية، إنما هي طرفٌ أو فصل من قصة مخاتلة، محبوكة بسذاجة لمصادرة وعينا، والإجهاز على ما تبقى من إرادة التغيير في وجدان العراقيين، بعد ان طمرت جزءاً منه الانتخابات التشريعية الملغومة منذ أن بدأ الاعلان عن التحضير لإجرائها، وظهور نتائجها كإعلانٍ فاحشٍ على ان العراقيين، يرفضون التغيير ويستمرئون المذلة والجور والتعدي والفساد وحكم العيلة والتصرف بحرية بتمزيق الدستور..؟
واذا لم تكن الحكاية تعبيراً عن هذا النزوع الفاسق، فأين الجيش والقوات المسلحة والاجهزة الامنية والمخابراتية، أين عشائر الإسناد التي تُصرف عليها الملايين من الدولارات، أهي مُسندة انتخابياً أو لأغراضها، أم هي تجلٍ محزون لواقعٍ بالغ الرداءة والرثاثة والخيبة..؟
في معارك الدفاع عن الاوطان تُبان عقائد المتقاتلين، الجيوش، أو الاستبداد في مواجهة القوى الثورية المنافحة عن حقها في الحياة. وعندما يواجه جيش مهزوم "داخلياً" بفعل انتزاع إرادته، كما صار عليه الجيش العراقي بقيادة ولد صدام قصي، او المستبد المهووس بالسلطة، فإن عقيدته تسفر عن نفسها بصيغة واحدة، تتغير بالتفاصيل والازمان لا غير: الهزيمة، الاستسلام، ترك مواقع المواجهة وإيهام الشعب بكل المبررات التي لا علاقة لها بحكاية الهزيمة، كما تطورت على ارض المعركة.
منذ بداية العهدة التي استلمتها الحكومة في الولاية الثانية للمالكي، تدحرجت البلاد، بمدياتٍ دراماتيكية، نحو هاوية الإرهاب التكفيري، كما لو ان أحداثها فصول مسرحية، في الهواء الطلق، "ستيجها" كل البلاد، على امتداد الوطن، لتنهار السدود، الواحد تلو الآخر، بتزامن سياسيٍ - امني، مع كل خطوة تتعمد اثارة الأزمات المستديمة، وتدمير نسيج المجتمع، ووضع مكوناتها في مواجهة الشكوك والهواجس، لتلوذ كل منها الى هويتها الفرعية، وتتراجع خلال اربع سنوات عجاف، مظاهر العمل المشترك، وأواصر العلاقات بحدودها الدنيا بين افرقاء الحكم، بل تزداد الهوة بين أبناء المكون الواحد، المفترض انه حاكم البلاد وسيد أقداره..
وخلال الولاية الثانية، التي لا يخجل البعض من السعي لتثليثها، وإن عبر معابر المفوضية العليا للانتخابات، اذ يقسم الجميع، بأن ابو غريب ومدن السوار السني المحيط ببغداد، كانت غائبة عن صورة ما جرى، لكن أصواتاً بعشرات ومئات الالاف تحركت بحرية بين القوائم والنواب... خلال هذه الولاية لم يبق أي أثرٍ، لما تراكم من منجز، رغم محدوديته، منذ سقوط الدكتاتورية السابقة، سوى الدمار والانقسام والتشظي. ولم يتحقق على الارض اي تحولٍ أو تغير في احوال الناس، باستثناء، خيمة الارهاب الاجرامي التي امتدت من حول العراقيين في كل الاتجاهات.
لم تستطع الدولة الفاشلة، مع ما اتخذته من قرارات وخطط امنية خطيرة، ومن تعظيمٍ لعديد الجيش والقوات المسلحة والاجهزة الامنية، وترفيعٍ لضباط بمختلف المستويات الى ما فوق، بالتمرير وتجاوز المعايير والأنظمة، والاستثناءات من الاجتثاث.. لم تستطع بقايا هذه الدولة المغترة بفشلها، بوصفه امتيازاً يُحسب لها، لا عليها، ان تعمد الى خيارٍ ينبعث من العقل الجمعي الذي ظل يتردد على مر السنوات، الداعي للخيار السياسي الوطني، وتجنب المغامرات العسكرية الطائشة.
لم تعمد لهذا الخيار، لأنه خيارٌ يفضي في النهاية إلى تكريس الإرادة الوطنية، ويملي الالتزام بالدستور، ويفرض العودة الى البرلمان، ويحول (وهذا بيت القصيد، ومربط الفرس) دون احكام التسلط الفردي، والنزوع نحو الهيمنة للحزب الواحد والقائد الضرورة، ولينتهي بحكم العائلة..!
سرمد.. كان عليك أن تكون في مطار اربيل الدولي وانت ترقب وصول القيادات العليا في القوات المسلحة وعلى رأسها الفريق عبود قمبر وعلي غيدان قائد قوات دجلة احدى مبتكرات الولاية الثانية، وجماعة من المحيطين بهما من القيادات العليا في ارض المعركة بنينوى، وقد أمدتهم قيادة الاقليم بما هم بحاجة إليه لمغادرة حواشي المعركة الحربية مع داعش، مع تأمين الوصول الى مطار اربيل للسفر الى بغداد، المنطقة الخضراء، حيث عرين القائد العام للقوات المسلحة، ومساعده في التخطيط والعمليات الذي بات معروفاً للعراقيين، لتقديم التقرير العياني، بالوقائع والصورة حول الهزيمة المروعة الثانية، بعد هزيمة الانبار..
لا عليك سرمد، فالمشهد لا يسر العين ولا يرضي الخاطر، ولا يشكل لوحة رمادية لما سيأتي فحسب، بل جنازة مهيبة لآمالنا المغتصبة بالإرادة المزيفة وبكل وسائل نشر الكراهية والاحقاد والفتن الطائفية..
لا تصدق الاشاعات، فهي كثيرة ومغرضة..!
أكثرها افتراءً تلك الإشاعة المسيئة التي تدعي ان الحكاية في بعض جوانبها تدبيرٌ يستهدف إسقاط ركن من اركان معارضة الولاية الثالثة، وتدعيم مواقع "جحوش" السنة من المعروضين في بورصة بيع الاصوات وشراء الوزارات... لا تصدق هذه اشاعة تُشبه ما كان يدلي به السيد المالكي وهو يستنفر ضد المظاهرات السلمية في ساحة التحرير. ويحرض على القائمين عليها، باعتبارهم بعثيين وتكفيريين، ومن شذاذ الافاق..!
سأشارك الرأي في ان القادة "المنسحبين" من ارض المعركة بسلام، سيقولون في تقريرهم الشفهي للقائد العام:
سيدي: انها مؤامرة لا سابق لنا بمثلها، يشارك فيها البعثيون والقاعدة وداعش، ومقاتلوهم لا يخشون قواتنا ولا ارتالنا، ولديهم آليات متطورة للغاية، تسرع كما المارسيدس، ومدافعهم وأسلحتهم سريعة وفعالة للغاية...
لكن الامر الاكثر استغرابا في المشهد، سيدي القائد العام، هو عزوف القوات والمواطنين أيضاً عن مواجهة الإرهابيين ومقاتلتهم..
ان عقيدتنا العسكرية على المحك سيدي القائد العام...!
لا تصدق إشاعة مغرضة أخرى عزيزي سرمد، وهي التي تشكك بجاهزية قواتنا المسلحة من حيث الإيمان بدواعي التضحية والعُدد وقوة النيران والمبادرة في تشتيت العدو..
لا تصدق ان ما يحصل فشلٌ ذريع في الخطط والاستراتيجيات، فهي ذات الخطط والاستراتيجيات التي أدت الى هروب آلاف الكوادر التكفيرية من السجون والمعتقلات، وبالتالي هي لا تحتاج الى إعادة تقييم ونقد..
لا تنس أن لا فائدة من كل ذلك، وليس منطقياً ان نورد أمثلة في دولٍ او حتى شبه دول، يعمد فيها القادة العسكريون او الساسة الى تقديم استقالة فورية، على خطأ بسيط يعرض بسمعة المؤسسة العسكرية، أو خروج عن السياقات الطبيعية المقررة. ان دولتنا لا تعرف استقالة المسؤول المسيء، أو صرفه عن الخدمة،... فالشعب هو المخطئ دائما وعليه ان يدفع الثمن ويستقيل..!






Matty AL Mache