الوقف الشيعي.. تشذيب لجهاد «داعش»!/رشيد الخيّون

بدء بواسطة برطلي دوت نت, مايو 24, 2017, 08:30:03 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

الوقف الشيعي.. تشذيب لجهاد «داعش»!



رشيد الخيّون

جريدة الاتحاد الاماراتية
تاريخ النشر: الأربعاء 24 مايو 2017

لا يُساعد، ولا يَصلح، ما هو موجود في بطون كتب الفقه لقيام دولة وطنية، بالبلدان ذات الدِّين الواحد والمذهب الواحد، فما بالك بالبلدان ذات التعددية الدينية والمذهبية، وذات التاريخ العريق، في الاختلاط الديني والمذهبي، كبلد مثل العراق. أراد صاحب العمامة السوداء رئيس الوقف الشيعي «علاء الموسوي»، والمعروف بالهندي، الرد على ما فعلته «داعش» عند اجتياحها الموصل (2014)، لكنه في هذا الرد أدخلنا في حيرة جديدة، بمعنى إذا كان خصوم «داعش» يفكرون هكذا، في كتبهم الفقهية، فما الرجاء في الخلاص من «داعش» وفقهها؟

تسلم الموسوي رئاسة الوقف الشيعي بترشيح، حسب ما صرح هو بذلك، من قبل المرجعية الدينية، وموافقتها على هذا التعيين، الذي عادة يصدر بمرسوم من قبل رئاسة الوزراء، فالوقف مؤسسة مهمة تضع يدها على أموال باذخة، منقولة وغير منقولة، وسلسلة من المؤسسات المنبثقة عنها، ومدارس لتعليم الأجيال، وصلاتها برئاسات الأوقاف الخاصة ببقية المذاهب والأديان، إنها دائرة رسمية مؤثرة جداً، لهذا كان الاهتمام بما أفاد به رئيسها من توضيحات عن الجهاد، أي أنه يُحاسب للمركز الذي يتولاه كرئيس للوقف الشيعي.

قال الموسوي عبر «فيديو» انتشر مؤخراً: «الجهاد يعني القتال.. الطائفة الأولى الكفار المشركون، يعني غير أهل الكتاب، الكفار عندنا كفار مشركون ليس لهم دين أبداً يعبدون الأصنام مثلاً، وعندنا عدد آخر من الكفار نسميهم كفار أهل الكتاب، هم اليهود والنصارى، القسم الأول ممَن يجب جهادهم (قتالهم) الكفار المشركون، فهم يجب دعوتهم إلى كلمة التوحيد والإسلام».

ينتقل بعدها الموسوي إلى حُكم أهل الكتاب في الجهاد، حسب ما تَعلمه وينقله من رسائل الفقهاء، فيقول: «القسم الآخر أهل الكتاب، يعني لا بد من قتال أهل الكتاب لنفس الغرض لإدخالهم في الإسلام، إما يدخلون الإسلام، وإما يُقاتلون، وإما يعطون الجزية، بحسب الاتفاق مع ولي الأمر، وهو ولي المسلمين، وهو النَّبي أو الإمام، وطبقاً لذلك يُلحق بحكمهم المجوس والصَّابئة»، ومعلوم أنه للإمام نائب يحل محله (الفقيه)!

بعد إذاعة تسجيل محاضرة رئيس الوقف الشيعي، ستدخل حيز التطبيق، فأغلب العراقيين اليوم في متاهة فكرية، وضياع مع التدين الهابط، والتقليد على الجهل، لذا لا تمرّ كلمات مثل هذه سلاماً، ببلد تملؤه الجماعات المسلحة الدينية، فما نُفذ من عمليات قتل ضد غير المسلمين، ببغداد لم يكن بعيداً عما في بطون كُتب الفقه.

لذا ليس للمدافعين عن تصرف الموسوي حجة وعذر، خذوا لو أن مثل هذا الكلام تفوه به رئيس وقف دين أو مذهب آخر، هل سيعذر على أنه مجرد درس ديني؟ وأين هذا الدرس الديني؟ إنه في دائرة رسمية مثل دائرة الوقف الشيعي.

حسب ما أدلى به رئيس الوقف الشيعي، فإنه لا يعترف بالأيزيديين، فهم ليسوا مجوساً ولا صابئة، مع أنهم من بين أكبر الجماعات الدينية من غير المسلمين، والسبب أن رسائل الفقه التي اعتمدها، لم تأتِ على ذِكرهم بين المعترف بهم، وبالتالي يكونون محسوبين على «الكُفار»، وكيف ينظر لهم الشيعي الملتزم بهذه المقالة! ظهر الموسوي مبرراً، وليس معتذراً بل مستغفلاً الآخرين، على أنه لم يقصد الحرب، وأن كلامه قد فُسر خطأً وبمكيدة، لكن للأسف كان الكلام واضحاً جارياً على لسانه.

أراد الموسوي تخطئة «داعش»، بأن لا حق لها في مصادرة الأراضي والأموال، وعدا ذلك، على ما يبدو مِن كلامه، لهم الحق فيه! أي قتال الكُفار! إنها رسالة لا تُطمئن غير المسلمين، وتُقلق المسلمين أيضاً من المعدودين حسب فقهاء الإسلام السياسي كفاراً، لأن المدني أو العلماني في تقليدهم كافر، فلا ندري في أي لحظة ينقلب الموسوي إلى «داعش»! ففقه الأخيرة نهلته من رسائل فقهاء أيضاً. لم يقف الإشكال مع الموسوي في محاولته الخطأ لتوضيح الجهاد، إنما، وهو رئيس دائرة رسمية، يُشجع على التطبير، المشهد الذي يبلغ فيه العنف الذاتي أشده، على أنه شعيرة مقدسة. أقول: ما زال المواطن العراقي يميز، مؤمناً وكافراً وكتابياً، ومطبراً أو ضد التطبير، فالدولة الوطنية المرجوة بالعراق على قلق، كـ«قبضة ريح».

إنها حيرة الألباب، أن تحصل «داعش»، ومن الذين يحاربونها، مقالةً مؤيدةً، في تخيير أُصلاء البلاد بين القتل أو الجزية، وتضع أمام الآخرين إما القتل وإما الإسلام، كالأيزيديين، ولا عُذر أن صاحب العمامة السوداء ينتظر الإمام لتنفيذ الأمر بهم، أقول: هل هذه هي دولة المهدي الموعودة، حسب ما رسمتم لها ووعدتم؟! لمعروف الرصافي (ت 1945): «على رِسلكم يا قومُ كم تُسمعوننا/ مقالةَ محقودٍ عليه وحاقدُ» (الدِّيوان، الجرائد).