عيدية للعراق: التوافقية العراقية - نظام مبتكر للتدوين الموسيقى

بدء بواسطة صائب خليل, أغسطس 30, 2011, 06:44:42 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل


التوافقية العراقية - نظام مبتكر للتدوين الموسيقى
(I-Accord Music Notation)

تطورت كتابة الموسيقى على مدى عدة من القرون الماضية، ولكنها بقيت تعاني من كونها قد صممت في الأصل من أجل ألات غير الآلات التي نستعملها اليوم، فورثنا من ناحية ما جمع فيها من حكمة وجهد فنانين وعلماء عملوا بجد ومحبة، ومن ناحية أخرى ورثنا أيضاً أخطائهم، فـ "ما يورث ليس فقط حكمة الشعوب، وإنما حماقاتها أيضاً" كما يقول الفيلسوف نيتشة. وبشكل عام، فكل شيء يتطور بشكل تدريجي يحمل بالضرورة نقصاً هاماً ومتزايد الأثر، يتمثل في أن أساسه قد بني في زمن سابق، ولا بد أن يأتي الوقت الذي يعجز فيه ذلك الاساس عن تحمل الثقل المتزايد عليه من الشروط والحاجات الجديدة، وعندها يستوجب تغييره بشكل جذري.
لكن إحداث تغيير جذري في أي نظام ليس أمراً هيناً، فالقدم يعطيه زخماً متزايداً يتمثل بتراكم نتائج استخدامه والنظم الأخرى التي تستخدمه والبشر الذين تدربوا عليه، وهذه كلها تصير عبئاً يجعل تغييره أمراً مكلفاً ويغري بإبقائه.

لذلك السبب، فلا تقويمنا السنوي هو الأفضل الممكن ولا توزيع الحروف على الطابعة هو الأفضل ولا كذلك نظام الـ في إج إس للفيديو على سبيل المثال هو الأفضل، وقد وجد المختصون أنظمة أفضل من كل هذه وبرهنوا على أفضليتها ومزاياها، لكن تغيير النظام يعني خسارة الكثير مما تم تعلمه وتثبيته وما تأسس عليه. فتغيير توزيع المفاتيح على لوحة مفاتيح الكتابة المسمى "كويرتي" إلى النظام الأكفأ (دفوراك) على سبيل المثال، يعني أن كل من تعلم الكتابة على النظام القديم، عليه أن يتدرب من جديد.
وهكذا يطيل هذا الزخم حياة الأنظمة القديمة التي لم تعد تفي بغرضها، ومنها نظام التدوين الموسيقي الحالي.

وقبل الدخول في تفاصيل فكرتي الجديدة أود إعطاء فكرة خاطفة عن السلالم الموسيقية الكلاسيكية (الغربية) وتوزيع النوتات فيها، وكذلك عن تاريخ التدوين الموسيقي ووضعه الحالي، لمن ليس لديه اطلاع على الموضوع. هذه المقدمة قد لا تكون مفيدة للمطلع على أسس الموسيقى، لذلك أقترح لمن لا يحتاج إليها القفز مباشرة إلى العنوان الداخلي: "نظام التدوين الموسيقي – التوافقية العراقية".

مقدمة عن أسس الموسيقى ونظام التدوين الكلاسيكي

تتكون الموسيقى من نغمات تعزف معاً أو بالتتابع، كل نغمة لها ذبذبة صوتية معينة (عدد المرات التي يصعد وتر العود (مثلاً) ويهبط في الثانية الواحدة) ، والنغمة التي تليها صعوداً لها ذبذبة أعلى منها بنسبة معينة. نغمة "دو" مثلاً تبلغ ذبذبتها 65.41, ذ\ثا، والنغمة التالية "ري" 73.42  ذ\ثا والنغمة التالية "مي" 82.41 وهكذا. وبالفارق بين تلك الذبذبات نستطيع أن نحس بالفارق بين النغمات، ويحس بها من يسمى ذو "الإذن الموسيقية" بشكل أدق من الشخص الإعتيادي، فيميز أي تغيير بسيط فيها.



http://www.radartutorial.eu/18.explanations/pic/manual.gif

شكل رقم (1) اسماء النغمات الموسيقية وتسلسلها وعلاقتها بمفاتيح البيانو


وتقسم سلسلة النغمات الموسيقية إلى وحدات كل واحدة تتكون من سبعة نغمات متتالية تسمى "الأوكتاف"، ويبدأ الأوكتاف التالي دائماً بنغمة تبلغ ذبذبتها ضعف النغمة التي بدأ بها الأوكتاف السابق. هاتان النغمتان تتشابهان في الإحساس الموسيقي تماماً، إلى درجة أنهما تعطيان نفس الإسم. وتستخدم الأسماء أو الحروف لتحديد النغمات، فالنغمة التي تمثل 440 ذبذبة في الثانية تسمى "لا" (A) وكذلك النغمة المضاعفة لها 880 ذ\ثا تسمى "لا" (A) أيضاً، وكذلك النغمة التي بنصف ذبذبتها، (220) ذ\ثا، والنغمة المسماة "صول" تسمى أيضاً (G) وهكذا.

فـ "الأوكتاف" هو مجموعة النغمات المحصورة بين "لا" و "لا" التالية المضاعفة الذبذبة، أو "دو" و "دو" التالية وهكذا تتكرر النغمات : دو ري مي فا صول لا سي دو ري مي فا صول لا سي دو ري...ألخ في صعود مستمر، وفي تكرار للأوكتافات، فإذا كانت الـ "دو" التي تحدثنا عنها أعلاه ذات ذبذبة 65.41  فأن "دو" التالية التي تبعد عن الأولى أوكتاف واحد، ستكون 130.82 .

التوافق – "الهارموني"

أن سبب التشابه أو "الهارموني" التام بين نغمتي الأوكتاف هو تلك النسبة العددية البسيطة بينهما 1:2 وهو ما يجعلهما تتوافقان إن عزفتا معاً. كذلك تتوافق نغمات أخرى لها علاقات عددية بسيطة مع بعضها البعض، مثل النسبة 2 إلى 3 والنسبة 3 إلى 4 ، و3 إلى 5. هذه النغمات تكون مريحة عندما تعزف معاً، وتسمى بـ "الهارمونية".

السلالم الموسيقية

السلم الموسيقي هو مجموعة انغام تمثل تتابعاً محدداً يتم الإلتزام به خلال المقطوعة الموسيقية. والسلالم الشرقية كثيرة ومعقدة، أما السلالم الغربية فتتوزع على نوعين يسمى أحدهما "الكبير" والثاني "الصغير"، ولكل سلم موسيقي نغمة أساس خاصة يسمى باسمها، فهناك مثلا سلم "دو الكبير"  و سلم "دو الصغير" حيث تكون نغمة "دو" هي الأساس، أما "لا الكبير" مثلاً فتكون فيه نغمة "لا" هي الأساس وهكذا.
وتلعب النغمة الأساس دوراً هاماً في السلم من حيث الإحساس، فهي التي تمثل الإستقرار التام للألحان المكتوبة بذلك السلم، بينما تتوزع درجة الإستقرار النسبي والتوتر في بقية النغمات حسب موقعها. وبشكل عام تكون النغمات التي تتوافق مع النغمة الأساس، أي تلك التي تتناسب معها تناسباً عددياً بسيطاً في عدد الذبذبات في الثانية، توحي بالإستقرار، والباقي تعطي الإحساس بالتوتر. وفي العادة يمكنك معرفة النغمة الأساس من نهاية اللحن، حيث ينتهي عادة بتلك النغمة المستقرة، ويبدأ بها غالباً. ينطلق منها ويعود إليها فيكمل اللحن قصته، بعد المرور بمختلف التوترات، تماماً كما في المسرحيات والقصص.

التدوين الموسيقي



http://musicnotation.org/y_img_home/diatonicTreble577b.png

شكل رقم (2) نظام التدوين الموسيقي التقليدي

تدون الموسيقى (الغربية والشرقية) على صف من خمسة سطور متوازية، وتنتشر العلامات الموسيقية فوق تلك الأسطر وفي الفراغات التي بينها بشكل يحدد نوع النغمة من خلال موقعها على التدرج، وزمنها الذي يحدده شكلها. وتكون مواقع جميع النغمات ثابتة على التدرج. فمثلاً النغمة التي تقع على السطر الأول من الأسفل في الشكل (2) الذي يمثل التدرج التقليدي، هي نغمة "مي" (E)، وتلك التي بين السطر الأول والثاني هي "فا" (F)  ثم على السطر الثاني "صول" (G) وهكذا. ويتكون اللحن الموسيقي من عزف أو غناء تلك النغمات الموسيقية على التتابع من اليسار إلى اليمين في التدرج الموسيقي ذو السطور الخمسة.
ابتكر التدرج الموسيقي الحالي غيدو دي اريزو في حدود عام 1025، لكنه لم يصبح نظاماً قياسياً عاماً حتى بداية القرن السادس عشر. وكان هذا النظام ذو الخمسة أسطر إنجازاً مهماً وتطوراً اساسياً لما كان قبله، واستمر بالتطور والإضافة ليتوائم مع الحاجات الموسيقية المتغيرة. لكن للتغيير والتعديل حدود، ثم تبدأ الحاجة إلى أنقلاب كبير ومؤثر في النظام كله.

إشكالات نظام التدوين الموسيقي التقليدي ومحاولات تطويره

يعاني النظام التقليدي للتدوين من إشكالات عديدة تجعله بعيداً عن أن يكون النظام المثالي لكتابة الموسيقى وقراءتها، ويمثل عقبة عسيرة ومزعجة تتطلب جهوداً طويلة مضنية، ومستهلكة لروح الفن بالنسبة لدارس الموسيقى، حتى أن الكثير من دارسي الموسيقى، بل من الموسيقيين الكبار لم يتعلموا التدوين الموسيقي، رغم ما يكلفهم ذلك من خسائر في حياتهم الفنية لاحقاً.
وقد دفع هذا الأمر عدداً كبيراً جداً من الباحثين إلى إبتكار أنظمة تدوين أخرى في محاولة لتجاوز تلك الصعوبات، ومن أجل أن يكون التدوين الموسيقي أكثر تعبيراً عن محتواه الموسيقي وأسهل قراءة وتعلماً، وما نظامنا "التوافقية العراقية" –  أو "التوافق الأول" إلا واحد من تلك الأنظمة وجزء من تلك المحاولات. لقد بادر البعض إلى تجميع عدد كبير من تلك الأفكار في موقع على الإنترنت باسم (The Music Notation Project) (1) وهو مشروع حضاري كبير بكل معنى الكلمة، بما فيه من موسوعة كبيرة وشروح مبسطة وجهود كبيرة لتناول هذا الموضوع الأساسي في الموسيقى.
وتتكون الأنظمة المنشورة في الموقع، وتلك الأكبر عدداً منها المنشورة في كتاب من إصدار نفس الموقع، من أفكار تقدم بها فنانون وباحثون لتطوير التدوين الموسيقي، ويتم نشرها بعد قبولها الذي يتضمن فحصها وفق مقاييس دقيقة منشورة في الموقع أيضاً. وقد ارسلت نظام "التوافقية العراقية" عام 2009 ونشر قبل بضعة أشهر (2011) في الموقع.

إحدى الإشكالات الأساسية التي يعاني منها النظام الكلاسيكي للتدوين الموسيقي، هو أنه من النوع "المطلق" (مقابل النسبي). أي أن كل نغمة (دو، لا، مي..الخ) لها مكان "مطلق" ثابت في التدرج. ومن هذا تنتج عدة نقاط ضعف للتدرج.

نقطة الضعف الأولى هي أن القيمة المطلقة للنغمة لا تعبر عن أهم ما في النغمة، فـ "مي" مثلاً لها دور أساسي يعبر عن الإستقرار التام، عندما يكون الحديث عن سلم "مي" (الكبير او الصغير) ولها دور مختلف وتعبير مختلف عندما تكون في سلم آخر مثل "لا" أو "صول" ..الخ. هذا "الدور" أو "التعبير" أهم بكثير من النغمة المطلقة متمثلاً بدرجة ذبذبتها الفيزيائية. هذا الأمر لا يعكسه التدرج الكلاسيكي، فنغمة "مي" لها نفس الشكل والمكان مهما كان دورها في السلم الذي تعتمده المقطوعة الموسيقية.


http://musicnotation.org/y_img_home/KeysTrebleBass2.gif

شكل رقم (3) العلامات المعقدة التي تعبر عن سلم المقطوعة في النظام التقليدي

كذلك يعاني التدرج الكلاسيكي من أنه أهمل التعبير عن النغمات خارج السلم، ويضطر للإشارة إليها بوضع علامات إضافية أمام النوتات السلمية المرتبطة بها. وتحاول التدرجات الأحدث المسماة "كروماتية" تجنب ذلك من خلال إفراد مكان خاص لجميع النغمات، بما فيها ما هي خارج السلم، لكن ذلك يكون غالباً على حساب المزيد من الأسطر وصعوبة القراءة.

ومن نقاط ضعف التدرج التقليدي أن النوتة المكتوبة في هذا التدرج تكتب لسلم معين فقط، فإن أردت تحويلها إلى سلم آخر، وجب كتابتها من جديد.
كذلك فأن التعبير عن نوع السلم المستعمل يمثل بعدد (يصل إلى سبعة) من إشارات الديز أو البيمول، تمثل 15 نوع من السلالم الميجر والمينور. وتكتب هذه العلامات عند بداية المقطوعة (أنظر الشكل رقم (3)) ليستنتج العازف منها ما هو السلم المقصود من ذاكرته، وأي النغمات بالضبط يجب أن يرفع أو أيها يجب أن يخفض، حين يعزف اللحن، وهي عملية مرهقة ومملة يتجنبها في العادة كل من لا ينوي امتهان الموسيقى، وبعض من يمتهنونها ايضاً.

لحل هذه المعضلات إبتكر الموسيقيون أصنافاً جديدة من التدرج الموسيقي للنوتة هما الصنف "النسبي" والصنف "الكروماتي". ويقع تحت كل صنف عددٌ كبيرٌ من الأنظمة المختلفة للتدوين. يميز الأنظمة الكروماتية أنها تحتفظ بمكان خاص للنغمات خارج السلم، وبالتالي تستغني عن علامات الرفع (ديز) والخفض (بيمول). كما أنها وبفضل كون عدد النغمات في الأوكتاف 12 نغمة، فأن النغمات المتشابهة ستقع دائماً أما على السطر أو بين سطرين، مما يساعد على التعرف عليها بسهولة أكبر.

أما الأنظمة "النسبية" فيميزها أنها تعطي مكان النوتة قيمة "نسبية" تعتمد على مكانتها من السلم الموسيقي وليس على نغمتها وذبذبتها. مثل أن يكون السطر الأول دائماً مكان النغمة الأساس في السلم ، مهما كانت تلك النغمة، وليس نغمة "مي" بالضرورة كما هو الحال بالنسبة للتدرج التقليدي. "التوافقية العراقية" نظام – نسبي وكروماتي في نفس الوقت. أي أن مكان نغماته يحددها مكانة النغمة من السلم الموسيقي، وأن هناك مكان مخصص للنغمات خارج السلم.

نظام التدوين الموسيقي – التوافقية العراقية


http://musicnotation.org/w/images/thumb/3/3f/I-AccordMajorScale.jpg/800px-I-AccordMajorScale.jpg

شكل رقم (4) : نظام التدوين الموسيقي "التوافقية العراقية" – أو "التوافقية الأولى" للسلم الكبير – ميجر

"التوافقية العراقية" نظام تدوين موسيقى ، يهدف إلى تسهيل قراءة النوتة من ناحية، وإعطائها شكلاً أقرب ألى التعبير الموسيقي مما يعطيها النظام التقليدي، من الناحية الأخرى.

جاء إسم "التوافقية العراقية" أو "التوافق الأول"  من الإسم الإنكليزي الذي اخترته له وهو (I-Accord) مستفيداً من المصادفة في استعمال الحرف (I) والذي يعني رقم واحد ، او الأول في الأرقام الرومانية، وأعني به هنا "النغمة الأساس". وهو أيضاً الحرف الأول من "العراق" بالإنكليزية. وكذلك كلمة (Accord) التي تعني "التوافق" في الإنكليزية، وتعني أيضاً مجموعة الهارموني باللغة الفرنسية، وهو ما يعبر عن فكرة النظام بالضبط. لذلك فـ "التوافقية العراقية" رمز لما آمل به للشعب العراقي أن يتوافق شعبياً بمختلف مكوناته، ويطرد ما تسبب به الإحتلال عامداً من حساسيات، لتسود بينهم المحبة والإحترام والتوافق.

"التوافقية العراقية" نظام تدوين من الصنف النسبي – الكروماتي في نفس الوقت، من أصناف أنظمة التدوين الموسيقي ، يتكون من علامات موسيقية (نوتات) تكتب على 3 أسطر وما بينها، لكل اوكتاف. والشكل رقم (4) يبين 6 أسطر تغطي أوكتافين، ويوضح شكل النوتات.
السطر الأول من المجموعة يمثل موقع النغمة الأساس دائماً، وتتوزع بقية نغمات السلم على بقية السطور والفراغات، حيث لكل نغمة مكان خاص ثابت حسب قيمتها النسبية في ذلك السلم، (الأساس، الثانية، الثالثة..الخ) وليس قيمتها المطلقة (دو، ري، مي..الخ) . أما النغمات التي تقع خارج السلم المستعمل، مثل "النغمات الطارئة"، فلها مكانها الخاص أيضاً في هذا النظام، وبسبب قيمتها الخاصة في اللحن، رأينا تمييزها أكثر من خلال رسمها بشكل نصف بيضوي، بدلاً من البيضوي الكامل للنوتات الإعتيادية في السلم.
اما التعبير الزمني للنوتة، متمثلاً بشكلها ، فلا يختلف عن ما هو عليه في النظام التقليدي، وكذلك يبقي هذا النظام كل ما لم يتم الإشارة إلى تغييره عن النظام الكلاسيكي أو التقليدي.

ميزات نظام "التوافقية العراقية"

إضافة إلى الميزات التي تنبع من كون نظام "التوافقية العراقية"، نظاماً نسبياً ، فهو يتميز بعدة مزايا أخرى. فكونه يستعمل ثلاثة خطوط بدلاً من خمسة، وكذلك كون هذه الخطوط تمثل أوكتافاً واحداً فقط، يمنح هذا النظام ميزة سهولة القراءة ، وهذا أمر في غاية الأهمية ليس فقط بالنسبة للمتعلمين الجدد، وإنما أيضاً بالنسبة للعازفين حيث يحتاج العازف أن يتمكن من قراءة النوتة بنظرة سريعة عابرة أثناء العزف.
إن استعمال 3 خطوط تتكرر مع كل أوكتاف إضافي، يسهل بالتأكيد سرعة معرفة نوع النوتة (موقعها النغمي في السلم – دورها الموسيقي)، وفي أي أوكتاف تقع. فهذا التكرار يعني أن موقع النغمة النسبي (النغمة الأساس، النغمة الثالثة..الخ) سيكون في نفس المكان دائماً، في أسطر الأوكتافات المختلفة. فالنغمة الأساس (القرار في الموسيقى الشرقية) ستقع على السطر الأول ، وتقع النغمة الأساس التالية (الجواب في الموسيقى الشرقية) أيضاً على السطر الأول من مجموعة سطور الأوكتاف التالي إلى الأعلى.

لو نظرت إلى الشكل رقم (4) لـ "التوافقية العراقية" - الميجر، ولاحظت موقع النغمة الأساس (C) وتكراره في الخطوط العليا، وكذلك بالنسبة لنغمة الأساس (A) في الشكل رقم (5) للتوافقية العراقية - المينور، للاحظت كيف ان موقعها هو نفسه مكرر في الأعلى لما هو في الأسفل.

ولو قارنت ذلك بالرسم الخاص بالتدرج التقليدي (الشكل رقم (2)) لوجدت أن النغمة الأولى من اليسار (C) تأتي على السطر (القصير) في الأسفل كأول نغمة، ثم تتكرر في بداية الأوكتاف الثاني (نهاية الرسم في أقصى اليمين- شكل رقم (2)) لكنها تأتي هذه المرة بين سطرين وليس على السطر. ولا يشعر المرء من خلال مقارنة النغمتين بوجود علاقة بينهما من خلال النظر إلى التدرج. أما في نظام التوافقية، فمن الواضح أن الثانية تكرار للأولى. وكذلك يرى قارئ النوتة الجديدة بوضوح وسهولة أين يبدأ دخول الأوكتاف التالي، لأن الاسطر مقسمة إلى مجموعتين كل منها من 3 أسطر، على العكس من النظام التقليدي، حيث تمتزج الأشياء وتصعب رؤية القيم النسبية للنغمات وبالتالي دورها الموسيقي.



http://musicnotation.org/w/images/thumb/e/e6/I-AccordMinorScale.jpg/800px-I-AccordMinorScale.jpg

شكل رقم (5) : نظام التدوين الموسيقي "التوافقية العراقية" – أو "التوافقية الأولى" للسلم الصغير – مينور

النقطة الأخرى في نظام كتابة النوتة "التوافقية العراقية" هو أننا نلاحظ أن المسافة بين الأسطر ليست متساوية، وهي بين السطر الأول والثاني أكبر مما هي بين الثاني والثالث، في حالة كتابة نوتة السلم كبير - ميجر (شكل رقم (4)) وبالعكس في حالة كون السلم صغير – مينور (شكل رقم (5)).

هذا الفرق في المسافة وقلة عدد الأسطر يساعد على الرؤية السريعة للنوتة وفهمها، مقارنة بمجموعة الأسطر المتساوية المسافات التي يضيع فيها العازف ويحتاج للتدقيق ليميز الأسطر، خاصة قبل ان يكتسب الخبرة. 
لقد تميزت الأنظمة الكروماتية بكونها تجعل تمييز النغمة أكثر سهولة ، لأنها تقع على سطر أو فراغ دائماً، لكن المسافات المختلفة بين أسطر نظام "التوافقية العراقية" يضيف الكثير من السهولة الإضافية للتمييز.
لكن هذا ليس كل شيء، فهذا الفرق في المسافات وضع لتؤكد حقيقة أنه في السلم الكبير، تكون المسافة بين النغمة الأساس والثالثة هي مسافة "ثالثة كبيرة" ، بينما تكون المسافة بين النغمة الثالثة والخامسة، مسافة "ثالثة صغيرة" أما في المينور فالأمر بالعكس، ولذلك فأن المسافات بين الأسطر مقلوبة في التدرج المخصص للماينور.

بالتالي فأن المسافات بين الأسطر تخبرنا فوراً عن نوع السلم المستعمل (ميجر أو ماينور) أما نغمته الأساس فيمكن للعازف أن يحددها بنفسه كما يشاء، فهو يعلم أين يجب أن يعزف نغمات كل سلم على آلته، أو يجب ان يتعلمها في كل الأحوال ولمرة واحدة، ولا حاجة إلى علامات الديز والبيمول الكثيرة التي توضع في مقدمة التدرج في العادة.

شكل التعبير عن نوع السلم من خلال علامات الديز والبيمول التقليدي، وكأنه كتب ليخبر العازف في كل مرة عن كل نغمة من النغمات العديدة التي يجب عزفها بشكل ديز أو بيمول، ولا يخبره شيئاً عن السلم نفسه، ويفترض بالعازف أن يحفظ عن ظهر قلب العلاقة بين تلك التشكيلات من العلامات والسلم الذي تمثله ، لكي يتجنب المهمة المستحيلة في تذكر كل ديز أو بيمول أثناء العزف. هذا الإنتقال بين تشكيلات العلامات وإسم ونوع السلم جهد إضافي يجب تعلمه، ولا معنى له ويختفي تماماً في "التوافقية العراقية" باعتبارها نظام نسبي، يكتب بشكل يصلح للعزف على أي سلم يختاره العازف لآلته.

هذا يعني أيضاً أن النوتة المطبوعة للحن ما بطريقة "التوافقية العراقية"، ستكون صالحة للعزف على جميع السلالم ، ولا حاجة لكتابة أو طباعة أوراق نوتة إضافية إن احتجنا إلى عزف اللحن أو غنائه على سلم مختلف عن الأصلي الذي كتب به، وهي حاجة يعرفها ويعرف إزعاجها ممتهنوا الموسيقى والغناء وهواتهما.

قيمة تعبيرية جمالية

من خلال هذه العلاقة الثابتة التي تحدثنا عنها بين دور النغمة في اللحن، وموقعها في النوتة المدونة، يبدأ ترابط في ذهن العازف بين تلك النغمة التي يرى رمزها دائماً بشكله الثابت المميز، وبين الشعور الموسيقي الذي تثيره، من استقرار أو توتر، وما مدى ذلك الإستقرار؟ وأي نوع من التوتر هو؟ ونحو أي شيء ينحو؟ وأين يريد أن يستقر؟
ما الذي يمكن أن تنتجه تلك العلاقة الجديدة في ذهن العازف خلال السنين والعقود؟ هذا أمر متروك للتجربة، لكنه مثير للفضول بلا شك.

قيمة ميلودية للشكل

بالنسبة للشكل اللحني (الميلودي) الموسيقي، اتخيل النوتات في نظام "التوافقية العراقية"، عصافير "تستقر" على أسلاك الكهرباء، وأخرى "تطير" فيما بينها قبل ان تقرر أن تتجه نحو أحدها لتستقر عليه. كل سلك له استقرار معين، وكل فراغ له توتر مميز. عصافير مستقرة وأخرى قلقة تبحث عن استقرار، ذلك هو تصوري للنوتات في هذه المنظومة. هذا التصور غير متوفر البتة في النظام الكلاسيكي، حيث لا علاقة لمدى استقرار النغمة ودورها بمكان وجودها، على السطر أو بين الأسطر. تلك هي ميزة هذا النظام فيما يتعلق بـ "اللحن" أو "الميلودي" وتفوقه على النظام التقليدي.

سهولة رؤية الهارموني المعقد

إضافة إلى ذلك ، وربما الأهم منه، هو ما يضيفه هذا النظام من سهولة قراءة على المستوى التوافقي (الهارموني) الأكثر تعقيداً. فقد خصص النظام الأسطر الثلاثة للنغمات الثلاثة المكونة للتوافقية الثلاثية (chord or Accord) ومنها اشتق أسم النظام، لما يلعبه الكورد من أهمية كبرى في الموسيقى. وتقع النغمة الأساس على السطر الأول من الأسفل، والنغمة الثالثة السطر الثاني والنغمة الخامسة السطر الثالث.
والحكمة من هذا التوزيع متعددة الجوانب. أولها أنه يمكن من خلالها التعرف فوراً على التوافقية الأساسية بنظرة واحدة (حين لا نجد أية نغمة خارج الأسطر) مهما كان عدد النوتات المكونة لها وتكرار بعض النوتات، وسواء كتبت هذه النوتات بشكل كورد عمودي، أو بشكل تدرجي "أربيجيو". وورود التوافقيات في الموسيقى أمر مكرر كثيراً وعسير على القراءة السريعة. ففي الوقت الذي يحتاج قارئ النظام التقليدي أن يقرأ كل نوتة على حدة تقريباً، ليكون متأكداً، خاصة في حالة وجود نغمات مضاعفة (مكررة) في الكورد، فإنه يستطيع أن يكتفي في هذا النظام بنظرة واحدة لإكتشاف التوافقية (الكورد) وحتى إن كان الكورد مقلوباً أو مضاعفاً (أنظر الجانب الأيمن من الشكلين (4) و (5)).

وهناك المزيد. فسهولة اكتشاف التوافقية النقية بنظرة واحدة ، يجعلنا بالضرورة أكثر قدرة أيضاً على اكتشاف التوافقيات التي تضاف إليها نغمات إضافية، كالنغمة السابعة مثلاً، من خلال ملاحظة أن تلك النغمة المنفردة وحدها تقع بين الأسطر، بينما تقع الباقيات على الأسطر تماماً.
كذلك نستطيع بنظرة ان نكتشف التوافقيات المؤسسة على نغمة أخرى غير نغمة الأساس، مثل النغمة الثانية، فتقع في هذه الحالة جميع نغمات هذه التوافقية على الفراغات بين الأسطر! وطبعاً أية إضافات إليها ستكون أيضاً سهلة التمييز نسبياً.
وينطبق هذا الأمر على بقية التوافقيات حيث يساعد توزيع الأسطر في هذا النظام على إعطاء كل توافقية شكلاً محدداً أسهل تمييزاً مما في النظام التقليدي لكتابة النوتة. كذلك نلاحظ أن احتفاظ هذا النظام بالنغمات الإضافية على الكورد مميزة تعلن عن نفسها بوضوح فلا تختلط بنغمات الكورد، يساعد العازف على الإنتباه لها وإعطائها ما تستحق من تركيز واهتمام خاصين.
بالطبع ليس لذلك التمييز من أثر في النظام التقليدي، حيث تبدو النوتات كمجموعة واحدة يتطلب تمييز النغمة الخاصة بينها ، عازفين ذوي خبرة طويلة.

خاتمة

بعد كل هذا يخطر بالبال السؤال الهام: هل الفارق في سهولة الإستعمال وبقية الميزات يكفي لتحمل أعباء التغيير المكلفة؟
وهل هناك حقاً حاجة محسوسة لتطوير نظام الكتابة الموسيقية؟
في رأي أرنولد سخونبرغ، أحد أكثر مؤلفي القرن العشرين تاثيراً: "إن الحاجة إلى نظام جديد لكتابة الموسيقى، أو إلى تطوير كبير لما هو موجود، هي حاجة أكبر مما نتصور. وأن العقول العبقرية التي حاولت حل تلك المشكلة هي أكثر مما يعتقد معظم الناس".
ويعلمنا التاريخ أن سهولة قراءة واستعمال نظام معين قد تكون له نتائج ثورية أكبر مما يتخيل المرء. ولنأخذا مثالاً من تاريخ الرياضيات، فأن الأرقام العربية أو الهندية مثلت بالنسبة للعلم طفرة هائلة قياساً بالأرقام الرومانية لسهولة استعمالها وتنفيذ العمليات الحسابية الأساسية بواسطتها. فقد مكنت تلك السهولة المضافة علم الرياضيات من ان يصبح شعبياً بعد ان كان مقتصراً على الخاصة، وأن يتمكن أطفال اليوم من القيام بعمليات حسابية كانت معقدة لدى الرومان، حتى بالنسبة للجمع والطرح البسيط، أما عمليات الضرب والقسمة فكانت تحتاج إلى متخصصين في زمن الرومان وأرقامهم.

لذلك قد لا يكون من قبيل شطحات الخيال ان يتمكن اطفال المستقبل من خلال نظام تسجيل أبسط وأكثر تعبيراً للنوتات الموسيقية، من تعلم عزف معزوفات اكثر تعقيداً بوقت أقل، وأن يتمكن الفنانون من تخصيص وقت وجهد وأعصاب أقل لتعلم القراءة المجهد والممل، وأكثر للإبداع، وأن لا يجد الهواة في تعلم قراءة النوتة ذلك الحاجز المخيف الذي يجدونه اليوم، وبهذا تنتشر فائدة البساطة على الجميع خدمة لتطور الموسيقى وسعادة الإنسان.

صائب خليل
30 آب 2011
saieb.khalil-AT-gmail.com

http://musicnotation.org/wiki/I-Accord_Music_Notation

(1) http://musicnotation.org