المسيحيون العراقيون رموز للفضيلة وجسور للنهضة

بدء بواسطة لؤي كلو, يونيو 19, 2011, 12:41:14 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

لؤي كلو

المسيحيون العراقيون رموز للفضيلة وجسور للنهضة

كتابات - إسماعيل علوان التميمي
 
أنا كاتب المقال ، أكملت من العمر 55عاما ولم اسمع طيلة هذا العمر عراقيا واحدا يصف المسيحيين العراقيين إلا بعبارات الرضا والتقدير والإعجاب والثقة بهم. سمعت كلمة مسيحي أول مرة في حياتي في اليوم الدراسي الأول في الصف الأول الابتدائي في قرية العمرانية إحدى قرى قضاء المقدادية في محافظة ديالى ، عندما رافقني والدي في ذلك اليوم إلى المدرسة ودخلت معه إلى غرفة مدير المدرسة  الأستاذ نعيم محسن وكان صديق والدي ورحب به ، وقال لدينا شعبتين في الصف الأول الابتدائي ، الأولى  يدرس بها معلم مسيحي من بغداد اسمه فرنسيس لاوند ، والأخرى يدرس بها معلم من مدينة المقدادية في محافظة ديالى اسمه خالد عمران مصلوخ ، وترك المدير لوالدي أن يسجلني في الشعبة التي يختارها تقديرا كما يبدو للعلاقة التي تربطه به ، لم يتأخر والدي في الاختيار، فاختار على الفور الشعبة التي يدرس بها الأستاذ فرنسيس لاوند ، فنهض المدير ورافق والدي وأوصلاني إلى الصف ، وقال المدير للأستاذ فرنسيس (  طالب جديد ) فرحب بي وأجلسني في أول رحلة ، عند عودتي إلى البيت سالت والدي قائلا (بابا شنو يعني مسيحي ؟ )  فأجابني ( بابا يعني ادمي وصادك ويفتهم ) وفعلا كان أستاذي الأول مثلا رائعا للمعلم الحريص والمربي الفاضل وله فضل كبير في مجمل حياتي الدراسية اللاحقة ، كان يتابعنا يوميا ويهتم بنا واحدا واحدا ، وكان طبيبنا عندما نمرض ، لديه صيدلية في الصف فيها العديد من قناني الشرابات المضادة للالتهابات وأنواع العلاجات الخاصة بالأطفال، يقلم لنا اضافرنا ،يمشط لنا شعرنا ، يعلمنا كيف نهتم بنظافة أجسامنا وكيف نتناول غذائنا ، كان يصنع لنا وسائل إيضاح من مواد طينية ، يعلمنا كيف نمسك بالقلم  ، وكيف نرسم الحروف، حبب ألينا القول الصادق وفضيلة الاعتراف بالخطأ ، ومنذ ذلك اليوم إلى اليوم ، وكلما التقي بأحد الإخوة المسيحيين أتذكر معلمي  ووصف والدي له فاشعر باحترام شديد لعموم المسيحيين العراقيين واثق بهم ثقة كبيرة مقدما وقبل أن أتعامل معهم .
كل عراقي سكن أو تعامل أو درس مع المسيحيين يدرك تماما إنهم في الأعم الأغلب رموز للفضيلة ،مهذبون طيبون متسامحون محبون للآخر ، شديدوا الاحترام والحرص على مشاعر الآخرين  ، بسطاء صادقون لا يميلون إلى التهريج والفوضى ، نظيفة ضمائرهم وقلوبهم وجيوبهم وبيوتهم ، لا مكان عندهم للأحقاد والضغائن والكذب والنفاق والرذيلة . لا يسرقون ولا يكذبون ولا يخدعون ولا يفسدون  . تطمئن لهم النفوس وتنفتح لهم السرائر ، لا يلدغونك من الخلف ولا يضمرون لك السوء  ، انيقون ، مدنيون ، متحضرون ،علميون ، عقلانيون هادئون متوازنون ومتزنون، مسالمون ومنفتحون .لم اسمع من احدهم  نقدا أو قدحا  أو استهانة بالإسلام أو المسلمين .
إنهم سكان العراق الأصليين بلا منازع فهم أحفاد السريان والكلدانيين والمناذرة ، وطنيون متمسكون بوطنهم وبوطنيتهم ،
إنهم جسور للنهضة وقاطرة الحداثة ورموز الإبداع ، برز منهم مبدعون في شتى مجالات الحياة، أطباء كبار مثل زهير قصير وجلبرت توما ووليد غزالة وشوقي غزالة وفكتور شماس وسعد شماس وأنور برنو طي والقائمة تطول .برز منهم مؤرخون كبار مثل مجيد خدوري والأخوين كوركيس وسر كيس وميخائيل عواد وجرجيس فتح الله وصحفيون كبار مثل توفيق السمعاني وروفائيل بطي ومنهم لغويون انستاس الكرملي والدكتور متي عقراوي ومنهم اثاريون فؤاد سفر وبهنام أبو الصوف ومنهم موسيقيون منير بشير وجميل بشير ورائد جورج ومنهم مخرجون عوني كرومي وعمانوئيل رسام .
يقول المفكر العراقي المعروف  سيار الجميل في مقالة له حول مسيحيي العراق نشرت في عام 2004 ( يمكن اعتبار العراق في مدنه الحضرية الأساسية: الموصل وبغداد والبصرة وكركوك ، هي التي يجتمع فيها المسيحيون العراقيون مع عشرات القرى والأديرة التي تقع على الضفة اليسرى من دجلة قرب الموصل.. وتكاد تكون مدينة الموصل مركزا حقيقيا للملل والمذاهب المسيحية القديمة في الشرق إذ ينتشر اليعاقبة والكلدان الكاثوليك والارثودكس والسريان الارثودكس وهناك كل من الآثوريين ( نسبة إلى جبل أثور ) والتيارية والأرمن.. وكل من هذه الملل يتبع كنيسته وتقاليده القديمة التي لم تحاربها أبدا سلاسل من الفاتحين المسلمين ولا الخلفاء الراشدين أو الأمويين أو العباسيين ولا الخانات المغول والتتاريين ولا الاتابكة ولا السلاطين البويهيين أو السلاجقة أو العثمانيين )
لقد كان المسيحيون محل احترام الحكومات العراقية المتعاقبة إذا ما استثنينا ما جرى للأشوريين عام 1933 ، إلا إن المسيحيين بداوا الهجرة من العراق إلى الولايات المتحدة والدول الأوربية  على نطاق واسع بعد الحرب العراقية الإيرانية وخلال فترة الحصار الذي أعقب غزو صدام للكويت .
وبعد سقوط نظام صدام عام 2003 تعرض المسيحيون العراقيون إلى استهداف منظم من قبل تنظيم القاعدة بشكل مبكر ومنذ عام 2004وأعلن انه يتبنى سياسة طرد المسيحيين من وطنهم العراق وإلا القتل ، وفعلا تمكن هذا التنظيم من تنفيذ العديد من العمليات الإرهابية ضدهم ففجر العديد من أديرتهم وكنائسهم وأزهق العديد من أرواحهم وتمكن من تهجير مئات الآلاف منهم وآخر هذه الجرائم هي مجزرة كنيسة النجاة التي حصدت العشرات من الأرواح البريئة بلا ذنب ولا جريرة في قلب بغداد، إن البشاعة والخسة التي نفذت بها مجزرة كنيسة النجاة هزت بقوة الضمير الجمعي العراقي بكل أطيافه مع إن هذا التنظيم ارتكب مجازر افضع منها بكثير ضد أطياف الشعب الأخرى وأثناء إقامة هذه الأطياف لشعائرها الدينية .
المشكلة ان كل المكونات العراقية لديها إمكانية ردع إذا جاز التعبير تظهر عندما تتعرض للخطر سواء كان هذا الخطر من قبل الدولة أو من قبل مكونات عراقية أخرى  ، الأكراد في الشمال اضهروا قدرا كبيرا من قوة الردع لمحاولات الحكومات المتعاقبة لقمعهم ، سكان الجنوب والفرات الأوسط اضهروا كذلك القدرة على مواجهة القمع الذي مارسه صدام ضدهم ، وكذلك اظهر سكان المنطقة الغربية تحديا لنظام صدام ومقاومة باسلة ضد تنظيم القاعدة وجرائمه البشعة ، وكذلك التركمان اضهروا قدرا من قوة الردع عندما يتعرضون للخطر ، إلا المكون المسيحي فانه المكون الأعزل الوحيد من بين كل المكونات العراقية لان هذا المكون يرفض بشكل مطلق استخدام العنف وتحت أي ذريعة حتى لو كانت دفاعا عن النفس .
من هنا نجد الاستنكار والشجب الشعبي العراقي شديدا وموحدا عندما يتعرض المسيحيون العراقيون إلى القتل الجماعي من قبل قوى الظلام المدعومة بفتاوى عابرة للقارات تكفر كل سكان كوكب الأرض وتوجب قتلهم ومجهزة بشبكات تمويل عابرة للقارات أيضا ، مصدرها الأساس هو النفط العربي والإعراب الذين مازالوا يمجدون الإرهاب ويطلقون عليه أوصاف المقاومة والبطولة ولم نسمع منهم أي تنديد أو شجب أو رفض ضد الجرائم الإرهابية التي ترتكب يوميا في العراق وغير العراق منذ سبع سنوات.
إن العالم المتمدن يجب أن يلتحم بقوة في مواجهة الإرهاب وتجفيف البيئة الفكرية والمالية الحاضنة له في المنطقة وإلا فان السلام العالمي سيتعرض إلى تهديد حقيقي وسيكون ثمن مواجهته باهظا جدا لان المعركة مع الإرهاب معقدة ومكلفة وهي معركة غير تقليدية لان قوى الإرهاب متخصصة ومتمرسة في تدريب المجندين الانتحاريين المفخخين لقتل المدنيين ، وأثبتت التجربة إن مواجهة هذا النوع من العمليات الانتحارية يعد من أصعب واعقد العمليات العسكرية على الإطلاق .
إن هجرة المسيحين العراقيين من وطنهم الأصلي إلى خارج العراق هو بمثابة علامة نجاح لمشروع تنظيم القاعدة في إفراغ العراق من المسيحيين ،على الحكومة أن تتحمل مسؤولياتها الدستورية والوطنية في توفير الحماية الكاملة لهم ولاماكن عبادتهم ولا يمكن أن تكون هناك نجاحات أمنية حقيقية قبل أن يتم توفير الحماية الكاملة للمسيحيين العراقيين وبالتالي إيقاف تهجيرهم .  إن تهجير المسيحيين من العراق هو بمثابة ضربة قاصمة للنسيج الوطني العراقي الذي تشكل منذ آلاف السنين وسيحرم الوطن من خيرة أبنائه وخبرتهم ومن خيرة مبدعيه وكوادره لذا أقول لكم لا تخرجوا من بلادكم فانتم جزء فاعل وايجابي منها ومن شعبها ولم اجد هنا أفضل من تكرار الدعوة التي وجهها لكم الأستاذ فارس كمال نظمي في مقالته الرائعة عنكم (تحليل الشخصية المسيحية العراقية) والتي ختمها بالقول (إننا مدينون لكم يا مسيحيي بلادنا بأسمى فضائلنا بوصفنا عراقيين وبغداديين وبصريين وموصليين وأربيليين. لقد غرستم في أجيالنا فكرة التنوع والشوق للآخر واحترام الحياة حد افتداء الفرد لآثام الآخرين بحياته. فلا ترحلوا عن وطنكم وتتركوننا عالقين في غربتنا التي لا تمل من التناسل. سيكف العراق أن يكون عراقاً بدونكم. أنتم الأكثرية الحقيقية بحساب التمدن والجوهر الفاضل، فلا تتخلوا عن امتيازكم هذا. لا تغادرونا رجاءً، انتظروا هنا، وتناسلوا بقوة هنا. فلا وطن لكم إلا هنا

ماهر سعيد متي

ابدعت بحسن اختيارك لهذا الموضوع ... شكرا لك .. تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة