جريمة عرس التاجي واختطاف العراق نحو مضيف الشيخ محجوب!

بدء بواسطة صائب خليل, يونيو 07, 2011, 07:57:39 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

صائب خليل

جريمة عرس التاجي واختطاف العراق نحو مضيف الشيخ محجوب!


بعد أن تهدأ الروح قليلاً، وتأخذ نفساً يعينها على تحمل الصدمة المروعة لمجرمي عرس التاجي وكيف يمكن ان يصل الإنسان إلى هذا الوحش الأسطوري المتمثل بفراس الجبوري ومجموعته، لا مفر من أن يعمل فكره الهادئ للوصول إلى رؤوس خيوط لهذه الصدمة المروعة.

أول الملاحظات الهامة هي أن هذه الجريمة دليل آخر ، وليس الأول بالتأكيد، بأن ليس هناك "إرهاب" لمجرد الإرهاب، يقوم به أشخاص "يحبون" الإرهاب أو "يكرهون" البشر. الإرهاب عمل له هدف مثل كل الأعمال. ولإن الإرهاب عمل إجرامي شديد الخطورة على صاحبه، فلا بد أن يكون الهدف منه واضحاً وقوياً ليتحمل صاحبه تلك المخاطرة، وأن يكون وراءه من يدعمه ويسانده ويهيء له الأمور ويطمئنه إلى سلامته.
القائمين على هذا الإرهاب الشديد البشاعة، ليسوا مجانين ولا متخلفين عقلياً، (رغم أنهم قد يلغمون بعض المتخلفين كحملة متفجرات) بل بينهم الدكتور وبينهم الماجستير، وهم قياديين في أحزاب سياسية كبيرة، أي أنهم أناس يعرفون ما يريدون أفضل من غيرهم، ويعملون بتخطيط طويل المدى وتنظيم وإرادة عاليين.

بالتأكيد ليس الإغتصاب هو الهدف من جريمة عرس التاجي، فلو كان الأمر كذلك لما تم قتل الضحايا، وخاصة الأطفال. أوعلى الأقل لما تم اختيار هذه الطريقة المتعمدة البشاعة لقتلهم. لقد كان اسهل عليهم لو أنهم أرادوا محو الشهود مثلاً، أن يوجهوا رصاصة إلى رأس كل شخص بما فيهم الأطفال. لكنهم أرادوا شيئاً آخر... أرادوا "نشر الإرهاب" بعمل فضيع قدر الإمكان!

ويذكرني هذا بجريمة كنيسة سيدة النجاة، وبمقالة فراس الغضبان وقصته عن ذبح الضحايا وقطع رؤوسهم أمام الآخرين، فالإرهاب لا يخدمه بشكل كاف أن تقول بأن الجريمة كانت القتل بالرصاص، بل يجب تهيئة مسرحية مثيرة. مسرح إرهاب كنيسة سيدة النجاة تطلب مسرحية قتل استمرت ساعات طويلة، في الوقت الذي كان يمكن فيه قتل كل من في الكنيسة بخمسة دقائق فقط، لو ارادوا ذلك، أو ربما دقيقتين. لكن المسرحية يجب أن تأخذ وقتها، لذلك استمر العرض حتى الصباح، (ثم ذهبوا "خلف ا لستار" لكي "ينتحروا"! فالإنتحار ضروري لإكمال المشهد، مثلما هو السيف، وصرخات "ألله اكبر"). ولنفس السبب لم تقتل القنابل الكثيرة التي ألقيت في غرفة صغيرة، جميع الضحايا، وكانت قنبلة يدوية واحدة كافية لقتلهم عن آخرهم. المسرحية والمشهد الذي سينقل، أهم ما في الموضوع، لذلك يجب ترك عدد كاف من الشهود أحياءاً، وأن يتم تمثيل القصة بـ "تشويق" زائد، وأن ينقل فراس الغضبان السيناريو بشكل يخدم تلك المسرحية، كما تريدها الجهة التي تقف وراءها. ولنفس السبب توجب قطع ثديي العروس هنا أيضاً، وليس الإكتفاء باغتصابها (أمام زوجها!) وقتلها. 

ومن أكثر الأمور إثارة للإهتمام، علاقة اياد علاوي بالموضوع. الرجل الأساسي في هذه الجريمة الوحشية هو صديق لعلاوي وزميله في حزبه، حركة الوفاق الوطني، الذي يحتل الأول فيه مركز القيادة والثاني هو مدير مكتب الحركة في منطقة الرصافة الثالثة. ورغم المحاولة البائسة لإنكار تلك العلاقة، فأن المجرم الذي انطبع وجهه القبيح في ذاكرة كل العراقيين، قد تم تصويره في وقفات ودية مع أياد علاوي وفي مكتبه وهو يجلس أمام قطعة تبين منصبه، وكذلك في فيديو وهو يوزع الهدايا على المتميزين في الحزب!

ليس في الأمر اية غرابة بالنسبة لرجل مثل أياد علاوي أن يكون هؤلاء رفاقه، بل لن يكون عجيباً لو اكتشفنا يوماً أنه شارك في مثل تلك الجرائم بنفسه ونفذها بيده، فتاريخه الذي "لم يندم على شيء فيه" و"مستعد لتكراره" كما يقول بنفسه (1)، يرتبط بمنظمة إرهابية في حزب البعث، كانت مهمتها تصفية من تغضب عليهم قيادة الحزب. كذلك لا ننسى التهم التي وجهت إليه بشكل رسمي حول علاقته بمنظمات إرهابية في أكتوبر 2007 عندما اتهمته وزارة الداخلية مع حارث الضاري و "دولا اقليمية" بالتورط في احداث الزركة بمدينة النجف مطلع العام، وكشفت عن أسلحة خفيفة وثقيلة وأسلحة مقاومة للطائرات وانتهت بأحكام بين الإعدام والسجن الطويل، وأن "ضياء عبد الله الكرعاوي" حسب اعتراف شقيقه، كان على علاقة بأياد علاوي وكان يحصل منه على المال.(2) وعند فوز قائمة علاوي كتب جوشوا هولاند مقالة "هل انتخب العراق لتوه قاتلاً جماعياً؟" أشار فيها إلى أنه قتل بيده بدم بارد ستة "إرهابيين" مقيدين في مركز شرطة في العامرية، عام 2004. (3) هذه الحقائق أو التهم لعلاوي تم طمسها، ربما بسبب مكانته لدى الأمريكان بشكل خاص في بداية فترة احتلال العراق.

ليس في الأمر إذن ماهو جديد بالنسبة لعلاوي وما نعرفه عنه، إلا أن ماهو مثير أن هذه هي المرة الأولى التي تفتضح فيها القضية إلى هذه الدرجة من العلن. ورغم استغرابي لتأخر ردود فعل من هم حوله، (لعل أكثرهم لا يختلفون عنه كثيراً، لكن لا بد أن هناك البعض من صنف آخر)، لكني متأكد أن الهروب من هذه القائمة المشبوهة سوف يتسارع بشكل إنهياري. كذلك لا شك عندي بأن الأمريكان قد بدأوا البحث بشكل جدي عن بديل مماثل لم يفتضح بعد بهذا الشكل الصعب التسويق. وليس مستبعداً أبداً أن أحد أعضاء العراقية قد يمثل الدور، بعد ان يتظاهر بالثورة والغضب على الفضيحة ويقود البقية بتوجيه أمريكي بدلاً من علاوي، وقد يبدأ العمل مباشرة لدخول الحكومة وتخريبها، او يبقى في انتظار المرحلة القادمة إن تطلبت الظروف.

صحيح أن فضائح "الأصدقاء" هي إيجابية للأمريكان من ناحية، حيث تجعل من صاحبها طوع بنانهم، لا يجروء على أن يقول أية لا حتى لو أدى ذلك إلى التضحية به، لكن من الناحية الأخرى فأن تلك النماذج يصعب تسويقها بعد حد معين من الفضائح. لقد كان علاوي غنياً بالفضائح (4) لكنه اليوم ربما يكون قد عبر الممكن تسويقه حتى بإمكانيات أميركا الجبارة.

من الإستنتاجات الأخرى الهامة من الفضيحة، هي أن "الإرهاب يمكن إمساكه" أحياناً! فهذه هي المرة الأولى التي يتم إمساك شخص بهذا المنصب، يقوم بمثل هذه الجريمة، وهو قيادي في قائمة تسعى الولايات المتحدة إلى صعودها إلى الحكم بكل قوة! الحقيقة أنني بعد ردود فعل الحكومة على أجهزة كشف المتفجرات المزورة، وكذلك على الحقائق التي كشفت عن جريمة كنيسة النجاة، دون أتخاذ إجراءات معقولة، فقدت ثقتي بالجهاز الأمني تماماً، واعتبرته مخترقاً إلى أعلى المستويات من قبل "الإرهاب". لكن هذه القضية تعطي بصيص أمل ما، وتبين أن الإرهاب لا يسيطر على الجهاز الأمني، حتى إن كان قد اخترقه كثيراً جداً كما تشير القضيتان أعلاه، واللتان مازالت ملفاتهما مبهمة.

لقد تم القاء القبض على المجرمين الكبار هؤلاء، ومما لا شك فيه من خلال شجاعة كبيرة من عراقيين قرروا تحمل مخاطرة عظيمة بحياتهم، لكن القضية لم تنته بعد. وأول الأمور هو أننا لم نفهم بعد من يقف وراء هؤلاء، ولم يعط التحقيق قصة معقولة عن منظومة لها أهداف نهائية محددة تخدم تلك المنظمومة، وعن قدرة تلك المنظومة على البقاء على قيد الحياة وقدرتها على تنفيذ أعمالها غير الإعتيادية. فعمليات القتل وإغراق الأطفال وقطع الأثداء، أعمال ليست سهلة حتى على المجرمين، كما تبين دراسات علمية عن الموضوع اثبتت أن الناس العاديين يمكنهم انزال الأذى بالآخرين، أما التعذيب والقتل فيحتاج تدريب خاص (5) فمن هي الجهة التي تمول هؤلاء ومن هي الجهة التي دربتهم والتي تقوم بالتغطية على جرائمهم؟

عندما يكون الشخص ذو موقع مهم، خاصة في العراق، فلا شك أن أجهزة الأمن الأمريكية تتجسس على كل ما يقوم به وكل اتصال يجريه وكل علاقة يرتبط بها، وبشكل خاص قياديي الأحزاب المحسوبة عليهم (وخصومهم). وما لم يكن هذا الشخص ساذجاً إلى درجة كبيرة فهو يعرف ذلك. وهذا يثير سؤالين: كيف لم تعرف القوات الأمريكية بنشاط فراس هذا من قبل، فمما لا شك فيه أن عملية بهذا المستوى، لم تكن الدرس الأول في الإرهاب في حياته! والسؤال الثاني، كيف يتجرأ مثل هذا الرجل أن يقوم بما قام به، وهو يعلم أنه تحت المراقبة الشديدة في كل حركة من حركاته من قبل القوات الأمريكية؟ شيء ما أسكت الأمريكان، وشيء ما طمأن فراس الجبوري أنهم سوف يسكتون.. ربما كان هذين الشيئين شيئاً واحداً..

والآن؟ ما العمل؟ الخطوة الأولى في هذا الموقف شديد الحساسية هي تأمين عدم هرب هؤلاء المجرمين بأي شكل من الأشكال، خاصة بعد الفضائح الكبيرة في هروب السجناء، ولأهمية هؤلاء القصوى. وتأتي أهميتهم الخاصة إضافة إلى جريمتهم المتناهية البشاعة، إلى علاقتهم بأياد علاوي ورفاقه بالدرجة الأولى. ولأن هروبهم يعني توجيه ضربة مصداقية جديدة للحكومة بالدرجة الثانية. ولأنه على ما يبدو فأن المجرمين لم يعترفوا بكل شيء، بحيث تبدو القصة معقولة متكاملة كما أسلفنا. أي أن الرؤوس الأكبر المستفيدة من هذه العمليات والداعمة لها، مازالت مجهولة. وهذا أمر خطير، يشجع تلك الرؤوس على العمل بقوة أما على إنقاذ المجرمين أو التخلص منهم إن لم يكن إنقاذهم متيسراً. فعملية إنقاذ العسكريين البريطانيين كانت مخاطرة شديدة بحياتهم، لكن ما كان يهم الجيش البريطاني هو أن لا تخرج المعلومات التي يعرفونها إلى الخارج، مهما كانت طريقة منع ذلك وكلفته. وبالتالي فأن هذا يفرض أولاً ألسرعة في إكمال التحقيقات واستنفاد كل المعلومات منهم، وثانياً الإحتياط الكبير ليس فقط ضد إمكانيات هربهم، ولكن أيضاً ضد احتمال قتلهم ، ربما بـ "ألإنتحار" أو غيره! إن حدوث أي من الآمرين سيدمر مصداقية الحكومة بشكل يستحيل تصحيحه بعد ذلك، خاصة في هذا الوقت، ولن يلام من سوف يتهمها بالتعاون في العملية- عملية القتل أو الإنتحار أو الهرب!

أما على المستوى السياسي، فيجب على المالكي فوراً، إقتناص الفرصة ، أولاً، للتخلص من الشراكة المتناقضة الكريهة مع هذا الرجل وبعض رفاقه. فهم في وضع أضعف ما يكون، وللحكومة سبب كاف جداً ومنطقي لذلك، فمن ذا الذي يريد شريكاً في حكومته، يرتبط حزبه وقيادييه بعملية إرهابية من أبشع ما تكون؟ إن جميع من يقف اليوم مع علاوي، لا بد انه يراجع نفسه كثيراً الآن، ولعل أغلبهم قد ندم بالفعل، وحتى الآمريكان لن يكونوا متحمسين لإنقاذه في مثل هذا الموقف، خاصة أن قيمته قد انخفضت كثيراً.

الحالة المثالية هي أن يساق كل مشبوه له علاقة بالموضوع إلى المحاكم، لكن "توازن القوى" لن يسمح بذلك، فهذا يكشف أكثر من اللازم، إنما من الممكن جداً أن يسمح للمالكي بإنشاء حكومة أكثرية دون أن يتدخل بشكل عنيف للوقوف بوجهها. وبالطبع فأن تشكيل مثل تلك الحكومة أمر كريه وخطير بالنسبة للإحتلال، فربما تتمكن تلك الحكومة من تحقيق تقدم في ملفات أساسية مختلفة يصبح بعدها التخلص منها عسيراً، لكنهم مع ذلك قد لا يتمكنون من منع تشكيلها.  وإذا أصر المالكي أن يخرجوا قواتهم من البلد، فسوف تكون قدرتهم أقل لتنفيذ المؤامرات مستقبلاً، وربما قبلوا بالمعايشة مع حكومة عراقية ليست بالعمالة التي يحلمون بها، ولو في انتظار فرصة أفضل للتخلص منها بلا ضجيج ، وهو أمر في غاية الصعوبة الآن لأنه سيثبت الفضيحة في ذاكرة الناس تماماً بربطها بالحدث، وسيكشف تماماً أن الأمريكان وقائمة علاوي تقف وراء الإرهاب بل تقوم بتنفيذه بيدها، وإنها شعرت أنها انكشفت فلم يعد لها غير الهجوم لإنقاذ نفسها. ولعل العملية كانت مفاجئة بحيث صعب على مجموعة أميركا – علاوي أن تبادر إلى حركة قوية.

لذلك فهي اللحظة المناسبة لإقامة حكومة الأكثرية فوراً، وعدم ترك الأمر لعلاوي كما يحدث الآن، الذي سيتراجع، ربما باستشارة أمريكية، إلى خندق خلفي في انتظار فرصة افضل. وعدا ذلك فالرمز في اتخاذ القرار في اللحظة الحاسمة رمز مهم، فحتى الآن كان الجانب المقابل، الجانب الأمريكي البعثي، هو الوحيد المبادر والحاسم والواضح الإرادة، بينما بدا الجانب الحكومي يبحث دائماً عن توافق يسمح له بالإستمرار بالحكم دون تعريض نفسه للخطر، وكان دائماً على استعداد للتخلي حتى عن مسانديه عند الوصول إلى ما يكفيه لتلك الغاية. يبدو لي أنه يمكن تغيير هذه الصورة الآن.

من النادر أن يقوم المستفيدين النهائيين من الجرائم بتنفيذ الجرائم بأنفسهم أو من خلال من يرتبط معهم بشكل مباشر، خاصة إن كان هؤلاء المستفيدين من مستوى عال، كالإدارة الأمريكية ووكالاتها السرية وأصداقائها من السياسيين. لكن الأخطاء تحدث، لحسن الحظ، وتكشف أحياناً، على ندرة ذلك. لقد أخطأ البريطانيون عندما تركوا أثنين من عساكرهم ينفذون عملية إرهابية بأنفسهم، وتلاحقوا للأمر، وتمكنوا من تغطيته، رغم تسجيله وتصويره، واضطرارهم للقيام بعملية إنقاذ عنيفة لا تدع أي مجال لنفي القصة. لقد تركت تلك الفرصة النادرة للإمساك بالإرهاب الحقيقي تفوت، بسبب الضعف الشديد لحكومة الجعفري، وعدم اتخاذه موقفاً مبدئياً من الأمر. واليوم يمكن ان تمر هذه الفرصة الثانية لكشف الإرهاب الحقيقي وتوجيه ضربه له وليس للإرهاب الخرافي، إرهاب القاعدة والزرقاوي والعفاريت التي تفجر نفسها "بدون سبب". ويمكن أن يطمر الإعلام الذي يسيطر عليه الإحتلال هذه الحقائق مع الوقت، وتصبح أسطورة من أساطير "نظرية المؤامرة"، كما صارت قصة البريطانيين.

عندما تحدث فراس الجبوري عن العملية، لفت نظري أنه في إحدى المراحل، ربما كانت هناك فرصة للضحايا للإفلات من مصيرهم الدموي المرعب، لو أنهم فكروا بشكل سليم وشجاع. فحسب الجبوري، تم اقتياد سيارات الضحايا في موكب إلى مضيف الشيخ محجوب بسيارة أمامهم وأخرى خلفهم، وكانت السيارات الأسيرة تنقاد بينهما إلى فخها الأخير. ولم يحاول قادة تلك السيارات الهرب، فوصلوا إلى المكان الذي يسيطر عليه المجرمون تماماً وضاعت كل فرصة للنجاة. تذكرت عندها نصيحة الشرطة الهولندية لمن يتعرضون للخطف، أن يرفضوا الإنقياد إلى المكان الذي يختاره الخاطف، رغم خطورة ذلك، فالمخاطرة تبقى أقل من القبول، كما بينت هذه الحالة بوضوح.

أرى أن الولايات المتحدة تقود العراق من خلال مشروع إبقاء قواتها تكراراً، إلى "مضيف محجوب" آخر، فستجد الحكومات القادمة استحالة في إخراج تلك القوات من البلاد بعد أن تكون قد رسخت أقدامها في الأمن والجيش والسياسة. لقد حدث ذلك تكراراً في دول أخرى، فيكون سقوط الحكومة المنتخبة أيسر من إخراج قاعدة أمريكية، وآخرها ما حدث في اليابان حين استقالت الحكومة السابقة في العام الماضي بعد فشلها في تنفيذ وعدها الإنتخابي بإنهاء وجود القاعدة الأمريكية في أوكيناوا(6). واليوم يتحدث الجميع في العراق عن كتل سياسية محاصرة بين رغبة الشعب الواضحة في رفض الإحتلال من جهة، وبين ضغط الجيش الأمريكي الشديد لتنفيذ أجندته، مصحوباً بحملة إعلامية مشبوهة لتزيين خيانة الشعب.

أمامنا للمرة الثانية، حقيقة كبيرة، وكل حقيقة كبيرة هي فرصة كبيرة، فهل سنتركها تدفن إعلامياً كسابقتها؟ ربما كانت هذه هي فرصة العراق للخروج من هذا القمقم، وقد تكون الأخيرة، فهل للعراق من يتخذ قراراً حاسماً شجاعاً يقتنص تلك الفرصة؟ إن تضييع الفرص التي تقدمها صدفة نادرة، بحجم فضيحة البريطانيين أو مدير مكتب الوفاق متلبسين بالجريمة، قد يكون قاتلاً، ولا يكتشف ذلك إلا بعد فوات الآوان، بعد أن تجد الضحية نفسها في وضع ليس لها فيه خيار، في "مضيف الشيخ محجوب"!

(1) حقائق عن الدكتور اياد علاوي - القائمة العراقية 333
(2) http://www.alittihad.ae/details.php?id=144584&y=2007
(3) http://www.informationclearinghouse.info/article25096.htm
(4) http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=13299:-2-
(5) تجربة ميلكرام: http://en.wikipedia.org/wiki/Milgram_Experiment
(6) http://www.bbc.co.uk/news/10211314