مشاكسة / الربيــــع يأتــــي مرتيـــــن/ مال الله فرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يوليو 23, 2013, 10:46:33 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشاكسة
  الربيــــع
  يأتــــي مرتيـــــن

   

مال اللــــه فــرج   
Malalah_faraj@yahoo.com

                                                                                   
                             
عندما حط الربيع المصري الأول بموكبه المترع بالامال الكبيرة
على ضفاف النيل مطيحا بالرئيس محمد حسني مبارك ' كان يعد بالتغيير الشامل سواء في البنية السياسية وهي الاهم ' ام في بقية البنى الاقتصادية والاجتماعية بالاخص بعد ان مهد ذلك الربيع بتحطيم قضبان الحكم الفردي الذي احتجز داخل اقبيته الارادات الشعبية والتطلعات الجماهيرية والحريات السياسية لاكثر من ثلاثين عاما.
وحيث تسلم الاخوان وعلى رأسهم الرئيس مرسي السلطة ' تحت ضجيج وصخب الشعارات الدينية التي كانت تعد بالعدالة والمساواة واطلاق الحريات واعادة بناء الهياكل الاقتصادية , فان غالبية المصريين الذين صوتوا لمرسي انما كانوا يصوتون لشعارات رسمت امامهم امالا كبيرة بالتغيير الايجابي وبالقيادة الجماعية وباحترام النسيج الاجتماعي والسياسي والديني المصري بكل اطيافه والوانه واتجاهاته' ولم يكن يدر بخلد مطلق انسان ان ذلك الربيع الذي يعد بمواسم عطاء وتالق للحريات العامة واتساع مساحة حقوق الانسان يمكن ان ينقلب الى شتاء متجمد يوصد كل منافذ ومسارب الامل والتطلع نحو المستقبل ونحو الحرية والنهوض والحياة الحرة الكريمة, لكن هذا ما حدث اخيرا ' وهذا ما حفز الربيع ليعود ثانية , عاصفا غاضبا مدويا محتدا ليطيح بحكم الاخوان وليضع مرسي وأبرز قياديي حزبه امام المساءلة القانونية , بعد عام واحد فقط من امساكه بزمام قيادة البلاد ,في خضم اعنف اعصار سياسي في تاريخ مصر هزها بعنف وهز معها دول الربيع الاخرى القريبة منها ايضا, فلماذا حدث ما حدث؟
في الواقع ' وبعيدا عن التحليلات الفلسفية العميقة ووفق استقراء سريع للاحداث على الارض لابد ان يخلص المتابع المحايد للشأن المصري منذ تسلم الرئيس مرسي وقاعدته الاخوانية لمقاليد الحكم ولغاية اعصار الربيع الحالي الى حقيقة ان الاخوان هم الذين اطاحوا بانفسهم ' وفرطوا بفرصة تاريخية جاءت لهم على طبق من ذهب لكنهم اخطأوا حساباتهم واخطأوا في توقعاتهم واخطأوا تبعا لذلك في تصرفاتهم وفي تعاملهم مع اطياف الشعب المصري وبالتالي فهم من حيث يعلمون او لا يعلمون قد اجهزوا بأنفسهم على فرصتهم التاريخية بايديهم والتي من الصعب ان تتكرر ربما بعد عشرات السنين بفعل افرازات مواقفهم العنيفة في ظل الربيع الحالي , فكيف فرط الاخوان بفرصتهم الذهبية التاريخية تلك وهم الذين لم يكونوا يحلمون يوما ان تاتي بهم صناديق الاقتراع بمثل تلك السهولة الى رئاسة دولة كانت تفرض حظرا على أي تنظيم رسمي لهم ؟
في الواقع فرط الاخوان ورئيسهم بالفرصة التي ربما لن تتكرر بسهولة من خلال موقفين ستراتيجيين تفرعت عنهما بقية الاسباب والاجراءات والمواقف والسياسات الاخرى على الارض, الموقف الاول احساس الرئيس مرسي بانه رئيس للاخوان فقط وليس للمصريين جميعا ' وعليه ليس طاعتهم وتنفيذ حلقات ستراتيجيتهم حسب وانما تمييزهم عن بقية الشعب المصري واطيافه وقطاعاته من باب الانتماء اولا ومن باب رد الجميل بعد ذلك , وكأنه كان في رعايته المتميزة للاخوان التي فجرت اعمق مشاعر الامتعاض لدى بقية القطاعات كان يستنسخ شعار ( شعب الله المختار) واذا به بدل ان يجعل حزبه (حزب الشعب المختار)جعله(الحزب المحتار) الذي وجد نفسه فجأة يتربع على كرسي حكم اكبر واوسع منه بكثير ' فلا هو استطاع ان يملأ مساحة الكرسي بانجازات عامة تخدم قطاعات الشعب الكبيرة ' ولا هو افسح المجال للاطياف السياسية والجماهيرية الاخرى لمشاركته في ادراة دفة الحكم ' فضاع وسط مساحة كبيرة فشل في ملئها واضاع معه برنامجه وحضوره وتأثيره الجماهيري فامسى اشبه بكرة صغيرة ضائعة وسط ملعب كبير.
اما الموقف الستراتيجي الثاني فتمثل في عملية القراءة الخاطئة من قبل الاخوان لنتائج الانتخابات التي اوصلتهم لرئاسة البلاد ' اذ تصوروا ان صناديق الاقتراع التي عبروا من خلالها الى الحكم انما منحتهم (تفويضا سياسيا مفتوحا) في التصرف الكيفي او السياسي وفق ايدلوجية حزبهم وحسب ' بكل ما يعنيه ذلك من اهمال وتغييب وتهميش القوى والقطاعات الجماهيرية والسياسية الاخرى , وفق نظرة ومنهج هو اقرب للنظرة الاستبدادية وللدكتاتورية السياسية التي تحجم وتصادر وتلغي الاخرين' وبذلك عكسوا انطباعا سواء من خلال تصرفاتهم وبرامجهم وخططهم وهجماتهم على بقية الاطراف والقوى الوطنية , ام من خلال سياسة الرئيس مرسي 'حقيقة انهم ذاهبون لبناء نموذج للدولة الاحادية الشكل واللون والطعم والاتجاه وفق الستراتيجية الاخوانية, مما قاد عمليا الى الاطاحة بكل شعارات الحق والحرية والعدالة والمساواة والتكافؤ الاجتماعي والسياسي التي رفعوها خلال حملاتهم الدعائية التي سبقت الانتخابات ولتكتشف قطاعات جماهيرية واسعة كم كانت مخدوعة بشعارات لا جذور ولا وجود لها على ارض الواقع.
الى ذلك فقد اسهمت سياسات وقرارات الرئيس مرسي بعودة الربيع ثانية , هذا الربيع الذي رفعه من فوق كرسي الرئاسة ووضعه رهن المساءلة والاستجواب , وفي مقدمتها سوء الادارة ومحاولاته اخونة مصر وفرض دستور جديد يكرس ايدلوجية الاخوان رغم رفض قطاعات سياسية وجماهيرية واسعة له ورفضه لمبدأ التوافق الوطني وشن هجوم عنيف على الصحفيين والاعلاميين ووصفهم بمنتهكي القانون والمتهربين من دفع الضرائب , وكذلك على المعارضين ووصفهم بفلول النظام السابق , ترافق ذلك مع انفجار ازمات البطالة وارتفاع الاسعار وشحة المحروقات والركود الاقتصادي وتراجع السياحة التي تمثل عصب الاقتصاد ورفضه اجراء انتخابات رئاسية مبكرة او تشكيل حكومة تحالف وطني , وغيرها الكثير .. مما اسهم في الاسراع بعودة ربيع التغيير ثانية الذي انقذ مصر من السقوط في هوة الاخونة.
الى ذلك فان الخطأ الاكبر الذي ارتكبه ويرتكبه الاخوان بحق انفسهم وبحق تنظيمهم بعد الاطاحة برئيسهم يتمثل بعملية التخندق ضد ارادة غالبية المصريين والاحتكام للعنف مما بعث برسالة واضحة الى المصريين عموما والى الرأي العام العالمي تؤكد سطورها على ايدلوجية العنف والاقصاء والتفرد التي لجؤوا اليها مما يضعهم في خندق الارهاب ويعمق من عزلتهم ومن التوجس الداخلي والخارجي ضدهم وبذلك يوسعون من مساحة الرفض الشعبي لهم بين مختلف القطاعات الجماهيرية بالاخص تلك التي كانت مخدوعة بشعاراتهم الدينية ' ولعل جرائم بعضهم في القاء عدد من الشباب المعارضين لمرسي من فوق سطوح البنايات الشاهقة  والتي هزت الضمير الانساني بعنف في كل مكان ما يجسد عمق النفق المظلم من الرفض والادانة الذي سار اليه الاخوان بأرجلهم.
وبذلك يضع الشعب المصري بربيعه الثاني وبانتفاضته الرائعة امام كل الحكام تجسيدا عمليا لفلسفة الشاعر الكبير ابو القاسم الشابي عبر ابياته الشعرية الشهيرة العريقة التي يحفظها ربما كل العرب من المحيط الحائر الى الخليج العاثر:
(اذا الشعب يوما اراد الحياة فلا بد ان يستجيب القدر ... ولابد لليل ان ينجلي ولابد للقيد ان ينكسر) ' فهل يتعظ الحكام المستبدون والفاسدون والظالمون والسارقون والمتغطرسون ويتقوا الله في شعوبهم قبل ان تزلزل كراسي حكمهم عواصف واعاصير الربيع الذي تصنعه الارادات الشعبية ؟؟؟