عصافير جاءت تسأل عن الانسان / شمعون كوسا

بدء بواسطة matoka, مارس 16, 2013, 04:23:23 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

matoka

عصافير جاءت تسأل عن الانسان







برطلي . نت / بريد الموقع


وجدتُ نفسي قرب جذع شجرة كبيرة تمّ قطعها حديثا ، كان ذلك بعد مسيرة نصف ساعة كنت احاول فيها التخلص من كرب عشعش في رأسي طوال الليلة . كان الهمُّ قد استأجر رأسي بكافة اجنحته ليتمكن من تنفيذ مهمته بحرية كاملة . لم أرضَ الجلوس على جذع الشجرة إلا بعد تأكّدي من أنّ هذا الجلاد قد اخلى الموقع تماما. فاغمضت عينيّ ، وحلقت بعيدا في الاجواء كالطير الذي كان يرقب باب القفص . كنت ابتعد بسرعة واجوب الفضاء في كافة الاتجاهات . اشتقت الى الغناء ، فصرت ابحث عن ابعد الاوتار لآتي بنغمات أطربتني كثيرا في ازمنة ما وانستني كل شئ . تغزّلت بالطبيعة وصرت اتغنى بالانسان دائم الشكوى ، هو الذي سجّل الله باسمه  السماءَ بانجمها والارضَ بمروجها وازهارها ، انسان ينعم بنور الشمس واشعتها التي لا تتوقف عن ايجاد ثغرات بين الغيوم لرسم لوحات يقف اكبرالفنانين امامها مسحورا مشدوها .
في لحظاتي السعيدة هذه كان يرافقني عصفوران لم يشآ مفارقتي الى النهاية.  فتحتُ عيني  عند الهبوط فابصرت العصفورين واقفان بالقرب مني . أمعنتُ النظر فيهما مرّة تلو الاخرى ، فلاحظت وجهين يحملان سيماء طيور سبق لي وان التقيتها في حوار غريب . قلت في نفسي : يقيناً إنّ هذين أبناءُ لعصافير قصدتني في مهمة حوارقبل الان ، فالمنقار هو نفسه ، ولون العين مطابق تماما ، فضلا عن الريش الذي خفّ لونه قليلا ، لربّما بسبب اقتران الاب بأم غريبة !!

أحسستُ بان الطيور ترغب في مخاطبتي ، فبقيتُ انظر اليها ، إلى ان دخلت مجالا جعلني اسمع احدهما يقول :
لقد لاحظتُ من نظراتك بانك تعرّفتَ علينا . نعم ، نحن ابناء الطيور التي التقيتها . لقد حدّثني ابي عنك وعن المواضيع المختلفة التي تطرقت إليها ، وخاصة كلماتك عن الانسان الذي تنكّر للطبيعة وأخذ يعبث بها ،  الانسان الذي ابتعد عن مبادئه الروحية السامية التي كانت ترفعه وتميّزه عن بقية الكائنات ، وآثر الهبوط نحو المادة والتكالب على تكديس الاموال معتبرا أنّ كافة السبل مؤاتية من اجل ذلك . فسؤالي هو : هل يا تُرى قد تطور الانسان قليلا وعاد الى هدوئه وتصرفه الاخلاقي  الطبيعي ؟

استغربتُ لاهتمام هذه الطيور بامور الانسان  وقلت في نفسي ، أيعقل ان تكون الطيور تتناقل هذه المعلومات بينها وتنقلها ايضا لابنائها ؟ فتوجهت للطيرين وقلت : كنت قد قصدتُ اليوم شاطئ النهر بحثا عن لحظات خلوة ، ولكن هذا لا يهمّ ، يسرني ان اسمعكما واخاطبكما لانكما نموذج لمخلوقاتٍ تحترم الطبيعة وتسير وفق قوانينها ، وتابعتُ :
لقد تطور الانسان فعلا في مجال  العلم  والاكتشافات والصناعات ، ولكنه بقي ذاك الكائنَ ذا التصرف الشائن . إنه لا يؤمن إلا بما يدرّ عليه مكسبا ، ولا ينظر للاخرين ، مهما كانوا ، إلا من خلال هذه النافذة .  لقد بدأ الانسان يقفز قفزات كبيرة في حقول التقنية ، غير ان هذا لم يزده إلاّ غروراً . بات الانسان يرى نفسه خالق الكون ، ويعتقد بان كل شئ هو الان من صنع يده . لم يعد لديه مجال محرّم ، والقيودُ التي فرضتها الاخلاق والطبيعة قد أزالها من تلقاء ذاته ، لانها تعيقه في طريق أهوائه واهدافه ،  فهو يقول : لقد تغيرت الدنيا ، وكل شئ يجب ان يتغير فيها ،  بما فيها  التقاليد وحتى والاخلاق .

لقد شرع الانسان بتشويه الطبيعة ، وبحجة التطوّر، أخذ يعبث بها ويجري عليها تجاربه بحيث  لم يُبقِ شيئا على سجيته ، اعني كما كان قد خلقه الله ، فالنبات ضحية والحيوان ضحية والانسان نفسه ضحية لكثير من اختباراته،  ففي الكثير من علاجاته ، يتضح بان ما هو صالح اليوم يغدو مضرا بعد حين .
واذا تحولتُ الى موضوع ممارساته الأخلاقية ، فاني سأروي لكما ما هو شبه فضيحة . هل يمكنكما التصور بان بعض البلدان ، التي تعتبر نفسها متقدمة ومتطورة جدا ، قد بدأت بسنّ قوانين تجيز زواج المثليّين او المماثلين جنسياً ، أي أن يتزوج الرجل رجلا ، والمرأة امراة .
بهتَ العصفوران من كلامي ، ووضع أحدهما جناحَه على منقاره خجلا ، وبدأ يكلم زميله بانزعاج ، وقال : إن هذا أمر يدعو للقرف ، ناهيك عن انه تصرّف ضد الطبيعة .
قلتُ له: كانت مثل هذه الممارسات اللاطبيعية المحدودة  موجودةً منذ اقدم العصور، غير انه لم يكن يأتي احد على ذكرها  .  لقد بلغ البطر بالانسان حدَا قاده الى مثل هذه الممارسات . لقد ملّ مما هو طبيعي ورأى بانه لا بأس من مناقضة الطبيعة ،  هل تصدقاني اذا قلت لكما بان هذا الزواج يتمّ الان امام السلطات الرسمية ويتم تدوينه في السجلات .

قال احد العصفورين ، إن عقلنا الصغير لا يدرك هذا ، ولكننا نتساءل ومن اين سيأتي هؤلاء بالاطفال ؟

قلت له : إن اكثريتهم يطالبون بتبني الاطفال .
قال العصفور الثاني : واذا كانوا مشتاقين للاطفال لماذا التبني ، ولماذا لا يتزوج الرجلُ امرأةً والمرأةُ رجلًا ؟ ومن جهة اخرى ، اذا افترضنا بان الجميع تطوروا بهذا الاتجاه المثليّ اللاطبيعي ، بما أنّ تطورًهم السريع يقبل ذلك أولربما يشجعه ، فإذا قرّر الجميع إتخاذ هذا المنحى ، ماذا سيكون مصير الطبيعة ، هل ستبقي هناك بشرية ؟

قلتُ له إن كلامك هو المنطق بالذات ،  وأضفتُ : ما دمنا في صدد عدم منطقية الانسان وتناقضاته ، سأحدثك عن موضوع آخر .  لقد دأب الانسان على زرع نبتة التبغ فحوّلها تدريجيا الى سيجائر للتدخين . بعد فترة من الزمن ، اكتشف الانسان بان التبغَ مادةُ مضرة ، فقرر تنبيه مدخنيه  بالكتابة على العلب التي يبيعها : (التدخين مضرّ بالصحة) ، غير انه لم يَقُم بمنع هذه المادة المضرّة لان صناعتها تدرّ الكثيرعلى بعض القوى المتنفذة .

بعد تفاقم أضرار السيجارة ، قررت الحكومات تشديد تنبيهها  فاصبحت الصيغة  : (التدخين يسبب السرطان) . لا يخفى على أحد بان السرطان مرض عضال ، ولكنّه لم يجرؤ أحد على إثارة حتى امكانية التقليل من الانتاج ، لان هذا كان سيخفض ارباح المصنّعين الطائلة ، ويقلل من ايرادات الضرائب . عندما تفاقمت الامور ورأوا بان اغلب الامراض متأتية من التدخين، من باب المجاملة لضميرهم المنازع ، وضع المسؤولون على العلب ، عبارة اقوى تُقرأ كالتالي : (التدخين يقتل) . لم يكترث الناس لهذا التغييرلان الجميع باتوا مقتنعون ببقاء هذه الصناعة . إنهم يبيعون سُمّا بصورة رسمية ، لانهم يقولون بصراحة بان التدخين يقتل ، ولكن لا احد يفكر بمنعه لان المستفيدين منه هم اناس اشدّاء. بل ان بعضهم يروّج لبضاعته ولطريقة تصنيعها ، وكل شركة تقول : اشتروا سمّي لأنه الافضل !!

هذا مثل آخر عن ممارسات بني البشر . هل لي ان اتابع الحديث عن كائنات لم تُبقِ قيدا على أيّ شئ ، وقامت بلوي قوانين الطبيعة وتحويرها بما يخدم لذّتها ومنفعتها وانانيتها . نظر إليّ العصفوران بأسف ، والتفتا لبعضهما وقالا : قد نقعُ في الخطيئة إذا تابعنا الاصغاء لبقية الحديث ، وطارا.









Matty AL Mache

ماهر سعيد متي

مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة