المطران اسحق ساكا .. ذكريات وبصمات

بدء بواسطة بهنام شابا شمني, ديسمبر 20, 2011, 08:40:56 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

بهنام شابا شمني

المطران اسحق ساكا .. ذكريات وبصمات


لم يكن مرور المثلث الرحمة المطران سيويريوس اسحق ساكا البرطلي في الحياة مرور الكرام ، بل ترك بصمة وذكرى في كل جوانبها ومجالاتها .
فعلى الصعيد الشخصي ، وفي بداية السبعينيات من القرن الماضي وانا صبي ، كنت ارافق والدي ، او حريصا على مرافقته في زياراته اليومية لصديقه الراهب اسحق ساكا ، تلك الصداقة الحميمية التي باتت معروفة لدى المجتمع البرطلي والتي تربط الراهب الناسك المثقف بالفلاح العاشق للثقافة وللكنيسة ، حتى قال فيها المطران اسحق ساكا يوما ، انه يعتز بصداقته لاثنين وكلاهما قد وافاهما الاجل احدهما ( شابا ستّو ) في برطلة .
كنت اصاحبه في زياراته المسائية لدار المغفور له الواقع في احد ازقة برطلة القديمة ، تلك الازقة الضيقة والبيوت القديمة التي خرج من بين ثناياها ومن تحت سقوفها رجال اغنوا الكنيسة والانسانية بافكارهم ونتاجاتهم وروحانيتهم ، والتي طالما بدأوا مشوار حياتهم العلمية والدينية والثقافية فيها ، لينطلقوا من بعدها الى العالم الاوسع .
في هذه الزيارات كنت اراقب تحركات هذا الرجل المطلع على الثقافات والمعايش لمجتمعات متطورة ومتحضرة مقارنة مع مجتمعاتنا البسيطة ، فكان رجلا مختلفا يزيدني الفضول لحضور مجالسه .
اراقبه كيف كان يتناول طعامه بهدوء وهو جالس على طاولة ، يوم كنا نحن نفترش الارض مشكلين حلقة دائرية حول طبق طعام واحد واصوات الملاعق والاطباق تعلو في المكان ، استمع اليه وهو يتحدث في امور دينية ، كنسية ، روحية ، عقائدية ، ثقافية ، بحكم اهتماماته كرجل دين وثقافة ومسافر بين الحين والاخر ، فكانت هذه الاماسي بالنسبة لي هي النافذة التي اتطلع منها الى الدين والثقافة والاطلاع على اخبار وثقافات الشعوب ، في وقت لم يكن الا للقلة القليلة وسائل للترفيه كالتلفزيون مثلا ، وربما كانت هذه هي البذرة التي زرعت في نفسي اهتماماتي وتوجهاتي بعدئذ . كنت اتوق الدخول الى تلك الغرفة التي دائما ما يختلي فيها منفردا بعدما نفارقه وكانها صومعة لا تنفتح الا للضيوف الكبار ، فاسترقت النظر مرة لاجد مكتبة مليئة بالكتب كم تمنيت ان الامسها . 
اما بالنسبة لبرطلة فقد وضع المطران اسحق ساكا بصمته في تاريخ هذه المدينة السريانية التي انجبت العديد من رجال الفكر والعلم والادب عبر تاريخها الطويل ، ابتداءً من سيويريوس يعقوب البرطلي صاحب كتاب الكنوز ( 1241 ) مرورا بالبطريرك يعقوب الثالث البرطلي العلامة والمؤرخ المشهور وأمير الموسيقى السريانية في القرن العشرين ( 1980 ) والبروفسور باسيل عكولة البرطلي  ، كما انه ينتمي الى تلك المجموعة التي  قدمتها هذه البلدة المؤمنة لخدمة الكنيسة في منتصف القرن العشرين ، فكان بحق عصر الكنيسة الذهبي لبرطلة فكان يعقوب الثالث البطريرك الذائع الصيت وعدد من المطارنة رفاق المغفور له والاباء الكهنة الذين خدموا هذه الكنيسة والذين لا زالوا يعملون في حقلها . ، من امثال المثلث الرحمة المطران لوقا شعيا والمطران صليبا شمعون والمطران متى شمعون والمرحوم الاب الخوري الياس شعيا والمرحوم الاب افرام جونا وغيرهم كثيرون .
وبالنسبة لدير مار متى فهو احد رؤساء الدير الذين تركوا بصمات واضحة في تاريخ هذا الدير الذي يمتد الى ستة عشر قرنا ، حيث تسلم رئاسة الدير ما يقارب الثلاثين سنة ، فهو الذي وضع هذا الدير على خارطة السياحة الدينية في العراق ، فخلال فترة رئاسته شق الطريق الذي يرتقي من اسفل الجبل الى الدير ، كما جرى في عهده الكثير من عمليات الاعمار والترميم والتوسيع ، واصبح للدير موقعا متميزا ومحترما في المنطقة لادارته الحكيمة .
اما في الكنيسة السريانية الارثوذكسية فهو احد مطارنتها الذين قادوا دفة الكنيسة في الربع الاخير من القرن العشرين وبدايات القرن الواحد والعشرين ، فكان يشغل منصب النائب البطريركي العام للدراسات السريانية ، ينشر الايمان والمعرفة بعقائد الكنيسة عبروضعه مؤلفات ايمانية وعقائدية مثل تفسير القداس والاله المتجسد والاسرار السبعة حسب اعتقاد الكنيسة السريانية وابحاث لاهوتية هامة وكنيستي السريانية . بالاضافة الى الى انه كان يتنقل من كنيسة الى اخرى يعظ المؤمنين ويلقي المحاضرات الدينية والعقائدية .
اما بالنسبة لكنيسة المشرق فيعتبر من المؤرخين لها فقدم مؤلفات تاريخية تحكي قصة جهاد هذه الكنيسة ، فجاء مؤلفه السريان ايمان وحضارة باجزائه الخمسة موسوعة كاملة لتاريخ هذه المجموعة البشرية في الشرق ، وتاريخ دير مار متى احد اعمدة المسيحية في الشرق .
لقد كان المطران اسحق ساكا رجل فكر وادب ، قدم الكثير من المؤلفات في هذين المجالين ، له ديوان شعر بالسريانية والعربية بالاضافة الى العشرات من القصائد التي ضمّنها لمؤلفاته ، والمئات من المقالات الدينية والفكرية التي نشرت في عشرات الصحف والمجلات العراقية والعربية ، واجريت معه العشرات من اللقاءات التلفزيونية مع محطات التلفزة التابعة لابناء شعبنا مستأنسين بآراءه وافكاره وطروحاته اللغوية والقومية .
كان رجلا يعرف كيف يعيش الازمات ، يصلح لكل زمان ومكان ، خطيب مفوه ، يملك الحجة وقدرة الاقناع ، صاحب كاريزما تُبهر المقابل .
لقد رحل المطران اسحق ساكا وذكراه وبصماته ستبقى عالقة في اذهاننا وفي التاريخ .   
   


     


ماهر سعيد متي

ذكريات وبصمات وكلمات رثاء جميلة، بوركت اناملك ... تحياتي
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة

matoka

سيرة عطرة ... يسطرها الكبار
هكذا يخلد المبدعون
Matty AL Mache