استشراف المستقبل العراقي: معادلة الأرض والنفط والإنسان «1»

بدء بواسطة ماهر سعيد متي, نوفمبر 20, 2011, 03:37:25 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

ماهر سعيد متي

علي غالب بابان

استشراف المستقبل العراقي: معادلة الأرض والنفط والإنسان «1»





كلما حاولت أن أسطر بعض الأفكار والرؤى حول المستقبل العراقي، انتابني شعور بالأسى لم أجهد كثيرا في التعرف على أسبابه. أول هذه الأسباب يتمثل في ان الرأي العام العراقي يبدو وكأنه في عزلة وعدم اكتراث لهذه المباحث. هو غائب أو مغيب عنها. له ما يشغله ويصرف أنظاره بعيدا عنها. فالانسان هنا يفكر في يومه (وقد حاصرته هموم الحياة) أكثر مما يجهد نفسه في التفكير بغده. ثم أن المفردة السياسية والعنوان السياسي يفرض نفسه على سمع إنساننا هذا وبصره صباح مساء، غير تارك لسواه موضعا.

النخبة السياسية، من جانبها، وهي التي يفترض بها أن ترتقي بوعي المواطن وتعيد لديه ترتيب الأولويات وتضع الملفات الأساسية الخطيرة في دائرة اهتماماته المباشرة، محجمة عن مهمتها هذه مع الأسف.

ما الذي ستجده إذا انت طالعت العناوين البارزة في نشرات الأخبار العراقية ووكالات الأنباء المحلية؟ ستجد بالطبع العناوين نفسها تتكرر بلا كلل ولا ملل. هي نفسها منذ بضعة أشهر. وكلها تدور حول مسائل فرعية تافهة لا ترقى أبدا الى مستوى التحديات، التي تواجه الإنسان العراقي فعلا. ستجد عناوين مضى عليها ستة أو سبعة أشهر من دون أن يطرأ عليها تطور أو تبدل، حتى ان المواطن المسكين "أدمن" سماعها: تسمية الوزراء الأمنيين؛ من يتولى وزارة الدفاع؟ أهو "س" أم "ص" أم لا هذا ولا ذاك؟ وما شأن رواتب الرئاسات الثلاث؟ وهل يستحق الوزارء أو النواب خمسة أو ستة ملايين دينار أو ما يزيد؟

وإذا ما أردنا تحديث الأخبار، جعلنا موعد قدوم الوفد الكردي الى بغداد الخبر الرئيس. وتطرح التساؤلات كما في كل مرة: هل سيأتي هذا الوفد أم لا؟ متى سيأتي؟ من هم أعضاء الوفد المفاوض؟

صار الحراك السياسي في بلادنا (علاكا سياسيا) يمضغ فيه المسؤولون والساسة القضايا والمواضيع كالعلكة، فيما يمر الوقت الثمين بلا حساب وتضيع الفرصة على العراقيين للخروج من واقع كئيب.

أما ثاني أسباب الأسى الذي يضربني كلما كتبت وفكرت في مستقبل وطننا، فمرده إلى أننا نعيش أزمة وطنية خطيرة يتحسس منها أهل الوعي ويرصدون نذرها ويتخوفون من عواقبها. أزمة يصح أن نصفها ببيت الشعر العربي المعروف:

أرى خلل الرماد وميض نار ويوشك أن يكون لها ضرام

نحن اليوم في أتون أزمة وطنية هي أكبر من خلافات السياسيين وتنافساتهم. فهذه الخلافات والتنافسات من لوازم الحياة السياسية في أي بلد ولا تثير المزيد من القلق، لكن ما نعيشه أعمق من ذلك وأشد خطرا لأنه مرتبط بأصل العلاقة بين مكونات المجتمع العراقي، وبأساس تكوين الدولة العراقية ومستقبل تماسكها.

لهذا عندما أكتب عن معادلة المياه والنفط والسكان في عراق المستقبل، قد يعترض علي كثيرون قائلين "هلا أقمنا أسس الدولة السياسية والدستورية وحسمنا الجدال حول العلاقة بين مكوناتها، قبل أن نتحدث عن مستقبل أجيالها القادمة ورخائها؟"

يبدو ان مثل هذا الاعتراض وكأنه يحمل في طياته هاجسا أو شكا كئيبا في أن العراق، بصيغته الحالية، قد لا يستمر من دون حسم الأسئلة الرئيسة، التي تطرح اليوم سرا وعلنا، حول ترتيب أوضاعه وعلاقات عناصره. فقبل أيام، قال لي صديق مقرب: "أنت كمن يتحدث ويناقش حول تفاصيل منزل وتزيين غرفه، فيما لم نفرغ من وضع أسسه بعد، ولم نحدد ملكيته، لأي واحد منا ستؤول؟"

ربما يكون في اعتراض صاحبي قدر من المصداقية. لكنني في واقع الأمر لا اعتقد أن انحسار المياه، أو مسألة قنبلة المواليد العراقية القادمة، أو مستقبل الثروة النفطية، واستراتيجيات التنمية في وطننا، هي مما يمكن للمرء أن يسقطه من تفكيره أو يؤجله ريثما ينهي السياسيون خلافاتهم ونقاشاتهم.

من المؤسف، أننا كعراقيين، نتحدث كثيرا عن التاريخ، نجتر تفاصيله أو نبكي له أو نتفرق بسببه، ونصطرع حول تقييم أحداثه صراعا تسيل له دماء، لكننا لا نتحدث كثيرا عن مستقبلنا واحتمالاته؛ ندير ظهورنا لاستحقاقاته؛ نشيح بوجوهنا عنه فيما التاريخ صار وراء ظهورنا والمستقبل هو الذي أمامنا.

إذا كان بعض يفهم هذا الانشداد للتاريخ على أنه جزء من التزام ديني، الا ان الحال ينبغي أن يكون على النقيض من هذا تماما (وبالأدلة الدينية الشرعية ذاتها). فالإسلام ينحاز للمستقبل، على وفق نصوص القرآن التي يقرأها كثير منا من دون أن يفقهوا مغزاها. فهذا القرآن يعلمنا: ( يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله ولتنظر نفس ما قدمت لغد). على هذا نحن أمة مأمورون شرعا أن ننظر ماذا قدمنا لغدنا. وعندما تفتح كتب التفسير تجد أن علماءه يقولون أن الغد في القرآن الكريم وفي اللغة العربية (كناية) عن المستقبل. القرآن يندد بمن يقدم (العاجلة)، أي يجعل همه مقتصرا على يومه ولحظته، ويعد ذلك منهجا مرفوضا في حياة الفرد المسلم، والمجتمع المسلم، وسلوكيا منحرفا عن السبيل القويم: (كلا بل تحبون العاجلة)؛ (إن هؤلاء يحبون العاجلة ويذرون وراءهم يوما ثقيلا). واليوم الثقيل هنا لا يمكن قصره على الآخرة وحدها دون غيرها لأن نقيض العاجلة هو (الآجلة) وليس اليوم الآخر فقط.

يا ترى هل نحن في العراق، كمجتمع ودولة، ممن يقدم حسابات العاجلة، واحتياجات العاجلة على سواها تاركين لأجيالنا القادمة (يوما ثقيلا) وأوضاعا صعبة، لا نبذل، نحن عراقيو اليوم، جهدا في تجنبها وتفاديها؟ أنحن أمة (بلا بوصلة) لا ندري إنْ كنا نسير في طريق صاعد أم منحدر هابط؟ أعيوننا مغمضة وليس لدينا (إطلالة) على المستقبل، ولذلك لا ندري كم (هاوية) أو (درك) ينتظرنا في الغد؟ إذا كان هذا هو وصفنا، فعلينا أن نقر أن أمام أبنائنا وأحفادنا على هذه الأرض العديد من (الأيام الثقيلة) كما يصف القرآن ويحذر.

* وزير التخطيط السابق
http://www.facebook.com/notes/ali-baban/%D8%A5%D8%B3%D8%AA%D8%B4%D8%B1%D8%A7%D9%81-%D8%A7%D9%84%D9%85%D8%B3%D8%AA%D9%82%D8%A8%D9%84-%D8%A7%D9%84%D8%B9%D8%B1%D8%A7%D9%82%D9%8A-%D9%85%D8%B9%D8%A7%D8%AF%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A3%D8%B1%D8%B6-%D9%88%D8%A7%D9%84%D9%86%D9%81%D8%B7-%D9%88%D8%A7%D9%84%D8%A5%D9%86%D8%B3%D8%A7%D9%86-%D8%A7%D9%84%D8%AD%D9%84%D9%82%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D9%88%D9%84%D9%89/10150349462580836
مقولة جميلة : بدلا من ان تلعن الظلام .. اشعل شمعة