هل الأمر هو مجرد ثورة شباب أم أزمة مالية ضربت جوانب الحياة؟

بدء بواسطة د.عبد الاحد متي دنحا, أكتوبر 28, 2011, 07:17:19 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

د.عبد الاحد متي دنحا

هل الأمر هو مجرد ثورة شباب أم أزمة مالية ضربت جوانب الحياة؟
27/10/2011  جريدة عمان  10:13:25 AM
ما الذي يجري في العديد من العواصم الغربية وفي مقدمتها واشنطن ولندن وروما وفي نيويورك عاصمة المال في الولايات المتحدة الامريكية ومقر ومستقر حركة رؤوس الأموال العالمية بالتوازي مع الولايات المتحدة الامريكية؟
هل الأمر هو مجرد ثورة شباب أم أزمة مالية ضربت جوانب الحياة المختلفة ؟
واقع الحال يشير الى أنه ربما كان ما جرى ويجري أبعد من ذلك بكثير، انه ثورة على تسليع الإنسان، وعلى نظام اقتصادي جعل الإنسان ترسا في ماكينة، أو رقما وسط كومة أوراق، لا كرامة ولا إنسانية، رأسمالية جشعة تبغي السيطرة على العالم كما من قبلها حاولت الشيوعية وأخفقت.
إنها ثورة على العولمة المتوحشة التي تسعى الى السيطرة على مقدرات العالم ومجريات أموره، عولمة آثمة في جزء بالغ منها، عمادها الشركات المتجاوزة للجنسيات والتي أضحت ولا شك المهيمن الرئيسي على صناعة القرار العالمي اليوم، وفي ذات الوقت تقلصت قدرات وظائفها وسطت على أكثر اختصاصاتها.
«ان الشيء الوحيد الذي يجمعنا هو أننا نشكل 99% من الشعب الذي لم يعد يتغاضى عن جشع وفساد الـ1% المتبقي».. بهذه الكلمات أطلق آلاف الغاضبين من الأمريكيين حملة 'احتلوا وول ستريت' احتجاجا على النظام المالي في امريكا الذي يقولون انه يصب لصالح الأغنياء على حساب المواطنين العاديين».
وكمثل الحركات الثورية الاخيرة التي شهدتها عواصم عربية، وعرفت باسم الربيع العربي، فإن الغاضبين على الأوضاع المالية المتردية، قد نجحوا في استخدام وسائل الاتصال الالكترونية الحديثة، مثل التويتر والفيسبوك ورسائل الهواتف الجوالة في سبيل حشد الجماهير لأيام «الاندنياتي» والتي تعني رفض امتهان الكرامة الإنسانية التي تسببت فيها المنظومة الرأسمالية في العالم الغربي.
والشاهد أنه منذ السابع عشر من سبتمبر الماضي أصبح المركز المالي الأمريكي، وأشهر مركز مالي في العالم، مسرحاً للتظاهرات اليومية، وقد بدأت هذه التظاهرات على نطاق محدود، واقتصر أمر الاهتمام الإعلامي بها على صفحات التواصل الاجتماعي، ثم تطورت لتصبح محط الاهتمام الإعلامي دوليا، وذلك بسبب التصدي العنيف لها من قبل الأجهزة الأمنية في مدينة نيويورك.
وعلامة الاستفهام إزاء هذا المشهد.. ما الذي يطالب به هذا الشباب الثائر، وغالبيته من حملة الشهادات العلمية العالية الذين أعربوا عن خديعتهم من نظم بلادهم الاقتصادية الرأسمالية ؟
تتلخص مطالب المتظاهرين في تقليص ادوار الشركات المتعددة الجنسيات والمصارف الاستثمارية الكبرى التي اتهموها بالسطو على ممتلكات الأمريكيين بمساعدة الإدارة الامريكية، التي فضلت مساعدة الشركات المأزومة منها على حساب الاهتمام بمعدلات الأيدي العاملة والدخل العائلي.
وقد شنت الحركة هجوما على سياسات الولايات المتحدة الخارجية وتحديدا في العراق وأفغانستان.
ويختصر البيان الذي أعلن تأسيس المجموعة أهدافها في كلمات قليلة «نحن مئات من مختلف النقابات والجامعات غير المسيسين لا نحدد لعضويتنا عرقا أو دينا أو لونا.. نحن 99% من الأمريكيين نحتج على سطوة الواحد في المائة الباقي، الذي نهب مواردنا».
في تظاهرات نيويورك كان واضح قدر الغضب الشعبي من خلال اللافتات التي رفعت وكتب عليها «لنضع حدا للبنك المركزي»، و«عندما يسرق الأغنياء الفقراء يسمون ذلك أعمالا، وعندما يدافع الفقراء عن أنفسهم يسمون ذلك عنفا»، «فلنقض على جشع وول ستريت قبل ان تقضي على العالم». ورددوا وهم يسيرون في الشوارع الضيقة في حي الأعمال الذي يشكل رمزا للنظام المالي الأمريكي هتافات «أنقذوا جمهوريتنا» و«مساواة ديمقراطية ثورة «، ونحن 99%.
ولعل ما يلفت النظر في مشاهد حركة 'احتلوا وول ستريت' وطريقة تعاطي الحكومة الامريكية معها والإعلام الأمريكي ثلاثة مشاهد، الأول يتعلق بالرئيس الأمريكي والبراجماتية السياسية الامريكية المعهودة، والثاني بالشرطة الامريكية وعنفها اما الثالث فيدور في سياق الازدواجية الأخلاقية للإعلام الأمريكي.... ماذا عن ما تقدم؟.
بداية نرى الرئيس اوباما يحاول قدر الاستطاعة الاستفادة من تبعات الحركة من اجل زخم معركته الانتخابية الرئاسية القادمة، ولهذا يلقي باللوم وتبعات ما يجري على عاتق الجمهوريين، فنراه يتحدث عبر مؤتمر صحفي بالقول: «إن تحرك احتلال وول ستريت يعبر عن إحباط الشعب الأمريكي من طريقة عمل النظام المالي، ويضيف: ان هناك غضبا عاما لان أولئك الذين ساعدوا في إحداث الازمة المالية يقاومون الآن الجهود الرامية لكبح الممارسات الخاطئة ويوجه حديثه الى جموع الشباب الثائر محاولا تحقيق مكسب دعائي عندهم قائلا: «ما زلتم ترون بعض هؤلاء – يقصد الجمهوريين – الذين تصرفوا بطريقة غير مسؤولة، يحاولون مقاومة الجهود من اجل اتخاذ إجراءات حازمة لتنظيم القطاع المالي، وهنا يمكن للمحلل للشأن الأمريكي ان يقرأ علاقة جدلية ما بين مشهد حركة «احتلوا وول ستريت»، واقتراب موعد انتخابات الرئاسة في الولايات المتحدة، وهي تمثل أكثر من مجرد امتعاض، أضف الى ذلك ما تواجهه أمريكا من أزمة مالية يكللها عجز كبير في الموازنة، ألقى بظلاله على خدمات القطاع العالم، وقفز بمعدلات البطالة الى سقف 9%.
هل انطلت هذه الألاعيب السياسية على الشباب الأمريكي الثائر؟
قطعا لا، وعند غالبيتهم ان اوباما لا يقف في صفنا، انه الإصدار الثاني من جورج بوش، وهذا تجلى في تصريحات احد الشباب لوكالة رويترز التي قال فيها: «ان اقتصاد البلاد مصاب في مقتل ولذلك يرى غالبية المحتجين انه ان لم يترك الناس أرائكهم لن يتغير شيء، مضيفا ان القلة التي تمتلك المال اشترت القيادة المنتخبة ديمقراطيا».

المشهد الثاني في تحليل ما جرى وما يجري لا يزال في نيويورك، هو العنف المستخدم تجاه المتظاهرين، وفي غالبه عنف غير مبرر، وهي الدولة التي اعتادت ان تدين وبشكل دوري أي اعتداءات على المتظاهرين السلميين في أي دولة حول العالم، وقد كان العنف على جسر بروكلين واضحا جدا، وقد قال احد المتظاهرين، في إشارة الى تعمد قوات الشرطة الفرز بين المتظاهرين على أساس عرقي ان «رجال الشرطة بدؤوا بانتقاء الأشخاص الواقفين في الصفوف الأمامية، أي متظاهرين من ذوي البشرة السمراء أو البنية، كان يرمى على الأرض فورا، والتحفظ عليه» هل يكشف هذا التعامل الازدواجية الامريكية المعهودة من جديد ؟

في حقيقة الامر ان المشهد الثالث والمتعلق بطريقة تغطية الاعلام الامريكي للاحتجاجات الشعبية يرسخ المقولة المشهودة «ان امريكا دولة تكيل دوما وابدا بمكيالين».

والشاهد اننا كنا نظن ان الامر ينسحب فقط على السياسات والشؤون الخارجية لكنه تأكد انه ينسحب كذلك على كل ما هو داخلي مثير.

فالذي جرى هو ان حملة «احتلوا وول ستريت» لم تحظ باهتمام إعلامي أمريكي داخلي بشكل يتناسب وقدر الاحتجاجات، لكن ذلك لم يحدث، هذا الأمر دعا الى علامات استفهام ملؤها الاستهجان وأثار غبارها الإعلامي الكبير «كيث اولدمان» صاحب البرنامج الشهير «العد التنازلي مع كيث»، الذي يعرض على شبكة MSNBC منتقدا تجاهل كبرى وكالات الأنباء والصحف في نيويورك للتظاهرات خلال أيامها الأولى كما نظر بتشكك لبعض التغطيات، كتغطية صحيفة الاوبزرفر التي وصفها بأنها «قطعة من الحماقة»، وقال: رغم المسيرات والصراخ وبعض الاعتقالات، اقتصرت تغطية الصحف في الأيام الأولى من الاحتجاجات على مجرد إشارة نقدية في إحدى صحف مانهاتن، وعمود في صحيفة «تورنتو ستار» الكندية.

اما الفضيحة الإعلامية الكبرى، فقد جرت من قبل المسؤولين عن موقع «ياهو» فقد حجب هؤلاء أي رسالة الكترونية قادمة من موقع حملة «احتلوا وول ستريت: وقد اعترف ياهو بذلك، حينما تقدم باعتذار، زاعما ان الحجب كان خطأ تقنيا غير متعمد تم إصلاحه، لكنه نوه الى احتمال حصول بعض التأخير في استلام الرسائل.. هل من معنى في هذا الإطار؟.

حتما ان هذه التعمية مقصودة من قبل القائمين على وسائل الإعلام التي هدفها الأول خدمة المصالح الرأسمالية الكبرى في امريكا، اما يهم الآلاف الذين خرجوا الى الشوارع، ومن خلفهم الملايين الجالسين على الأرائك فهولاء هم بقية الـ99% الذين لا تقيم لهم المنظومة الرأسمالية المتوحشة حسابا.

هل تأتي حركة احتلوا وول ستريت لتشكل بداية مغايرة لفكر اقتصادي مختلف يسود العالم، كما كان سقوط برلين إيذانا بانبلاج فجر ما أطلق عليه النظام العالمي الجديد، والذي هو في حقيقة الأمر «اللانظام العالمي»؟.

في كتابه الأخير والثري «ثورة مصر» يتحدث المفكر الاقتصادي العالمي د. سمير أمين عن الخروج من أزمة الرأسمالية، وكيف ان الاوليجاركيات المسيطرة على نظام الرأسمالية المعاصرة تعمل على إعادة الأوضاع لما كانت عليه قبل الازمة المالية في عام 2008، وهي تحتاج في هذا السبيل الى إقناع الشعوب بالتوافق حول هذا الشأن، وبما لا يتعارض مع سلطاتها العليا، وليس لديها مانع من إبداء بعض التنازلات اللفظية، فيما يتعلق بالتحديات البيئية.

ومعنى كلام المفكر الكبير هو ان هنالك فريقا من أساطين المال والعسكرية والامبريالية يريد للأوضاع ان تمضي على ما كانت عليه، وهذا يطرح سؤالا أهم: هل ستفشل تلك الحركات في تغيير الواقع الذي يدفع ضريبته الفقراء ورقيقو الحال عبر سياسات التقشف التي تصب في نهاية الأمر في جيوب الأغنياء وتحرم الفقراء من فرص الحياة الكريمة الإنسانية؟.

يمكن ان يطرح السؤال بصورة معاكسة فنقول: «هل ستفرض الشعوب استراتيجية الخروج من الرأسمالية المتأزمة بدلا من استراتيجية الخروج من الازمة التي تتبناها السلطات؟.

قبل الجواب ربما تلزمنا الموضوعية ان نتوقف ولو قليلا مع السطور التي كتبها مؤخرا عالم الاقتصاد الامريكي الشهير جوزيف ستيجليتز، صاحب نوبل الشهير، إذ يقول: قبل بضعة أعوام فقط كانت إحدى الإيديولوجيات القوية، الاعتقاد في قوامة الأسواق الحرة غير المقيدة سببا في دفع العالم الى حافة الهوية. وحتى عندما كانت في أوج قوتها منذ أوائل ثمانينات القرن العشرين، وحتى عام 2007 لم تجلب الرأسمالية المتحررة من القيود على الطريقة الامريكية، المزيد من الرفاهية المادية، إلا لأغنى الأغنياء في أغنى بلد في العالم، بل ان اغلب الأمريكيين لم يشهدوا على مدى ثلاثين عاما من صعود هذه الإيديولوجية غير الانحدار أو الركود في دخولهم العام تلو الآخر.. هل من درس فات على الأمريكيين خاصة وعموم الرأسماليين عامة تعلمه.

انه الحاجة الى قدر أعظم من المساواة، وقيود تنظيمية أكثر أحكاما وقوة، وتوازنا أفضل بين السوق والحكومة ولكن للأسف، لم يحدث ذلك. بل وعلى العكس من ذلك تماما كان ظهور اقتصاد جناح اليمين من جديد، مدفوعا كما هي حاله دوما بالإيديولوجية والمصالح الخاصة، تهديدا جديدا للاقتصاد العالمي، أو على الأقل الاقتصاد في أوروبا وأمريكا حيث لا تزال هذه الأفكار مزدهرة.

وعودة إلى السؤال المتقدم ومن سيرغم الآخر الشعوب ام السلطات، والجواب في رأي رئيس منتدى العالم الثالث في السنغال الاقتصادي الفرنسي المصري الأصل د. سمير آمين ان المنظرين الذين يعملون في خدمة السلطات يغرقون في تهويمات بلا مخرج حول العالم بعد الازمة ووكالة المخابرات المركزية الامريكية لا تتصور إلا إعادة الأوضاع السابقة مع إعطاء الأسواق البازغة دورا اكبر في العولمة الليبرالية على حساب أوروبا، وليس الولايات المتحدة، وهي لا تتصور أبدا ان الازمة ستتفاقم وتتعمق.

والخلاصة انه ما من انتصار إلا عبر صراع دولي اجتماعي يقود لتحقيق مكاسب اقتصادية إنسانية عن طريق التشارك الفعال في خيرات الأرض وإلا فإن نموذج التمييز العنصري العرقي سيضحى أنموذجا اقتصاديا عالميا وفي هذا كارثة كبرى للإنسانية كلها .
http://www.alaan.cc/pagedetails.asp?nid=86753&cid=76
لو إن كل إنسان زرع بذرة مثمرة لكانت البشرية بألف خير