حميد الهاشمي في كتابه «الأرمن العراقيون: التاريخ ـ الثقافة ـ الهوية»

بدء بواسطة برطلي دوت نت, أكتوبر 15, 2016, 11:40:18 صباحاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

حميد الهاشمي في كتابه «الأرمن العراقيون: التاريخ ـ الثقافة ـ الهوية»   

      
برطلي . نت / متابعة

عنكاوا دوت كوم/القدس العربي /صادق الطائي

(الأرمن العراقيون: التاريخ، الثقافة، الهوية) كتاب جديد في مجال أنثروبولوجيا الأقليات في العراق صدر حديثاً  للمؤلف د. حميد الهاشمي الذي أهدى كتابه إلى أرواح ضحايا مجازر إبادة وتهجير الأرمن عام 1915.
يبين الدكتور الهاشمي في كتابه الجديد علاقته او معرفته بالاقلية الارمنية في العراق قائلاً؛ شَغَلَني موضوع الأقليات بمعناها (الإحصائي) والثقافي في العراق مُذ دخلت دراسة تخصص علم الاجتماع بجامعة بغداد عام 1986، وقد بهرتني مدينة بغداد بتنوعها الإثني والديني والمذهبي والثقافي بصورة عامة، كان الأرمن العراقيون أحد الأسئلة التي شغلتني كلما مررت بجوار (كنيسة مريم العذراء للأرمن اللاتين) في ساحة الميدان خاصة. تَجَرّأتُ ذاتَ يوم من عام 1986 واصطحبت زميلي وصديقي رباح الهيتي لندخل إلى الكنيسة، لنرى، لنسمع، لنطلع، لنسأل، لنعرف؟
وهكذا دخلنا الكنيسة، وأبلغناهم بأن غرضنا هو الاطلاع والتعرف مباشرة على طقوسهم، خاصة في يوم يكثر فيه المتعبدون فيها، فرحبوا بنا، ودخلنا دون الحاجة إلى مرافقة أحد منهم. وفي مدخل الكنيسة كانت تقف سيدة متقدمة في السن تقريباً، تضع طوقاً على رقبة الداخل إليها بيدها للحظات، يَطلب خلالها تحقيق أمنية من ربّه في سره، داعية له بالتحقق. ثم يشعل شمعة على جانب من رواق الكنيسة. وهي خطوة اختيارية بإمكان الزائر رفضها، ولكننا أديناها بكل صدق وقضينا بعض الوقت في الإطلاع ومشاهدة بعض طقوس الصلاة والعبادة للزائرين. ثم أخذنا نطوف بداخلها ونطالع الأيقونات واللوحات والقناديل الزيتية المعلقة على جدرانها. نسأل السيدة الفاضلة فتجيبنا على أسئلتنا بكل رحابة صدر.
في طريقنا للخروج من صالة الكنيسة صادفتنا سيدة تبدو من مظهرها وملابسها (سيما العباءة السوداء) أنها مسلمة، دخلت وأشعلت الشمعة ودعت بصوتٍ عالٍ ما مضمونه: ايتها السيدة العذراء (مريم)، اريدك أن تحفظي إبني الموجود في الجبهة (جبهة الحرب ضد ايران وقتها)...الخ.  وبطبيعة الحال، كانت مثل هذه الأمور شائعة جداً لدى العراقيين من مختلف الأديان والمذاهب، بحيث يعكس ما يمكن وصفه كنوع من التضامن والاعتماد المتبادل بينهم حتى في الجوانب الروحية.
في السنوات اللاحقة وتحديداً خلال أعوام 2000-2003 وخلال وجود د. حميد الهاشمي في معسكر اللجوء بهولندا وفي ضاحية كرمبن آندن آيسل المجاورة لمدينة روتردام، تعرف إلى عدد من الأسر والأشخاص من الأرمن العراقيين المهاجرين، وطرح على بعضهم فكرة إجراء البحث، فكانت استجابتهم ودعمهم مشجعين جداً. وقد توطدت علاقته بهم واستمرت طوال سنوات إقامته المؤقتة في هولندا حتى غادرها عام 2007. لقد ساهمت مساندتهم للدكتور الهاشمي بالحصول على البيانات التي دعمت الدراسة سواء من خلال المعلومات المباشرة أو الاستجابة للاستبيان الذي كان من متطلبات الدراسة أو تمريره (الاستبيان) إلى معارفهم وأصدقائهم.
قدم الدكتور حميد الهاشمي كتابه كإجابة عن اسئلة عدة تمحور حولها العمل النظري والميداني قائلاً: نتيجة الغياب شبه التامٍ عن تناول الارمن العراقيين من قبل الباحثين والدارسين في مُختلف مجالات العلوم الإنسانية قد يُصَوّرُ على أنهم يعيشون في الظل أو على هامش الحياة العراقية. كما قد يعطي ذلك انطباعاً عن انغلاقهم، لكن هذا يتبدّدُ بمجرد أن يخوضَ الباحثُ في التقصي عنهم، فهل هناك المزيد حول الأرمن، من ناحية جذور تواجدهم في العراق؟ وصلتهم بأرمينيا البلد الأم للأرمن؟ وحجم تواجدهم في البلاد العربية؟ وما السمات والخصائص الاجتماعية والثقافية لطابع حياتهم في العراق، بما في ذلك عادات الزواج؟ وما دورهم في تطوّر الحياة العامة العراقية على أمد وجودهم في العراق؟ هل هناك صراعٌ في مسألة تحديد الهوية الاجتماعية بالنسبة لهم؟ هذه الأسئلة هي مادة البحث الذي تناولته الدراسة.
ينقسم البحث إلى ثلاثة أقسام مفترضة هي (التاريخ، والثقافة، والهوية)، حيث تتوزع فصول ومباحث الكتاب وفقها. ومن جانب آخر، فإن القارئ سيجد البحث ينتظم في جانبين، نظري وآخر عملي أو (ميداني) لناحية العمل المنهجي وتقنيات جمع البيانات .
المدخل التعريفي تضمنه الفصل الأول الذي قدم تعريفاً بالأرمن وتوزيع أعدادهم في العالم، والتهجير والإبادة التي مورست ضدهم. أما الفصل الثاني، فقد بحث في (الأرمن والعرب) حيث يركز على العلاقات عبر التاريخ بإيجاز، وتوزيع الأرمن في البلاد العربية. في حين أن الفصل الثالث قد ركز على الأرمن في العراق من ناحية الجذور التاريخية لتواجدهم، وإحصاءات وتقديرات أعدادهم.
اما الباب الثاني من البحث فقد تمثل في دراسة  ثقافة الارمن والتي تناولها  الفصل الرابع عناصر الثقافة، وتركز البحث حول الصلات مع البلد الام (أرمينيا) ، من خلال التركيز على استمرار تعلم اللغة الأرمنية، والكنيسة الأرمنية ومذاهب الأرمن المسيحيين العراقيين وكنائسهم بضمن ذلك توزيعها في العراق. أما القسم المتعلق بالهوية فقد تم تناولها في الفصل الخامس من الكتاب الذي تناول المؤسسات الاجتماعية والتعليمية والثقافية، والعمل السياسي، والشخصيات الأرمنية العراقية البارزة.
كما بحث  الفصل السادس عادات الزواج لدى الأرمن وفق دراسة ميدانية، حيث تتبع عادات الزواج من الخطبة إلى مراسم العرس مروراً بعقد القِران. وتناول موضوع إشكالية الهوية الاجتماعية لدى الأرمن في العراق عامة والمهاجرين منهم خاصة، وآليات سعيهم للحفاظ عليها، مفترضاً مبدئياً نوعاً من صراع الهوية تتعرض له الثقافات الفرعية بصورة عامة، سواء كانت اثنية، أو هويات ثقافية فرعية، كذلك يبحث في احتمالات وأوجه تهديد تلك الهوية. إلى أي مدى يصارع الأرمن من أجل الحفاظ على هويتهم الاجتماعية، بأبعادها الثقافية والإثنية العرقية، وينقسم العمل إلى بيانات ديموغرافية عامة لعينة البحث الميداني، وتقصي الهوية الاجتماعية، واللغة والهوية، والاندماج الاجتماعي، والثقافة الشعبية، ومن ثم يختتم بنتائج البحث الميداني.
يعتمد هذا المبحث الهوية الاجتماعية كإطار نظري ومفاهيمي يهتم بهذا الجانب الاجتماعي والثقافي الهام. ويخلص الباحث خلال الكتاب الى أن الأرمن العراقيين كانوا ومازالوا حريصين على الحفاظ على ثقافتهم وهويتهم الاثنية والعرقية، ومن الاساليب التي يتبعونها هي: إشاعة التحدث بللغة الأرمنية في أوساطهم وتعليمها للأجيال الحديثة باستمرار، والزواج الداخلي، وادامة الصلات بدولة أرمينيا، باعتبارها مرجعية دينية وقومية لهم. علما أن هذا الأساليب لم تخل بوطنيتهم وانتمائهم للعراق كما دلت الشواهد التاريخية ونتائج البحث وان اظهرت نوعاً من صراع الهوية خصوصاً لدى المهاجرين منهم.
ويُعد الأرمن أحد المكونات الاثنية التي يتشكل منها الطيف العراقي، ولا يُعرف عن الأرمن في العراق كثيراً سوى أنهم مسيحيون، أو ينسبون أحياناً إلى أرمينيا بالأصل. ولدى بعض الباحثين يُذكر أن سَبَبَ قدومهم الرئيسي هو المجازر التي حدثت ضد الأرمن في الدولة العثمانية في أواخر عهدها، وبالتالي هجرة قسم كبير منهم إلى بلاد الشام والعراق ومصر. ولكن الثابت والمعروف عن الأرمن في العراق بصورة عامة، أنهم حريصون على الحفاظ على كيانهم العرقي والثقافي الأرمني، وأنهم مسالمون إلى حدٍ كبيرٍ وبعيدون عن إقحام أنفسهم في الصراعات والاستقطابات السياسية.

مجازر الأرمن

وقد تحدث د. حميد الهاشمي عما عرف تاريخياً بالمجازر ضد الأرمن، فأشار الى ان الروايات الأرمنية أو تلك المتعاطفة معها تتفق في غالبها على أن قادة الحكومة التركية قد وضعوا في بالهم في عام 1915 خطة تهجير وإبادة الأرمن الذين يعيشون في الإمبراطورية العثمانية. وتشير التقارير إلى أنه كان يعيش في الإمبراطورية العثمانية وقتها حوالي مليوني أرمني. وفي بدايات عقد العشرينات من القرن العشرين توفي منهم حوالي مليون ونصف مليون. وأن أعداداً أخرى قد هُجّرت. ويتفق أغلب المؤرخين اليوم على أن ما حدث هو عمليات إبادة خُطط لها ونفذت. وبرغم ضغط الجهات الأرمنية ودعاة العدالة إلّا أن الحكومة التركية لازالت تنكر ذلك وتعتبر التصريح فيها جريمة داخل تركيا، ومن جهتها الجهات التركية الرسمية والشعبية بصورة عامة تنكر هذه الإبادة رغم الصور والشواهد البشعة لتلك المذابح وهتك الأعراض وما إلى ذلك.
وختم الدكتور حميد الهاشمي الأمسية بالقول: لقد بينت لنا المعطيات والأدبيات المتعلقة بالوجود الأرمني في العراق امتداداً عميقاً في التاريخ، وتواشجاً قوياً من العلاقة بين الأرمن والعرب من جهة وكذا بين الأرمن والأكراد من جهة أخرى. وقد زادت هذه الوشائج والعلاقات الحميمة قوة بعد ما تعرض له الأرمن من عمليات إبادة في أواخر زمن الدولة العثمانية، وما نجم عنه من عمليات تهجير قسري أو هروب باتجاه المناطق العربية والكردية، واحتضان هؤلاء للمنكوبين، والتعاطف الذي لقوه، ومن ثم الولاء والعمل الجاد المخلص من قبل الأرمن لهذه الأوطان قد أكسبهم ثقة الآخرين، ورفع من منزلاتهم.
ويتضح جليّاً ما قدمه ويقدمه أبناء القومية الأرمنية من مساهمات في البلدان العربية التي يعيشون فيها. وهكذا اطلعنا على تلك المساهمات والمشتركات الواسعة التي تدلل على انتمائهم واخلاصهم رغم حفاظهم على عموم عناصر ثقافتهم وهويتهم الفرعية. إن عنصري التفرد في الهوية الرئيسيين (اللغة والدين/ المذهب) جعلتا من الأرمن في عموم العالم يرتبطون بالبلد الأم أرمينيا، وجعلها بمثابة (قبلتهم)، وهذا شيء طبيعي حيث يشعرهم بالقوة والتوحد، سيما مع استمرار استعادة ذكريات فاجعة الأرمن في الدولة العثمانية 1915.
وفقاً لظروف الأرمن (خارج أرمينيا)، وفي الواقع العراقي مثلاً، فمن البديهي أن يكون هناك نوعٌ من صراع الهوية، وهذا ما كشفت عنه الدراسة. وإن هذا الصراع لا يعيب على الشخص الأرمني، فهذا نتاج طبيعي لكل شخص يوضع بظروفهم وخصائصهم الثقافية والأثنية نفسها، بحيث يمكن أن ينطبق على أي شخص ينتمي إلى أقلية أثنية أو ثقافة فرعية مشابهة. وهذا لا ينتقص من إنساهية ووطنية هؤلاء.
ونحن إذ نختم بحثنا هذا حول الأرمن العراقيين، لا يسعنا إلّا أن نؤكد على حق الهويات الفرعية المتمثلة بالأقليات الأثنية والدينية والمذهبية في العراق بممارسة حقوقها الثقافية والانسانية بصورة عامة. كذلك، فإن حماية أرواح أبنائها وإرثهم الثقافي ومعتقداتهم واجب على الدولة العراقية ومؤسساتها الحكومية والمدنية بل حتى المواطن العادي معني بالدفاع عن حقوق هؤلاء والوقوف بوجه التطرف أي يكن مصدره.

حميد الهاشمي «الأرمن العراقيون: التاريخ ـ الثقافة ـ الهوية»
دار روزنامة للنشر، جنيف ـ القاهرة 2016
228 صفحة