مشــــاكسة (الســـــيدة) . . . . . المســـــــؤول/ مال اللـــــه فــــــرج

بدء بواسطة برطلي دوت نت, يونيو 08, 2016, 03:52:59 مسائاً

« قبل - بعد »

0 الأعضاء و 1 زائر يشاهدون هذا الموضوع.

برطلي دوت نت

مشــــاكسة

(الســـــيدة) . . . . . المســـــــؤول
     


   
برطلي . نت / بريد الموقع
 
مال اللـــــه فــــــرج
Malalah_faraj@yahoo.com



كان رئيس تحرير الصحيفة التي كنا نعمل فيها نهاية الثمانينيات طيباً، وبسيطاً حد السذاجة، وكثيراً ما كان يتخذ قرارات انضباطية وعقابية غير عادلة في ضوء وشاية، أو معلومات غير دقيقة، ليعود ويلغيها بعد دقائق. كما كان يحب المديح والاشادة بمميزاته الشخصية وبكتاباته كثيراً، حتى لو كان مصدر الاشادة منافقاً، وتلك كانت احدى نقاط ضعفه التي استغلها العاملون إلى أبعد الحدود، وكثيرا ماكانت مصدر تندرهم.
في صبيحة احد الايام، بينما كنا في مكتبه كالعادة لمناقشة عدد الصحيفة لذلك اليوم وتأشير الملاحظات والاقتراحات وتبادل آخر النوادر، قطع جرس الهاتف موجة ضحكنا الصاخبة حيث كان على الجهة الاخرى من الخط مسؤول امني كبير راح  ينبه بلهجة حادة اقرب الى التوبيخ رئيس التحرير الى خطأ مطبعي (فـــادح) ظهر في صفحة المحليات في عدد صحيفتنا لذلك اليوم، وفي ضوء ذلك الخطأ تحول مسؤول قيادي رفيع من (ســـيد) الى (ســـيدة) في عنوان الخبر الرئيس المتعلق به.
ما أن وضع رئيس التحرير (رحمه الله) سماعة الهاتف حتى بدأ الشرر يتطاير من عينيه صارخا بفراشه الخاص:(إئتني الآن بـمسؤول المحليات فورا).
في خضم ذلك، تسلل احد زملائنا مسرعا نحو زميلنا (ابــي فـــرح)، مسؤول المحليات ليخبره بالتفاصيل حتى لا يفاجأ، ويحتاط للامر جيداً، في حين كنا نحاول تهدئة رئيس التحرير بشتى الطرق، متذرعين باعذار كثيرة، منها ان لا عمل دون اخطاء، وان بقية الصحف كثيراً ما تخطئ، وان الخطأ المطبعي الذي حول ذلك المسؤول القيادي الى (ســـيدة) خير من ان يمس احد اعضاء القيادة القومية ام القطرية للحزب، أو (الرئيس القائد). عندها، ربما، لن يتمكن احد من معرفة مصير بعضنا، لأن الامر كان سيفسر على أنه (محاولــة اجراميــة، وربمــا تآمريــة مقصــودة للنيــل مــن هيبــة قـــادة البــــلاد).
وسط تلك التبريرات، فتح الباب فجأة، واذا بزميلنا (ابــي فــرح) يتوجه مسرعا نحو رئيس التحرير الغاضب كانه أحد الصواريخ  عابرة القارات الذكية الموجهة بدقة نحو احد اهدافها الستراتيجية الثابتة، وقبل ان يتيح له فرصة التفوه  بكلمة واحدة، احتضنه بشدة كما يحتضن العاشق الولهان حبيبته بعد طول فراق، وانحنى عليه وسط ذهولنا، ممطرا اياه بقبلات ساخنة وهو يهنئه قائلاً: (ألــف ألــف مبـــروك اســتاذ.. واللـــه فرحــت لك مــن كـــل قلبـــي ، تســتاهل واللـــه تستاهــــل).
ذهل رئيس التحرير من وقع المفاجأة، بينما عقدت الدهشة ألسنتنا وبصعوبة ممزوجة بالاستغراب والدهشة معاً، سأله رئيس التحرير:
(لمــاذا هـــذه التهنئـــة وعلــى مــــاذا)؟ اجابه (ابـــو فــرح) بهدوء وثقة، وكأنه يقرر امراً مهماً وكبيراً: ( اليــوم كنــت فـــي الــــوزارة، والتقيــت صدفـــة بالســـيد الوكيـــل، الــــذي أبـــدى اعجابـــه الشـــديد بالافتتاحيـــة التي كتبتهـــا حضرتـــك والمنشــــورة اليـــوم بالجريـــدة، وهمــس لــي، اعتقـــد ان هنـــالك تكريمـــاً خاصـــاً مـــن الرئاســة لرئيـــس تحريركــــم).
ذهل رئيس التحرير، واخذته النشوة بما سمع، وفتح عدد الجريدة امامه بسرعة، وراح يقرأ الافتتاحية بعمق، ويهز رأسه موافقاً، ومعجباً بما جاء فيها في الوقت الذي نعلم فيه جميعاً، ان افتتاحيات الصحيفة يكتبها دائماً أحد زملائنا، ولا دخل لرئيس التحرير بها لا من قريب ولا من بعيد.
ما أن انتهى رئيس التحرير من قراءة الافتتاحية حتى تابع زميلنا (ابـــو فــــرح)، فصول مسرحيته العجيبة قائلا: (اســـتاذ، إن شـــاء اللـــه التكريـــم ســـيكون ســـيارة، وانــت تســـتحقها.. اجـــل واللــــه تستحقهــــا).
وفيما كان رئيس التحرير غارقاً في احلام التكريم بالسيارة التي ربما تكون في طريقها اليه، كان (ابـــو فـــرح) يغمز لنا فاتحا ابواباً اخرى للنقاش، حول ذوق رئيس التحرير الرفيع، واعجابه باناقته المفرطة، وفي اختياراته الرائعة لاربطة عنقه ولعطوره الفرنسية ، وتمادى إلى أبعد من ذلك، عندما نهض من مكانه، ووضع انفه قرب وجه رئيس التحرير ليشم عطره عن قرب، فيما كان رئيس التحرير مزهواً بذلك المديح، وقد نسي تماماً، سبب استدعاء ( ابـــو فــــرح) والخطأ المطبعي، والعقوبة الشديدة التي كان يلوح بها قبل دقائق، بل انه ونزولاً عند الحاح الزميل (أبــي فـــرح) فتح درج مكتبه، واخرج قنينة عطره، ومنح كل واحدٍ منا رشة على راحة يده لنتأكد من جودتها، ثم أهداها (لابـــي فــــرح) وسط دهشتنا، وعجبنا من العبقرية المسرحية لزميلنا (ابـــو فــــرح) التي نجح عبر احداثها السريعة الذكية في تحويل (العقوبــــة) الى (هديــــة).
ولعل رئيس التحرير كان في تلك اللحظة وهو غارق في احلام اليقظة، يحدث نفسه (ماالـــذي يهمنـــي اذا تحـــول جميـــع المســؤولين مـــن ســـادة الـــى ســـيدات ما دمــت ســاحصل علـــى واحـــدة مــن احـــدث الســــيارات ؟؟؟).

 

متي اسو

هذا الحدث البسيط يصوّر ببراعة عقلية " الشرقي " المنغلقة .
السيد المسؤول شعر بإهانة لا تُغتفر لأن هناك " خطأ مطبعي " وصفه بمخلوقة ناقصة عقل ودين وهي " السيدة " ... فتحوّل من عنتر ذكوري الى " حُرمة " !!! .
يا للمأساة ونحن نعلم جيدا ان هناك الكثير من " السيدات " افضل من هؤلاء " السادة " .
رغم بساطة القضية ، لكنها تُجيب بقوة على السؤال : لماذا نحن على هذه الحالة ؟
او... او .. ربما هي مؤامرة الغرب والصهيونية التي تستهدف اذهاننا .